شبكات الاتجار بالبشر
فرع القاهرة



يعد الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين جريمة عالمية واسعة الانتشار والتي تستخدم فيها الرجال والنساء والأطفال من أجل الربح، وتستفيد الشبكات المنظمة أو الأفراد الذين يكونون وراء هذه الجرائم المربحة من الأشخاص الضعفاء أو اليائسين أو الذين يبحثون ببساطة عن حياة أفضل، ويسعى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة جاهدا للقضاء على هذه الجرائم من خلال تفكيك المؤسسات الإجرامية التي تتاجر بالأشخاص وإدانة الجناة الرئيسيين.

 
في نهاية المطاف، يعمل مكتب الأمم المتحدة علي حماية الناس من سوء المعاملة أو الإهمال أو الاستغلال أو حتى الموت المرتبط بهذه الجرائم.

ويقصد حسب تعريف الأمم المتحدة بتعبير "الاتجار بالأشخاص": تجنيد أشخاص، أو نقلهم، أو تنقيلهم، أو إيواؤهم، أو استقبالهم بواسطة القوة، أو الاختطاف، أو الاحتيال، أو بهدف استغلالهم من اجل الربح المالي، ويمكن للرجال والنساء والأطفال من جميع الأعمار ومن جميع الخلفيات أن يصبحوا ضحايا لهذه الجريمة التي تقع في كل منطقة من مناطق العالم، وكثيرا ما يستخدم المتاجرون العنف أو وكالات العمل الاحتيالية والوعود المزيفة بالتعليم وفرص العمل لخداع ضحاياهم وإكراههم.

وإن تعبير "تهريب المهاجرين" يشمل تيسير الدخول غير النظامي إلى بلد لا يكون فيه المهاجر مواطنا أو مقيما، من أجل تحقيق مكاسب مالية أو مادية أخرى، ويغتنم المجرمون وراء هذه الأعمال التجارية المربحة للغاية الفرصة التي أوجدتها حاجة الناس أو رغبتهم في الإفلات ليس فقط من الفقر والافتقار إلى فرص العمل، بل أيضا الكوارث الطبيعية والصراعات والاضطهاد.

وقد أجرت كلية لندن للاقتصاد دراسة حول عمل شبكات الاتجار بالبشر في نيجيريا للبحث في أسباب لجوء كثير من النيجيريين الراغبين بالهجرة إلى التعامل مع مهربين، رغم وجود مخاطر عالية لأن يتم استغلالهم وإجبارهم على العمل في ظروف قاسية. وخلصت الدراسة إلى تقديم معطيات أساسية وإجابة عن أسئلة ملحة، حول العلاقة بين الرغبة في الهجرة وقبول التعامل مع شبكات تهريب البشر.

وتشير بيانات جديدة، بحسب الدراسة، من ولاية إيدو في نيجيريا إلى أن نسبة كبيرة من السكان يعرّضون أنفسهم لمخاطر التعامل مع تجار البشر من أجل الهجرة. ويتبين أن الكثيرين لديهم فهم معقد لمخاطر الاستغلال بعد قبول صفقة تشمل الهجرة مقابل العمل. وعلى الرغم من المخاطر المحتملة، يلجأ الراغبون بالهجرة إلى "تجار البشر" كوسيلة ضرورية لتحقيق فرص أفضل في الخارج.

عندما نتحدث عن الاتجار بالبشر، نفكر غالبًا في مشاهد درامية للاختطاف. ومع ذلك، هذه الصورة غير دقيقة إلى حد كبير. وهناك مفهوم خاطئ شائع حول الاتجار بالبشر يتعلق بالقبول بين الطرفين المهربين والراغبين بالهجرة.

ووفقًا لبروتوكول الأمم المتحدة للاتجار بالبشر، يقوم التجار بتهريب الأشخاص لإخضاعهم ووضعهم تحت سيطرتهم واستغلالهم. وقد يوافق هؤلاء في البداية على هذه الترتيبات، ليكتشفوا لاحقا أنهم خدعوا حيث يتم إجبارهم على العمل في ظروف قاسية.

لماذا يختار أي شخص الاتجار به عن طواعية؟

يتطلب هذا السؤال منا النظر عن كثب إلى الواقع القاسي الذي يوجهه المهاجرون المحتملون من البلدان الفقيرة. وفي نيجيريا، الطرق القانونية للهجرة إلى المملكة المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة غير متاحة وغير معقولة التكلفة. وأمام هذه الخيارات المحدودة، يلجأ الكثيرون إلى تجار البشر الذين يقدمون صفقة مغرية: الهجرة إلى البلد المختار مقابل العمل عند الوصول.

وهذا الاقتراح، رغم أنه مليء بالاستغلال المحتمل، يقدم بصيص أمل للمهاجرين المحتملين الذين يعانون من ضائقة مالية. وهذا الترتيب يجذب بشكل خاص الشباب الأصغر في العائلات غرب أفريقيا، حيث يتضمن التقليد غالبًا استثمار آمال وموارد الأسرة في الابن الأكبر. أما البنات والأبناء الأصغر، الذين يتطلعون إلى شق طريقهم الخاص، ولكنهم يفتقرون إلى الوسائل، فقد يرون في الهجرة الخيار الوحيد القابل للتطبيق.

طبقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن حوالي 21 مليون رجل وامرأة وطفل يجري إجبارهم الآن على مزاولة أشكال مختلفة من العمل القسري، وهو ما يدر أرباحاً غير مشروعة تبلغ 150 بليون دولار أمريكي سنوياً.

على الرغم من اعتماد إطار قانوني شامل ودولي، يستمرّ الاتجار بالملايين من الأطفال والنساء والرجال سنويًا في المناطق كافة وفي معظم بلدان العالم. وقد يتمّ الإتجار بالضحايا ضمن البلد نفسه أو عبر الحدود لغايات عديدة، منها العمل القسري والاستغلالي في المصانع والمزارع والأسر المعيشية الخاصة، والاستغلال الجنسي والزواج القسري ونزع الأعضاء.

ويصعب قياس هذه الظاهرة نظرًا إلى طبيعة الإتجار السريّة. فبحسب التقديرات العالمية لمؤسسة لنمشِ أحرارًا ومنظمة العمل الدولية، تعرّض 25 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم للعمل القسري والاستغلال الجنسي

كما بينت التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أنّ النساء والفتيات لا يزلن يتأثّرن أكثر من غيرهنّ بالإتجار بالأشخاص فقد وقعت حوالي خمس نساء بالغات وفتاتان ضحية الإتجار من بين كلّ عشرة ضحايا تم اكتشافهم على المستوى العالمي. ويوضح التقرير ما يلي:

حوالي ثلث إجمالي الضحايا المكتشفين هم من الأطفال، من فتيات وفتيان على حد سواء، و20 في المائة من الضحايا المكتشفين من الرجال البالغين.

تم الاتجار بمعظم الضحايا (50 في المائة منهم) لغرض الاستغلال الجنسي، بينما تم الاتجار بنسبة 38 في المائة منهم لأغراض العمل القسري.

فيما يتعلّق بأنواع الاستغلال المختلفة، بيّن التقرير ما يلي:

- بالنسبة إلى الفتيات: تمّ الإتجار بـ72 في المائة منهنّ لغرض الاستغلال الجنسي، و21 في المائة لغرض العمل القسري، و7 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى

- بالنسبة إلى الفتيان: تمّ الإتجار بـ23 في المائة منهم لغرض الاستغلال الجنسي، و66 في المائة لغرض العمل القسري، و11 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى

- بالنسبة إلى النساء: تمّ الإتجار بـ77 في المائة منهنّ لغرض الاستغلال الجنسي، و14 في المائة لغرض العمل القسري، و9 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى

- بالنسبة إلى الرجال: تمّ الإتجار بـ17 في المائة منهم لغرض الاستغلال الجنسي، و67 في المائة لغرض العمل القسري، و1 في المائة لغرض نزع الأعضاء و15 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى


العوامل التي تعرّض الأشخاص للإتجار:

على الرغم من أنّ معلوماتنا بشأن الاتجار بالأشخاص لا تزال غير كاملة، من المعترف به على نطاق واسع أنّ عددًا من العوامل يجعل فردًا أو فئة اجتماعية أو مجتمعًا محليًا أكثر عرضة لمخاطر الاتجار والاستغلال المرتبط به. ويُعتبر التمييز من حيث الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من العوامل الأساسية التي تجعل بعض الأشخاص أشد عرضة من غيرهم لخطر الاتجار. فالتمييز والفقر يؤدّيان إلى خيارات حياتية أقلّ وأسوأ، ومن الممكن أن يدفعان ببعض الأفراد إلى تعريض أنفسهم للخطر واتخاذ قرارات لم يكونوا ليتخذوها يومًا لو تمّت تلبية احتياجاتهم الأساسية. وقد يؤدّي الافتقار إلى الخيار الحقيقي بدوره إلى تفاقم ضعف بعض الفئات المحدّدة، على غرار الأقليّات، والمهاجرين والنساء والفتيات. وبالإضافة إلى الحرمان الاقتصادي وحالات عدم المساواة، يُعدّ التمييز على أساس النوع الاجتماعي والأصل العرقي من العوامل البارزة التي قد تحدّ من الخيارات الحياتية وتجعل بعض الأشخاص والمجتمعات المحلية أكثر عرضة للاتجار. وفي السنوات الأخيرة، ازدهر الاتجار أيضًا بين السكان الذين يعيشون في حالات النزاع أو يهربون منها.

إنّ الروابط بين حقوق الإنسان والإتجار بالأشخاص متعدّدة. فحقوق الإنسان عالمية وبالتالي يحقّ لضحايا الاتجار التمتّع بالمجموعة الكاملة من هذه الحقوق بغض النظر عن نوعهم الاجتماعي، أو سنّهم أو أصلهم العرقي أو الإثني أو جنسيّتهم أو وضعهم من الهجرة أو أيّ نوع آخر من التمييز. كما أنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يقرّ بأنّ بعض الفئات المحدّدة مثل النساء والأطفال، تستلزم حماية إضافية أو خاصة.

 

 

ضرورة اعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان:
يكتسي مختلف حقوق الإنسان أهمية في المراحل المختلفة من دورة الاتجار. فبعضها مرتبط بشكل خاص بأسباب الاتجار، حيث يؤدّي انتهاك أحد حقوق الإنسان، مثل انتهاك الحقّ في مستوى معيشي لائق، إلى ازدياد إمكانية تعرّض أحد الاشخاص لخطر الاتجار. والبعض الآخر مرتبط بعملية الاتجار بحدّ ذاتها. ففي الواقع، يشكّل الاتجار والممارسات المرتبطة به، على غرار الرق والاستغلال الجنسي وعمالة الاطفال والعمل القسري والزواج القسري، انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، وهي محظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وأخيرًا، ترتبط بعض حقوق الإنسان بالاستجابة للاتجار، مثل الحقّ في اللجوء إلى القضاء والحقّ في الحصول على سبيل انتصاف فعّال، والحقّ في محاكمة عادلة.

في حين أن الرابط بين حقوق الإنسان والاتجار بالبشر يبدو واضحًا إلى حدّ ما، فإنّه لا يشير بالضرورة إلى أنّ حقوق الإنسان ستكون في صميم الاستجابات لحالات الاتجار.

فالنهج القائم على حقوق الإنسان يضع الضحية في صميم أيّ عمل فعّال وموثوق. كما يعمد إلى توسيع نطاق التركيز وصولًا إلى الأسباب الجذرية التي يقوم عليها الاتجار بالأشخاص، وتحافظ على إفلات مرتكبي جرائم الاتجار من العقاب، وتحرم الضحايا من العدالة، على غرار أنماط التمييز والتوزيع غير العادل للسلطة والطلب على السلع والخدمات المستمدة من الاستغلال وتواطؤ القطاع العام.

كما يقرّ النهج القائم على حقوق الإنسان بأنّ الحكومات تتحمّل مسؤولية حماية وتعزيز حقوق جميع الأشخاص داخل ولايتها القضائية، بما في ذلك غير المواطنين، وبالتالي لديها التزام قانوني بالعمل على القضاء على الاتجار بالأشخاص وحالات الاستغلال المرتبطة به.

ماذا نفعل للقضاء على الإتجار بالأشخاص؟
تعالج مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان قضيّة الإتجار عبر اتّباع نهج قائم على حقوق الإنسان. وينبع هذا النهج من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والأطر القانونية الدولية الأخرى المتعلقة بالاتجار. وقد تم تصوره في المبادئ والمبادئ التوجيهية الموصى بها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والإتجار بالأشخاص.

ومنذ العام 2000، تحقّق المفوضية السامية لحقوق الإنسان النجاح في تعزيز هذا النهج. وتركّز جهودها على ثلاث مجالات أساسية هي تنمية القدرات، وإنتاج الأبحاث وتعزيز المعارف، وبناء الشراكات.

 

- تنمية القدرات

تساهم المفوضية في بناء قدرة الدول الأعضاء كي تضمن امتثال قوانينها وسياساتها ولوائحها الإدارية للمعايير الدولية لحقوق الإنسان في مجال الاتجار بالأشخاص. فعلى مدى العقد الماضي، ساعدت المفوضية بلدان وسط أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحقيق خطوات إيجابية نحو دمج حقوق الإنسان في استجاباتها للاتجار كما عملَت على إذكاء الوعي وبناء القدرات بشأن الاتجار بالمهاجرين

- إنتاج الأبحاث وتعزيز المعارف

على الرغم من اعتماد إطار قانوني وسياساتي متين لمكافحة الاتجار بالأشخاص على المستوى الدولي، هناك العديد من المناطق التي لا تزال رمادية ويسودها الغموض فيما يتعلق بالاتجار بالأشخاص والقضاء عليه بأكثر الوسائل فعالية. ومفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ملتزمة بالمساهمة في المزيد من الأبحاث وتعزيز المعارف حول القضايا الناشئة التي لم يتم البحث فيها بعد بصورة معمّقة، على غرار الاتجار لغرض نزع الأعضاء والحق في توفير سبل الانتصاف وأشكال الرق المعاصرة، على سبيل المثال لا الحصر.

- الشراكات

إنّ الاتجار بالبشر هو قضية معقدة يتطلب القضاء عليها اعتماد نهج متعدد الاختصاصات. لهذا السبب، تبقى مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ملتزمة بكلّ حزم بالانخراط في العمليات المشتركة بين وكالات الأمم المتحدة وتعزيز التعاون مع مختلف الجهات الفاعلة.

- الانخراط مع فريق التنسيق المشترك بين الوكالات لمكافحة الاتجار بالأشخاص

تُعتَبَر المفوضية السامية لحقوق الإنسان على المستوى العالمي، عضوًا ناشطًا في فريق التنسيق المشترك بين الوكالات لمكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي هو بمثابة منتدى للسياسات كلّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشائه بهدف تحسين التنسيق بين وكالات الأمم المتحدة وتيسير اتباع نهج شامل لمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص. وفي هذا السياق، تساهم المفوضية في إدراج نهج قائم على حقوق الإنسان في أوراق السياسات المشتركة والموجزات والإحاطات المقدمة إلى الدول الأعضاء، التي يعدّها فريق التنسيق المشترك بين الوكالات لمكافحة الاتجار بالأشخاص.


- تحالف الغاية 8.7

تدعو الغاية 8.7 من خطّة الأمم المتّحدة لعام 2030 إلى "اتخاذ تدابير فورية وفعالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرقّ المعاصر والإتجار بالبشر وضمان حظر واستئصال أسوأ أشكال عمل الأطفال، بما في ذلك تجنيدهم واستخدامهم كجنود، وإنهاء عمل الأطفال بجميع أشكاله بحلول عام 2025." وتحالف الغاية 8.7 هو مبادرة تجمع عددًا من أصحاب المصلحة، تم إطلاقها للمساهمة في تحقيق هذه الغاية. ومفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان جزء من هيئة إدارة التحالف وتقود مجموعة العمل المعنية بسيادة القانون والحوكمة. وفي إطار تحالف الغاية 8.7، ساهمت المفوضية أيضًا في إعداد التقديرات العالمية بشأن الرقّ المعاصر وعمل الأطفال.

 


ـــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
الأمم المتحدة

مركز دراسات الجزيرة

المفوضية السامية لحقوق الانسان 

المقالات الأخيرة