أفاق إنتقال الطاقة في أفريقيا
فرع بنغازي

يمكن لنظام الطاقة الذي يركز على الطاقة المتجددة أن يساعد في حل العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئية في إفريقيا. إن التحول العميق للطاقة ليس ممكناً فحسب، بل إنه ضروري لمستقبل آمن مناخياً يتم فيه الوفاء بامتيازات التنمية المستدامة. الطاقة المتجددة هي المفتاح للتغلب على فقر الطاقة، وتوفير خدمات الطاقة اللازمة دون الإضرار بصحة الإنسان أو النظم البيئية، وتمكين تحول الاقتصادات لدعم التنمية والتصنيع.

وقعت خطط إنتقال الطاقة في أفريقيا بمأزق، لا سيما أن القارة تضم أكبر معدلات عجز الوصول للكهرباء، رغم أن مستوى الطلب يأخذ منحنى صعوديًا.

وبينما يقتصر رصد الواقع الأفريقي على معاناة 570 مليون مواطن مع عجز الوصول إلى إمدادات الكهرباء، باتت موارد الطاقة المتجددة الهائلة مثار حديث "لماذا لا يُستفاد منها بالقدولم يكن الجدل المثار حول إمكان الوفاء بمراحل انتقال الطاقة في أفريقيا الأول من نوعه، إذ سبقه حرب طاحنة بين الطاقة النظيفة والوقود الأحفوري لدى أميركا الشمالية وأوروبا اللتين اقتحمتا عالم السيارات الكهربائية وطوّرتاه.

وبالتزامن مع ذلك، ما زالت دول بالقارة العجوز تواجه نقص إمدادات الوقود، إمّا لأسباب تتعلق بتراجع الاستثمارات، أو سرقة النفط الخام، أو زيادة الطلب.

ويشكّل قطاع الطاقة صداعًا في رأس صانعي السياسات الأفارقة الذين وقعوا بين مطرقة الأهداف المناخية وسندان زيادة الطلب الذي يتطلب نمو أنظمة وقطاعات الطاقة.

ويتعين على الحكومات الأفريقية الموازنة بين تلبية الطلب على الطاقة (سواء محليًا، أو عبر التصدير)، وبين تحقيق ذلك عبر وسائل موثوقة وبتكلفة ملائمة.

حتى تتمكن خطط انتقال الطاقة في أفريقيا من إيجاد صدى لها على أرض الواقع، تحتاج إلى تمويل ضخم، والذي بدوره لن يرى النور إلّا بعد تخطّي القارة السمراء لتحديات ومعضلات تثير الجدل حول تحولها.

وفيما يلي نستعرض جانبًا من التحديات التي تواجه مسار انتقال الطاقة في أفريقيا، حتى يتمكن صانعوا السياسات في القارة السمراء من تحديد الرؤية الكاملة لكيفية الانتقال والإجابة على التساؤلات كافة.

1) مصير الوقود الأحفوري

يحتاج مصير ملف صناعة الوقود الأحفوري في أفريقيا إلى الحسم، لا سيما أنه لا يُصنَّف بصفته صناعة محلية، ولكن صناعة تعتمد على الاستثمارات الأجنبية بصورة كبيرة.

فمن جهة، تملك القارة السمراء موارد أحفورية هائلة، لكنها مرتبطة بمواصلة التنقيب عن النفط والغاز والاستكشاف، بما يسمح للحكومات بإنعاش عائداتها والإسهام في تلبية الطلب العالمي في آن واحد.

ومن جهة أخرى، كيف تواصل القارة جذب المستثمرين لتعزيز الوقود الأحفوري، بينما تشهد هذه الاستثمارات عزوفًا على الصعيد العالمي، في إطار الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ واتجاه مستثمرين إلى تبنّي خفض الانبعاثات.

وعززت حالة الارتباك وعدم حسم موقع صناعة الوقود الأحفوري ضمن خطط انتقال الطاقة في أفريقيا من عدم اليقين لدى المستثمرين، بينما قد تضطر بلدان أفريقية -تعاني فقر الطاقة من الأساس- إلى مواجهة تعليق استثمارات في البنية التحتية للنفط والغاز قائمة بالفعل.

وفي المقابل، قد تتجاهل الحكومات المتمسكة بصناعة الوقود الأحفوري بدائله النظيفة للتركيز على التنقيب عن النفط والغاز.

 

2) تكلفة الطاقة المتجددة

لم يكن تحدي الوقود الأحفوري الوحيد من نوعه الذي يهدد طموح انتقال الطاقة في أفريقيا، إذ تعدّ تكلفة الطاقة المتجددة عاملًا مهمًا قد يؤثّر في استمرار إنتاجها.

وسبق أن لقّبت وكالة الطاقة الدولية الطاقة الشمسية بأنها "أرخص مصادر توليد الكهرباء"، كما تكتسب طاقة الرياح أيضًا القدرة على إنتاج كهرباء نظيفة منخفضة التكلفة، مقارنة بالكهرباء المنتجة من قبل مصادر الوقود الأحفوري. الكافي؟" و"هل استثماراتها تلغي الانخراط في تطوير الوقود الأحفوري؟".

ويبقى هناك تساؤل حول قدرة مصادر الطاقة المتجددة على اتّباع الوتيرة ذاتها بصورة دائمة ومستمرة، ومواصلة ضمان إمدادات كهرباء موثوقة وآمنة بتكلفة زهيدة.

ويجب تسليط الضوء بكثافة أكبر على استمرار التكلفة المنخفضة للطاقة المتجددة في أفريقيا تحديدًا، خاصة مع إضافة المستثمرين تكلفة إضافية على استثمارات القارة السمراء نتيجة المخاطر وحالة عدم اليقين.

3) قدرة الشبكات

تختلف شبكات الكهرباء في أفريقيا عن نظيرتها في دول تمكنت من تحقيق معدل وصول بنسبة 100% اعتمادًا على محطات الطاقة المتجددة (كالطاقة الشمسية والرياح)، مثل الدنمارك وألمانيا في أوروبا وأوروغواي في أميركا الجنوبية.

ويتّسم أداء عدد من شبكات كهرباء القارة السمراء بالضعف، وتحتاج إلى التطوير حتى تتسع لإضافات الكهرباء المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ويعدّ استقرار الشبكة أبرز مقومات زيادة التركيز على استثمارات الطاقة المتجددة بمستوى يعزز خطط انتقال الطاقة في أفريقيا، وقد يؤدي الضغط على هذه الشبكات بإضافة قدرات متجددة جديدة إلى تعطّلها، ويمكن القول حينها، إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح دفعتا نحو تفاقم سوء قطاع الكهرباء في القارة بدلًا من تحسينه.

4) توازن العرض والطلب

هناك دائرة مفرغة قد تدخل القارة الأفريقية في ظل حالة عدم الثقة حول معدلات الوصول إلى الكهرباء بأسعار تلائم المستهلكين، فأيّ استثمار في محطات الكهرباء الجديدة يتطلب قاعدة عملاء موثوقة حتى يحقق الأرباح المأمولة منه.

ومن زاوية مقابلة، يترقب العملاء والمستهلكون تمتعُّهم بخدمات موثوقة قبل بناء مساحة ثقة في قدرة الشبكات على تلبية الطلب، ما يعطّل خطط انتقال الطاقة في أفريقيا.

وتملك مرافق الكهرباء الأفريقية قاعدة عملاء محدودة ذات معدل طلب مرتفع، وفي ظل "محدودية" الإمدادات تجد المرافق نفسها مضطرة إلى تقديم الخدمة إلى شريحة منخفضي الاستهلاك من العملاء.

5) الوقود البديل وخطط الكهرباء

يعدّ تقدُّم خطط انتقال الطاقة في أفريقيا بعيد المنال نسبيًا حتى الآن، إذ ما زالت غالبية منازل القارة -خاصة في دول أفريقيا جنوب الصحراء- تعتمد على الكتلة الحيوية التقليدية مصدرًا لتلبية احتياجاتها من الوقود.

ولم تخطُ دول القارة في اتجاه "الكهرباء بالقدر المناسب، فعلى سبيل المثال، يعتمد قطاع النقل على السيارات المستعملة المستوردة من الخارج، إذ إن تصنيع السيارات الكهربائية والاستغناء عن سيارات محرك الاحتراق الداخلي أو الوقود التقليدي ما يزال في مهده.

ويتنافى ذلك مع الأساس الراسخ لخطط انتقال الطاقة في أفريقيا والعالم بأسره، والتي تقوم في المقام الأول على التخلص من الكربون في القطاعات الرئيسة، كالمباني والنقل والصناعات.

 

 

 

المراجع :

هبة مصطفى، 2023-05-03، انتقال الطاقة في أفريقيا مرهون بـ 5 تحديات.. معضلة الوقود الأحفوري أبرزها، موقع الطاقة.

حسن انفوا، 14.2.2018، أفاق إنتقال الطاقة في أفريقيا ، موقع هسبريس .

المقالات الأخيرة