شهد
إقليم غرب افريقيا على مدار السنوات الأخيرة تناميًا ملحوظًا في معدلات عمليات وضحايا
التنظيمات الإرهابية والتى تأسست معظمها فى إطار الظروف المحلية ثم أصبحت فروعًا للتنظيمين
العالميين "القاعدة" و"داعش"، حيث تصاعدت حالة الصراع والتنافس
بين هذه التنظيمات على النفوذ المكاني والعسكري وعلى أماكن الثروات، وهو الأمر الذي
يُثير العديد من التساؤلات حول أسباب تحول دول الغرب لبؤر تمركز ونشاط العديد من التنظيمات
الإرهابية، وتحول سكانها إلى أعضاء محتلمين في المستقبل ضمن صفوف هذه التنظيمات، على
الرغم من جهود وآليات مكافحة الإرهاب والتطرف التي طُبقت في الإقليم على المستويين
الإقليمي والدولي.
دول
غرب افريقيا على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024
ضمت
قائمة الدول العشر الأكثر تعرضًا لخطر الإرهاب خلال عام 2023 على مؤشر الإرهاب العالمي
للعام 2024 خمسة دول أفريقية، منها الصومال
في شرق القارة، وأربعة دول من الغرب الافريقي ويمكن تناول أبرز ملامح النشاط الإرهابي
فيها خلال عام 2023 على النحو التالي:
تصدرت
دول إقليم غرب افريقيا وخاصة ما يطلق عليه الساحل الأوسط أعلى مؤشرات التهديدات الإرهابية
فاحتلت بوركينافاسو المرتبة الأولى، حيث شهد شمال غرب بوركينافاسو، بالقرب من حدود
البلاد مع النيجر ومالي وهي المنطقة الحدودية المعروفة باسم "ليبتاكو-غورما"،
ما يقرب من نصف جميع الهجمات الإرهابية خلال عام 2023.
جاءت
مالي في المرتبة الثالثة، مع استمرار تصدر جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"
مقابل انخفاض نشاط فرع تنظيم "داعش" المعروف باسم "ولاية غرب افريقيا" ISWA ، حيث تضاعف عدد الوفيات المنسوبة إلى جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"
في عام 2023، عن عام 2022، ونُسب إليها أكبر عدد من الهجمات والوفيات التي تم تسجيلها
على الإطلاق في مالي، بـ 76 هجوم و263 حالة وفاة.
أما
نيجيريا فقد احتلت المرتبة الثامنة، وسجلت البلاد عام 2023 أول زيادة في الإرهاب منذ
عام 2020 حيث ارتفع إجمالي الوفيات بنسبة 34% نتيجة تصاعد الصراع والتنافس بين جماعة
"بوكو حرام" وتنظيم "ولاية غرب افريقيا"، لاسيما في ولاية
"بورنو" التي شهدت زيادة بنسبة 63% في وفيات الإرهاب مقارنة بعام 2022.
وأخيرًا
احتلت النيجر المرتبة العاشرة في القائمة، حيث تضاعفت أعداد الوفيات الناجمة عن العمليات
الإرهابية في النيجر وبلغت حوالي 468 حالة وفاة في عام 2023 مقارنة بـ 193 حالة وفاة
في عام 2022، مما يشير إلى تصاعد كبير في معدل فتك الهجمات. ولا تزال جماعة "نصرة
الإسلام والمسلمين"
الغرب
الافريقي أرض خصبة للإرهاب
تشترك
بلدان غرب افريقيا في العديد من الديناميكيات الداخلية والخصائص العامة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والأمنية، التي تُمثل في مُجملها بيئة خصبة وجاذبة لنشاط التنظيمات الإرهابية
المحلية والدولية. وفيما يلي يمكن تسليط الضوء على أبرز الاختلالات الجوهرية التي تتقاطع
فيها دول غرب افريقيا بالتركيز على الدول الأربعة (بوركينافاسو – مالي – نيجيريا –
النيجر) التي احتلت الصدارة فى مؤشر الإرهاب العالمي عام 2024.
- هشاشة الدول والأزمات السياسية
تعد
الدول الضعيفة أو الهشة تلك التي تعاني خلال فترات طويلة من الصراعات الأهلية والحروب
والأزمات السياسية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يؤدي إلى خلق بيئة
خصبة من العوامل السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية الجاذبة لنشاط التنظيمات
الإرهابية سواء على الجانب التكتيكي والعملياتي، بسبب غياب قدرة الدولة على فرض سيطرتها
وسلطتها على كافة أقاليم الدولة، أو على جانب التعبئة والتجنيد، نتيجة تدهور الأحوال
المعيشية والاجتماعية والنفس
لذلك
تؤدي هشاشة الأنظمة الحاكمة وشيوع الانقلابات والاضطرابات السياسية إلى إضعاف قبضة
الدولة الأمنية وخلق حالة من الفراغ الأمني، لاسيما في المناطق المُهمشة والبعيدة عن
المركز، كالمناطق الحدودية، الأمر الذي يؤدي إلى وجود حالة من السيولة الأمنية التي
تُحفز الأنشطة غير الشرعية عبر الحدود مثل التجارة في الأسلحة والمخدرات وتهريب رؤوس
الأموال والبشر، ولعل هذا ما يُفسر كون المنطقة الحدودية "ليبتاكو-غورما"،
مرتعًا نشطًا للتنظيمات الإرهابية في غرب افريقيا.
- فساد الأنظمة الحاكمة
يُعرف
الفساد بأنه إساءة استخدام السلطة الموكلة سواء للسياسيين أو المسئولين الحكوميين أو
الموظفين العموميين أو رجال الأعمال أو أفراد الجمهور، بهدف تحقيق مكاسب خاص، وهو يؤدي
إلى تقويض ثقة المواطنين في الدولة وإضعاف الديمقراطية، وإعاقة مسارات التنمية الاقتصادية
والاجتماعية من خلال تزايد معدلات عدم المساواة، والفقر، والانقسام الاجتماعي
وقد
أثبتت العديد من الدراسات أن فساد أنظمة الحكم يعد من بين أهم وأبرز أسباب ظهور الإرهاب
وتنظيماته حيث يتم تكريس مصلحة النظام الحاكم وكل ما يرتبط به من أحزاب ونخب، ويتم
إعلاء مصلحتهم على مصلحة وحقوق الأمم، ما يخلق لدى المواطنين حالة من السخط وعدم الانتماء،
تُسفر بدورها عن ميول متطرفة عنيفة في مواجهة تلك الأنظمة، سواء من خلال إنشاء التنظيمات
الإرهابية لمقاومة السلطات، أو بالانضمام إلى تنظيمات موجودة بالفعل، والمشاركة في
الأنشطة الإرهابية المختلفة بحجة مقاومة القمع والمطالبة بالحقوق والحريات المسلوبة
-
تدني الأوضاع الاقتصادية وعدم المساواة في توزيع الموارد والخدمات
ثبُت
تاريخيًا أن الدول ذات النمو الاقتصادي والاجتماعي الضعيف تكون بيئة خصبة لاجتذاب وانتشار
التنظيمات الإرهابية، حيث تستغل تلك التنظيمات معاناة السكان -لاسيما من الشباب والنساء
باعتبارهن الحلقة الأضعف اقتصاديًا- بسبب سوء الأحوال المعيشية، واتساع الفجوة بين
الفقراء والأغنياء، وانتشار الفقر، والبطالة، وغياب المساواة في فرص العمل، والتوظيف
غير المُستقر أو الذي لا يتناسب مع المؤهلات الدراسية، لاستقطاب وتجنيد قاعدتها الاجتماعية
والعسكرية سواء من خلال تقديم الوعود بمناصب ورواتب كبيرة وحياة أكثر رفاهية، أو من
خلال إقناعهم بأن استخدام العنف حينها يكون شكلاً من أشكال التعبير عن الغضب والاستياء
ضد الأنظمة الحاكمة الفاسدة وهذا ما تثبته نظرية "الحرمان النسبي" التي تُفسر
كيف أن المعاملة غير العادلة داخل الدولة تُغذي ردود الفعل العنيفة التي تؤدي إلى صراع
سياسي واجتماعي حيث تفترض النظرية أن المواقف العدوانية والأنشطة المتطرفة تنشأ عندما
يصبح الفرد أو المجموعة على دراية بوضعهم الاجتماعي والاقتصادي ويقارنون هذا الوضع بالآخرين
-
تأثير شبكات الإرهاب العالمية على جماعات التطرف المحلي
حتى
بداية القرن الحادي والعشرين، لم تكن الأنشطة المناهضة للحكومات المحلية والمصحوبة
بأعمال عنف في دول افريقيا جنوب الصحراء، يمكن وصفها بالأعمال الإرهابية. واستمر هذا
الوضع حتى نمو النفوذ السياسي والعسكري للمنظمات الإرهابية الدولية، وفي مقدمتها تنظيمى
"القاعدة" و"داعش"، حيث تقاطعت دوافع وأهداف وتكتيكات الشبكات
الإرهابية العالمية مع الأزمات والتحديات التي تواجه المجتمعات الافريقية المحلية من
فساد وضعف الأنظمة الحاكمة، وتدهور الأوضاع المعيشية، وهشاشة القبضة الأمنية، وغيرها
من الاختلالات التي خلقت أرضًا خصبة لإضفاء الطابع الافريقي على الإرهاب المحلي المُتأثر
بنفوذ ومصالح شبكات الإرهاب العالمية، وتحول الإرهاب المحلي إلى إرهاب عابر للحدود
الوطنية، سواء من خلال الحصول على الدعم المالي واللوجيستي من التنظيمات الإرهابية
العالمية، أو من حيث الاندماج في هياكل تلك التنظيمات، أو حتى اعتماد أساليبها واستراتيجياتها
وخبراتها العملية.
-
توظيف الموارد الطبيعية لتعزيز النفوذ وجني العوائد المالية
تلعب
الموارد الطبيعية من مصادر الطاقة، والثروات المعدنية، والحيوانية، والنباتية، دورًا
هامًا في تحديد بؤر تمركز ونشاط التنظيمات الإرهابية، لاسيما أن العديد من تلك التنظيمات
يعتمد على هذه الموارد كمصدر أساسي للتمويل، وجني الأرباح، التي تُحفز على تعبئة وتجنيد
المزيد من العناصر الإرهابية، وتُعزز من قوة ومكانة الجماعة وتماسك هيكلها الداخلي،
بما يدعم قدرتها على شن المزيد من الهجمات والعمليات التي تتطلب إمكانيات مالية عالية.
جهود
مكافحة الإرهاب في غرب افريقيا
- أهم جهود مكافحة الإرهاب
تعتبر
مجموعة دول الساحل الخمس (G5)، التي
أنشأت عام 2014، لتضم كل من بوركينافاسو، ومالي والنيجر، وتشاد، وموريتانيا، من أبرز
وأهم الآليات والجهود الإقليمية في مواجهة خطر الجماعات الإرهابية والمتطرفة في غرب
افريقيا، لاسيما في مثلث ليبتاكو-غورما. هذا إلى جانب قوة المهام المشتركة المتعددة
الجنسيات (MNJTF) المؤلفة من بنين والكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا،
التي بدأت نشاطها منذ عام 2015، وركزت بصورة كبيرة على مواجهة خطر الأنشطة الإرهابية
لبوكو حرام في منطقة حوض بحيرة تشاد. والتي رغم التحديات العديدة التي واجهت القوة
على كافة المستويات الاستخباراتية والتمويلية والعسكرية، إلا أنها حققت في مرحلة ما
من عملها العديد من النجاحات سواء بالنسبة لخطة مواجهة الإرهاب والتطرف في دول الحوض،
أو بالنسبة لتعزيز روح العمل الإقليمي المشترك بين دول المنطقة.
- تحديات مكافحة الإرهاب
مثل الفراغ الأمني الذي عانى منه إقليم الغرب الافريقي
ومنطقة الساحل في هذه المرحلة، وما نتج عنه من تنامي ملحوظ في نشاط ونفوذ التنظيمات
الإرهابية في الإقليم، دافعًا للمجلس العسكري المالي للسعى من أجل الحصول على مساعدة
دعم مجموعة "فاجنر" الروسية، التي سارعت في نشر ألف مُرتزقة في مالي يتمركزون
في خمسة عشر موقعًا، بما في ذلك القواعد الفرنسية السابقة وتنخرط مجموعة "فاجنر"
والتى أصبح اسمها عقب اغتيال قائدها "الفيلق الافريقي" في عمليات عسكرية
عديدة ضد التنظيمات الإرهابية النشطة في الساحل الافريقي بموجب عقود تبرمها مع حكومات
دول المنطقة بزعم توفير الدعم الأمني والعسكري للجيوش الوطنية، وتمكينها من مواجهة
خطر تلك التنظيمات.
ختامًا،
يمكن القول إن مستقبل الإرهاب في إقليم غرب افريقيا يرتبط بدرجة كبيرة بمدى قدرة دول
المنطقة على علاج وإعادة هيكلة العديد من الاختلالات والتحديات التي تواجه أوضاعها
الداخلية على كافة المستويات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، للعمل
دون أن تصبح تلك الدول بيئة خصبة وبؤرًا جاذبة لتنامي نشاط ونفوذ التنظيمات الإرهابية
المحلية والدولية على حد سواء. فضلاً عن ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق البيني السياسي،
والاستخباراتي، والعسكري بين دول الإقليم بشأن جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، للوقوف
أمام الأطماع والأجندات الدولية، التي تتنافس على استغلال الثغرات والتهديدات الأمنية
التي تواجهها تلك الدول للتغلغل فيها تحت ستار حفظ السلم والأمن الدوليين،ولزيادة فرصها
على المدى الطويل في خلق شبكات من المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية داخل تلك
الدول.
المصدر:
مركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية
الكاتب
: آمنة فايد
التاريخ
: 11/9/2024