التضخم في صورة مبسطة هو وضعية اقتصادية يكون فيها نقود كثيرة تلاحق سلع قليلة، وبالتالي فإن التضخم هو أزمة في العرض حيث لا يتكيف الإنتاج أو الاستيراد مع التوسع في عرض النقود
ولنكن صرحاء فإن التكيف في الإنتاج المحلي لتعديل مستويات العرض هو مسألة خارج القدرات الليبية على الأقل في المدى القصير والمتوسط.
وبعيداً عن التحكم في التضخم بآليات السياسة النقدية في الاقتصاد الحر والتي هي معطلة تماماً في ليبيا فأن الخياران الوحيدان أمام الأجهزة الحكومية للتحكم نسبياً في التضخم بدون المساس بمستوى معيشة المواطن هو أمّا الدعم المباشر على الأقل للسلع الضرورية أو تسهيل توريد السلع.
كلا الخيارين لديهما إيجابيات وسلبيات كردود فعل مؤقتة، ولكنهما لا يمثلان على الاطلاق سياسة حكيمة ومستدامة للتحكم في التضخم.
الخيار الثالث الأكثر فعالية هو محاولة تخفيض الانفاق الحكومي والاستهلاكي وهو خيار مؤلم وحقيقة لا أرى أن أي سياسي ليبي في مستويات صنع القرار قادراً على تبني هذا الخيار الصعب، بل أن العكس هو ما يحدث تماما
ولأسباب عديدة تم دفع المصرف المركزي العاجز عن اتخاذ أي سياسات نقدية فعالة إلى تخفيض سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي، وكان أحد التبريرات من رجال الأعمال (طبقة المستوردين) أن هذا التخفيض سيدفع الأسعار إلى الهبوط بمعدل 35-40% نتيجة لانخفاض قيمة الدولار في السوق السوداء، وبالرغم من تحذيرات اقتصاديين ليبيين معروفين بأن هذه الفرضية غير سليمة وأن التضخم لن يتراجع ألا بتفعيل سياسات إصلاحية في مقدمتها إصلاح السياسة النقدية وسياسة الانفاق الحكومي ألا أن هذه التحذيرات ذهبت ادراج الرياح.
الآن جزء كبير من الرأي العام الليبي يتهم طمع التجار الوسطيين في إحداث الموجة الحالية من التضخم، بينما أكاديمياً فإن ذلك لا يمكن ان يحدث هذا إلا في ظل الحلقات الاحتكارية والتي تتمثل في طبقة المستوردين
المشكلة الجوهرية أن التضخم الحادث في ليبيا اليوم هو تضخم مستورد، بعكس ما كان يحدث خلال السنوات العشر السابقة، فإن مصادر التضخم كانت محلية وتتمثل في ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء والعجز الحاد في الميزان الجاري نتيجة لاضطرابات انتاج النفط وأخيراً عجز المصرف المركزي عن التحكم في عرض النقود بآليات السياسة النقدية.
وإن انفلات التضخم في الدول الصناعية التي تستورد منها ليبيا في أغلب السلع الاستهلاكية وفي مقدمتها الغذاء أصبح يهدد مستوى الأسعار المحلية المرتفعة أساساً.
أضف إلى ذلك سوء تنظيم وتنسيق سلاسل العرض والتخزين وتهالك اللوجستيات مما يخلق أزمة عرض حقيقية في الأسواق الحدية في ليبيا.
هذا يشير إلى تفاقم أزمة التضخم في ظل نقص في التمويل الاستثماري والتنموي الناتج عن انسحاب الحكومة من النشاط الاقتصادي وتقاعس القطاع الخاص عن ملء الفجوة.
وبينما تشير آخر الاحصائيات الليبية المنشورة حتى نهاية الربع الثاني من السنة إلى معدلات تضخم منخفضة لا تتجاوز 8% التضخم المستورد تهديد إضافي جديد، وبالرغم من أن التحليلات الحالية تشير أن البنوك المركزية ستستطيع أن تعيد إحكام سيطرتها على التضخم إلا أن هناك الكثير يشكك في ذلك على الأقل في المدى القصير
هذا قد يضيف ما لا يقل عن 4-6% سنوياً كتضخم مستورد بفرضية أن آليات الإنتاج والاستثمار التنموي المحلي ستستمر متعطلة.
وأخيراً فأن مؤشر أسعار المواد الغذائية الصادر عن منظمة فاو مؤخرا يشير إلى ارتفاع يفوق 15% وهو ما يعتبر مؤشر خطير بسبب ثقل وزن تصنيف الغذاء في فهرس أسعار المستهلك الليبية
أين يتجه التضخم في ليبيا:
المؤشرات تدل على تزايد الضغط التضخمي في الفترة القادمة، ويجب التشديد على أن الإجراءات الحالية هي قاصرة جداً عن مواجهة هذه الموجة الكبيرة وتحتاج الأجهزة الحكومية الليبية إلى وضع تخطيط فعال يجمع في حزمة واحدة سياسات إصلاحية نقدية، مالية وتجارية للتكيف مع الظروف الطارئة والتخفيف قدر المستطاع على المواطن
المصادر
محمد شحاتة الخبير نفطي، 13 / نوفمبر / 2021 التضخم الاقتصادي في ليبيا ،صدى