الإعـــلام الـــدبـلـــومــاســـي
فرع بنغازي

الدبلوماسية والإعلام، هي أحد أبرز الأدوات المهمة التي من خلالها يتم تنفيذ وتمرير وترجمة السياسات الخارجية للدول، سواء كان ذلك على المدى الاستراتيجي البعيد أو التكتيكي القريب، وبفضل التطورات السريعة والمتلاحقة في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، تطور الإعلام ومعه الدور الدبلوماسي له بخطوات تجاوزت كافة التوقعات، وباتت الدبلوماسية الإعلامية هي الوسيلة الأكثر استخداما حين يتعذر وجود قنوات مباشرة للاتصال بين الأطراف المتنازعة، أو عندما يكون أحد الأطراف غير متأكد من نوايا الطرف الآخر، ليصبح هذا النوع من الدبلوماسية مقياس اختبار أولي لتوجهات الدول وسياسات الحكومات، وبالتالي فإن الإعلام والدبلوماسية توأمان متلازمان يستحيل فصلهما، هذه الحقيقة تتأكد كل يوم في هذا العصر الذي يُعدُّ فيه الإعلام لسان السياسة الناطق، وحجتها النافذة، وأداتها المؤثرة، وترتفع معدلات صدق هذا المفهوم عند الحديث عن تأثير الإعلام على الرأي العام الداخلي والخارجي.

ولقد أثبتت السنوات القليلة الماضية، تمتع الإعلام بأهمية خاصة كوسيلة قوية ومؤثرة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للدول الكبرى، تتناسب وحجم مصالح هذه الدول على الصعيد الدولي، وتعاظُم دورها وتأثيرها في السياسية على الساحة الدولية، فهي تعمل من خلال وسائل الإعلام المتطورة التي تملكها، وتوجهها إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها والخارج، وعليه، فإن العلاقة بين وسائل الإعلام، لاسيما الخارجية والموجَّهة منها، وبين السياسة الخارجية للدولة، هي علاقة ارتباط وثيقة ومتكاملة، بحيث أن كلاًّ منهما يتدخل في الآخر ليشكل بعض أبعاده إن لم يكن أغلبها، وقد ساهم في تعزيز هذا المعتقد، التقدم التكنولوجي الحديث في وسائل الاتصال الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين، مما زاد من أهمية الدبلوماسية الإعلامية في العلاقات بين الأمم، ما دفع الباحثين لدراسة هذا المفهوم الجديد نسبيًا ومحاولة توظيفه بشكل يخدم مصالح الدول والشعوب.

الدبلوماسية والسياسة الخارجية:

من أكثر المصطلحات تداخلاً فيما بينها؛ الدبلوماسية والسياسة الخارجية، فكثيراً ما يختلط مفهوم “الدبلوماسية” بأكثر من مفهوم، بحيث أصبح يرتبط من الناحية العملية بمفهوم السياسة الخارجية، لذا كان التفريق بينهما من الأهمية بمكان.

هناك ثلاث اتجاهات في تفسير معنى ودلالة السياسة الخارجية، الأول يرى أن السياسة الخارجية ما هي إلا مرادف لأهداف الدولة في المجتمع الدولي، ويعرفها بالتالي  على أنها: “مجموعة الأهداف والارتباطات التي تحاول الدول بواسطتها من خلال السلطات المحددة دستورية أن تتعامل مع كل الدول الأجنبية ومشاكل السياسة الدولية باستعمال النفوذ والقوة، بل والعنف في بعض الأحيان.

أما الاتجاه الثاني فيرى أن السياسة الخارجية على أنها عملية تحويل مدخلات إلى مخرجات، أي يُنظر إليها من منظور التحليل النظمي، ومن هذا الاتجاه، ما ذهب إليه “مودلسكي” الذي يعرِّف السياسة الخارجية على أنها “نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات التغيير سلوكيات الدول الأخرى، ولأقلمة أنشطتها طبقًا للبيئة الدولية

فيما يشير الاتجاه الثالث إلى أنها “الدراسة القائمة على التفاعلات التي تحدث بين دولتين أو أكثر، وممَّن تبنوا هذا الاتجاه، “هولستى”، الذي يُعرِّف السياسة الخارجية بأنها “تحليل أفعال وتصرفات ما نحو البيئة الدولية الخارجية والظروف المحلية التي تم فيها صياغة وتنفيذ هذه الأفعال”

أما الدبلوماسية فمفهوم أقل من حيث النطاق والمساحة من السياسة الخارجية، إن لم تكن أحد أدواتها.

وهناك تعريف تقليدي لها يراها على أنها “الطريق الطبيعي للاتصال بين دولة وأخرى، أو بين الجماعات السياسية بعضها البعض”.

بينما يراها “نيكلسون” في معجم “أوكسفورد” ، على أنها “توجيه العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات، والأسلوب الذي يدير به السفراء والمبعوثون لهذه العلاقات”، وعمل الرجل الدبلوماسي أو فنه”

أما “أرنست ساتو”، فتراها “تطبيق الذكاء وحسن التصرف وإدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة”، أو أنها “ممارسة عملية لتيسير شئون الدولة الخارجية”.

أما “تشارل كالفو”، فقد عرَّفها في قاموسه الخاص بمصطلحات القانون الدولي العام والخاص الذي وضعه سنة 1885م، بقوله إنها “علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول والناتجة عن المصالح المتبادلة، وعن مبادئ القانون الدولي العام ونصوص المعاهدات والاتفاقات”.

فيما عرَّفها “برادييه فوديريه”، بأنها “فن تمثيل الحكومة ومصالح الدولة قبل الحكومات والدول الأجنبية ومراقبة حقوق الوطن، ومصالحه وكرامته حتى لا تمس في الخارج”، وكذلك “إدارة الشئون الدولية وإدارة المفاوضات السياسية وتتبعها وفقًا للتعليمات الصادرة بشأنها”

وبالتالي؛ فمن خلال هذه التعريفات؛ فإن الدبلوماسية هي عبارة عن علم وفن لما تتطلبه من دراسة عميقة للعلاقة القائمة بين الدول، ومصالحها المتبادلة، ومنطوق تواريخها ومواثيقها ومعاهدتها وغير ذلك من الوثائق الدولية في الماضي والحاضر، وعليه، فالدبلوماسية ما هي إلا عملية أو أداة تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص الدوليين الآخرين، وإدارة علاقاتها الرسمية بعضها مع بعض ضمن النظام الدولي، ومن ثَمَ يتضح أن الدبلوماسية كمفهوم وأداة هي المنفذة للسياسة الخارجية ويُعهَد بها– أي الناحية التنفيذية –إلى السلك الخارجي أو الدبلوماسي.

ومن ثَمَّ؛ فإن الفرق بين “الدبلوماسية” والسياسة الخارجية”، يتمثل في أن الأخيرة تضعها المؤسسات الدستورية في الدولة، ممثلة في رئيس الدولة والأجهزة التشريعية والتنفيذية المعنية، أما “الدبلوماسية” فهي أداة من أدواتا تنفيذ “السياسة الخارجية” وتحقيق أهدافها.

فالدبلوماسية ليست الأداة الوحيدة لتنفيذ سياسات الدول الخارجية؛ إذ أن هناك أدوات وجوانب أخرى تعمل بجوار الدبلوماسية في كيان متسق ومتكامل يهدف في نهاية الأمر إلى تحقيق أهداف الدولة، على رأس تلك الأدوات الدعاية والحرب السياسية أو الحرب النفسية والأدوات والوسائل الاقتصادية والقوة العسكرية

هناك عدة وظائف للدبلوماسية تتمثل في:

 أولاً: قد تُستخدم الدبلوماسية كوسيلة للإكراه، ويتمثل ذلك في ممارسة الضغط على الحكومات المعنية باستخدام وسائل الإكراه المتوافرة للدولة.

ثانياً: تُستخدم الدبلوماسية كوسيلة للإقناع، ويتمثل ذلك في مقدرة الدولة على ممارسة التأثير في المجتمع الدولي بصورة عامة، وهو ما يتوقف إلى حد كبير على قابليتها في الإقناع الذي يُعتبر من الأساليب الأكثر شيوعًا في الدبلوماسية.

ثالثاً: تُستخدم الدبلوماسية كوسيلة للتسوية، والتسوية تمكِّن دولتين من تخفيف حدة التعنت في موقفيهما من قضية معلقة بينهما، والوصول إلى حلول ترضي الطرفين وتؤدي إلى قيام علاقات مستمرة.

رابعاً: الدبلوماسية قد تكون وسيلة للوصول إلى اتفاق بين الدول؛ حيث الدبلوماسية هي فن مفاوضات في الأساس.

الإعلام الدبلوماسي:

قبل الحديث عن تعريف الإعلام الدبلوماسي الذي لم يحظَ بالاهتمام الكافي من قِبَل الباحثين في مجال تحديده وشرح أبعاده، وتقديم خلفياته، وإن تغيرت هذه النظرة في السنوات الأخيرة؛ فإنه من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على التعريفات المختلفة للإعلام الخارجي والدولي، وإبراز الفارق بين هذه المصطلحات جميعًا؛ كون التعريفات الثلاثة، الإعلام الدولي، الإعلام الخارجي، الإعلام الدبلوماسي، شديدة الترابط والتداخل فيما بينها.

الإعلام الخارجي

يُلاحَظ أن التعريفات المختلفة التي ساقها الباحثون لوضع مفهوم شامل للإعلام الخارجي قد ركَّزت في مجملها على أن هذا النوع من الإعلام هو نشاط اتصالي موجه إلى الخارج (أي خارج حدود الدولة) بهدف خدمة قضاياها وتحقيق مصالحها الخارجية.

ويُعرِّف “كارتر مارتين” الإعلام الخارجي، بأنه: “ذلك النشاط الاتصالي الذي تستخدم فيه الدولة مختلف وسائل الاتصال والإعلام بشكل يؤدي إلى تنوير عقلية الجماهير الخارجية بالأمور والأوضاع القائمة في الدولة

أما “دي. إف. روبرت”، فذهب إلى أنه “التعبير الموضوعي عن الحقائق والوقائع والقضايا التي تهم الدولة، عن طريق شرح وتوضيح الحقائق والمعلومات للجماهير في الخارج، بهدف إحداث تأثير في عقلية تلك الجماهير بما يخدم قضايا الدولة ومصالحها

الإعلام الدولي:

يرى الدكتور فاروق أبو زيد، أن الإعلام الدولي يشمل كافة أوجه الأنشطة الإعلامية التي تقوم الدول بتوجيهها للدول والشعوب والأمم الأخرى.

وبالتالي؛ فهي لا تقتصر على وسيلة دون أخرى بل تشمل الإذاعات الموجهة، وتبادل البرامج التلفزيونية، إضافة إلى الصحف الناطقة بلغة الدول أو الشعوب الموجهة إليها، وغيرها من الوسائل الأخرى الحديثة للإعلام

بينما يري الدكتور عبد اللطيف حمزة أن الإعلام الدولية وعملية تزويد الجماهير بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوين رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات، بحيث يعبر هذا الرأي تعبيرًا موضوعيًّا عن عقلية الجماهير واتجاهاتهم

أما الدكتور إبراهيم إمام، فيرى أن الإعلام الدولي هو “عملية نشر الحقائق والأخبار والأفكار والآراء على المستوى الدولي بوسائل الإعلام المختلفة كالصحافة، والإذاعة، والسينما، والتلفزيون، والمحاضرات، والندوات، والمعارض، والحفلات.. وغيرها بهدف التفاهم بين الشعوب والإقناع وكسب التأييد”

وبتحليل التعريفات المختلفة لنوعي الإعلام (الخارجي والدولي)، يًلاحَظ أن كليهما يتفق في كونهما نشاطًا اتصالياً يهدف إلى الوصول إلى الجماهير خارج نطاق إقليم الدولة القائمة به، كما أنه يتفق مع الإعلام الدولي في كونه تحمل معلومات عن القضايا والمشكلات التي تهم الدول القائمة به.

أما فيما يتعلق بأوجه التمايز والاختلاف بينهما، فيُلاحَظ أنها ليست بالكبيرة، فهي في الأرجح تعطي كل تعريف تمايز عن الآخر فحسب.

فالإعلام الخارجي اصطلاح يشير إلى النشاط الذي تقوم به دولة ما منفردة، عن طريق وسيلة من وسائل إعلامها، ببث أو نشر الحقائق والمعلومات عن حضاراتها وتقدمها، أو عن مشاكلها وقضاياها، أو لشرح سياستها الخارجية على النطاق الدولي.

علاوة على ذلك، فإن مفهوم الإعلام الدولي أكثر شمولاً وأتساعًا، فهو يشير إلى النشاطات الإعلامية للعديد من الدول التي تقوم ببث المعلومات والأخبار والأفكار بقصد التأثير على أكبر عدد ممكن من الجماهير الدولية (التي يشمل مفهومها الشعوب والحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية) بهدف خدمة مصالح الدول القائمة بهذا النوع من الإعلام.

أي أن الإعلام الخارجي يركز على النشاط الإعلامي الدولة ما، بينما يشمل الإعلام الدولي نشاطات إعلامية للعديد من الدول، عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، بهدف التأثير على الجماهير الدولية على نطاق واسع، وبالتالي تبني تلك الجماهير للمواقف والأفكار والاتجاهات التي تخدم مصالح الدول القائمة بنشاط الإعلام الدولي.

 

 

المراجع

سليمان صالح ،11.4.2022 ، ما تأثير وسائل الإعلام في العمل الدبلوماسي وتشكيل العلاقات الدولية ، الجزيرة .

سعدون بن حسين الحمداني ، 23.9.2021 ، الإعلام الدبلوماسي وإيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي ، موقع الوطن .

 

المقالات الأخيرة