تتصل
منشأة مارسيليا-فوس بفرنسا بشبكة بيانات واسعة تُشكّل 95% من حركة الإنترنت العالمية العابرة للبحار. إذ تخدم عدة مناطق
متنوعة مثل هونغ كونغ وسنغافورة والهند وعمان ومصر واليونان وبريطانيا والبرتغال
ونيجيريا وجنوب أفريقيا، ومثل مارسيليا-فوس، هناك
نحو 1.400 موقع هبوط عالميا يربط نحو 500كابل نشط ومخطط له.
وتوفر
الشبكة حركة مرور سلسة للإنترنت حول العالم، لكن أعمال تركيب وصيانة تلك الكابلات
تُهيمن عليها حفنة من الشركات الأمريكية والفرنسية واليابانية، إلا أن مؤخراً دخلت
الشركات الصينية على الخط أيضاً.
وتمر
معاملات مالية تتجاوز قيمتها 10 تريليون دولار عبر تلك الكابلات بصفةٍ
يومية، إلى جانب كل أشكال البيانات بدايةً ببرامج نتفليكس ومقاطع يوتيوب والبرقيات
الدبلوماسية عالية السرية ووصولاً إلى الأوامر العسكرية، ولهذا بات البنية التحتية
لهذه الكابلات أولويةً جيوسياسية، تستغل فيها الصين وأمريكا كافة أدوات سيطرة
الدولة من أجل التحكم فيها وفرض تكافؤ القوى في القرن الـ21.
مع
قرب انتهاء مهمة أستراليا في جزر سليمان، سعت إلى إتمام مهمة عمل أخيرة تتمثل
بتمديد كابل ألياف بصرية جديد بطول 4.500 كلم بين هونيارا وسيدني.
كان المشروع بمثابة مبادرة تنمية حيوية حظي بدعم
غربي تضمن دعماً من بنك التنمية الآسيوي
لكن
الخطة تعطّلت عندما قرر سوغافارا منح العقد لشركة Huawei Marine الصينية، وأثار هذا الأمر قلق كانبرا بسبب تسريبات إدوارد سنودن
عام 2013، حيث كشفت أن المعدات الأمريكية الشبيهة
بمعدات هواوي تم تعديلها لتُرسل بيانات المراقبة إلى وكالة الأمن القومي
الأمريكية.
لذا
شعرت وكالات الاستخبارات الغربية بالقلق من أن بكين قد تفعل الشيء نفسه، وبعد
فترةٍ وجيزة من اجتماع وارنر، تمت الإطاحة بسوغافارا في تصويت لسحب الثقة بسبب
مزاعم الفساد والرشوة، ثم سعى إلى توطيد علاقاته الأمنية ببكين بعد عودته إلى
رئاسة الوزراء في عام 2019لكن بديله ومسؤول البنك الدولي السابق “ريك
هاو” كان قد ألغى التعاقد مع هواوي بالفعل مما سمح لأستراليا بالتدخل والسيطرة على
المشروع.
تجارة
الكابلات البحرية
الكابلات
البحرية هي المسؤولة عن شكل عالمنا اليوم، لكن نقاط ضعفها تكمن في تصميمها.
تُعد
الكابلات نحيفةً لدرجة مدهشة وبسُمكٍ يساوي خرطوم الماء في الحديقة تأتي بمجموعة
متنوعة من التصاميم والمكونات والمواد
أبسط
تشريح لها يتألف من طبقة خارجية من لدائن البولي بروبيلين البلاستيكية من أجل
العزل تليها أسلاك حديدية مضفرة تؤدي دور الدرع الواقي تأتي طبقة البلاستيك متعدد
الإيثيلين للعزل المائي تليها المزيد من الأسلاك الحديدية والبلاستيك متعدد
الإيثيلين
في
منتصف الكابل تقريباً، يوجد أنبوب من النحاس أو الألومنيوم لحماية الكابل من التلف
والتآكل يليه شريط يلتف حول الكابل بالكامل لمنع الماء
في
النهاية، نصل إلى الطبقة الأعمق التي تحوي الألياف البصرية التي تشبه الشعيرات
يفصل بين تلك الشعيرات ويُثبّتها جوهر من لدائن الزجاج الليفي
وتُطلق
الألياف البصرية إشارات الليزر نحو مُستقبلات على الطرف الآخر لكن تلك الإشارات
تتداخل عندما تسافر لمسافات طويلة، ولهذا يجري وضع جهاز مُكرِّر كل 60 أو 70 كلم لتعزيز الإشارة، ويزعم بعض الخبراء أن
أجهزة المُكرر قد يجري تعديلها لأغراض المراقبة أثناء عملية التصنيع أو الصيانة،
بينما يزعم آخرون بأنه من السهل مراقبة الكابلات في محطات الهبوط الساحلية ما يمثل
بدوره منجم ذهب لوكالات الاستخبارات.
وتُعَدُّ
تجارة الكابلات مجالاً شديد التخصص ولا يتوافر الخبراء أحياناً لدرجة تُجبر
الحكومات على اللجوء إلى منافسيها لإصلاح بنيتها التحتية، وينطبق هذا الأمر على
القوى المتوسطة والقوى الجيوسياسية العملاقة معاً، حيث عمل المهندسون الصينيون على
كابلات مملوكة لشركات أمريكية، والعكس صحيح ما يعني وجود خطر عند الاستعانة
بمصادرٍ خارجية للصيانة دائماً، إذ من الممكن تركيب أجهزة لالتقاط البيانات أو
إفسادها، ما سيحول الكابل إلى عبءٍ على صاحبه وهذا يجعل كل كابل جديد بمثابة
مناورة جيوسياسية، وهكذا تنتقل البيانات حول العالم، ولهذا تستحق الكابلات البحرية
القتال من أجلها.
الأقمار
الصناعية
تحمل
الأقمار الصناعية بيانات أقل تكلفة إطلاقها وصيانتها أعلى بكثير وربما تنضج هذه
التقنية في المستقبل لكنها لا تشكل سوى جزء ضئيل من حركة البيانات بين القارات في
عام 2023 وستظل كذلك في العقود المقبلة على الأرجح،
ومع ذلك، هناك قلق متزايد بشأن نقاط ضعف الكابلات البحرية المتمثلة في التجسس
والتخريب ما يجعل الحكومات تركز على حماية مياهها الإقليمية بدرجة أكبر.
إذ
تسمح قوانين بعض الدول لشركات معينة فقط بتركيب وصيانة الكابلات البحرية داخل
مناطقها الاقتصادية الخالصة، لكن المخاطر لم تكن مرتفعةً لهذه الدرجة دائماً،
فبينما اعتمدت كابلات البيانات على تمويل الشركات الحكومية، بدأ الوضع يتغير مع
مطلع العقد الأول من القرن الجاري.
إذ
توسعت شركات الاتصالات الصينية مثل هواوي في الأسواق المفتقرة للخدمات، مثل بابوا
غينيا الجديدة ومنطقة البحر الكاريبي، ونجحت بعد عقدٍ واحد في احتلال مكانتها
الخاصة في تجارة الكابلات.
شركة
هواوي البحرية
وبحلول
عام 2015، دشّنت الصين طريق الحرير الرقمي لتوسيع
شبكتها بالتعاون مع شركة هواوي البحرية Huawei Marine.
تستحوذ
على 15% من السوق العالمي خلال 4 سنوات فقط كانت هذه
هي صيحة الاستفاقة بالنسبة لأمريكا بدأت إدارة ترامب في تصعيد خطابها ضد بكين
ويُمكن
القول إن الكابلات البحرية تُلغي الفوارق بين القطاعين العام والخاص بطبيعتها.
وهذا يجعل الصناعة مستهدفةً لأغراض الأمن القومي وحماية الاقتصاد معاً.
ولم
تكتف واشنطن بتشديد قبضتها على شبكة الكابلات. بل استهدفت كذلك ضمان هيمنة الشركات
الأمريكية على السوق لأن مشغلي الكابلات يمكنهم تحصيل رسوم على مرور البيانات
بمجرد تثبيت أقدامهم، وذلك ببيع النطاق الترددي أو تأجير السعة لشركات التقنية،
ومقدمي خدمات الإنترنت، وغيرهم وبصفقات تمتد لعقود عادةً.
كما
تستطيع الكابلات الواصلة بالدول النامية فتح أسواقٍ جديدة، حيث تزيد مدى وصول شركات
التقنية الأمريكية العملاقة مع تعزيز قدرات المراقبة الخاصة بالدولة الأمريكية،
ولهذا السبب تنسق الحكومة والشركات تحركاتهما، وتتكفّل الحكومة عادةً بتكاليف بدء
التشغيل المرتفعة لضمان حصول الشركات الأمريكية على عقود الكابلات، بدلاً من
منافسيهم.
وادي
السيليكون في سوق الكابلات
ونجح
عمالقة وادي السيليكون في فرض أنفسهم على سوق الكابلات بفضل تحالفهم مع الحكومة
الفيدرالية.
استثمرت
شركات جوجل وميتا ومايكروسوفت ملياري دولار منذ 2016، أي 15% من إجمالي الاستثمارات العالمية
من
المتوقع أن تستثمر 4 مليارات دولار أخرى على مدار السنوات الثلاث
المقبلةتلك الشركات تستخدم نحو ثلثي النطاق الترددي العالمي سيطرتها على البنية
التحتية ستُحكم قبضتها على الصناعة أيضاً
بدأت
شركات توريد الكابلات الصينية تعاني من تناقص عروض التعاقد
دفع
تهديد واشنطن بالعقوبات شركتي Global Marine
جلوبال مارين وهواوي إلى بيع مشروعهما المشترك لمجموعة هينغتون HENGTONG GROUP التي غيرت اسمه إلى HMN Tech
لكن
الضرر كان قد وقع بنسبةٍ كبيرة ولا تمتلك HMN Tech
اليوم سوى مشروعين تحت التطوير وكلاهما في منطقة جنوب شرق آسيا. ومن المقرر
تشغيلهما عام 2025، أي إن السياسة الأمريكية نجحت في منع تحوّل
الشركات الصينية إلى أصحاب مصالح رئيسية في سوق الكابلات البحرية العالمي.
إذ
لا تمثل HMN Tech اليوم سوى 10% من شبكات الكابلات الحالية والمخطط لها وهذه نسبة أقل بكثير من
شركتي ASN الفرنسية و SubCom
الأمريكية اللتان تمثلان 41% و21% من إجمالي سوق الكابلات العالمي على الترتيب.
وتُهيمن
الولايات المتحدة على مرحلة تخطيط الكابلات لكن الصين تُعد أكثر بروزاً في تجارة
الصيانة إذ يأتي انقطاع الاتصال على حين غرة بطبيعته، وعادةً ما تقع مهمة الإصلاح
على عاتق الجهة القادرة، والمتاحة، والمتواجدة في الجوار.
كيف
أمّنت الصين نفسها بمجال صيانة الكابلات البحرية؟
صارت
ترعى البنية التحتية الكثيفة للكابلات في البحار القريبة بما فيها الكابلات
الأمريكية واليابانية، ويزعم بعض المحللين أن هذا الأمر يمنحها فرصاً للتنصت.
في
عام 2022، أصلحت السفن الصينية كابلات تُديرها AT&T وVerizon ومايكروسوفت في بحر الصين الشرقي
في
مايو التالي، زعمت مايكروسوفت بشيء من الثقة أن بعض الجهات المدعومة من الحكومة
اخترقت بنية اتصالاتها التحتية
وكان
هذا الأمر أحد الأسباب التي دفعت واشنطن إلى السعي لإبقاء كابلاتها الجديدة بعيدةً
عن الصين فعلياً، إذ تحظر مبادرة الشبكة النظيفة لعام 2020 أي اتصال مباشر فعلي بين الولايات المتحدة وبين البر الرئيسي
للصين.
وتتحدث
النتائج عن نفسها هنا حيث سنجد أن كابلي بايفروست وإيكو، المقرر تشغيلهما عام 2024، يتجاوزان المياه المتنازع عليه قرب الصين، كما هو حال مشروع كابل
أبريكوت الذي يبلغ طوله 12 ألف كلم ليربط الفلبين بإندونيسيا، والذي من
المقرر إتمامه عام 2025.
بينما
تتجلى العوامل الجيوسياسية بوضوحٍ أكبر في منطقة جنوب غرب المحيط الهادئ حيث ألغى
البنك الدولي عام 2021 مشروع كابل كان سيربط بين غوام وبين
ميكرونيسيا وكيريباتي وناورو، إذ كانت شركة HMN Tech هي الأقرب للفوز بالمشروع لكن واشنطن كانت السبب الرئيسي في
إفساده.
ففي عام 2020، تواصلت وزارة الخارجية مع مايكرونيسيا للتعبير عن رفضها للتدخل
الصيني، وبعدها أعلنت واشنطن وطوكيو وكانبرا أنهم سيمولون كابلاً جديداً على الخط
نفسه، وبحلول يونيو/حزيران 2023، بدأ تنفيذ المشروع الذي يمتد إلى 2.250 كلم بميزانية 95 مليون دولار.
وقد
عزز هذا المشروع بالتبعية مكانة غوام التي تُعد قاعدة أمريكية خارجية شديدة
العسكرة، فأصبحت تُعَد مركز بيانات رئيسي أيضاً ولا شك أن الأعمال العدائية بين
الصين وأمريكا تدفع بالشركات إلى شق مسارات جديدة لمرور حركة البيانات.
ونظراً
لأولوية الأمن القومي وأمن البيانات يجري وضع أُطر سياسية وتنظيمية تستبعد جميع
مقدمي الخدمات العدائيين خارج منظومة تقنية المعلومات والاتصالات، وتبرز سنغافورة،
وإندونيسيا، والفلبين، وجزيرة غوام الأمريكية الآن كمراكز لحركة مرور البيانات
الدولية، لكن المنافسة تمتد إلى المحيط الهندي أيضاً.
يُمثل
كابل سي-مي-وي 6، الممتد من سنغافورة إلى باريس، واحدة من
نقاط الخلاف الرئيسية هنا
كانت
HMN Tech الصينية هي الأقرب لبنائه في البدايةكان عرض الشركة هو الأكثر
تنافسية بفارق كبير حيث وصلت قيمته إلى 500مليون دولار، أي ما يُعادل ثُلث السعر المطلوب
كان
من المفترض أن يعزز المشروع مكانة HMN Tech
الدولية واشنطن تدخلت مرةً أخرى وألمحت إلى فرض عقوبات على المشروع ضمنياًولا عجب
في أن هذا أسفر عن تبديل المواقف.
حصلت
على المشروع شركة SubCom من نيوجيرسي التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع
الاستخبارات الأمريكية
تأسست
الشركة عام 1955 كأحد مشروعات الحرب الباردة لتعزيز قدرات
الحرب الأمريكية المضادة للغواصات تُطور اليوم كابلات لشركات مثل جوجل وأمازون
ومايكروسوفت وميتا
دورها
الأهم من الناحية الاستراتيجية هو كونها المقاول الوحيد للجيش الأمريكي، الذي
تساعده في مراقبة البحرية الصينية
تتمتع
الشركة بموقع مثالي لتركيب كابل جديد يصل إلى جزيرة دييغو غارسيا المرجانية
تستضيف
الجزيرة التي تديرها بريطانيا قاعدةً بحرية أنجلو-أمريكية يبلغ قوامها 3.000 جندي
يُتيح
موقعها المركزي لواشنطن أن تفرض قوتها على الممرات البحرية الحيوية، التي تربط
منتجي النفط في غرب آسيا بمستورديه في شرق آسيا
وليست
الجزيرة مجرد قاعدة بحرية فحسب هذه الأيام بل تؤدي دور همزة وصل البيانات لشبكة
العيون الخمس التي تربط وكالات الاستخبارات الأمريكية والبريطانية والكندية
والأسترالية والنيوزيلندية، بينما يُمكن وصف نشاط بكين بأنه أكثر تواضعاً إذ تعتمد
غالبية استثمارات الصين في المحيط الهندي على الكابلات الممدودة قبل الحملة ضد
شركاتها التقنية، ولعبت شركة China Mobile
دوراً محورياً في إنشاء كابل 2 أفريقيا الذي يربط القارة الأفريقية
بأوروبا.
بينما
كانت شركة China
Unicom
مستثمراً أساسياً في كابل سايل وهو كابل بطول 5.800كلم يربط البرازيل بالكاميرون وقد دخل الخدمة
عام 2020.
الصراع
حول الكابلات البحرية
ورغم
ذلك، لم تصل الكثير من الكابلات البحرية الصينية إلى الغرب في السنوات الأخيرة،
ويتمثّل الاستثناء في كابل بيس الذي دخل الخدمة في ديسمبر 2022 حيث يمتد بطول 12 ألف كلم من سنغافورة وكينيا وباكستان إلى
فرنسا عبر مصر ومالطا.
وجاء
تمويل وبناء الكابل بواسطة شركات صينية منها HMN Tech، بينما وافقت فرنسا على المشروع لأنها أرادت تحقيق الاستقلال
الاستراتيجي لنفسها وذلك في وقت تصاعد خلاله العداء بين الولايات المتحدة والصين.
لكن
تشعُّب الكابلات البحرية وتحولها إلى شبكات منفصلة سيزيد جاذبيتها باعتبارها أهدافاً
عسكرية، وربما حاولت دول مثل أوكرانيا التغلب على هذه التهديدات لبنيتها التحتية
المادية عبر استخدام إنترنت الأقمار الصناعية، لكن هذه التدابير لن تحل محل
الكابلات البحرية خلال العقود المقبلة على الأقل، ويُعد الصراع حول الكابلات
البحرية خطيراً على نحوٍ خاص نظراً لحقيقة استحالة التمييز بين الحوادث وبين
التدخلات المتعمدة.
والأسوأ
من ذلك أن النقاط الجيوسياسية المشتعلة، مثل بحر الصين الجنوبي، تُعد من مراكز
التجارة ذات البنية التحتية المكثفة تحت الماء.
تؤدي
المراسي وشباك الصيد إلى تعطيل تلك الكابلات باستمرار كما هو حال الظواهر الطبيعية
الأخرى كالانهيارات الأرضية والزلازل.
تترك
كل هذه العوامل مجالاً كبيراً لسوء الفهم وسوء التقدير
عانى
سكان جزر ماتسو، الخاضعة لإدارة تايبيه، من انقطاع الإنترنت في مطلع 2023 مثلاً حيث انقطع الكابلان الرئيسيان اللذان يربطان الجزر بتايوان
في غضون أسبوع واحد واشتبه السكان في بكين
سرعان
ما أقروا بعدم وجود دليل مباشر على تورط الصين، وعدم وجود نيةٍ لفعل ذلك.
تتمثل
إحدى مشكلات الكابلات البحرية في أن القانون الدولي المتعلق بهذه البنى التحتية
غير متطور وعفّاه الزمن بعض الشيء
حاولت
الولايات المتحدة والصين سدّ الفجوات بوضع تشريعاتهما الخاصة لكن جهودهما كانت
منقوصة لأسباب مختلفة
قوانين
الولايات المتحدة والصين للكابلات البحرية
إذ
تُعد القوانين الأمريكية قديمة للغاية. وأحدث قانون أمريكي يتعلق بالكابلات
البحرية هو قانون الكابلات البحرية لعام 1888 وبموجبه، يؤدي كسر كابل بحري إلى غرامة قدرها 5.000 دولار وسجن يصل إلى عامين، أما إسقاط المراسي وشباك الصيد بإهمال،
فسيُسفر عن غرامة قدرها 500 دولار والسجن لـ3
أشهر ولا شك أن هذه القوانين ليست رادعةً بالنسبة لفعل تصل فواتير إصلاحه إلى 3 ملايين دولار.
بينما
يفتقر تطبيق القانون الصيني إلى الاتساق،حيث تفرض بكين العقوبات بناءً على درجة
التدخل فيؤدي إتلاف الكابلات المُتعمد أو نتيجة الإهمال إلى غرامةٍ قدرها 1.400 دولار، وربما يصدر أمر للمشغلين بتعليق أنشطتهم أما غرامة تركيب
كابلات غير مصرح بها فتصل إلى 28 ألف دولار، لكن ضعف إنفاذ القانون يؤدي إلى
تسجيل الصين لـ26 عيباً في الكابلات سنوياً وهو رقم أعلى من
أي دولةٍ أخرى.
وأدى
هذا إلى التعجيل بشن الحملة الأخيرة ضد أنشطة مثل التجريف والحفر والرسو والصيد في
الأعماق، كما جرت مصادرة السفن المشتبه في أنها أعطبت الكابلات العسكري، وتُصر
الصين من جانبها على أن حق ترسيم مسارات الكابلات بطول الجرف القاري يقع على عاتق
الدولة الساحلية، وهذا يستوجب عملياً إخطار إدارة المحيطات الحكومية والحصول على
خطاب عدم ممانعة من البحرية الصينية مما قد يؤدي إلى إعادة توجيه مسار الكابلات في
بعض الأحيان.
وهذا
هو السبيل الوحيد لحصول أي مزود خدمة على تصريح لتمديد الكابلات في المياه
الصينية، وبعدها، يتعيّن على مزود الخدمة إبقاء السلطات البحرية على اطلاع بكافة
أنشطته لكن هذا سيؤدي إلى احتكاكات على الأرجح وخاصةً لأن بكين تقول إن الشركات
العاملة داخل خط القطاعات التسعة يجب أن تحصل على إذنها.
ويمثل
هذا الخط المنطقة التي تطالب بها الصين لفرض كامل سيادتها على بحر الصين الجنوبي،
وتطالب بكين وتايبيه بالسيادة على ذلك البحر رغم أن محكمة التحكيم الدائمة قضت
بعدم شرعية ذلك في عام 2016، وتُعَدُّ عملية إصدار التصاريح في واشنطن
معقدةً بالقدر نفسه حيث يجب على المشغلين الراغبين في التعاون مع الحكومة أن
يحصلوا على تصريح من هيئة الاتصالات الفيدرالية تقييم المشاركة الأجنبية وفيلق
المهندسين بالجيش الأمريكي وربما بعض السلطات المحلية والولائية.
ومن
المحتمل أن يؤدي هذا الروتين إلى تأجيل الموافقة لعامي وهي الفترة التي قد تزيد في
حال تمرير مشروع القانون الجديد الذي سيقيد مشاركة تقنية الكابلات الأمريكية.
قانون
البحار
ومع
ذلك، فإن إطار قانون البحار يعاني من أوجه قصور كبيرة ويفتقر إلى التدابير اللازمة
لحماية الكابلات البحرية إذ لا تُجرم الاتفاقية الهجمات ضد الكابلات في المياه
الدولية ولا تُلزم الدول بحماية الكابلات الواقعة داخل مياهها الإقليمية.
وإذا
لم تُعالج هذه المخاوف بشكل عالمي، فسوف تضطر كل دولةٍ إلى علاجها بشكلٍ منفرد
وهذه وصفة مضمونة لاندلاع الصراعات، حيث تُعَدُّ الكابلات البحرية بمثابة أنابيب
معلومات العالم ولهذا تتحول إلى جبهة رئيسية في الحرب الباردة الجديدة بين الصين
وأمريكا.
ولا شك أن البُنى التحتية التي تُمدّد اليوم تُعَدُّ بمثابة كتلٍ للنفوذ في المستقبل وستؤثر تداعياتها على التجارة، والسياسة الاستراتيجية، والقانون الدولي وربما يحتفظ الغرب بالريادة الآن لكن تنامي مكانة الصـين وزيادة التعاون بين بلدان الجنوب العالمي، عبر بريكس وغيرها من المبادرات، قد تفتح محاور تعاونٍ جديدة، وفي جميع الأحوال، أصبح الترويج لمشروعات الكابلات وحمايتها يُمثل أولوية جيوسياسية لأن السيطرة على الموارد لطالما كانت سبباً لإشعال الحروب، لكن نقطة الصراع المحورية اليوم تتمحور حول أهم مورد على الإطلاق: المعلومات.
المراجع:
(ب
، ن ) ، يناير 2024 ، كيف تطرد
الولايات المتحدة الصين من شبكة الإنترنت؟ ، اسباب .
(ب،ن
) ، 3.7.2023، أميركا-الصين: من سيحكم الإنترنت في العالم؟ وما سبب
"الحرب" على الـ"5 جي"؟ ،يورنيوز .