تحديات وفرص دمج التكنولوجيا المتطورة في المجتمعات
فرع بنغازي

باتت هناك تطلعات بشأن مستقبل المجتمعات البشرية عبر دمج تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي بصورة أكثر فعالية في المجتمع، بما يسمح بإيجاد نظام اجتماعي مدعوم بالابتكار في البيانات والمعلومات والمعرفة في مجالات متنوعة مثل: الرعاية الصحية، المدن الذكية، البنية التحتية، إذ يتم من خلالها إيجاد توازن بين جميع الجوانب التي تسهم في جودة الحياة. وأصبح ذلك الأمر هدفاً للعديد من الدول التي تركز على تقنيات وأساليب الذكاء الاصطناعي، من خلال تمكين إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة لتطوير المجتمع.

المجتمع والتكنولوجيا الحديثة:

أصبحت فكرة بناء "مجتمعات الذكاء الاصطناعي"، واحدة من سمات المرحلة الحالية من أجل مستقبل المجتمع البشري، واخترعت الحكومة اليابانية هذا المصطلح في عام 2018؛ لوصف المجتمع الذي يدمج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، بهدف إنشاء مجتمع يعطي الأولية لرفاهية الفرد والمجتمع باستخدام التكنولوجيا في القطاعات الخدمية المختلفة، وذلك لما يُمثله الذكاء الاصطناعي من أداة قادرة على معالجة تحديات تلك القطاعات سواءً الصحية أم التعليمية أم الزراعية أم النقل، وبما يعزز في ذات الوقت من الاستدامة وحماية البيئة.

تعود أصول هذه الفكرة إلى استكمال منجزات الثورة الصناعية الرابعة، إذ تركز على التقارب بين التكنولوجيا والعالم المادي لتحقيق تنمية تتمحور حول الإنسان، إذ يُعد المجتمع الحالي هو المرحلة الخامسة من نمو المجتمع البشري الذي يتسم بتغيرات جذرية في حياة وطريقة عيش المواطنين بفضل التكنولوجيا الرقمية التي تؤدي إلى الابتكار والازدهار والتغيير الاجتماعي.

وتتمثل الأهمية المركبّة لهذا الأمر في أن البيانات تدعم الاقتصاد الرقمي، بدءاً من خوارزميات الذكاء الاصطناعي ونماذج التعلم الآلي وحتى المساعدين الافتراضيين والسيارات ذاتية القيادة، ويمكن تطبيقها في الرعاية الصحية والتعليم والنقل وإدارة الطاقة، بما يعزز عملية صنع القرار وتحسين استخدام الموارد وإنشاء نماذج وخدمات أعمال جديدة، وتمتد آثار ذلك لإمكانية معالجة تغير المناخ ومكافحة الفقر وتفشي الأمراض.

إن الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة سوف تجعل تنمية الإنسان مرتبطة بشكلٍ متزايد بما يجعل المجتمع فعالاً ومنتجاً ومستداماً ويركز على حل القضايا الاجتماعية من خلال الابتكار، ويسعى هذا المجتمع إلى إنشاء واقع مستدام وشامل من خلال وضع البشر في قمة أولويات الإنجازات التقنية، بما يضمن أن يؤدي التقدم التقني إلى تحسين حياة الناس بدلاً من مجرد التقدم.

ولكي تتحول المجتمعات لحالة المجتمعات الذكية، هناك حاجة لاستخدام مستدام للتكنولوجيا الرقمية التي تدمج النظام المادي السيبراني مع البنية التحتية الاجتماعية، بما يسهم في تكامل التكنولوجيا ومشاركة البيانات، ويتطلب ذلك أنظمة نقل ومبانٍ وشبكات ذكية لكي تساعد هذه الهياكل المتشابكة المجتمع على العمل بسلاسة. كما يعتمد هذا المجتمع على الأنظمة السحابية لتخزين وتحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ تساعد الخوارزميات على تحليل وتفسير كميات هائلة من البيانات لأغراض صنع السياسات واتخاذ القرار وإنشاء أنظمة ذكية تعزز الإنتاجية في العديد من الصناعات.

ففي الرعاية الصحية، تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتشخيص الأمراض وتصميم استراتيجيات العلاج ومراقبة صحة المريض، ويستخدم أيضاً الذكاء الاصطناعي في التنقل وفق  أنظمة النقل الذكية التي تعمل على تخفيف الازدحام المروري، وكذلك تحليل بيانات حركة المرور للتنبؤ بالازدحام واقتراح طرق بديلة للسائقين، علاوة على استخداماتها الأخرى في كافة مجالات الحياة.

وعلى الرغم من تلك الأهمية؛ فإن التنمية التي تتمحور حول الإنسان تتطلب التمويل والمعرفة التكنولوجية والدعم المؤسسي، بما يُمثل في حد ذاته تحدياً في الدول النامية بسبب محدودية الموارد والقدرات؛ الأمر الذي يتطلب أهمية استثمار الحكومات والمنظمات الدولية في المؤسسات والمجتمعات المحلية في التنمية وتنفيذ برامج محددة.

على الرغم من الأوجه الإيجابية لتوظيف القدرات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والروبوتات وغيرها في تعزيز رفاهية الأفراد والمجتمعات، من خلال تحسين الخدمات العامة، كالرعاية الصحية والنقل والتعليم والزراعة وحماية البيئة ومصادر الطاقة وغيرها، إلا أن هناك أبعاداً سلبية لهذا التوظيف في مجالات الحياة اليومية مثل، الإضرار بالخصوصية والأمان، فضلاً عن أن الأتمتة والتكنولوجيا المتطورة قد تقلّص فرص العمل؛ ومن ثم تزيد معدلات البطالة والاضطرابات الاجتماعية بفعل عدم المساواة.

من هنا، تأتي أهمية كتاب “الذكاء الاصطناعي ومجتمع: القضايا، الفرص والتحديات” الذي حرره فيكاس خولار وآخرون، وصدر مؤخرا، إذ يناقش فكرة دمج التكنولوجيا المتطورة في المجتمعات، لكن على أساس إعطاء الأولوية للاحتياجات والمتطلبات الإنسانية. هنا، يشير مفهوم مجتمع إلى المجتمع فائق الذكاء، الذي يكون الإنسان محوره، إذ تتوافق فيه التنمية الاقتصادية والقضايا الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة، من خلال نظام متكامل يجمع الفضاءين الإلكتروني والمادي. ويُعد هذا المجتمع المرحلة الخامسة من تطور المجتمعات البشرية، إذ سبقتها أربع مراحل أساسية هي:

-         مجتمع الصيد

-         المجتمع الزراعي

-          المجتمع الصناعي

-          مجتمع المعلومات

كانت الحكومة اليابانية قد أطلقت مفهوم مجتمع في عام 2016، ضمن خطة لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء وغيرها في المجتمع، بشكلٍ يلبي احتياجاته ومتطلباته الأساسية، وبما يوفر نوعية حياة ذات جودة عالية لجميع أفراده، وتكون لديه أيضا المرونة والقدرة على مجابهة التحديات والمخاطر.

أولوية الإنسان: تأتي الحاجة إلى تحقيق تنمية تتمحور حول الإنسان، وتعطي أولوية لاحتياجاته ومتطلباته، في ظل سياق عالمي حافل بالضغوط والتحديات من قبيل: التدهور البيئي، عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، الزيادة السكانية. ويتطلب التعامل مع تلك التحديات دمج التقنيات الرقمية والمادية مثل، التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مراحل التطور الإنساني.

وتُعد التكنولوجيا المتطورة وسيلة لدعم الاقتصاد الرقمي، وتقديم وتحسين الخدمات الاجتماعية الأخرى كالرعاية الصحية والتعليم والنقل وإدارة الطاقة، من خلال تعظيم الاستفادة من البيانات التي تنتجها الأجهزة والأنظمة الرقمية لدعم عملية صنع السياسات الخاصة بتلك القطاعات، وبما يساعد بصورة كبيرة على الحد من تغير المناخ والفقر وتفشي الأمراض في المجتمعات. إلا أن ذلك، يتطلب بطبيعة الحال، معالجة التداعيات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية، بما يضمن الحفاظ على الأمان والخصوصية، لكن هنالك تحديات أخرى ينبغي التعامل معها، من أبرزها:

تنمية الإملاءات: أي أن تنفيذ التنمية في ظل الثورة الصناعية الرابعة يعتمد على إستراتيجيات وسياسات وبرامج من أعلى إلى أسفل، وهي تتجاهل بصورة كبيرة احتياجات وطموحات الناس، مما أدى إلى نتائج إنمائية مخيبة للآمال. يتطلب هذا الأمر من القائمين على عملية التنمية تغيير تلك الإستراتيجيات بحيث يتم تمكين الناس من المشاركة في تلك العملية بل ووضع السياسات والبرامج التي تلبي احتياجات الإنسان أولاً.

ضعف الموارد: أحد أبرز التحديات التي تواجه عملية التنمية، خاصة في مجتمعات الدول النامية تكمن في محدودية الموارد والقدرات؛ ومن ثم يجب على الحكومات والمنظمات الدولية، الاستثمار في المؤسسات والمجتمعات المحلية للمشاركة في التنمية وتنفيذ برامج محددة، وهذا الأمر قد تسهم في معالجته التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي توظّف الموارد بالشكل الأمثل بما يحقق تطلعات تلك الشعوب.

غياب الاستقرار: إن غياب الاستقرار السياسي والفساد وسوء الإدارة تعوق بصورة كبيرة التقدم في العديد من الدول والمجتمعات، كما أن الأعراف الثقافية والمجتمعية تقيد بصورة كبيرة برامج التنمية، لذا فإن التنمية القائمة على الإنسان تستهدف التصدي لتلك التحديات عبر المزيد من المشاركة والتعاون مع المجتمعات المحلية لفهم المعايير الثقافية والاجتماعية، وبناء برامج ذات صلة ثقافيا لمعالجة هذه الصعوبات.

أبعاد تكاملية: وضع الكتاب عدة دعائم وركائز متكاملة لنجاح المجتمع فائق الذكاء المستند على أدوات التكنولوجيا الحديثة في تحقيق متطلبات التنمية المرتكزة على الإنسان، من أبرزها ما يلي:

تعزيز البنية التحتية لأنظمة الذكاء الاصطناعي: إذ يجب أن تكون هناك بنية تحتية تكنولوجية قوية من أنظمة معلومات وشبكات لاسلكية والأنظمة السحابية، بما يساعد على تحقيق مجتمع مستقبلي مستدام. يتطلب ذلك هياكل تنفيذية متعددة منها، أنظمة نقل ذكية، ومبانٍ ذكية، وشبكات ذكية، تساعد على العمل بسلاسة، عبر جمع وتحليل البيانات من العالم المادي قبل نقلها إلى النظم السحابية، كما تعمل البيانات الضخمة على تحسين عملية صنع القرار، والتنبؤ بالاتجاهات، وإيجاد الأنماط التي تعزز كافة القطاعات الخدمية.

على سبيل المثال، يساعد الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة على إنشاء أنظمة ذكية تعزز الإنتاجية في العديد من الصناعات؛ مما يجعل المجتمع مرتبطا بشكل متزايد. مع ذلك، تنشأ المخاوف بشأن الخصوصية والأمن والتوظيف مع تحول المجتمع إلى الرقمنة؛ لذا يجب على صناع السياسات وقادة الأعمال والمواطنين العمل معاً لتوزيع فوائد المجتمع القائم على التكنولوجيا بشكل عادل ومنصف.

التوظيف الأمثل للبيانات: تُشير البيانات الضخمة إلى الحجم الهائل من البيانات المنظمة وغير المنظمة التي يتم إنشاؤها كل يوم، وتأتي البيانات الضخمة من مصادر متنوعة بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والمعاملات عبر الإنترنت، والبيانات التي يتم إنشاؤها آليا من أجهزة الاستشعار والأجهزة، وتتم معالجتها عبر تقنيات البيانات، وهو ما يمكّن المؤسسات من معالجة وتخزين وتحليل كميات كبيرة من البيانات التي تساعد بصورة فعّالة على اكتشاف التفضيلات المختلفة للعملاء والتطلعات حول طبيعة الخدمات المستهدفة.

إدارة الطاقة: إن الشبكات الذكية التي تغذيها إنترنت الأشياء وإدارة الطاقة، توفر طريقة مبتكرة لتنظيم استخدام الطاقة وتحسينها، مع خفض التكاليف وتقليل التأثير البيئي، إذ تساعد تلك التقنيات على مراقبة وإدارة إنتاج واستهلاك الطاقة. فباستخدام أجهزة الاستشعار والأجهزة، التي تدعم إنترنت الأشياء، يمكن التقاط بيانات الطاقة وتحليلها ومشاركتها في الوقت الفعلي عبر الشبكة، وبالتالي يمكن تحسين فهم اتجاهات استهلاك الطاقة وأداء الشبكات وصيانة المعدات بمساعدة هذه البيانات المخزنة فيها.

دعم الأمن الزراعي: يتمثل أحد أبعاد مجتمع المرحلة الخامسة للبشرية في تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية في قطاع الزراعة، ويُعد هذا البعد ضروريا للأمن الغذائي. وفي ظل التقديرات بتجاوز عدد سكان العالم 10مليارات نسمة في عام 2050؛ فإن هذا الأمر يتطلب إنتاجا إضافيا للغذاء. ويستهدف المجتمع القائم على التكنولوجيا تحقيق “الزراعة الذكية” التي تستخدم التكنولوجيا والأساليب الحديثة في مراحل مختلفة من إنتاج الغذاء لتحسين جودة الغذاء وإنتاجيته. ويلجأ هذا النوع من الزراعة الذكية إلى أجهزة استشعار للكشف عن درجة الحرارة والضوء والضغط وغيرها بما يصل لاستدامة زراعية تلبي احتياجات السكان.

إضافة لذلك طرح الكتاب متطلبات أساسية للانتقال إلى المرحلة الخامسة للمجتمعات فائقة الذكاء والمتمحورة حول احتياجات الإنسان، ومن أبرزها: أهمية عقد النقاش الاجتماعي حول استخدام التكنولوجيا؛ إذ يوفر ذلك بيئة مناسبة للتواصل متعدد التخصصات ويعزز المشاركة الاجتماعية في الإجراءات المطلوبة للابتكار المستدام. 

وأبرز الكتاب أهمية ما توفره التكنولوجيا الحديثة من تعزيز لقوة ونفوذ الأفراد والمنظمات؛ ثمة أهمية لدعم البعد الأخلاقي، بما يساعد المجتمع على تقسيم مزايا التكنولوجيا الحديثة بشكلٍ عادل، ولاسيما أن غياب الأخلاق قد يؤدي إلى توظيف التكنولوجيا في تكريس عدم المساواة؛ ومن ثم إمكانية نشوء الاضطرابات والعنف الاجتماعي.

ولم يغب عن المؤلفين التطرق للتعلم الآلي لأمن إنترنت الأشياء، في ظل تدخل التكنولوجيا في كافة القطاعات الخدمية؛ بهدف إنشاء مجتمع فائق الذكاء؛ بحيث تكون جميع جوانب الحياة مترابطة ومتكاملة بشكل كبير ومدعومة بالتكنولوجيا المتقدمة؛ لذا، فإن أمان هذه الأجهزة أمر بالغ الأهمية لحماية المعلومات الشخصية، ومنع الهجمات الإلكترونية، وضمان السلامة، وحماية الملكية الفكرية، والحفاظ على ثقة المستخدمين.

جدير بالذكر أن حكومات عديدة حول العالم تواجه تحديات أمنية في الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك انخفاض حواجز الدخول، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية، والافتقار إلى الشفافية العامة.

تحديات وفرص:

تواجه عملية تنمية مجتمعات تعتمد على الذكاء الاصطناعي مجموعة تحديات تتمثل أبرزها في: عدم الاستقرار السياسي والفساد وسوء الإدارة في العديد من الدول، بما يسهم في عرقلة التنمية التي تتمحور حول الإنسان من خلال تقييد المشاركة والموارد والمسؤولية، إلى جانب أن هناك بعض الأعراف الثقافية والمجتمعية تؤثر في مواقف وسلوك برامج التنمية وقد تقيد هذه المعايير المشاركة والموارد وبرامج التنمية، كما أن عملية الأتمتة والذكاء الاصطناعي لديها مخاطر تكمن في القضاء على فرص العمل مع الإضرار بالخصوصية وأمن البيانات والمعلومات مما يتطلب العمل على معالجة أبعادها السلبية لتحقيق الأهداف المنشودة.

ثمة إشكالية أخرى أفرزتها المجتمعات الذكية، وهي الارتباط بين الأخلاق والتكنولوجيا الحديثة، فالمرحلة الخامسة من المجتمع البشري والتي تدمج التكنولوجيا الحديثة جعلت الأخلاقيات أمراً بالغ الأهمية، وذلك لكون التقنيات الجديدة مثل: الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء ساعدت على تعزيز قوة ونفوذ الأفراد والمنظمات بشكلٍ كبير، إذ يثير التقدم التقني والتكنولوجي مخاوف بشأن إساءة استخدام الشركات أو الحكومات لهذه البيانات.

يضاف لذلك، أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي قد تحل محل الموظفين وتزيد عدم المساواة الاقتصادية، الأمر الذي يثير مشكلات حول مسؤولية الحكومة في حماية حقوق الموظفين وتوفير التعليم والتدريب للتكيف مع التكنولوجيا الجديدة، ويجب أن يسترشد تنفيذ الأخيرة بالمبادئ والاعتبارات الأخلاقية لضمان استخدامها بطريقة تعود بالنفع على جميع أفراد المجتمع، ولا تؤدي إلى إدامة أوجه عدم المساواة أو التحيزات القائمة، ومن المهم إعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة والشمولية وبناء الثقة في أنظمة الذكاء الاصطناعي بين جميع أصحاب المصلحة.

هنالك أيضاً تحديات أخرى مثل، أن دمج التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة لتحسين حياة الناس؛ أو ما يمكن تسميته بالتكامل التكنولوجي يخلق مشكلات جديدة في مجال الأمن السيبراني إذ يسهم في مزيد من الجرائم الإلكترونية ويزيد من مهاجمة الأجهزة المتصلة بشكل متزايد؛ مما يطرح مشكلات جديدة تتعلق بالأمن السيبراني، والذي يُعد أكثر أهمية في مجتمعات الذكاء الاصطناعي، في ظل اعتماد الكثير من المجالات، كالاتصالات والتمويل والنقل والرعاية الصحية بشكل متزايد على التكنولوجيا، الأمر الذي زادت معه عمليات القرصنة وانتهاك البيانات وسرقة الهوية.

ويتطلب ذلك اعتماد تدابير الأمن السيبراني التي تقوم على حماية الأفراد والشركات والحكومات من الهجمات السيبرانية، وبما يتضمن حماية البيانات الشخصية وتعزيز سبل التشفير وجدران الحماية وبروتوكولات الأمان الأخرى لحماية هذه البيانات، كما أن البنية التحتية في مجتمعات الذكاء الاصطناعي تتأثر بصورة كبيرة بالهجمات السيبرانية، فعلى سبيل المثال، تكون شبكات الكهرباء وشبكات النقل ومرافق الرعاية الصحية مترابطة وتعتمد على التكنولوجيا؛ وقد تؤدي الهجمات الإلكترونية على هذه المرافق إلى تعطل تلك الخدمات وبالتالي، يجب حماية هذه البنى التحتية باستخدام أنظمة أمن سيبراني قوية.

على الجانب الآخر، ثمة فرص كبيرة مطروحة، إذ إن اعتماد مجتمعات الذكاء الاصطناعي على التقنيات المتطورة والتعلم الآلي لتأمين الشبكات؛ يسهم بصورة كبيرة في التعرف على الهجمات الإلكترونية والرد عليها في الوقت الفعلي، مما يساعد المؤسسات على مواكبة المخاطر الناشئة، علاوة على ذلك فإن الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بأتمتة الإجراءات الأمنية مثل: اكتشاف التهديدات والاستجابة لها، يسهم في تخفيف مسؤوليات الأمن البشري.

إضافة لذلك، فإن تحول المجتمعات ودمجها بالذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويجب تنظيم هذه التقنيات لتحقيق الأهداف الاجتماعية بما يراعي الاستخدام الآمن والأخلاقي، ويسهم ذلك النمط من المجتمعات في تحقيق السلامة والاستدامة والمسؤولية الاجتماعية، كما أن تلك التقنيات تنظم الاستدامة البيئية، أي الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة والنفايات وتعزيز الاقتصاد الدائري إذ يجب أن تكون أيضاً صديقة للبيئة.

حيث انه غيّر الذكاء الاصطناعي أنظمة الخدمات الاجتماعية كالخدمات الصحية والنقل والتعليم والتمويل، وأثار قضايا أخلاقية واجتماعية بما في ذلك التحيز والخصوصية والأمن في العديد من المجالات، وقدرته على إنشاء مجتمع مستدام وشامل ومزدهر للبشر، ويدعم حل القضايا المجتمعية بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم وتغير المناخ، وعلى الرغم من أهمية هذا التحوّل فإن ثمة تحديات منها ما يتعلق بالأبعاد الأخلاقية والمجتمعية والأمان الاجتماعي.

ولمعالجة ذلك يجب أن يتم توظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات الثقة التي تأخذ أبعاد الخصوصية والأمان في الاعتبار والامتثال للتشريعات والمعايير ذات الصِلة، ويتطلب ذلك متخصصين في الذكاء الاصطناعي والأخلاقيات والقانون والعلوم الاجتماعية والأمن السيبراني. إضافة إلى الجمع بين التمويل الكافي وتوافر الخبرة الفنية، ووعي الإدارة العليا وإدراكها الإشكاليات الأخلاقية والاجتماعية، خاصة مع إمكانية تزايد عدم المساواة إذا لم يتمكن بعض الأشخاص من الوصول إلى التكنولوجيا الجديدة.

ختاماً؛ إن تطور المجتمعات في العصر الراهن يشهد تقدما غير مسبوق في القطاعات المختلفة، عبر توظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات وغيرها في تعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة وتحقيق تنمية تتمحور حول الإنسان. وإذا كان المجتمع في ظل الثورة الصناعية الرابعة استند إلى دمج التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب الحياة لدفع الإنتاجية والكفاءة والابتكار، فإن مجتمع  يتبنى نهجا أكثر شمولية، إذ يهدف إلى إنشاء مجتمع فائق الذكاء يعطي أولوية للاحتياجات والمتطلبات الإنسانية.

 

 

المراجع

_ عبدالمنعم علي، 20/1/2024، فرص وتحديات بناء مجتمعات الذكاء الاصطناعي، المستقبل للابحات والدراسات المتقدمة.

_ رشا مصطفى، 21/6/2024، تحديات وفرص دمج التكنولوجيا المتطورة في المجتمعات، موقع العرب.

المقالات الأخيرة