العــــولـــمـــة والإعـــــــلام
فرع بنغازي

مع الثورة الجارفة لوسائل الاتصال، والسرعة الفائقة في تبادل المعلومات والقدرة غير المحدودة في المعالجة والتفسير، والارتباطات التجارية بين الأمم ظهر مفهوم العولمة وأصبح حقيقة وواقعاً حتى وإن لم يجد الترحيب المتوقع من معظم الشعوب الحريصة على ثقافتها وخصوصيتها.

واستهدفت العولمة في بدايتها الاقتصاد نظراً لارتباط الشعوب المباشر بهذا النشاط، ودور التقنية الحديثة في إحداث ثورة في السوق التجارية والصناعية ، ويطلق على التجارة الإلكترونية الوليد الشرعي لأنظمة المعلومات الحديثة التي جعلت منها ظاهرة عالمية غير تقليدية تلاشت أمامها الخصوصية التجارية ومهدت الطريق أمام فكر تقني عولمي اجتاح المجتمعات المحافظة، وأحدث خللاً في بنيتها الفكرية؛ بل تجاوز ذلك الجانب الاقتصادي لينال من التعليم الذي يعاني اليوم من التدخلات الفكرية التي لا يستطيع النظام التعليمي العمل بمنأى عنها.

وتشير الأدبيات إلى أن العولمة هي مرحلة جديدة في مراحل تطور المجتمع البشري، وقد برزت بشكل واضح خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وأصبحت ممكنة بفضل ظهور تقنية المعلومات انطلاقاً من الحاسب الآلي والإنترنت اللذين فتحا آفاقاً واسعة أمام الشركات ليس لزيادة الإنتاج وتحسين النوعية فحسب بل لغزو أسواق أكثر في العالم أجمع، وإن هذا الغزو قد أحدث فجوة في الأنظمة الاقتصادية في العالم الثالث كان لابد من تحديها والتعامل معها بعقلانية وبأسلوب علمي هدفه الاستثمار البشري. فالتنمية البشرية في العالم الثالث لم تكن موجهة توجيهاً علمياً وموضوعياً لمقابلة الاحتياجات الفعلية ولا لمقابلة التحديات المستقبلية، كما أن جودة هذه الاستثمارات لم ترق إلى تحقيق مخرجات بشرية عالية الإنتاجية، والمدخل السليم لهذه الخطة تقنية وثورة المعلومات، فنحن نعيش اليوم حضارة المعلومات التي أوجدت مفهوم العولمة الذي تجاوز في آثاره خصوصية الوعي الاجتماعي والثقافي، ما حدا بالمجتمعات النامية والحريصة على كيانها وخصوصيتها إلى تبني ما يسمى بالتقنية الملائمة التي تصمم وفق عدد من الاعتبارات المحلية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ إلى أي مدى يمكن أن تكون التقنية الملائمة حلاً لمشكلة العولمة؟ إن العولمة هي القوة الرئيسة والفاعلة لقيادة المجتمعات إلى القرون التالية، هذا من الناحية الأمنية، ومن الناحية الفكرية نجد أن العولمة عامل رئيسي في التحولات السياسية والاقتصادية والتقنية والثقافية التي يشهدها العالم.

وإن إعداد الأفراد لمجتمع العولمة يتطلب شيئاً من التوازن في خطة الإعداد وإن كان هذا الأمر صعبا أحياناً ولكنه غير مستحيل على من يسعى إلى إيجاد نظام تعليم تربوي يحمل سمات الخصوصية والعالمية التي قد لا تخرج في بعض مفاهيمها وأدوات تطبيقها عن الفكر الإسلامي إذا ما علمنا بأن للتربية الإسلامية مفاهيم ومعايير أساسية يبنى عليها المنهج التربوي الإسلامي. كما أن لها قيماً ومبادئ نابعة من القيم والمبادئ الإسلامية المتمثلة في الصبر والصدق والمراقبة والتعاون على البر والتقوى والأمانة وحسن الخلق والإيثار والرفق والصدق في المعاملة ومكارم الأخلاق.

ولنا في تراثنا الإسلامي الأمثلة والمواقف التي يمكن من خلالها اقتباس الأفكار الجيدة لغرس هذه القيم والمبادئ في نفوس النشء وتشكيل سلوكهم وفق التعاليم الإسلامية.

والعولمة أو "ثقافة الاختراق" كما أشارت العديد من الأدبيات هي السيطرة على الإدراك وإخضاع النفس، وتعطيل فاعلية العقل وتكييف المنطق، والتشويش على نظام القيم، وتوجيه الخيال، وتنميط الذوق، وقولبة السلوك.

يتلخص المفهوم الثقافي للعولمة في النقاط التالية:

1.    يرى البعض أن التخطيط أو التوحيد الثقافي هو مرآة التطور الاقتصادي للعولمة. فمن البديهي أن يتكامل البناء الثقافي للإنسان مع البناء الاقتصادي المعلوماتي، إذن للمفهوم الثقافي للعولمة بعد اقتصادي وإعلامي.

2.    يشير المعارضون لثقافة العولمة إلى أن ثقافة العولمة تسعى إلى طغيان ثقافة عالمية واحدة على الثقافات الوطنية.

3.    يرى البعض أن التفاعل الإيجابي يرسخ قيماً ثقافية رئيسية مشتركة تجمع الثقافات في بوتقة، بحيث تكون الثقافات الوطنية مزيجاً من ثقافة دولية تحترم المعاصرة، وثقافة تحافظ على الأصالة.

ومن هنا فإن التعامل الثقافي بحاجة إلى تحديد مواطن الترابط والتلاقي. والتنافر من متطلبات عقائدية واجتماعية وتراثية، واكتساب المهارة التلقائية والاستجابة المعتمدة على القدرة على تحليل القيم، وكذلك الارتقاء في وعي الجيل وفي إدراك البشرية عموماً هو ارتقاء نظري وتلقائي وحتمي وقد يكون توجها نحو العولمة. وهذا لا يعني فقدان الاتصال بالواقع الوطني من خلال الولاء والانتماء.

ويتطلب التعامل مع العولمة مراجعة المعرفة التي تتصف بالقدرة على فهم الآخر والاستيعاب النظري للأفكار والمفاهيم والحقائق التي تتعلق بالفكر الدخيل.

ويرى البعض أنه ليس هناك ما يدل على أن اتجاهات العولمة تهدف بالضرورة إلى محو الهويات الثقافية المتعددة، فالعولمة لا تستطيع إلغاء تميز الثقافات.

 وهناك من يرى أن العولمة طموح؛ بل إرادة لاختراق الآخر وسلبه حريته، وقد يكون نفيه من العالم.

إن الانفتاح الإعلامي الذي تشهده المعمورة اليوم أدى إلى ظهور ثقافة إعلامية لم تعهدها البشرية، هذه الثقافة تحمل من السلبيات أكثر مما تحمله من الإيجابيات، والبث الفضائي المتواصل أدى إلى الزج بكل ما هو غث أو سمين لتغطية مدة البث دون النظر إلى الآثار السلبية لذلك؛ كما أن الرغبة في زيادة الدخل بأي وسيلة تطرح من خلال البرامج الفضائية أتاح الفرصة للطرح الرخيص. أما في الجانب السياسي والعقائدي فحدث ولا حرج، وتشهد ذلك في اللقاءات والحوارات التلفزيونية الفضائية ذات النمط الإعلامي الذي لم تألفه المجتمعات العربية، والمتمثل في البرامج الحوارية المباشرة التي أخذت القنوات الفضائية تتسابق في بثها للمشاهد العربي محاولة للتدخل في تشكيل الفكر والسلوك الذين يعدا من أساسيات العمل التربوي والتعليمي.

وأياً كان موضوع البرنامج الحواري فهو لا يعدو كونه طرحاً لوجهات النظر المتباينة التي تحكمها بعض الخلفيات الاجتماعية أو السياسية أو العقائدية لضيف أو ضيوف الحوار، ولم يكن في وقت من الأوقات غالباً طرحاً علمياً واقعياً وتقويمياً منطقياً وعلاجاً إجرائياً لقضية أو ظاهرة سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية يرقى بالفكر البشري ويثري المخزون الفكري لدى المشاهد. وتحكم هذه التوجهات في الغالب طبيعة الأنماط السلوكية للمحاور من جانب ولمدير الحوار من جانب آخر، فمنهم الواقعي، ومنهم العقلاني، ومنهم العاتب، ومنهم المقتنع ... وهكذا، كما يحكم كذلك توجه الضيف أو الضيوف محوران؛ هما السعي إلى تحقيق الذات المشبعة بالقناعات الفكرية والسلوكية التي يراها صواباً، ومحور آخر يتمثل في الترقب والتربص بالآخرين. وحصيلة ذلك كله خروج عن المألوف واعتداد بالرأي وتشبث بالمبدأ وإن جانب الصواب.

وإن المتتبع الفطن يلحظ أن إعداد مثل هذه البرامج يتم من خلال تصميم مسبق للوصول إلى الهدف، وهو في الواقع ليس تصميماً عشوائياً طالما أنه يتصف بصفة معرفية تتمثل بالتوقع المسبق للهدف، وبالتالي الوسائل التي توصل إلى ذلك الهدف.  والتصميم نفسه يتصف بالمرونة حيث يخضع لبعض التعديل أثناء الحوار ليتوافق مع الظروف والمتغيرات التي تواجهه وهو في طريقه إلى تحقيق الهدف؛ لذا ينهج التصميم ثلاثة سبل تتمثل في اختيار أسلوب الحوار المؤدي إلى الاستجابة، والكمية المعرفية الجدلية المعتمدة على نوع الأسلوب المختار للوصول إلى الهدف، والكفاءة أو المهارة في تنفيذ ذلك الأسلوب، وهنا يبرز دور المحاور في اختيار وتوجيه الحوار الوجهة التي يريدها.

وإن ما يسهل دور المحاور في توجيه الحوار نحو الهدف المقصود هي المرونة التي يلمسها المحاور في ضيفه وهي - أي المرونة- وإن كانت نسبية إلا أنها مدخل جيد للمحاور يساعد في ذلك كون التركيب العضوي والنفسي لدماغ الإنسان يجعله مطواعاً قابلاً للتكيف؛ فعاداته وأنماط تفكيره ليست راسخة وثابتة؛ إضافة إلى أن الإنسان في الغالب يحدد قدراته من خلال مقياس نراه معياريا وهو في الواقع مرتبط بعلاقاته بالآخرين.

وينهج المحاور الجيد الأسلوب النفسي لإحداث التباين بين إمكانيات المتحاورين، وهو بذلك يحدث فرصاً لا تخلو من مقومات فشل أحد المحاورين نتيجة للإجراءات الحوارية التي نتخذها بعشوائية في الغالب.

وفي الجانب الآخر ينهج المحاور أسلوب الإثارة بناء على ما يتوقعه من أحد المحاورين، وهذا التوقع بحد ذاته يكفي أن يدفع بسلسلة من الأحداث التي قد تؤدي فعلاً إلى تحقيق هذا التوقع، حيث تظهر سلبية المحاور على كل ما يقوله ويفعله ويعتقده، وقد لا يحقق المحاور هذا التوقع عندما يتضح أن الطرف الآخر في الحوار مؤهلاً تأهيلاً كافياً بأن ينهج الأسلوب العلمي الموضوعي وأن لديه الهمة والنشاط والالتزامات الضرورية التي أعدته إعداداً جيداً في رده ومداخلاته بكفاءة وموضوعية.

وإن التفكير الإيجابي هو الشرط اللازم لكل جهد ناجح لتحقيق الذات، فنحن- كبشر- محاطون في تفكيرنا بالعديد من الأفكار والآراء والتجارب والنظريات.

وقد نكون سلبيين لو سلمنا أمرنا إلى كل ما يحيط بنا لأننا بذلك سوف نحيط تفكيرنا بسياج من أفكار غيرنا.

إنه من البديهي أن يتم التوجه نحو تنمية الفكر البشري الذي يهدف إلى تطوير المجتمع وإكسابه الخبرات العلمية والعملية ومهارات التفكير العلمي الناقد وأهمية مقومات القدرة على تسخير المعرفة واستغلال إمكانات التداخل والترابط المعرفي في محاولة التعامل مع المشكلات المعقدة. وإن التفكير العلمي السليم المتسم بالواقعية والبعد عن الخيال يجعل البرامج الحوارية في القنوات الفضائية وغيرها أكثر قبولاً، وما تفرزه من أثر اتصالي أكثر فعالية وكفاءة. ومقارعة الحجة بالحجة أدعى إلى الوصول إلى الحقيقة، وعلى رأس ذلك كله التحلي بآداب الحوار واحترام عقل المشاهد الذي لديه من المخزون المعرفي ما يؤهله لسبر أغوار الحقيقة وتجسيدها وهذه أهم منطلقات التربية الإعلامية.

قد اتسم السلوك الإنساني بالمفاهيم التالية:

·       الطلاقة الفكرية.

·       القدرة على صياغة المفاهيم.

·       خصوبة الخيال.

·       الاستعداد لتحمل المسئولية.

·       الثقة بالنفس.

·       سهولة التكيف مع المواقف.

·       القدرة على نقد الذات.

ولكن افتقد الفرد ما يقيم سلوكه من المصادر المرجعية مثل:

·       دور المسجد وعدم السيطرة الكافية على التربية الدينية.

·       الترابط الاجتماعي التربوي داخل الحي.

·       اختفاء القدوة التربوية الصالحة للشباب.

·       إقامة الحواجز بين الشباب والعلماء وقد تكون حواجز مصطنعة.

·       غياب الدور التربوي في وسائل الإعلام.

وفيما يتعلق بالإعلام نفسه فقد اتسمت رسالته بالعشوائية واللامسئولية في كثير من الأحيان بسبب:

·       غياب التوازن الموضوعي والقيمي في الرسالة الإعلامية.

·       التسارع إلى بث الجهل بقصد أو بغير قصد.

·       التركيز على البرامج الحوارية التي تيسر سبل الانحراف الفكري.

·     التوجيه الإعلامي المكثف من قبل الإعلام الخارجي لزعزعة الثقة بالمخزون الفكري السليم لدى الشباب.

·       الطرح العشوائي وغير الموثق ومن جهات لا مسئولة عبر الإنترنت..




المراجع:

عبد الحسين شعبان، 8.3.2013، العولمة والإعلام.. أثمة مبالغات؟، الجزيرة نت.

سليمة الغاوي، 13.4.2022، بحث عن العولمة الإعلامية، موقع موضوع.

المقالات الأخيرة