أمن
البيانات هو عملية لحماية الملفات وقواعد البيانات والحسابات على شبكة الانترنت؛
من خلال اعتماد مجموعة من الضوابط والتطبيقات والتقنيات التي تحدد الأهمية النسبية
لأنواع البيانات المختلفة وحساسيتها، ثم تطبيق الحماية المناسبة لتأمينها.
على
الرغم من أن الاعتقاد السائد في عالم اليوم بأنّ الذكاء الصناعي وعصر الآلة هما
بمثابة بداية لانتهاء العمل البشري، أو انتهاء التدخل البشري في صيرورة العمل، إلا
أنه وفي كل مرة تثبت الوقائع أنه لا غنى عن الإنسان كعصب أساسي وعنصر ضروري في
مختلف الحقول، فاليوم وفي عصر المعلومات الذي نعيشه من غير الممكن أن يتحول أي أمر
مُعطى إلى معلومة دون عملية معرفية يشكل الإنسان أحد أهم أركانها، وهو ما يعني
بطريقة أو بأخرى أن الإنسان يبقى جوهر أي عملية أو ثورة أو تحول، ولذلك كان لا بدّ
من طرح مفهوم آخر يحفظ المعلومة وحاملها الإنسان على السواء ألا وهو "أمن
المعلومات"، خاصة وأنّ ما نعيشه اليوم من تقدّم في مجالات مختلفة بات أمرا
مخيفا إن لم تصاحبه "حوكمة" حقيقية، ففي عصر الحروب والاضطرابات، لا بدّ
من الاستناد إلى حماية حقيقية أو على الأقل التأسيس لجانب إيجابي يكافئ ما يمكن أن
يصدر من جوانب سلبية عن أي أمر.
قد
كان "الفيلسوف الأمريكي "وليم جيمس" محقا في طرحه عندما سأل طلابه
يوما في محاضرة ألقاها قائلا: " بما أن أزمنة الحروب تحشد الطاقات وتنتزع من
كل إنسان أفضل ما يمكن أن يعطيه الصحبة والمؤازرة وبذل النفس أفلا يجدر أن نتمنى
اندلاع حرب جيدة، لوضع حد للخمول والتسبب وكان جوابه أن يجب اختراع "مكافئ
معنوي للحرب" داخل مجتمعاتنا، أي معارك سلمية تستعين بالفضائل نفسها، وتحشد
القدر نفسه من الطاقات دون أن تشهد بالضرورة الفظائع التي تسببها الحروب، نحن
بحاجة إلى حركة واسعة النطاق قادرة على القيام حول قيم كونية، وربما يتجاوز ذلك
جميع الحدود السياسية أو الدينية أو الإثنية أو العرقية". هو ذاته ما يجب
التفكير به فيما يحدث اليوم من تقدم تكنولوجي قائم على المعلومة، فحتى الساعة تظهر
النتائج أنه لا حل أو بديل عن تعاون في مجال أمن البيانات، تعاون محوكم قائم على
أسس حضارية علمية تنموية.
أهمية
التعاون في مجال البيانات
قد
يرى كثيرون أن التعاون في مجال البيانات شأنه شأن أي تعاون آخر، فقد امتلأت الصحف
بأهمية التعاون في المجال السياسي والاقتصادي والتنموي والمناخي، فما هي ضرورة
التعاون في مجال البيانات؟ ولهذا الأمر جانبان:
- الأول: هو أن التعاون في مجال البيانات يدخل في
المجالات السابقة الذكر الاقتصادية والسياسية والتنموية.
-
الثاني: هو أن سرعة التحوّل التي شهدها عصرنا،
جعلت البيانات من الأمور التي من الضروري حوكمتها والتعامل معها بشيء من الحذر
وذلك على الرغم من أهميتها.
وتتركّز
أهمية التعاون في الأسباب التالية:
● شهد عالمنا المعاصر
تغيرات كبيرة والتي أحد أهم أسبابها هي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والاقتصاد
الرقمي الذي تطور بسرعة كبيرة، مما غيّر نمط الإنتاج والحياة للبشرية وترك تأثيرات
عميقة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول العالم ومنظومة الحوكمة العالمية
والحضارة البشرية.
● إن البيانات تقوم
بإعادة بناء حياة الإنسان بطريقة مختلفة، ولا تتعلق فقط بالمجال التكنولوجي، بل
ترتبط أيضا بالأمن الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
● يعتمد عصرنا الحالي
على المعلومات وتكنولوجيا المعلومات، هذا العصر المعلوماتي تسلّم القيادة من
المكنات الإنتاجية وسلمها إلى النظم الالكترونية التي تتحكم في جوهر عمل المصنع
وما يحتويه من مكنات. وبذلك فإنّ عصر المعلومات حوّل مركز الثقل من المصنع إلى
جهاز الكمبيوتر، وذلك بعد أن كان العصر الصناعي قد نقل مركز ثقل المجتمعات من
الحقل الزراعي إلى المصنع. وبخلاف العصر الصناعي الذي كان يسيطر عليه صاحب المال،
فإن الذي يسيطر على الأجهزة الالكترونية والبرمجة والأنظمة المعلوماتية هم أصحاب
العقول، وأصحاب العلم، وهو ما قد يكون فرصة سانحة للتوجه نحو التحرّر من سلطة
المال، والانتقال نحو الموهبة والابتكار القائم على الجهد البشري، خاصة وأن هذا
النوع من العمل لا يحتاج إلى موارد مالية كبيرة لتأسيسه كالمصنع مثلاً.
● في الوقت الذي أنتج
لنا فيه العصر الصناعي دولا تفصل بينها حدودا جغرافية، فإنّ عصر المعلومات لا يعترف
بالحدود الجغرافية بل بات يشكّل تهديدا لمفهوم الدولة القومية، لأن المعلومات
تسافر عبر الحدود دون الحاجة إلى رخصة أو جواز سفر، وهو ما يشكل فرصة وتحدّ في
الوقت ذاته، فهل تلك المعلومات التي تصل الدول مخترقة كل حدود ممكنة، هي معلومات
آمنة ودقيقة وحقيقية.
وعلى
الرغم من أنّ كل فكرة مما سبق تنصّ على فرصة وفائدة، إلا أنها قد تكون تهديدا في
الوقت ذاته، وهنا تجدر الإشارة إلى ما ورد في كتاب "الإنسان والمعرفة في عصر المعلومات.
كيف تحوّل المعلومات إلى معرفة". لمؤلفه: "كيت ديفيلن" يقول
الكاتب: "يُنشئ المهندسون البنايات والجسور والحافلات والطائرات، والأدوات
المنزلية وتكنولوجيا الاتصال، وهم يستندون في أعمالهم على أسس متينة تمتدّ إلى
عقود بل إلى مئات السنين من التقدم العلمي في مجال الفيزياء وغيرها من العلوم، أما
العاملون في تصميم نظم المعلومات ومعالجتها (وهم يتألّفون من أناس وآلات أو خليط
من الناس والآلات) فعليهم أن يعتمدوا على أسس أكثر هشاشة. ويضيف: "في الواقع
عندما تتوقّف لنقارن الأسس العلمية التي يُبنى عليها الهندسة المدنية أو الميكانية
أو الإلكترونية مع الفهم النظري الذي تبنى عليه طرق معالجة المعلومات نكتشف أننا
ما زلنا سُذّجا في كل ما يتعلق بالمعلومات والمعرفة" ..لعلّ ما سبق يشكّل نقطة أساسية توضّح أهمية
إقامة تعاون في مجال أمن المعلومات بين مختلف الدول، كي يتم تبادل التجارب في هذا
المجال، وهو ما تعمل عليه الصين فعلا من خلال مبادرة أمن البيانات العالمية،
فالرغبة في مزيد من المعرفة من المفترض أن تولد مزيدا من التعاون، وهنا لا بدّ من
ذكر تجربة "ماري كوري" العالمة في مجال الفيزياء التي كانت تستخدم
"اليورانيوم المشع" في مختبرها كل يوم جاهلة بما يحيط بها من خطر، هذا الخطر
هو ذاته ما يجب أن يدفع بالتعاون بين الأمم إلى الأمام، وبالتالي فإنّ دفع الحوكمة
الرقمية هو أمر ضروري، ومن الممكن أن يثري التعاون الصيني العربي في مجال الاقتصاد
الرقمي. وقد حقّق التعاون الرقمي في السنوات الأخيرة بين الصين والدول العربية
نتائج مثمرة على مستويات مختلفة.
العناصر
الأساسية لأمن البيانات:
مفهوم أمن المعلومات لأي تطبيق أو موقع أو
برنامج يقتصر على عدة عناصر يجب أن تكون متوفرة ليتم اعتباره آمنا
_
العنصر الأول وهو (السرية أو مدى الثقة) والذي إذا تحقق، يعني انه يستحيل لأي
إنسان أو جهاز الوصول للمعلومات والبيانات السرية الغير مصرح بها.
_
العنصر الثاني وهو(النزاهة) والذي إذا تحقق يعني انه يمنع التعديل والتغيير في
البيانات الموجودة نهائياً، أي ضمان موثوقية البيانات ودقتها.
_
العنصر الثالث وهو (التوفر) والذي يعني أن الوصول للبيانات المستخدمة في أي خدمة
أو عملية من خلال الإنترنت، يجب أن تكون متوفرة على مدار الساعة عند طلبها من غير
توقف أو التسبب بعدم القدرة للوصول لها.
_
العنصر الرابع وهو (الصحة والموثوقية) وهو العامل الذي يتحقق من هوية المستخدم من
خلال رمز يرسله الى رقم هاتفه، أو بصمة اصبعه أو بصمة وجهه أو إرسال ايميل إلى
بريد المستخدم، لضمان عدم سرقة الحسابات وبالتالي عدم سرقة البيانات.
_
العنصر الخامس (الاعتماد أو المسؤولية أو عدم التنصل) يعني ان البرنامج يجب أن
يكون قادراً على اثبات تورط كيان معين في التسبب في حدث معين من غير التنصل من هذه
المسؤولية.
الخلاصة:
ورغم
أن هناك عددا من معايير أمن المعلومات المتاحة، وهي منظمة بحيث لا يمكن الاستفادة
منها إلا إذا تم تنفيذ هذه المعايير بشكل صحيح. الأمن هو شيء ينبغي أن تشارك فيها
جميع الأطراف سواءاً من الإدارة العليا والعاملين في أمن المعلومات، والمحترفين في
تكنولوجيا المعلومات والمستخدمين والكل منهم له دور يؤديه في تأمين أصول المؤسسة.
نجاح أمن المعلومات يمكن تحقيقه من خلال التعاون الكامل على جميع مستويات المنظمة،
سواء في الداخل والخارج.
المراجع
_ لجين سليمان، 16l8l2023، مبادرة
أمن البيانات العالمية، المركز العربي للبحوث وللدراسات.
_ حنان هشام، 5l5l2021، أهمية
أمن المعلومات، موقع طريق التفوق والنجاح.