استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي لتعميق هيمنته على القدس
فرع القاهرة

 

تنتهج حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة منذ احتلالها الشطر الشرقي لمدينة القدس عام 1967 سياسة إقصائية لأي تخطيط استراتيجي للمدينة، وهذا بدوره أدى إلى الإهمال التام للأحياء الفلسطينية والحد من البناء السكني، وإضعاف الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمدينة، فضلًا عن تشييد الجدار العازل حول المدينة عام 2002 وعزل ثمانية أحياء عربية عن المدينة من الناحية الشمالية. وهو ما أدى إلى تغيير مكانة القدس من مدينة اقتصادية مركزية بالنسبة إلى الضفة الغربية إلى محيط فقير يعتمد حصريًا على النظامين الاقتصادي والسياسي الإسرائيليين.

ومع صعود حكومات اليمين المتطرف، وبغرض فرض سيطرتها على مدينة القدس، طرحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي استراتيجيات ومخططات متعددة تسعى من خلالها إلى ترسيخ سيطرتها على شرق القدس، وفرض هيمنة استعمارية إحلالية جغرافية وديمغرافية، وهيمنة فكرية وأيديولوجية على المدينة وسكانها الفلسطينيين.

خطة تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في الشطر الشرقي من مدينة القدس

هذه الخطة هي خطة حكومية شاملة مدتها خمس سنوات نفذت بين عامي 2018 و 2023، تم إقرارها من خلال اتخاذ حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الثالث عشر من مايو 2018، القرار الرقم 3790 وعنوانه «تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الاقتصاد في القدس الشرقية» أو الخطة الخمسية.

تشتمل الخطة الخمسية على ست مجالات رئيسية هي: التعليم/ التعليم العالي، الاقتصاد والعمالة، وسائل النقل، تحسين الخدمات المدنية ونوعية الحياة (البنى التحتية والترفيه)، الصحة، التخطيط وتسجيل الأراضي. وقد تم رصد ميزانية كبيرة وغير مسبوقة لتنفيذ القرار 3790 (الخطة الخمسية) تبلغ 2.1 مليار شيكل أي ما يقارب 550 مليون دولار. وقد وزعت مخصصاتها على النحو التالي:

وسائل النقل: 585 مليون شيكل؛ التعليم: مليون 445 شيكل؛ التعليم العالي: 273 مليون شيكل؛ الاقتصاد والتوظيف: 309 مليون شيكل؛ جودة الحياة والترفيه: 136 مليون شيكل؛ المياه ومياه المجاري: 260 مليون شيكل؛ البنى التحتية والتخطيط والأرض: 50 مليون شيكل؛ الصحة: 30 مليون شيكل

بنود الخطة الخمسية

التعليم

الهدف الأساسي للخطة الخمسية تحت بند التعليم هو تحويل جميع المدارس العربية في الشطر الشرقي من القدس إلى تدريس المناهج الإسرائيلية، وتمكين الطلاب الفلسطينيين من إتقان اللغة العبرية؛ ومن أجل تحقيق ذلك سيتم بناء 660 فصلًا دراسيًا مخصصة لطلاب الصفوف الابتدائية الأولى بحيث يتم تدريس المنهج الإسرائيلي فيها، إضافة إلى بناء دور حضانة على مدى خمس سنوات.

وقد بلغت الميزانية المخصصة للاستثمار في مجال التعليم 445 مليون شيكل، تم تخصيص 43.4 بالمئة منها حصريًا للمدارس التي تدرس المناهج الإسرائيلية. أما المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني فلم تشملها ميزانية الخط

التعليم العالي

بحسب الخطة الخمسية فإن التعليم العالي هو أحد الأدوات الرئيسية للتغيير الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث كان الهدف هو مضاعفة عدد طلاب شرق القدس الذين يدرسون في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

صاغت لجنة التعليم العالي مخططًا لبرنامج أطلق عليه «برنامج رواد» يقوم بتنظيم دورات تحضيرية لطلاب المرحلة قبل الأكاديمية في شرق القدس لتشجيع المتفوقين منهم على الدراسة في الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية، بهدف دمجهم في الوظائف المتقدمة والمناصب المهمة في القطاع العام الإسرائيلي

الاقتصاد والعمالة

يهدف هذا البند إلى زيادة الإنتاجية في الاقتصاد الإسرائيلي، وزيادة دخل بلدية القدس، إضافة إلى دمج سكان شرق مدينة القدس في دائرة التشغيل، وزيادة الدخل لكل أسرة. تعمل هذه الخطة على تحقيق أهدافها من خلال القيام بما يلي:

أ – تقليص الفجوة بين معدل توظيف النساء المستوطنات في الفئة العمرية 25-64 عامًا في شرق القدس، ومعدل توظيف النساء العربيات في الفئة العمرية نفسها، بحيث يصل معدل توظيف النساء العربيات في شرق القدس بحلول عام 2023 إلى 75 بالمئة على الأقل من العمالة. ولتحقيق ذلك أنشأت وزارة العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية مركزًا إرشاديًا لطالبي العمل يطلق عليه «مركز ريان» يعمل على توجيه وتنسيب العمال من الشطر الشرقي من القدس،

سيتم إنشاء مركز لرواد الأعمال في شرق المدينة كجزء من مسار الخطة الخمسية، وسيتم وضع خطة حكومية لدعم الأعمال والتنمية المادية للمراكز التجارية والمناطق التجارية في أحياء شرق القدس ومن أهم المشاريع التي سيتم بلورتها ضمن الخطة الخمسية «مخطط وادي السيليكون

أعلنت بلدية الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس في الأول من نوفمبر 2020 عن موافقتها على المخطط الرئيسي لوادي السيليكون في المنطقة الصناعية في حي وادي الجوز الواقع إلى الشمال من البلدة القديمة في القدس. يهدف المخطط إلى تحويل منطقة وادي الجوز إلى منطقة مركزية عالية التقنية (وادي سيليكون) على غرار وادي السيليكون الأمريكي، بهدف تحقيق الرخاء لسكان القدس.

المواصلات

لتعزيز تحقيق مشاريع المواصلات سيتم إنشاء شبكة مواصلات عامة في الشطر الشرقي لمدينة القدس وربطها بشبكة النقل العام من طريق نظام متكامل متعدد الخطوط في شرقي القدس. من أهم هذه المشاريع الطريق الأمريكي

هذا الطريق هو مشروع مواصلات واسع النطاق في شرق القدس من المتوقع أن يكلف أكثر من ربع مليار دولار. وهو جزء من الخط الاستثماري لبلدية القدس ووزارة النقل شرق المدينة. يمتد هذا الطريق بمختلف مقاطعه على مسافة 12 كم، بدءًا من حاجز مزموريا بالقرب من صور باهر جنوب شرق القدس حتى يصل شمالًا إلى منطقة الطور، وتحديدًا عند حاجز الزعيم العسكري من الجهة الشرقية للمدينة. سيخدم هذا الطريق مستوطنات الأغوار والمستوطنات الجنوبية، كذلك سيربط مستوطنات شرق القدس والمستوطنات الجنوبية ليسمح بالوصول السريع لسكان مستوطنات غوش عتصيون ومعاليه أدوميم من القدس وإليها

 تخطيط العقارات وتسجيلها

تنص الخطة الخمسية في بند تسجيل العقارات على استثمار ما يقارب من 50 مليون شيكل لتسوية الأراضي في الشطر الشرقي لمدينة القدس بهدف تسوية 50 بالمئة من الأراضي حتى نهاية عام 2020، واستكمال تسجيل 100 بالمئة من الأراضي نهاية عام 2025.

ستتم عملية التسوية التي بدأت عام 2018 بناء على قانون الغائبين وقانون تسوية الحقوق المتعلقة بالأراضي لعام 1969 الذي يقضي أنه على كل جهة، سواء كانت من الأفراد أو من الجمعيات، أن تثبت أنها تعمل في الأرض أو تقيم عليها على نحوٍ مستمر، ويسقط حق المدعي إذا مرت مدة خمسة عشر عامًا من دون أن يقوم باستغلال الأرض التي يقيم عليها

دوافع اتخاذ القرار 3790 (الخطة الخمسية)

كان لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي عند اتخاذها القرار الرقم 3790 دوافع كثيرة من أهمها:

الدافع الأمني

مثّل الدافع الأمني عاملًا أساسيًا لاتخاذ القرار الرقم 3790، وتم الربط بين الوضع الأمني والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي للسكان الفلسطينيين القاطنين في الشطر الشرقي لمدينة القدس، بعد استشهاد الطفل محمد أبو خضير، إذ تصاعدت عمليات المقاومة الفلسطينية في القدس وبخاصة بين فئة الشباب. وفي عام 2015 انطلقت انتفاضة السكاكين. عزت سلطات الاحتلال الإسرائيلي سبب تصاعد عمليات المقاومة التي تزعزع أمن الاحتلال الإسرائيلي إلى الوضع الاقتصادي المتردي للفلسطينيين، لا بسبب ممارسات الاحتلال القمعية

الدافع الاقتصادي

هدفت الخطة الخمسية إلى تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي في مدينة القدس من طريق توظيف المرأة وتعزيز ريادة الأعمال، وتشجيع الأعمال الصغيرة وغيرها. على فَرَض أن تحسين الوضع الاقتصادي للسكان العرب وتوسيع قطاع الأعمال سيكونان قادرين على المساهمة في زيادة العائدات من الضرائب لخزينة دولة الاحتلال وبلديتها، وتقليل مدفوعات التحويل المدفوعة من خلال التأمين الوطني.

كذلك أدى بناء الجدار العازل حول مدينة القدس إلى عودة أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى المدينة للحفاظ على حقهم في الإقامة فيها، وهو ما مثّل عبئًا اقتصاديًا على سلطات الاحتلال في جوانب كثيرة كالتأمين الوطني والتأمين الصحي والتعليم

الدافع السياسي

دفعت أسباب سياسية كثيرة إلى اتخاذ القرار 3790، فمع صعود تيار اليمين المتطرف في حكومة الاحتلال تعززت فكرة أن السيادة الإسرائيلية على شرق القدس تعني تحمل المسؤولية عن الجزء الشرقي من المدينة، وتعزيز مكانتها الاجتماعية والاقتصادية. وفي ظل انهيار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في مرحلتها الرابعة عام 2014 وغياب دور السلطة الفلسطينية الفعّال لمواجهة إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في القدس وبالأحرى انعدام هذا الدور، وإغلاق المؤسسات الفلسطينية العاملة في القدس، مثلت هذه العوامل حافزًا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي للعمل على فرض سيادتها على مدينة القدس وإحكام سيطرتها عليها رابعًا: عقبات تنفيذ الخطة الخمسية

من البديهي أن يواجه أي مخطط عقبات في طريق تنفيذه؛ وبالنسبة إلى الخطة الخمسية هناك عقبات من الجانب الفلسطيني وعقبات من جانب الاحتلال الإسرائيلي، يمكن إيرادها في ما يلي:

عقبات من الجانب الفلسطيني

يقف وجود معارضة سياسية ومقاومة شعبية لممارسات الاحتلال في مدينة القدس عائقًا أمام سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططاتها.

يعارض الكثير من أولياء أمور طلاب المدارس الذين يدرسون المناهج الفلسطينية التحاق أبنائهم في البرنامج الدراسي الإسرائيلي.

هناك معارضة في المجتمع العربي الفلسطيني بالنسبة إلى مسألة التكامل التعليمي، ودمج طلاب شرق القدس الفلسطينيين في مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية وبخاصة الجامعة العبرية.

سيكون هناك صعوبات لدى المعلمين الفلسطينيين الذين يدرسون المناهج الإسرائيلية في مسألة تدريس مادة «المواطنة الإسرائيلية» للطلاب الفلسطينيين سكان شرق القدس.

يمثل انخفاض مستوى اللغة العبرية لدى الطلاب الفلسطينيين حاجزًا أمام الطلاب الفلسطينيين لاندماجهم في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

عقبات من الجانب الإسرائيلي

التسلسل البيروقراطي في خطوات التنفيذ واتخاذ القرارات والتنسيق بين الهيئات الحكومية المتعددة، إذ يوجد سبعة وعشرون جهة تشارك في تنفيذ القرار، وهو ما يزيد من صعوبة اتخاذ القرارات التنفيذية.

إن 58 بالمئة من الحاصلين على تعليم عالٍ في شرق القدس درسوا في المؤسسات الفلسطينية في كثير من الحالات لا تعترف دولة الاحتلال الإسرائيلي بالشهادات التي تم الحصول عليها من هذه المؤسسات، وبالتالي لا يمكن للخريجين الاندماج في سوق العمل في المجال الذي درسوا فيه.

نتائج ومآلات تنفيذ الخطة الخمسية على الواقع الفلسطيني

بلغ معدل انتشار الفقر في عام 2016 بين سكان القدس الفلسطينيين 72.9 بالمئة مقارنة بـالمستوطنين الذين سجل معدل انتشار الفقر بينهم 29.8 بالمئة، أي أن الفجوة في معدل الفقر عند الأسَر الفلسطينية في القدس أعلى بمرتين ونصف المرة من معدل الفقر عند أُسَر المستوطنين. ربط المحللون الإسرائيليون الجانب الأمني بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، ورأوا أن التردّي في الوضع الاقتصادي الفلسطيني قد يسفر عن احتجاجات وحراكات ضد الاحتلال الإسرائيلي

بالرغم من التركيز على توظيف نسبة عالية من النساء العربيات، وتشجيع خلق فرص عمل جديدة للاندماج في مؤسسات العمل الإسرائيلية فإن أجور العمالة الفلسطينية متدنية مقابل أجور المستوطنين في العمل نفسه، ومن اللافت للنظر أن ارتفاع نسبة النساء العاملات لا ينسجم مع الانخفاض بنسبة الفقر. يعود ذلك إلى أن الوظائف التي يعمل فيها الفلسطينيون، وبخاصة النساء المقدسيات، تتميز بأجور منخفضة، ووظائف بدوام جزئي، وفي كثير من الأحيان بشروط توظيف مهينة وبلا ضمانات تشغيل بالتالي لا يوجد هناك أفق للتقدم الاقتصادي والاجتماعي للعاملات المقدسيات.

إن الإصرار على إدماج النساء في سوق العمل، الذي يتطلب بصورة أساسية تعلم اللغة العبرية، والتحاق أطفالهن بدُور رعاية إسرائيلية، سينعكس سلبًا على وعي الأسرة وعلى تربية الأطفال لتقبّل المستعمِر الصهيوني بجميع أوجهه الاستعمارية الثقافية والاجتماعية والأيديولوجية على أنها أمر واقع يجب تقبّله والتعايش معه.

سعت سلطات الاحتلال أيضًا من خلال الخطة الخمسية إلى دمج سكان الشطر الشرقي من مدينة القدس في قوى عاملة منظمة، من خلال تشجيع التعليم العالي في المجالات التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي في المجال الإلكتروني، وهو ما سيؤدي إلى تشكيل طبقة من الموظفين العرب المؤهلين للعمل في مجال التكنولوجيا الإسرائيلية العالية، وهذا سيحقق أرباحًا مرتفعة لأصحاب العمل الإسرائيليين مقابل رواتب زهيدة للعاملين العرب

تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إرغام المدارس الفلسطينية على تدريس المنهاج الإسرائيلي من طريق حرمانها أي امتيازات أو مخصصات من ميزانية الخطة. إضافة إلى سحب تراخيص بعض المدارس كما حدث في آب/أغسطس 2022 حيث تم سحب التراخيص الدائمة لمدارس الإيمان ومدرسة الكلية الإبراهيمية واستبدالها برخصة مؤقتة بسبب رفض هذه المدارس الإذعان وتدريس المنهاج الإسرائيلي. في المقابل أصدر أولياء أمور الكلية الإبراهيمية بيانًا أعربوا فيه عن تأييدهم لموقف المدرسة وأعلنوا عن رفضهم تدريس أبنائهم للمنهاج الإسرائيلي وهنا يظهر جليًا استخدام حكومة الاحتلال الإسرائيلي القوة لتدريس المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية.

يتضح من إصرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضُ تدريس المنهج الإسرائيلي وتعليم اللغة العبرية للفلسطينيين في مدينة القدس والتشديد على ضرورة إشراف وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، ووزارة الخارجية في المدارس التي تدرّس المناهج الإسرائيلية للحد من التحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي

تصورات مستقبلية

بعد الانتهاء من المدة المحددة لتنفيذ قرار الحكومة الإسرائيلية الرقم 3790 الذي يحمل عنوان «تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية في القدس الشرقية» أو الخطة الخمسية، لم تحقق الخطة أهدافها على النحو الكامل والمطلوب، لذلك لجأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى اتخاذ قرار حكومي جديد (الرقم 3791) لتمديد الخطة الخمسية لخمس سنوات جديدة من عام 2023 إلى عام 2028 وبميزانية تبلغ 3.2 مليار شيكل (نحو 830 مليون دولار). وقد تمت المصادقة على القرار الجديد في مايو 2023

بما أن المدّة المحددة لتنفيذ الخطة الخمسية لم تنتهِ بعد، وبما أن نتائجها لم تكتمل، نرى أن هنالك ثلاث تصورات يمكن تنبثق من نتائج تحقيق الخطة الخمسية لأهدافها:

التصور الأول: أن تحقق الخطة الخمسية أهدافها بصورة كاملة تؤدي إلى تعرض سكان القدس الفلسطينيين إلى تطهير عرقي صامت يتحقق باتجاهين متوازيين: الأول، إقصاء السكان الفلسطينيين عن مدينتهم من خلال تجريدهم من ممتلكاتهم ومقوماتهم ومواردهم الاقتصادية وإمعان تبعيتهم للاقتصاد الإسرائيلي

التصور الثاني: عدم تمكّن السلطات الإسرائيلية من تحقيق أهداف الخطة مجتمعة بمعنى آخر أن تتحقق أهداف الخطة نسبيًا؛ لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هي المستعمِر وهي من يمتلك مصادر القوة وبالتالي هي من يدير القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصحية ويتحكم فيها بصورة كاملة وهي من يسنّ القوانين وينفذها بما يتلاءم ومصالحها الاستعمارية الاستيطانية.

التصور الثالث: ألا تتمكن الخطة من تحقيق أهدافها، وتفشل كما فشلت مخططات حكومية سابقة مثل قرار الحكومة الرقم 1175 لعام 2014، والقرار الرقم 2684 لعام 2017. إضافة إلى أن الخطة الخمسية تواجه الكثير من العوائق التي لن تمكنها من تحقيق أهدافها سواء كان على المستوى التنفيذي، أو على المستوى الشعبي الفلسطيني الذي يعارض بنودًا رئيسية من بنود الخطة؛ بحيث يؤدي إلى تعميق الصراع في القدس

خلاصة

تهدف بنود الخطة الخمسية في ظاهرها إلى العمل على تحقيق المصالح الفلسطينية في شتى مجالات الحياة الفلسطينية؛ ولكنها على أرض الواقع لا تصبّ إلا في مصلحة الاحتلال الاقتصادية والأمنية والديمغرافية.

وعلى الرغم من التطورات البطيئة للخطة الخمسية فإن حكومة الاحتلال مصرة على المضي قدمًا في تنفيذ بنودها؛ وفي حال نجاحها فإن ذلك سيؤدي على المدى البعيد إلى ترسيخ السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس، وإحكام قبضتها على الشطر الشرقي منها وفرض التبعية والهيمنة على سكانها الفلسطينيين في مناحٍ متعددة، وإجبارهم على قبول الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس كأمر واقع كذلك ستعمل الخطة على إخضاع الإدراك الجمعي الفلسطيني، وصهر ثقافته وهويته الوطنية بهدف الهيمنة عليه وإخضاعه لأحكام الأيديولوجيا الصهيونية، وهو ما سيشكل حالة استعمارية صهيونية تعمل على إحداث انشطار في شخصية المستعمَر بحيث يتخبط بين هويتين ومجتمعين، ويبدأ بالشعور بالدونية والتنازل وإعطاء مبررات مقنعة لقبول الظلم وإهانة الكرامة، ومن ثَم الانخراط والتماهي مع المستعمِر، واستخدام لغته ومصطلحاته على أساس أن المستعمِر يمثل أقصى درجات الحضارة لذلك تعدّ الخطة خطوة على طريق التطهير العرقي للفلسطينيين ولكن بسياسات ناعمة لا بقوة السلاح كما حدث عام 1948.

وعلى الصعيد الفلسطيني فإن صمود سكان القدس الفلسطينيين وتمسكهم بأراضيهم وحقوقهم، وحراكاتهم الشعبية ومقاومتهم للمحتل، سيحول دون تطبيق الخطة الخمسية ونجاحها، ومن الممكن أن تؤدي عمليات المقاومة المستمرة إلى انهيار تحقيق أهداف هذه الخطة

 

 

المصدر : كلية دراسات الوحدة العربية

 الكاتب : سحر بهجت أبوغربية

المقالات الأخيرة