المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الحقوق السيادية للدولة الساحلية ومصالح الدول الأخرى
فرع بنغازي

المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري من شاطئ البحر الإقليمي للدول هي إحدى أوجه التطور الهامة التي استحدثتها اتفاقية البحار الجديدة للأمم المتحدة لعام 1982 من أجل تحقيق التوازن بين مختلف المصالح، وكما وأنها تعد أحد الخطوط الهامة على سبيل إعادة تنظيم القسم الوطني من البحر في مقابل البحر العام الذي تتعاون مجموعة من الدول إلى التوصل إلى أفضل وسيلة لاستغلاله اقتصاديا لصالح شعوب العالم بصفة عامة. حيث كان للوعي الذي صاحب انتهاء الحرب العالمية الثانية، أثره الكبير خاصة على الشعوب التي عانت من استحواذ زمرة من الدول القوية على مقدّراتها، فبدأت هذه الشعوب بعد تعزز فكرة الدولة الوطنية بأن تسعى بشتى الوسائل ولاسيما السلمية منها على استرداد سيادتها على ثرواتها والعمل على ضمان حقوقها في هذه المنطقة التي تعتبرها مجالها الحيوي وامتدادها الطبيعي المتاخم لسواحلها، وهو ما برر مطالبة هذه الدول الفتية في إنشاء منطقة اقتصادية خالصة

ف إلى أي مدى أثر نشوء هذه المنطقة على التوازن بين صلاحيات الدولة الساحلية ومصالح الدول الأخرى؟

للإحاطة بهذا الموضوع، سوف نتطرق في مرحلة أولى إلى تطور فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحديدها ثم في مرحلة ثانية نحاول تحديد النظام القانوني والاقتصادي للمنطقة الاقتصادية الخالصة الفرع الثاني ، لنقف عند مدى تمتع الدول بالمصالح الاقتصادية والأمنية على هذه المنطقة.

المبحث الأول: تطور فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحديد امتدادها

إذا كانت الزيادة في المساحات البحرية وتمديد اتساع الجرف القاري لفائدة الدول النامية لن تزيد في فرصتها كي تنهض بقطاعي التنمية والاقتصاد، كان لابد عليها من إيجاد فكرة جديدة تستطيع بها الاستفادة من هذه الثروات، فظهرت فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة كمفهوم جديد من الناحية القانونية الدولية.

المطلب الأول : نشأة فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة

يتفق فقه القانون الدولي على أن فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة هي وليدة واقع وممارسة دولية إقليمية، قبل أن يتم تبنيها في القانون الدولي بصفة نهائية سنة 1982، فعلى الصعيد الإقليمي والعمل الدولي يرجع السبق في تكوّن أولى ملامح الفكرة إلى الإعلانين الصادرين عن الرئيس الأمريكي هاري ترومان Truman في 28 سبتمبر 1945

والذى تضمن الإعلان الأول مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بالولاية والرقابة على الثروات التي يزخر بها الجرف القاري، وتضمن الثاني تفويض رئاسي للحكومة الأمريكية بأن تصدر وتتخذ الإجراءات التي تراها ضرورية من أجل الحفاظ وحماية الموارد الحية المتواجدة في أعالي البحار المحاذية لسواحل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا عن طريق إنشاء منطقة متاخمة للسواحل الأمريكية يحظر فيها الصيد على كل السفن الأجنبية غير المرخص لها باستغلال الموارد البحرية الحية.

وقد كان لهذا الإعلان تأثير على بقية الدول في بلورة مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة ،حيث أعطى الحق للولايات المتحدة الأمريكية في تنظيم الصيد في منطقة من البحر العام المجاورة لشواطئها.

والواقع أن عددًا كبيرًا من الدول الآخذة في النمو بدأت تنظر إلى كيفية المحافظة على الثروات الطبيعية بوصفها هدفًا سياسيًا رئيسيًا، وهو ما حدا بهذه الدول إلى إعادة النظر فيما جرت عليه من السماح بالصيد من جانب أساطيل الدول الصناعية المتقدمة بالقرب من شواطئها تحت شعار حرية أعالي البحار.

ولقد عبّر عن هذه الفكرة لأول مرة في يونيو 1971 ممثل كينيا «انجينغا »«Njenga» خلال الدورة السنوية للجنة القانونية الاستشارية الأفرو آسيوية المنعقدة في كولومبو، عندما أعلن أن من المتعين النظر إلى المنطقة الاقتصادية بوصفها نطاقا يكون للدولة الساحلية أن تصدر بشأنه تصاريح الصيد في مقابل حصولها على مساعدات فنية.

ثم عاد وتقدم نفس المندوب باقتراح يتضمن تعريفا عاما وأكثر شمولا لاختصاص دولة الشاطئ على المنطقة الاقتصادية وذلك أمام دورة اللجنة القانونية الاستشارية التي انعقدت في لاغوس )نيجيريا( في يناير 1972، حيث قرر أن المنطقة الاقتصادية يكون للدولة الشاطئية عليها اختصاص خالص على كافة الموارد البيولوجية والمعدنية .

ويبدو أن هذا التطور في مضمون الفكرة عند مندوب كينيا قد تأثر بما عرضه مندوبا فنزويلا ومالطا في أغسطس 1971 أمام لجنة الاستخدامات السلمية لقاع البحر، من اقتراح حول فكرة المنطقة الاقتصادية والذي قرر أن للدولة الشاطئية حقوقا سيادية على الموارد المتجددة وغير المتجددة الموجودة بالمياه وقاع البحر وباطن تربته في المنطقة المجاورة لبحرها الإقليمي.

وسرعان ما وجدت هذه الأفكار تعبيرا محددا عنها أمام لجنة الاستخدامات السلمية لقاع البحار والمحيطات. حيث تقدمت وفود إفريقية عديدة بمشروعات نصوص حول المنطقة الاقتصادية، ثم جاء إعلان الوحدة الإفريقية بشأن قانون البحار الذي تمّ إقراره في أديس ابابا في 24 مارس 1973، وأعيد تأكيده في مقديشو في 11 يونيو  1974، لينص في صراحة قاطعة على تأييد الدول الإفريقية لإقرار فكرة المنطقة الاقتصادية التي لا تتجاوز 200 ميل بحري، ويكون للدولة الساحلية فيها سيادة دائمة على كل مواردها البيولوجية والمعدنية .

ولقيت هذه الأفكار الجديدة ترحيبا من جانب الدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية ورحبت بعض الدول بهذه الأفكار، فقد أعلنت بعض الدول الأوربية مناطق صيد تتراوح بين 50 و 200 ميل بحري، كما فعلت أيسلندا والمملكة المتحدة وإيرلندا والنرويج والسويد والاتحاد السوفياتي، وفي أمريكا الشمالية كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وانتقلت إلى آسيا مع إعلان اليابان. ولقد رأت هذه الدول في إقرار المنطقة الاقتصادية الخالصة نوعا من الصفقة مع دول العالم الثالث في بحر إقليمي محدد.

أما الدول العربية ككتلة سياسية إقليمية، فكان موقفها إزاء إنشاء المنطقة الاقتصادية كسائر الدول الساحلية، حيث اتبعت اتجاهات مختلفة بصدد هذا الأمر، ويرجع هذا الاختلاف إلى عدم تماثل الأوضاع الجغرافية لهذه الدول وكذا إلى أهمية الثروات البحرية من حيث الأولوية لدى كل منها. ونتيجة لذلك انقسمت التشريعات الوطنية العربية إلى مجموعتين، مجموعة أولى تفرض سيادتها على مجالات بحرية يصل عرضها إلى 200 ميل بحري كالمغرب واليمن وجيبوتي لامتلاكهم فجوة على بحار مفتوحة. ومجموعة ثانية رأت فرض نوع من السيادة على مجالات أقل من 200 ميل بحري كسوريا، الجزائر، تونس، ليبيا ومصر ولبنان، والسودان، و الأردن ،والسعودية، و البحرين، و قطر، و الكويت والعراق لإطلالها على بحار شبه مغلقة.

ويتضح لنا من خلال تحليل نشأة فكرة المنطقة الاقتصادية على المستوى الدولي أنها وليدة مواقف الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية وجميعها من الدول الآخذة في النمو والحديثة الاستقلال آنذاك.

وعليه حسمت المسألة بأن انتقل مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة من الممارسة والواقع الدولي، إلى القاعدة القانونية الدولية بأن أفردت بخصوصها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 أحكاما خاصة بها، نظمت بموجبها حقوق وواجبات جميع الدول الساحلية منها وغير الساحلية .

بناءً على هذا يتضح بأن نشوء المنطقة الاقتصادية لم يكن يستند إلى سلوك دولي مضطرد أو عرف دولي سائد، على غرار البحر الإقليمي أو المنطقة المتاخمة، وإنما يعود الفضل في نشأة هذه المنطقة إلى روح القانون الدولي العام التي تقبل التطوير والتأقلم مع حاجيات الجماعة الدولية.

المطلب الثاني : مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحديد حدودها

لقد جاء المؤتمر الثالث لقانون البحار بنظام قانوني قائم بذاته خاص بالمنطقة الاقتصادية ، لتختم معاهدة 1982 في الجزء الخامس لها والمتكون من 21 مادة) 55 إلى 75( وتؤسس لفكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة المحددة بمسافة 200 ميل بحري من خط الأساس واضعة بذلك نظاما خاصا لها. وقوفا على حقيقة هذه المنطقة ومدى امتدادها والذى  سنتناوله  تباعا كما يلي:

1 - مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة

يعرف الفقه المعاصر المنطقة الاقتصادية الخالصة على أنها: « منطقة واقعة وراء البحر الإقليمي وملاصقة له، ولا تمتد لأكثر من 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي»، كما يعرفها البعض الآخر بأنها: « مساحة من أعالي البحار ملاصقة للمياه الإقليمية للدولة الساحلية وتمتد خارجها، وتخضع لنظام قانوني حددته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 يشمل على بيان حقوق واختصاصات الدولة الساحلية وحقوق وحريات الدول الأخرى».

وقد عرفتها المادة 55 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتحت عنوان النظام القانوني المميز للمنطقة الاقتصادية الخالصة بأنها: « المنطقة الاقتصادية الخالصة هي منطقة واقعة وراء البحر الإقليمي وملاصقة له.»

بهذا المفهوم تصبح المنطقة الاقتصادية الخالصة هي كل المناطق البحرية التي تملكها الدولة الساحلية على البحر، وتضم هذه المنطقة كل من البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة والمنطقة التي تليها إلى الحد الذي يحدد الدولة الساحلية .

يتضح من كل هذا بأن هناك اتفاقا عاما على أن المنطقة الاقتصادية الخالصة تنصرف إلى القطاع البحري الواقع وراء البحر الإقليمي والملاصق له، والذي للدولة الساحلية عليه بعض الحقوق تمارسها لغرض اقتصادي .

فهي منطقة واقعة على الحدود الخارجية للبحر الإقليمي للدولة الساحلية وملاصقة له ،ولا يمكن أن تمتد أكثر من 200 ميل بحري ابتداء من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي، وهي تشكل بديلاً عن المنطقة المتاخمة من حيث النطاق المكاني، لأن امتدادها على مسافة 200 ميل بحري يجعل كل من المنطقة المتاخمة والبحر الإقليمي داخل حدود تلك المنطقة وجزء من البحر العالي.

ومن ثمَّ فهذه المنطقة لا تمارس الدولة الساحلية عليها سيادتها إلاّ في المجال الاقتصادي فقط، أي في مجال استثمار الثروات الحية والمعدنية والبترولية  الموجودة فيها.

وعرّفها الدكتور سامي عبد الحميد بأنها: « منطقة من البحر متميزة تتاخم البحر الإقليمي للدولة الساحلية وتمتد إلى ما يزيد عن مائتي ميل بحري من خط الأساس العادي أو مجموع خطوط الأساس المستقيمة».

وبالرجوع إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 والتي تشكل السند القانوني لهذه المنطقة، ومن خلال نص المادتين 55 و57 من هذه الاتفاقية، نتوصل إلى تقديم تعريف قانوني لهذه المنطقة يتمثل في أن: « المنطقة الاقتصادية الخالصة هي منطقة واقعة وراء البحر الإقليمي وملاصقة له يحكمها نظام قانوني مميز، لا تمتد إلى أكثر من 200 ميل بحري20 من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي.»

الفرع الثاني : حدود وامتداد المنطقة الاقتصادية الخالصة

اتجهت معظم الاقتراحات والمشروعات المقدمة بشأن فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى تحديدها بالمنطقة البحرية المجاورة للبحر الإقليمي لدولة الشاطئ، والتي لا يزيد اتساعها عن 200 ميل بحري مقاسة من خط الأساس الذي يبدأ منه قياس عرض البحر الإقليمي .

لذا نجد أن المادة 57 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار قررت أنه: « لا تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى أكثر من 200 ميل  بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي.»

لقد حدد نص المادة 57 المنطقة الاقتصادية الخالصة بمسافة 200 ميل بحري من خط الأساس، بمعنى قياسًا من البحر الإقليمي بمسافة 188 ميل بحري من نهاية البحر الإقليمي ،حيث تمتد من الخط الوهمي المبين لنهاية البحر الإقليمي إلى خط وهمي آخر، وتختص الدولة بتحديده بشرط ألاّ يتجاوز 200 ميل بحري عن خط الأساس العادي أو مجموع خطوط الأساسالمستقيمة22.

غير أن مسألة التحديد لا تطرح إشكالاً، خاصة للدول الساحلية التي تطل على بحار مفتوحة، لكن الصعوبة تثار عندما يتعلق الأمر بتحديد منطقة اقتصادية خالصة بين دول ساحلية تطل على بحار مغلقة أو شبه مغلقة، مما يجعل من سواحلها في وضع التجاور أو التقابل.

لهذا نجد نص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 حل لهذه المشكلات في نص المادة 74، والتي قررت بموجبها الأحكام الواجب إتباعها في مثل هذه الحالات، فنصت على ما يلي:« تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة :

1-    يتم تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة عن طريق الاتفاق على أساس القانون الدولي، كما أشير إليه في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، من اجل التوصل إلى حل منصف.

2-    إذا تعذر التوصل إلى اتفاق في غضون فترة معقولة من الزمن، لجأت الدول المعنية إلى الإجراءات المنصوص عليها في الجزء الخامس عشر.

3-    في انتظار التوصل إلى اتفاق وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة 1، تبذل الدول المعنية بروح من التفاهم والتعاون قصارى جهودها للدخول في ترتيبات مؤقتة ذات طابع عملي، وتعمل خلال هذه الفترة الانتقالية على عدم تعريض التوصل إلى الاتفاق النهائي للخطر أو إعاقته. ولا تنطوي هذه الترتيبات على أي مساس بأمر تعيين الحد النهائي.

4-    عند وجود اتفاق نافذ بين الدول المعنية، يفصل في المسائل المتصلة بتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة وفقا لأحكام ذلك الاتفاق.»

من خلال النص السابق نجد أنه يتعين على الدول المتقابلة أو المتجاورة تحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة باتفاق يتم على أساس منصف وعادل وفقًا لقواعد القانون الدولي، كما أشير إليه في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

حيث جاء في قرار محكمة العدل الدولية الصادر في: 12 أكتوبر 1984 بشأن تحديد الحدود البحرية في خليج الماين« Golfe du Maine» بين كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية: «أن القاعدة التي تقسي بتقسيم الحدود بين ذات السواحل المتقابلة أو المتجاورة عن طريق الاتفاق، إنما هي قاعدة واجبة الإتباع كونها القاعدة الأكثر ملائمة مع القانون الدولي العام» .

وبالتالي فإنه يتعين على هذه الدول في مثل هذه الحالات البحث عن قواعد المعاهدات الدولية النافذة وقواعد العرف الدولي والمبادئ العامة للقانون، كالاتجاه إلى القواعد المتعلقة بتحديد الجرف القاري، والتي استندت في ذلك خط الوسط في مثل هكذا حالات، بالإضافة إلى قواعد العرف الدولي، والتي حاول القضاء الدولي استخلاصها مثل حكم محكمة التحكيم الفرنسية البريطانية بصدد النزاع بين فرنسا وبريطانيا بشأن الجرف القاري والصادر في 30 يونيو   1977.

ومعيار التحديد هنا قائم على معيار المسافة، وهو أمر محمود في حد ذاته لما يتميز به هذا المعيار من وضوح مانع لأي لبس أو تحايل وفيه عدالة ـ إلى حد ما ـ من حيث توزيع المناطق الاقتصادية بالتساوي بين جميع الدول الشاطئية التي تسمح شواطئها من حيث الاتساع بذلك ،وهو أفضل من الأخذ بمعيار عمق المياه وحده أو المعيار الجغرافي وحده، من حيث أنه ييسر تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل دولة تعيينًا واضحًا وعلميًا .

وعليه فإن فكرة المنطقة الاقتصادية الخالصة تلبي جزءً من التطور الاقتصادي للمجتمعات النامية، حيث بدأت الدول تطلقها كفكرة قانونية في القانون الدولي المتعلق بالبحار لها نظامها القانوني الخاص بها وتخضع إلى تحديد مقنن، سعت من خلاله هذه المجتمعات بأن يكون لها الحق في الحصول على الموارد الحية واستغلال الثروات المعدنية على غرار ما تتمتع به في باقي مناطقها الأخرى.

المبحث الثاني : النظام القانوني والاقتصادي للمنطقة الاقتصادية الخالصة

لما كانت طبيعة السيادة التي تمارسها الدولة في المنطقة الاقتصادية الخالصة طبيعة وظيفية نفعية بحتة قائمة على احترام حقوق الدول الغير في هذه المنطقة، متى اعترفت لها هذه الأخيرة باستئثارها بجملة من الاختصاصات تمارسها على سبيل الحصر دون أن تزاحمها أية دولة .

وعليه فإن النظام القانوني للمنطقة الاقتصادية الخالصة هو عبارة عن مجموعة من الحقوق والواجبات التي تمارسها الدولة الساحلية من جهة، والدول الأخرى الساحلية وغير الساحلية من جهة أخرى، وبالتالي سنعالج هذا الموضوع ضمن مطلبين، المطلب الأول :  حقوق الدولة الساحلية وواجباتها في المنطقة الاقتصادية الخالصة والمطلب الثاني: حقوق وواجبات الدول الأخرى في هذه المنطقة

المطلب الأول : الحقوق الاقتصادية والقانونية للدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة

قسمت المادة 56 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بصفة أساسية حقوق الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى ثلاث أنواع رئيسية حددتها بمقدار ما للدولة من اختصاصات في كل ميدان من ميادين النشاط في المنطقة إلى حقوق سيادية وولاية وحقوق وواجبات أخرى، سنتناول الفرع الأول الحقوق السيادية ، ثم في الفرع الثاني ولاية الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة

الفرع الأول : الحقوق السيادية للدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة

تتمتع الدولة الساحلية وفقًا للمادة 5682 من اتفاقية 1982 بحقوق سيادية لغرض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الحية منها وغير الحية للمياه التي تعلو قاع البحر ،وتتمتع بنفس الحقوق بغرض المحافظة على الثروات الطبيعية لهذه المنطقة وكذلك ما يتعلق بالأنشطة الأخرى للاستكشاف والاستغلال الاقتصادي، كإنتاج الطاقة من المياه والتيارات والرياح29.

ويمكن تقسيم الحقوق السيادية للدولة الساحلية في هذه المنطقة بحسب موضوعها إلى نوعين، سنتولى تبيانهما على الشكل الآتي:

1- استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية وحفظها وإدارتها

والمقصود بالموارد الطبيعية كافة الثروات الحية الموجودة في العمود المائي أو على القاع أو باطن القاع، الحيوانية منها والنباتية، ولا تدخل الأنواع الآبدة أو الراقدة ضمن الثروات الحيوانية ، وفقا للمادة 68 من اتفاقية مونتيغوباي لقانون البحار لعام 1982.

ويشمل حق الدولة الساحلية في هذه الثروات استكشافها واستغلالها وحفظها وإدارتها ،ويعني الاستكشاف هنا جميع الإجراءات التي تتخذها الدولة الساحلية للقيام بالمسح الشامل للقطاعات المختلفة في المنطقة للتعرف على حياة وحركة التجمعات السمكية ومعرفة ظروفها وطبيعة بيئتها وتسهيل إجراءات حفظها .

والدولة الساحلية في مجال استغلال الموارد الحية في منطقتها الاقتصادية الخالصة ،وإن كانت حقوقها موسومة بعنوان السيادة المانعة، إلاّ أنها لا تباشرها بصفة مطلقة، بل تكون مثقلة ببعض القيود، بحيث تسهر الدولة على حماية المحيط البحري والتسيير الرشيد والحفاظ على الأجناس البحرية، بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية المختصة لاسيما في مجال الصيد .

ونجد أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 لم تقتصر في تعدادها لحقوق الدولة الساحلية على الثروات الطبيعية الحية الموجودة في المنطقة الاقتصادية الخالصة على ما ورد في المادة 56، بل تناولت هذه الحقوق وبخاصة حق الصيد بشيء من التفصيل بموجب المادة 61 منها تحت عنوان حفظ الموارد الحية .

ويلاحظ مما تقدم أن الاتفاقية وإن سمحت لرعايا الدول الغير بالصيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة الساحلية، فإنها جعلت لهذه الأخيرة فيما يتعلق باستغلال الثروات الطبيعية الحية بصورة عامة، وبالصيد بصورة خاصة، صلاحية الرقابة على هذا الشريط الذي يباشره رعايا الدول الغير، ومن أجل تسهيل عملية الاستغلال والكشف فإنه يمكن للدولة الساحلية حق اتخاذ كافة التدابير المعقولة لاكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية في المنطقة .

ولهذا الغرض لها الحق في أن تقيم وفي أن تجيز وتنظم إقامة وتشغيل واستخدام المنشآت والجزر الاصطناعية والأبنية الضرورية لذلك، وهو ما نصت عليه المادة 60 فقرة 01 من اتفاقية 1982.

هذا وتتولى الدولة الساحلية وضع الأنظمة الخاصة بحفظ وإدارة الموارد الحية في المنطقة الاقتصادية، والتي يتعين مراعاتها عند ممارسة الصيد في المنطقة من جانب رعاياها ورعايا الدول الأخرى المصرح لهم بذلك من جانب الدولة الشاطئية ، ومن ضمن هذه الأنظمة الخاصة إصدار التراخيص للصيادين وتقرير الأنواع التي يجوز صيدها، وتحديد حصص الصيد وتنظيم مواسمه وقطاعاته ونوعية أدوات الصيد المسموح بها، وتحديد أعمار وأحجام الأسماك وغيرها من الأنواع التي يسمح بصيدها .

وقد حددت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 61 المقصود بحفظ الموارد الحية بأنه مجموعة التدابير التي تؤدي إلى عدم تعرض بقاء الموارد الحية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لخطر الاستغلال المفرط وصون أرصدة الأنواع المجتناة أو تحديدها بمستويات يمكن أن تدر أقسى غلة قابلة للدوام. كما أوكلت الاتفاقية إلى الدولة الساحلية مهمة اتخاذ إجراءات الحفظ وفقًا للشروط التي حددتها في المواد 61، 67 و73 من اتفاقية  1982.

من خلال هذا يتحدد بأن حق الدولة الساحلية محدد من حيث الغرض في مجموعة من الصلاحيات هي الاستكشاف والاستغلال والحفظ والإدارة، من حيث الموضوع هو الموارد الطبيعية الحية وغير الحية.

2- استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية غير الحية وحفظها وإدارتها

منحت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 الدولة الساحلية كامل الحق في اكتشاف واستغلال الموارد الطبيعية غير الحية في المنطقة  الاقتصادية الخالصة.

ويقصد بالاستكشاف Exploration حق الدولة الساحلية سواء بصورة مباشرة عن طريق أجهزتها ومواطنيها، أو غير مباشرة عن طريق الترخيص لدول أخرى أو شركة أجنبية بإجراء مسح شامل للمنطقة الاقتصادية الخالصة أو لمناطق معينة منها بإجراء جميع الأعمال التي يتطلبها استكشاف الثروات تمهيدًا لاستغلالها .

في حين يقصد بعملية استغلال الموارد الطبيعية غير الحية Exploitation كافة النشاطات والأعمال اللازمة لاستخراج الثروات المعدنية، مثل تحليل وإذابة المعادن، سواء تلك الموجودة فوق قاع المنطقة، أو ما يستخرج من باطن هذا القاع .

وتجدر الإشارة إلى أن استكشاف الموارد غير الحية التي تزخر بها المنطقة الاقتصادية ،تخضع في نظامها القانوني لما هو معمول به بالنسبة للجرف القاري ، وهو المبدأ الذي سبق وأن قالت به محكمة العدل الدولية في قرارها الصادر في 30 جوان 1985 في النزاع الذي جمع ليبيا ومالطا حول تحديد الجرف القاري بينهما .

وهناك جانب من الفقه يرى أنه لا يوجد فرق بين المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري فيما يتعلق بموارد القاع وباطن القاع إلا في الأحوال التي يمتد فيها الجرف القاري إلى مسافات تتجاوز امتداد المنطقة الاقتصادية الخالصة.

ومن هنا يمكن التفريق بين طبيعة الحقوق السيادية التي تتمتع بها الدولة الساحلية على الثروات الحية في المنطقة الاقتصادية الخالصة وحقوقها السيادية على الثروات غير الحية في هذه المنطقة، فبالنسبة للأولى تكون حقوقا مجردة من أي وصف أو قيد، في حين حقوقها السيادية على الثروات غير الحية هي حقوق خالصة، أي إذا لم تقم الدولة الساحلية باستكشافها فلا يجوز لأحد أن يقوم بهذه الأنشطة بدون موافقة صريحة منها.

ووفقا لاتفاقية 1982، فإن وجود هذا الفرق بين الحقوق السيادية راجع لوجود حق لبعض الدول الأخرى، عند توافر شروط معينة في مشاركة الدولة الساحلية في استغلال الثروات الحية لمنطقتها الاقتصادية الخالصة، وخاصة الدول غير الساحلية والدول المتضررة جغرافيا وفقا للمادتين 69 و 70 من هذه الاتفاقية، وعدم وجود مثل هذا الحق بالنسبة للثروات غير الحية وفقا للمادة 77 من نفس الاتفاقية.

الفرع الثاني : ولاية الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة

للدولة الساحلية حق ولاية على المنطقة الاقتصادية الخالصة، أي حق إشراف ومراقبة وتنظيم سواء في حالة قيامها بهذه الأنشطة، أو في حالة قيام الغير بها بعد الترخيص له بذلك من قبل الدولة الساحلية، وهذه الأنشطة تتعلق بإقامة واستعمال الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات، والبحث العلمي البحري، وحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها .

1ـ إقامة الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات

نصت الفقرة الأولى )ب( من المادة 56 من اتفاقية 1982 على أن للدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة ولاية على الوجه المنصوص عليه في الأحكام ذات الصلة من هذه الاتفاقية فيما يتعلق بإقامة واستغلال الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات، والبحث العلمي البحري، وكذا حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها.

ويميز نص المادة 56 بين الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات، إلاّ أنه لم يفرد أحكامًا خاصة بكل منها. ومن المعلوم أن الجزر الاصطناعية هي المنشآت المقامة على قاع البحر وتعلو مياهه ومخصصة لأغراض التحميل والتفريغ، أو لأغراض استكشاف واستخراج الثروات المعدنية من البحار، على عكس الجزر الطبيعية التي هي رقعة من الأرض متكونة طبيعيا .

ونظرًا لما للدولة الساحلية من ولاية في هذا الميدان، فقد أقرت لها الفقرة الأولى من المادة 60 «بالحق دون غيرها في أن تقيم وفي أن تجيز وتنظم إقامة وتشغيل واستخدام» هذه الجزر والمنشآت والتركيبات، وهو حق للدولة الساحلية تستخدمه وحدها وقد تسمح للغير المشاركة في هذا .

كما للدولة الساحلية ولاية خالصة على هذه الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات ،بما في ذلك الولاية المتعلقة بالقوانين والأنظمة الجمركية والضريبية والصحية وقوانين وأنظمة السلامة والهجرة .

وللدولة الساحلية، حين تقتضيه الضرورة أن تقيم حول الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات مناطق سلامة معقولة لا تتجاوز 500  متر حولها، ويجب على جميع السفن الأجنبية أن تحترم مناطق السلامة وأن تطبق المعايير الدولية فيما يتعلق بالملاحة في جوار الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات ومناطق السلامة حولها إذا ترتب على ذلك إعاقة استخدام الممرات البحرية المعترف بأنها جوهرية للملاحة .

وليس للجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات التي تقيمها الدولة الساحلية إقليم بحري أو الحقوق المترتبة على وضع الجزر الطبيعية، وهذا حسب نص الفقرة 08 من المادة 60 من اتفاقية 1982.

2ـ البحث العلمي البحري في المنطقة الاقتصادية الخالصة

ويقصد به إجراء الدراسات أو أية أعمال تجريبية متصلة بها تهدف إلى زيادة معرفة الإنسان بطبيعة المنطقة وما تحتويه. وللدولة الساحلية ولاية خالصة فيما يتعلق بالبحث العلمي في هذه المنطقة، وتبدو أهمية البحوث العلمية في مياه المنطقة وقاعها وما تحت القاع يشكل عامل مساعدة لتسيير نشاطات الكشف والاستغلال الاقتصاديين ، فعن طريق البحث العلمي يتم التعرف على خصائص الموارد الطبيعية ونوعياتها وأحجامها.

وقد تشمل الأبحاث البحرية الأسماك وحركة الموارد الحية المتحركة والثابتة والثروات التي تضمها المنطقة الاقتصادية أو المناطق الأخرى، وليس من الضرورة إقامة مؤسسات البحث العلمي في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وإنما تكون أعمالها وتجاربها في هذه المنطقة .

والإقرار بحق الدولة الساحلية في البحث العلمي البحري ورد في نص المادة 56 من اتفاقية 1982، كما عنيت المادة 246 من نفس الاتفاقية بتوضيح الآلية القانونية التي يتم وفقا لها ممارسة الدولة الساحلية حقها في القيام بالبحث العلمي، أو الترخيص به لغيرها من الدول أو المنظمات .

3ـ حماية البيئة البحرية في المنطقة الاقتصادية الخالصة والحفاظ عليها

عندما تدخل السفن الأجنبية المنطقة الاقتصادية الخالصة والمناطق الأخرى التابعة للدولة الساحلية، فإنها غالبًا ما تؤثر في تلوث المياه، أو أنها تحمل مواد قد يؤدي تسربها إلى تهديد البيئة البحرية، لهذا تعمل على منع السفن التي تلوث في بيئتها.

وقد عرّفت الفقرة الرابعة من المادة الأولى من اتفاقية 1982 تلوث البيئة البحرية بأنه:

« يعني  « تلوث البيئة البحرية « إدخال الإنسان في البيئة البحرية، بما في ذلك مصاب الأنهار ،بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مواد أو طاقة تنجم عنها أو يحتمل أن تنجم عنها آثار مؤذية، مثل الإضرار بالموارد الحية والحياة البحرية، وتعريض الصحة البشرية للأخطار».

كما نصت المادة 196 في فقرتها الأولى على أنه: « تتخذ الدول جميع ما يلزم من التدابير لمنع وخفض تلوث البيئة البحرية والسيطرة على هذا التلوث الناتج عن استخدام التكنولوجيات الواقعة تحت ولايتها أو رقابتها أو عن إدخال أنواع غريبة أو جديدة، قصدا أو عرضا على جزء معين من البيئة البحرية يمكن أن تسبب فيها تغييرات كبيرة وضارة بتلك البيئة.»

ومن خلال هذا التعريف يتبين لنا مدى الارتباط الوثيق بين ما تقرر للدولة الساحلية من حقوق سيادية فيما يتصل باستكشاف واستغلال الموارد الطبيعية في هذه المنطقة، ومنحها ولاية فيما يتعلق بحماية البيئة البحرية والعمل على منع تلوثها أو تخفيفه54.

وبالتالي يمكن القول أن ولاية الدولة بحماية البيئة البحرية تستخلص من حقها على الموارد الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، فطالما قد اعترف للدولة الساحلية بحقوق ثابتة على موارد المنطقة فإن ذلك ينطوي على الاعتراف لها باتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع الإضرار بهذه الموارد ومن ذلك منع التلوث ومكافحته بكافة الوسائل55.

وقد نصت المادة 192 من اتفاقية 1982 على أنه: « الدولة ملزمة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها»، وعليه فإن هذه المادة قد قوّت من موقف الدولة المتدخلة على حساب دولة العلم لدرء أي شكل من أشكال التلوث البحري.

ويمكن للدولة الساحلية التعاون مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال حماية البيئة البحرية، وقد أفردت له اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الفرع الثاني من الجزء الثاني عشر المتعلق بالتعاون العالمي والإقليمي والمندرج تحت عنوان «حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها» .

كما يحق للدولة الساحلية وضع قوانين وأنظمة خاصة بمنع وخفض ومكافحة التلوث في المنطقة الاقتصادية الخالصة . مهما كان مصدر هذا التلوث وفي أي ميدان من ميادين التلوث البحري، سواء تلوث من الجو أو من السفن أو من مصادر برية .

المطلب الثاني : حقوق وواجبات الدول الأخرى في المنطقة الاقتصادية الخالصة

رتبت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 لدول معينة، غير الدولة الساحلية ،حقوق على الموارد الطبيعية الحية للمنطقة الاقتصادية الخالصة متى توافرت شروط معينة في تلك الدول وفي المنطقة المعنية ، لهذا سوف نتطرق إلى حقوق وواجبات الدول الأخرى في هذه المنطقة في نقطتين أساسيتين ،الفرع الأول ،  حقوق وواجبات الدول الغير في المنطقة الاقتصادية الخالصة ثم الفرع الثاني حقوق الدول غير الساحلية والدول المتضررة جغرافيًا في هذه المنطقة

الفرع الأول : حقوق الدول الغير وواجباتها في المنطقة الاقتصادية الخالصة

تتمثل حقوق وواجبات الدول الأخرى انطلاقًا من فكرة الحقوق السيادية، فالدولة الساحلية ليس لها سيادة كاملة في منطقتها الاقتصادية الخالصة، حيث تبقى الدول الأخرى محتفظة بحقوقها التقليدية المتمثلة في ممارسة أغلب الحريات المتفرعة عن مبدأ حرية البحر العام، وكذا حقوق جديدة تتمثل في استغلال الفائض من الثروات الحية .

من هذا المنطلق رسمت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 الإطار العام الذي يمكن من خلاله لبعض الدول الغير من أن تشارك في الثروات الحية للمنطقة الاقتصادية الخالصة، ومعينةً في الوقت ذاته الالتزامات والواجبات الملقاة على عاتق تلك الدول في هذه المنطقة .

وقد تضمنت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 في مادتها 58 حريات الدول الأخرى في المنطقة الاقتصادية الخالصة ، والمتمثلة في تمتع هذه الدول بحرية الملاحة والتحليق ووضع الكابلات ووضع الأنابيب المغمورة وغير ذلك مما يتصل بهذه الحريات من أوجه استخدام البحر المشروعة دوليا كالبحث العلمي مثلاً.

وإذا كانت الدولتين الساحليتين متجاورتين، فلكل منهما الحقوق الثابتة في المنطقة الاقتصادية التابعة لها، غير أن بعض الحقوق التي يتمتعان بها في المنطقة الاقتصادية الخالصة قد تكون مترابطة مما يتطلب التعاون بينهما، ومن ذلك فإن الثروة السمكية ثروة متحركة، وأن استغلالها و المحافظة عليها يتطلب التعاون بينهما، وهذا ما يتطلب التعاون بين الدولتين بشكل مباشر أو عن طريق المنظمات الدولية المتخصصة .

وعلى الرغم من أن اتفاقية قانون البحار لعام 1982 أعطت للدول الغير حقوقًا في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة الساحلية، إلاّ أن هذه الحقوق والحريات مقيدة، حيث تلتزم سفن وطائرات هذه الدول باحترام القوانين والتنظيمات التي تضعها الدولة الساحلية .

الفرع الثاني : حقوق وواجبات الدول غير الساحلية والدول المتضررة جغرافيًا

تستند مطالبة الدول غير الساحلية والدول المتضررة جغرافيًا ببعض الحقوق في الثروات الحية في المناطق الاقتصادية الخالصة إلى أن إعلان جميع الدول الساحلية لمناطق اقتصادية خالصة يؤدي إلى تحويل مساحات واسعة من البحر العالي إلى مناطق وطنية، هذا الإشكال كان موضوع للمناقشة والمفاوضة في المؤتمر الثالث لقانون البحار، انتهى بصياغة المادتين 69 و70 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام1982، واللتين اعترفتا لهذه الدول الغير بحق المشاركة في استغلال الثروات الحية للمناطق الاقتصادية الخالصة للدول المجاورة .

وقد استقرت الاتفاقية على منح الدول الحبيسة حق المشاركة في فائض الثروات الحية المتوفرة في المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول الساحلية الواقعة في نفس المنطقة دون الإقليمية أو الإقليمية .

ومن خلال نص المادة 69 الذي يتكلم عن حق الدولة غير الساحلية ، يتضح لنا بأن الحقوق الاقتصادية في هذه المنطقة لا تستأثر بها الدولة الساحلية وحدها وإنما تمتد إلى حد ما إلى الدول غير الساحلية المجاورة، كما أن حقوق هذه الدول المجاورة ترتكز على استغلال الموارد الحية في المنطقة، وتخضع لتنظيم يتم وفقًا لاتفاقات خاصة تبرمها الدول المعنية، كما أن الدول غير الشاطئية أو الحبيسة لا تستفيد من حق المشاركة في استغلال الثروات الحية إلاّ في المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الساحلية المجاورة والمتقدمة في النمو أيض .

في حين نصّت المادة 70 على الدول التي تعتمد بحكم موقعها الجغرافي على الثروات الحية الموجودة في منطقة اقتصادية خالصة لدولة أخرى أو الدول التي لا تستطيع المطالبة بمنطقة اقتصادية خالصة كافية نظرًا لوضعها الجغرافي .

أما من ناحية الواجبات التي تقع على هذه الدول، فإن الاتفاقية ألزمتها بنوعين منها ،واجبات عامة تقع على عموم الدول في هذه المنطقة، كتلك التي نصت عليها المادة 58 والتي تعنى بعدم التأثير على حقوق الدولة الساحلية على منطقتها، فضلاً عن التزام هذه الدول باحترام القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة الساحلية في منطقتها، علاوة على درء كل أشكال التلوث البحري والعمل على الوقاية والتقليل منه .

الخاتمة :

إن استئثار الدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة ببعض الحقوق ، لا ينفي مطلقًا أن يقع على عاتق هذه الدولة في مقابل تمتعها بالحقوق المقررة لها جملة من الواجبات بموجب اتفاقية قانون البحار لعام 1982، ينبغي لها الوقوف عندها والالتزام باحترامها .

وتلتزم الدولة الساحلية من الناحية الاقتصادية بحسن إدارة واستغلال الثروات الطبيعية الحية، فلقد وضع على عاتق الدولة عدم تعرض الثروات الطبيعية الحية لخطر الاستغلال المفرط، لهذا وضعت اتفاقية 1982 لقانون البحار جملة من الالتزامات على عاتق الدولة الساحلية بهدف حفظ هذه الموارد . كما لها أن تقرر قدرتها على جني الموارد الحية في منطقتها الاقتصادية الخالصة، وهي التي تقرر وجود الفائض ومقداره وكيفية مشاركة الدول الأخرى للاستفادة من هذا الفائض، وهو ما نظمته المادة 62 من اتفاقية 1982 .

إضافة إلى هذا فالدولة الساحلية ملزمة بحماية البيئة البحرية وفق المادة 192 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، كما تلتزم بإعطاء موافقتها على إجراء البحث العلمي في منطقتها الاقتصادية الخالصة للدول الأخرى أو المنظمات الدولية المختصة، متى كان موضوع البحث يتعلق بأغراض سلمية ويهدف إلى زيادة المعرفة بالبيئة البحرية . كما تلتزم أيضا بالإعلان الواجب عن الخرائط أو قوائم الإحداثيات الجغرافية التي تبين خطوط الحد الخارجي للمنطقة الاقتصادية الخالصة، وخطوط التحديد مع الدول المجاورة على خرائط ذات مقياس ملائم.

وقد أوضحت الاتفاقية بأن الدولة الساحلية تتمتع بحقوق سيادية وولاية على المنطقة الاقتصادية الخالصة، وليس سيادة كاملة، وبالتالي فإن اختصاصاتها في هذه المنطقة مستمدة من هذه الحقوق، وتمارس بالقدر الكافي للمحافظة والاستغلال لهذه الموارد الحية وغير الحية ،وللدول الغير التمتع ببعض الحقوق مثل حرية المرور والفائض من الثروات الحية.




المصادر :

اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، 10 ديسمبر/ 1982، مجموعة معاهدات الأمم المتحدة، المجلد 1834، عدد 31363، ص. 3

( ب،ن ) ، 12.10 . 2022 ،المنطقة الاقتصادية الخالصة.. لماذا تثير العديد من النزاعات حول العالم؟ موقع الجزيرة نت

 

المقالات الأخيرة