هل تتدخل الدول في تنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي؟
فرع بنغازي

تعريف مفهوم تدخل الدول في تنظيم مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن الإجراءات والتشريعات التي تقوم الحكومات بتطبيقها من أجل السيطرة أو الإشراف على الأنشطة والمحتوى المتواجد على منصات التواصل الاجتماعي. هذا التدخل قد يأتي في شكل قوانين تُطبق محليًا أو اتفاقيات دولية تهدف إلى تنظيم تداول المعلومات على الإنترنت.

دوافع تدخل الدول في التنظيم تتراوح بين الرغبة في حماية الأمن القومي ومكافحة الجرائم الإلكترونية، إلى الحفاظ على النظام العام وضمان احترام القوانين المحلية والدولية، وحماية حقوق الملكية الفكرية والخصوصية.

على الرغم من تزايد أهمية وسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم في السنوات الأخيرة، باعتبارها وسيلة سهلة للتواصل وتبادل الخبرات ونشر الأخبار والتفاعل معها، فإنها باتت تُمثِّل، في الكثير من الأحيان، ملجأ للجماعات المتطرفة والإرهابية لنشر أفكارهم، ووسيلة لجماعات الجريمة المُنظَّمة والاتجار بالمخدرات لتسهيل ممارسة أنشطتهم، وعليه، بدأت الأصوات تتعالى بضرورة تدخُّل الحكومات للحفاظ على الأمن العام عن طريق فرض المزيد من الرقابة على عمل تلك المنصات، والاستفادة مما تُوفِّره من معلومات مهمة في تعقب الشبكات الإجرامية بمختلف أنواعها.

وقد تلقت تلك الدعوات دفعة قوية، عقب اقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب في السادس من يناير 2021، وهو الحدث الذي غيَّر بدرجة أساسية العلاقة بين البيت الأبيض ووادي السيليكون؛ حيث جمَّد "تويتر" في الثامن من يناير 2021، حساب ترامب على منصته، وتبعه في هذا القرار عدد آخر من منصات التواصل الاجتماعي.

وفي نهاية شهر مارس 2021، ظهر المسؤولون التنفيذيون لعمالقة شركات التكنولوجيا "فيسبوك" و"تويتر" و"جوجل" أمام الكونجرس لأول مرة منذ أحداث الشغب التي شهدتها العاصمة الأمريكية في يناير 2021، مدافعين عن استراتيجيتهم الخاصة بالتنظيم الذاتي لمنصاتهم، بالرغم من تزايد الأخطار التي تنجُم عن التنظيم الذاتي لتلك المنصات.

مخاطر مستمرة

حسب الكثيرين، فإن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بقدر كبير في انتشار خطاب الكراهية، وقد تجلى هذا الأمر مؤخرًا في الولايات المتحدة، في ظل الاستقطاب السياسي الكبير، وانتشار نظريات المؤامرة، وما ترافق معها من دعوات واضحة للعنف.

ومن جانب آخر فإن العديد من الأنشطة غير المشروعة يتم تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى العديد من الشبكات الإجرامية، مثل شبكات غسيل الأموال، وتجار المخدرات، وشبكات الإتجار بالبشر وغيرها. ومن ثم، فإن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت منبرًا للتجارة والأنشطة غير المشروعة.

وفي ذات السياق، فقد فشلت وسائل التواصل في مواجهة الإرهاب والتطرف، وقد نشر فيسبوك مقالًا في يونيو 2017 بعنوان "الأسئلة الصعبة.. كيف نكافح الإرهاب؟". في هذه المقالة، كتبت مديرة إدارة السياسات العالمية في "فيسبوك" مونيكا بيكرت، ومديرة سياسة مكافحة الإرهاب "براين فيشمان"؛ أن المنصة تسعى إلى أن تكون "مكانًا عدائيًّا للإرهابيين"، مضيفتَيْن أن "فيسبوك" "سيعمل على إزالة العناصر الإرهابية، والمحتوى الداعم لها". وبالرغم من هذا التأكيد بمواجهة الإرهاب، فإن انتشار كثير من المواد المتطرفة على فيسبوك لا يشير إلى أن المنصة بذلت جهدًا كبيرًا في هذا الأمر.

كما أن من السهل إعادة فتح الحسابات التي يثبت تورطها في أحد الأعمال الإرهابية، أو خرقها قوانين المنصة بمجرد إغلاقها، بل إن من السهل أيضًا إنشاء حسابات مزيفة، والتعتيم على هوية القائمين على هذه الحسابات، واستخدام إعدادات التطبيق للتخفي العام.. ويؤكد كل هذا فشل "فيسبوك" في مواجهة الإرهاب والتطرف.

مكاسب محتملة

بالنظر إلى أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشارها الواسع على مستوى العالم، بين جميع الفئات، فإن هناك العديد من المكاسب الأمنية لتلك المنصات في تتبع وضبط العناصر الإجرامية؛ فبالرغم من أن منصات التواصل الاجتماعي تتحمل بعض المسؤولية عن انتشار خطاب الكراهية والترويج للعنف، التي يُعَد اقتحامُ مبنى الكابيتول أشهرَها؛ فإن تلك المنصات أثبتت أيضًا أنه جزء لا يتجزأ من جهود ملاحقة المتورطين في هذه الهجمات، وإثبات التهم الموجهة إليهم؛ فلقد تعرَّف المستخدمون الأفراد إلى مثيري الشغب عبر هذه المنصات. ويقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة بالبحث عن أدلة جديدة في فيسبوك وتويتر يمكن أن تُدين المتهمين في تلك الأحداث.

من جانب آخر يعتبر نشر الشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية بعض المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، فرصة كبيرة قد تُمكِّن الأجهزة الأمنية من تتبع تحركات تلك الشبكات، وتحديد هوية أفرادها؛ ما يساعد في إجهاض مخططاتهم وضبطهم، تمهيدًا لمحاكمتهم.

مخاوف الخصوصية

بالرغم من المكاسب الأمنية الكبيرة التي ينطوي عليها تدخل الحكومات في الرقابة وضبط عمل وسائل التواصل الاجتماعي، والحد من التنظيم الذاتي للمنصات؛ فإن هناك العديد من المخاوف التي يثيرها البعض، ومنها انتهاك خصوصية المستخدمين، إذ تتردد شركات وسائل التواصل الاجتماعي في السماح لوكالات إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية بمراقبة بعض الحسابات النشطة في تلك المنصات؛ لأن هذا الأمر يمكن أن يثير ضجة عامة كبيرة، فيما يتعلق بانتهاك خصوصية المستخدمين، وهو الأمر الذي يتنافى مع رسالة تلك المنصات، ويُمكن أن يعرضها لكثير من الملاحقات.

علاوة على ذلك، يرى البعض أن السماح للدول والأجهزة الأمنية بالتدخل في عمل وسائل التواصل الاجتماعي؛ يفتح المجال أمام الدولة لمراقبة المعارضين السياسيين، وعدم الاقتصار على الشبكات الإجرامية والعناصر الإرهابية.

وفي المجمل، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ملحوظ، خطابات الكراهية، والدعوة إلى العنف والإرهاب، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الأنشطة غير المشروعة، التي فشلت منصات التواصل الاجتماعي في الحد منها؛ ما دفع البعض إلى الدعوة لتدخل الدول بقدر أكبر في الحد من التنظيم الذاتي لتلك المنصات، وبما يساهم في تحقيق الحماية المجتمعية؛ حيث لا تستطيع الدول في الوقت الحالي الوصول إلى بيانات المستخدمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا بأوامر قضائية، وهي عملية معقدة وتأخذ الكثير من الوقت. بيد أن شركات التواصل الاجتماعي تتخوف من استخدام الدول هذه الأمور ذريعةً لانتهاك خصوصية المستخدمين، والتجسس على المعارضين السياسيين، وهو ما يجعلها تتردد كثيرًا في قبول دعوات الحد من التنظيم الذاتي لمنصاتها.

 

 

المراجع:

(ب، ن)، 10.42021، هل تتدخل الدول في تنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي؟، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.

علاء رضوان، 29.5.2020، كيف تقاضى الدول مواقع التواصل الاجتماعي وفقا للقانون الدولي؟، موقع اليوم السابع.

 

المقالات الأخيرة