فرص وتحديات مقايضات الديون الإفريقية بالمناخ
فرع القاهرة

 

تباينت معاناة شعوب الدول النامية مع تباين ثقل الديون الخارجية التى تقوض قدرة الحكومات على مواجهة الصدمات الخارجية والكوارث المناخية، فهناك ديون تحقق تنمية حقيقية عندما تستخدمها الحكومات لتمويل نفقاتها، وحماية شعوبها والاستثمار فيها، وأخرى تشكل عبئا ثقيلا، وهذا ما يحدث اليوم فى غالبية أنحاء العالم النامى، لا سيما الدول الإفريقية التى تبرز كنموذج للدول النامية التى تعانى ضائقة الديون الخارجية

فى عام 2022، وصل الدين العام العالمى - الذى يشمل الدين العام المحلى والخارجى للحكومات - إلى مستوى قياسى بلغ 92 تريليون دولار أمريكى، وتدين البلدان النامية بنحو 30% من إجمالى الديون، ويعود 70% منها إلى الصين والهند والبرازي.

وتزايدت احتياجات التمويل مع الجهود التى تبذلها البلدان لدرء تأثير الأزمات المتتالية على التنمية، وتشمل هذه التحديات جائحة كوفيد-19، وأزمة تكلفة المعيشة، وتغير المناخ، والحرب الروسية الأوكرانية.

وتثقل الديون خطوات التنمية وتعوقها، وتشكل عبئا كبيرا على البلدان النامية بسبب محدودية فرص الحصول على التمويل، وارتفاع تكاليف الاقتراض، وانخفاض قيمة العملة، وتباطؤ النمو، وتؤدى هذه العوامل إلى إضعاف قدرتها على الاستجابة لحالات الطوارئ، والتصدي لتغير المناخ، والاستثمار فى شعوبها ومستقبلها

وفى الوقت الذى يعيش فيه 3.3 مليار شخص فى بلدان تنفق على أقساط الفائدة أكثر من الإنفاق على منظومة التعليم أو الصحة، تتعرض القارة الإفريقية للصدمات الخارجية والكوارث المناخية التى تزايدت بحلول عام 2020، وفاقم آثارها تجاوز الديون الخارجية التى بلغ إجماليها 726.55 مليار دولار أمريكى - حتى عام 2021 وبالمقارنة بالعام السابق، ارتفع حجم الدين العام الخارجى من 696.69 مليار دولار أمريكى

وهنا يلوح فى أفق ملبدة بالانبعاثات الكربونية المسببة لتغير المناخ تساؤل حول إمكانية مقايضة الديون بالمناخ فى مساعدة البلدان النامية المثقلة بالديون على معالجة أولويات المناخ، بما يعنى أن يتنازل الدائنون عن الديون لمصلحة الدول الإفريقية فى مقابل مواجهتها لبعض التحديات المتعلقة بالمناخ، ولكن كيف يمكن أن تحقق هذه المقايضة الهدف منها إذا كانت هذه الدول تعانى ندرة رأس المال؟

فى هذه الدراسة سوف نحاول إلقاء الضوء على حجم الديون الخارجية للدول الإفريقية، ومدى الضائقة المالية التى تتعرض لها نحو 27 دولة إفريقية فى الوقت الحالى، فى ظل مساع دولية إلى تعليق خدمة هذه الديون، فضلا عن طرح مقايضة هذه الديون من أجل مواجهة تحديات تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فيما يبقى عائق هروب رأس المال من الدول الإفريقية حجر عثرة فى طريق تحقيق تقدم ملحوظ فى هذه القضية الشائكة.

 

 

الديون الخارجية للدول الإفريقية:

إن البلدان التى تعانى ضائقة الديون لا تعانى بالضرورة أرصدة ديون مرتفعة، فالمهم هو قدرتها على خدمة ديونها، وهو ما يشكل تحديا يتمثل فى ارتفاع تكاليف التمويل الحالية فى ظل ظروف مالية ضيقة.

وعندما تقترض البلدان النامية الأموال، يتعين عليها أن تدفع أسعار فائدة أعلى بكثير مقارنة بالبلدان المتقدمة، حتى دون النظر فى تكاليف تقلبات أسعار الصرف. وتقترض البلدان فى إفريقيا فى المتوسط ​​بمعدلات فائدة أعلى بأربع مرات من نظيراتها فى  الولايات المتحدة، بل أعلى بثمانى مرات من نظيراتها فى ألمانيا. إن ارتفاع تكاليف الاقتراض يجعل من الصعب على البلدان النامية تمويل استثمارات مهمة، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى زيادة تقويض القدرة على تحمل الديون والتقدم نحو التنمية المستدامة

تسببت اتجاهات الديون فى البلدان النامية فى زيادة سريعة فى إجمالى مدفوعات الفائدة العامة نسبة إلى حجم اقتصادها والإيرادات الحكومية. وفى الوقت الحالى، تخصص نصف البلدان النامية أكثر من 1.5% من ناتجها المحلى الإجمالى  و6.9% من إيراداتها الحكومية لمدفوعات الفائدة، وهى زيادة حادة على مدى العقد الماضى. ويمثل ارتفاع مدفوعات الفائدة مشكلة واسعة النطاق. وارتفع عدد الدول التى يمثل الإنفاق على الفوائد فيها 10% أو أكثر من الإيرادات العامة من 29 دولة عام 2010 إلى 55 دولة عام 2020.

ولقد أدت سلسلة من الصدمات خارج حدود إفريقيا إلى تقليص قدرة إفريقيا على التنمية، وأدت إلى زيادة سريعة فى مستويات الديون، ومع ما يقرب من 1.4 مليار نسمة، أو ما يقرب من سدس سكان العالم، فإن أهمية إفريقيا فى الاقتصاد العالمى آخذة فى النمو. ومع ذلك، منذ مطلع القرن العشرين، واجهت القارة العديد من الصدمات التى  نشأت إلى حد كبير خارج حدودها، بدءًا من الأزمة المالية العالمية عام 2008، وأخيرا، جائحة كوفيد-19 والحرب فى أوكرانيا.

وفى عام 2022، وصل الدين العام فى إفريقيا إلى 1.8 تريليون دولار أمريكى، ورغم أن هذا يشكل جزءا صغيرا من إجمالى الديون المستحقة على البلدان النامية، فقد زادت ديون إفريقيا بنسبة 183% منذ عام 2010، وهو معدل أعلى بنحو أربعة أضعاف من معدل نمو الناتج المحلى  الإجمالى بالقيمة الدولارية[5].

وتتحمل بلدان شمال إفريقيا ما يقرب من 40% من هذا الدين، وقد واجه العديد منها ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض توفر السلع بسبب الصراع فى أوروبا.

فى الواقع، فى عام 2020، كانت هناك 27 دولة فى إفريقيا تزيد نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى فيها على 60%، وهو مستوى يُنظر إليه على أنه عائق الاستدامة، مقارنة بالعام الذى سبق الوباء عندما كانت مستويات الدين فى 18 دولة أعلى من تلك النسبة. وفى حين انخفض هذا العدد إلى 24 بحلول عام 2022، مقارنة بالدول النامية الأخرى، كانت تلك الموجودة فى إفريقيا أبطأ فى خفض مستويات ديونها. ومن منظور إقليمى، فإن وسط إفريقيا هى المنطقة الوحيدة التى يقل متوسط ​​مستوى الدين فيها عن 60% عام2022.

كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، ارتفعت حصة إفريقيا من الدين الخارجى من نحو  19% عام 2010 إلى ما يقرب من 29% عام 2022. وفى الوقت نفسه، ارتفعت ديونها الخارجية كحصة من الصادرات من 74.5% إلى 140% خلال الفترة نفسها. وهذه النقطة الأخيرة مهمة فى إفريقيا لأن العديد من البلدان تعتمد على الصادرات، وخاصة الصادرات من الصناعات الاستخراجية ذات القيمة المضافة الضئيلة. وقد أدى اختلال التوازن بين الديون والصادرات إلى زيادة صعوبة قيام إفريقيا بخدمة ديونها الخارجية؛ حيث نمت قدرتها على الحصول على العملات الأجنبية بمعدل أقل من تكاليف خدمة ديونها.

أصول مشكلة الديون فى دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى

يمكن إرجاع مشكلة الديون فى منطقة جنوب الصحراء الكبرى إلى حد كبير إلى الإجراءات الحكومية، وخاصة تراكم الديون الخارجية لمصلحة مشروعات التنمية. منذ الاستقلال، قامت بلدان جنوب الصحراء الكبرى بتنفيذ مشروعات عامة فى  محاولة لتعزيز اقتصاداتها، وذلك فى كثير من الأحيان بدعم من الجهات المانحة وباستخدام كثيف للتمويل الأجنبى فى شكل قروض بشكل عام. وقد صممت العديد من مشروعات التنمية هذه لتحسين الصناعة والبنية التحتية المحلية بدلا من تعزيز إنتاج الصادرات بشكل مباشر. وكان الافتراض هو أن الاقتصادات الوطنية سوف تنمو بمرور الوقت، وأن الزيادات المتناسبة فى إنتاج الصادرات والاتجاهات المعقولة فى أسعار الصادرات من شأنها أن تسمح بالوفاء بالتزامات خدمة الديون الناشئة عن هذه المشروعات

ومن العوامل الأخرى التى أسهمت فى زيادة أعباء الديون فى بلدان جنوب الصحراء الكبرى خلال الثمانينيات هو ارتفاع أسعار الفائدة. وعلى الرغم من أنها كانت أقل أهمية بالنسبة للمقترضين فى السوق، فإنه بسبب الطابع الرسمى السائد لديون جنوب الصحراء الكبرى، فقد أثر ارتفاع أسعار الفائدة مع ذلك فى عدد من البلدان التى استخدمت بشكل كبير الاقتراض التجاري، ولا سيما بوتسوانا، وكوت ديفوار، وكينيا، وليبريا، وملاوى، وموريشيوس، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال، وزائير، وزامبيا، وزيمبابوى[9].

على الرغم من أن بعض هذه القروض كانت تحمل أسعار فائدة ثابتة، فإن نسبة متزايدة منها كانت إما مقومة بأسعار فائدة عائمة أو أعيد التفاوض عليها بأسعار الفائدة الثابتة الجديدة والأعلى، التى بلغ متوسطها فى المائة بالقيمة الاسمية (و 4 فى  المائة بالقيمة الحقيقية) خلال الفترة 1979-1982، مقارنة إلى 9 فى المائة (و -2 فى المائة بالقيمة الحقيقية) خلال الفترة 1973-1978. ربما يكون ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية قد أدى إلى زيادة مستويات الديون فى كوت ديفوار وملاوى  وزامبيا بأكثر من 10 فى المائة خلال الفترة 1979-1983

وأيضا؛ وفقا لقاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمى الصادرة عن صندوق النقد الدولى، الإحصاءات المالية الدولية (1988) وتقديرات موظفى الصندوق، التى تستند نسب الدين إلى إجمالى الدين باستثناء المتأخرات فإنه لا يزال هناك عامل آخر يؤثر فى قدرة بلدان جنوب الصحراء الكبرى على الوفاء بالتزامات خدمة الديون وهو انخفاض صافى تدفقات رأس المال الحقيقية، بما فى ذلك المساعدة الخارجية، خلال الثمانينيات

 وقد ارتفع مجموع صافى الاقتراض الخارجى والتدفقات غير المنشئة للديون، بما فى ذلك تخفيف الديون والمتأخرات المقدرة، من 6 مليارات دولار أمريكى عام 1975 إلى 13 مليار دولار أمريكى عام 1980 و17 مليار دولار أمريكى  عام 1982، قبل أن ينخفض ​​بشكل حاد إلى 8 مليارات دولار أمريكى عام 1985 وانتعش إجمالى التدفقات الداخلة إلى 13-14 مليار دولار أمريكى عامى  1986 و1987، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تخفيف عبء الديون، الذى يقدر بنحو 11 مليار دولار أمريكى خلال كل من هذه السنوات

وفى غياب تخفيف الديون والمتأخرات، تشير الأرقام إلى انخفاض فى صافى تدفقات رأس المال من 11-13 مليار دولار أمريكى سنويا خلال المدة 1980-1982 إلى أقل من مليار دولار أمريكى سنويا خلال المدة 1986-1987. ضمن هذه المجاميع، كانت هناك إعادة توزيع حادة للأموال نحو المصادر الرسمية؛ حيث انخفض الاقتراض الآخر (معظمه من دائنين من القطاع الخاص) من 4.4 مليار دولار أمريكى عام 1980 إلى ناقص 5.5 مليار دولار أمريكى عام 1986 وناقص 0.6 مليار دولار أمريكى عام 1987.

الأرقام الرئيسية للديون الإفريقية:

توجد نحو 21 دولة منخفضة الدخل فى إفريقيا تعانى ضائقة الديون أو معرضة لخطرها (58% من البلدان التى قيمت) تدين البلدان الإفريقية بمبلغ 644.9 مليار دولار أمريكى للدائنين الخارجيين بداية من عام 2021، ستدفع البلدان الإفريقية 68.9 مليار دولار أمريكى خدمة ديونها الخارجية عام 2023، ويعادل الدين الخارجى المستحق على الدول الإفريقية 24.0% من ناتجها المحلى الإجمالى المجمع عام 2021. وقد زادت أرصدة ديون إفريقيا بشكل ملحوظ فى العقد الماضى.



 

المصدر : السياسة الدولية

الكاتب : عمرو خان

الكاتب : 11/10/2023  

المقالات الأخيرة