الهجرة غير الشرعية هي أحد الملفات المهمة في الساحة الدولية
فرع القاهرة

 

 تعد من القضايا المعقدة بسبب جذور المشاكل التي ترتبط بها والآثار المترتبة عليها في تنامي الصراعات والنزاعات بين دول الاتحاد الأوروبي من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا من جهة أخرى، وكذلك مع الدول التي تقع شرق وجنوب حدود الاتحاد الأوروبي. تتنوع الأسباب التي تدفع للهجرة بين الحروب والصراعات وتنامي الفساد والاستبداد وارتفاع البطالة وانخفاض فرص العمل في الوقت الذي يتنامى فيه تعداد السكان. كما تمثل فئة الشباب الكتلة الأكبر من المجتمع الإفريقي، ويرجع ذلك لاتباع سياسات غير رشيدة من قبل حكومات الدول الإفريقية بجانب ضعف قدرتها على إدارة مواردها بخلاف حكمها القمعي والأمني. هذا بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه القوى الدولية، والذي يمكن وصفه بالاستغلالي والسلبي بسبب التنافس الشرس فيما بينها في الاستحواذ على الموارد الطبيعية وتعزيز تموضعها الإستراتيجي في القارة.

لقد بلغ تعداد سكان الاتحاد الأوروبي نحو 446.7 مليون نسمة، في يناير/ كانون الثاني 2022. يوجد 23.8 مليون مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي ما يمثل 5.3٪ من إجمالي السكان. وفي عام 2021، مثَّل المهاجرون نحو 8.84 مليون عامل في سوق العمل بالاتحاد الأوروبي أي ما يعادل 4.7٪ من إجمالي العاملين البالغ عددهم 189.7 مليون عامل. وتعد الهجرة الإفريقية في مسار تصاعدي، ففي آخر عقدين ارتفع عدد المهاجرين من القارة الإفريقية لأكثر من 40 مليون مهاجر بنسبة ارتفاع تصل لنحو 30٪ عن عام 2010، ولا يبدو أن تلك النسبة ستنخفض في المدى المتوسط والمنظور. وهو يعد 14.5٪ من إجمالي عدد المهاجرين في العالم، بينما يبلغ عدد المهاجرين في آسيا 41٪، وفي أوروبا 22.5٪، لذلك من المهم أن نعي أن حجم الاهتمام بملف المهاجرين من إفريقيا ليس لأنه الأكبر من حيث عدد المهاجرين لكنه مدفوع بتوجهات إعلامية وسياسية من دول الغربية.

وفقًا للبيانات الصادرة عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة لعام 2020 سنجد أن أعداد المهاجرين ارتفعت خلال 30 عامًا من 1990 إلى 2020 بنسبة تقدر بنحو 40٪ مرتفعة من 17 مليون مهاجر إلى 28.5 مليون مهاجر.

يعد إقليما شرق وغرب إفريقيا الأعلى من حيث عدد المهاجرين؛ فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة تصدَّر إقليم شرق إفريقيا باقي الأقاليم بعدد مهاجرين بلغ نحو 7 ملايين و682 ألف مهاجر، ثم إقليم غرب إفريقيا بعدد مهاجرين بلغ 7 ملايين و652 ألف مهاجر، فإقليم وسط إفريقيا بعدد مهاجرين بلغ نحو 3 ملايين و861 ألفًا ثم إقليم شمال إفريقيا بعدد مهاجرين بلغ نحو 3 ملايين و167 ألف مهاجر.

- العوامل الدافعة للهجرة الإفريقية:

يعيش ما يقدر بنحو ٣٥ في المائة من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا في فقر، مما يخلق ضغوطًا هائلة على أفراد الأسر الذين يكسبون الدخل لتأمين فرص العمل لتلبية الاحتياجات الأساسية.

وتساهم مجموعة من العوامل الهيكلية والإدارية في الزيادة المطردة في الهجرة الإفريقية، والتي، إذا استمرت الاتجاهات الحالية، ستشهد وصول الهجرة الإفريقية عبر الحدود من 11 إلى 12 مليون شخص بحلول عام 2050.

و رغم أن إفريقيا حققت نمواً اقتصادياً قوياً مستداماً منذ عام 2000، فإن المنطقة لا تزال تتمتع بأدنى متوسط لدخل الفرد في العالم. و يعيش مايقدر بـ 35% من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا في فقر، مما يخلق ضغوطاً هائلة على أفراد الأسر الذين يكسبون الدخل لتأمين فرص العمل لتلبية الإحتياجات الأساسية.

تتبع معظم الهجرة غير الناجمة عن الصراع الفرص الاقتصادية الموسمية على المستوى الإقليمي. وقد حدثت زيادة بنسبة 44 في المائة في الهجرة بين البلدان الإفريقية منذ عام 2010، داخل منطقة الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي (SADC)، تشمل معظم الهجرة الدائرية جنوب إفريقيا الديناميكية اقتصاديًا كوجهة. وفي داخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، يتنقل معظم المهاجرين عبر كوت ديفوار ونيجيريا.

لا تزال أكبر الهجرة في إفريقيا تحدث داخل البلدان، ومعظمها دائرية بطبيعتها من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية. ومع تزايد هشاشة سبل العيش الريفية المستدامة بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن نسبة متزايدة من المهاجرين مابين 70 و 110 مليون شخص، قد تضطر إلى جعل هذه التحركات دائمة.

يمكن للهجرة من الريف إلى الحضر أن تكون خطوة أولى نحو الهجرة الدولية حيث يحصل المهاجرون الحضريون على المزيد من الدخل و المعلومات حول فرص العمل الأخرى.

باعتبارها أحدث قارة في العالم، لا تزال إفريقيا تشهد نموًا سكانيًا أكبر من أي منطقة أخرى في العالم. وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا من 1.2 مليار إلى 2.5 مليار نسمة في عام 2050، و أن ينضم مابين 10 إلي 12 مليون شاب إفريقي إلى قوة العمل كل عام، و في حين يبدو أن معدلات الخصوبة تنخفض بشكل أسرع من ماكان متوقعاً في السابق، إلا أنه من المتوقع أن يكون لدى إفريقيا عدد كبير من الشباب القادرين على العمل خلال الفترة المتبقية من هذا القرن.

و تؤدي الصراعات التي لم يتم حلها في القارة إلى توليد أعداد قياسية من السكان النازحين قسراً، علاوة على ذلك، أدت العودة إلى الحكم الإستبدادي إلى تقييد الحريات الأساسية و تفاقم القمع الذي يساهم في زيادة عمليات النزوح، و يجبر النزوح القسري الممتد الشباب على الإنتقال إلى المناطق الحضرية، و من ثم ربما خارج القارة، مما يؤدي إلى الهجرة.

و تؤدي الصراعات التي لا يتم حلها في القارة إلى توليد أعداد قياسية من السكان النازحين قسراً.

على سبيل المثال، أدى اندلاع الصراع بين الفصائل العسكرية في السودان في عام 2023 إلى حدوث 6 ملايين حالة نزوح إضافية عبر الحدود، و يضيف هذا إلى التحركات السكانية الناجمة عن الصراعات في جنوب السودان، و جمهورية الكونغو الديمقراطية، و جمهورية إفريقيا الوسطى، و الصومال، و غيرها.

و قد أدى تغير المناخ إلى إنخفاض بنسبة 24% في نمو الإنتاجية الزراعيةفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 1961، و هو ما يسهم بشكل أكبر في إنعدام الأمن الغذائي غير المسبوق في القارة في السنوات الأخيرة.

و من المتوقع أن يكون تغير المناخ هو المحرك لما يصل إلى 10% من إجمالي الهجرة الإفريقية عبر الحدود بحلول منتصف القرن، و يرجع ذلك إلى الفيضانات و الجفاف و العواصف الأكثر حدة، و من المتوقع أن تشهد منطقة الجنوب الإفريقي أكبر زيادة في التنقل عبر الحدود في إفريقيا بسبب تأثيرات تغير المناخ، مع احتمال انتقال ما بين 200 ألف إلى 800 ألف شخص إلى دولة مجاورة بحلول عام 2050.

مسارات الهجرة غير الشرعية داخل إفريقيا و خارجها:

في عام 2022، قطع 331 ألف مهاجر غير شرعي الحدود غير النظامية الأوروبية مسجلين ارتفاعًا قدره 66% عن عام 2021، في حين عبر نحو 148 ألف البحر في عام 2021 بزيادة قدرها 29% عن عام 2021، بينما بلغ عدد من قطع الحدود البرية الأوروبية نحو 183 ألفًا بزيادة قدرها 110% عن عام 2021. ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى أوروبا من وسط البحر الأبيض المتوسط في 2022 نحو 56% عن العام الماضي بعدد 105 آلاف مهاجر، في حين ارتفع العدد من شرق البحر الأبيض المتوسط نحو 113% عن العام الماضي بعدد يقارب 44 ألف مهاجر. أما طرق غرب البلقان فقد ارتفعت نسبة المهاجرين منها نحو 134% مقارنة بعام 2021 بعدد يقارب 144 ألف مهاجر. فيما انخفض عدد المهاجرين القادمين من غرب البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك طريق المحيط الأطلسي من غرب إفريقيا إلى جزر الكناري نحو 25% بعدد مهاجرين يقدر بنحو 30 ألفًا، أما طرق الحدود الشرقية لأوروبا فقد انخفضت النسبة إلى نحو 22% بعدد مهاجرين يقدر بـ6300 مهاجر مقارنة بعام 2021. وقد ارتفعت نسبة الوفيات في البحر المتوسط نحو 17% بالمقارنة مع 2021 حيث أُبلغ عن غرق أو فقدان 2406 مهاجرين في عام 2022 مقارنة بـ2062 في عام 2021.

أما فيما يتعلق بمسارات الهجرة غير الشرعية وخيارات المهاجرين للوجهات في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2021 فتعد الدول الإفريقية الأكثر تضررًا بالمقارنة ببقية المسارات والتي يمكن تقسيمها على المسارات الأربعة التالية:

الهجرة داخل القارة الإفريقية: يتجه العدد الأكبر من المهاجرين داخل القارة بنسبة تصل لنحو 53% وتتوزع الكتلة الأكبر على الدول التالية بالترتيب: جنوب السودان، والسودان، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبوركينا فاسو، ومالي، وكوت ديفوار، وزيمبابوي، ونيجيريا، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بنحو 21 مليون مهاجر. وفي دراسة أخرى أكدت أن عدد المهاجرين يمثل 51.3% من إجمالي المهاجرين الأفارقة لعام 2021.

الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي: تأتي أوروبا مقصدًا ثانيًا مفضلًا للمهاجرين بنسبة تصل لنحو 28%، وتتوزع الكتلة الأكبر على الدول التالية بالترتيب: المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، وليبيا التي تعد نقط تجمع للعديد من المهاجرين القادمين من نيجيريا، وجنوب إفريقيا، والكونغو، والسودان، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بنحو 11 مليون مهاجر.

الهجرة إلى دول الشرق الأوسط: تأتي دول الشرق الأوسط في المرتبة الثالثة بنسبة تصل إلى 13% من المهاجرين، وتتوزع الكتلة الأكبر للمهاجرين على الدول التالية بالترتيب: مصر، والسودان، والصومال، وإثيوبيا، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بـ5 ملايين مهاجر.

الهجرة إلى أميركا الشمالية: تأتي أميركا وكندا بنسبة منخفضة بالمقارنة مع بقية الوجهات حيث تصل النسبة من إجمالي الوجهات نحو 6%، بمتوسط عدد مهاجرين يقدر بـ3 ملايين مهاجر.

تؤكد تلك الاحصائيات أن عامل القرب الجغرافي هو عنصر رئيس في تحديد وجهة المهاجرين، كما تشير إلى أن الدول الإفريقية هي الأكثر تضررًا من حيث تحمل أعباء المهاجرين بالمقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تتمتع بالاستقرار وتوافر فرص العمل. كانت تلك الصورة مهمة في فهم وزن المهاجرين من إجمالي عدد المهاجرين من إفريقيا.

الهجرة توفر شريان الحياة للأسر الإفريقية:

لا تفيد الهجرة بلدان الوجهة فقط من خلال تلبية احتياجات العمالة، بل تستفيد منها أيضاً المنشأ من خلال التحويلات المالية التي تساهم في إستقرار دخل الأسر في الإقتصادات الهشه، و تحسين الأمن الغذائي، و توفير فرص الحصول على تعليم.

و تشهد تدفقات التحويلات المالية إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا نمواً مطرداً، و هي تشكل مصدراً موثوقاً للدعم، و من المتوقع أن ترتفع التحويلات المالية إلى إفريقيا بنسبة 3.7% في عام 2024.

لا تزال الهجرة غير النظامية في إفريقيا تنطوي على مخاطر كبيرة:

معظم الهجرة الإفريقية المبلغ عنها تتم عبر القنوات العادية. إن الـ 43 مليون إفريقي الموثق أنهم يعيشون في بلدان أخرى لديهم شكل من أشكال الوضع القانوني. ولجأ عدد غير معروف من المهاجرين الأفارقة إلى الهجرة عبر قنوات غير نظامية أو سرية. وتزيد الهجرة غير النظامية من نقاط الضعف والمخاطر التي تهدد الأمن الشخصي للمهاجرين، كما أنها تشجع على استغلال افتقار المهاجرين إلى الوضع القانوني من قبل العناصر الإجرامية.

هناك ثلاث طرق رئيسية للهجرة غير النظامية في القارة:

الطريق الشرقي:

الطريق الشرقي، الذي يوصف بأنه واحد من أكثر ممرات الهجرة ازدحاماً و خطورة في العالم، يستخدمه مئات الآلاف من المهاجرين سنوياً، معظمهم من أثيوبيا و اريتريا و الصومال، و يتوقع المهاجرون إلى دول الخليج أن يكسبوا خمسة أضعاف ما يمكنهم الحصول عليه في بلدهم الأصلي، و غادر ما يقرب 300 ألف مهاجر اثيوبيا نحو شواطئ جيبوتي و الصومال في عام 2023، و وصل أكثر من 93.500 مهاجر من القرن الإفريقي إلى اليمن خلال هذه الفترة، أي بزيادة قدرها 26% عن العام السابق.

و من المتوقع أن تزداد تدفقات الهجرة على طول هذا الطريق في عام 2024.

وبالإضافة إلى المخاطر البيئية التي تهدد الحياة (مثل الجفاف والتعرض للمخاطر والغرق)، قُتل المئات على يد السلطات السعودية على الحدود السعودية اليمنية بين مارس 2022 و يونيو 2023، و قد تم إطلاق النار على المهاجرين من مسافة قريبة، و تعرضوا لهجمات بقذائف الهاون و غيرها من المتفجرات، و تعرضوا للإغتصاب أو أجبروا على اغتصاب زملائهم المسافرين.

ولا تزال المشاعر المعادية للمهاجرين و غياب الحماية القانونية للمهاجرين تمثل تهديدات خطيرة في دول الخليج.

الطريق الجنوبي:

لا يحظى الطريق الجنوبي، الذي يمتد على طول الساحل الشرقي لإفريقيا باتجاه جنوب إفريقيا عبر كينيا وتنزانيا، بنفس القدر من الاهتمام الذي تحظى به طرق الهجرة غير النظامية الأخرى في القارة. ومع ذلك، فإن التقارير الدورية عن وفيات المهاجرين في الأجزاء الخلفية من الشاحنات أو حاويات الشحن تأتي بمثابة التذكير بالظروف القاتمة التي يعيشها الكثيرون.

استخدم ما يقدر بنحو 65 ألف شخص الطريق الجنوبي في عام 2023، و هو رقم من المتوقع أن يرتفع في عام 2024.

هناك توثيق متزايد لمختلف أشكال العنف و الإساءة، و التي تضم التعذيب، و الإعتداء الجسدي، و الإساءة النفسية و العاطفية، و العنف الجنسي، و التي يرتكبها المهربون و الجهات الفاعلة الأخرى على هذا الطريق.

طريقا البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنطي إلى أوروبا:

حظت الطرق البحرية نحو الشواطئ الأوروبية بأكبر قدر من الاهتمام والتدقيق. وتقوم دورية الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي، فرونتكس، بتجميع البيانات حول عمليات العبور الحدودية التي يتم اعتراضها (IBC) منذ عام 2009، تم الوصول إلى ما مجموعه 1.37 مليون من عمليات العبور الحدودية التي يتم اعتراضها (IBC) للمواطنين الأفارقة على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية. وهذا يعني إلى ما متوسطه حوالي 91.000 من عمليات العبور الحدودية التي يتم اعتراضها (IBC) سنويًا.

وفي حين أن أقلية من أولئك يحاولون عبور حدود الاتحاد الأوروبي سرًا، فإن عدد المهاجرين الأفارقة غير النظاميين يتزايد ببطء في السنوات الأخيرة. ويشكل مواطنو غينيا وكوت ديفوار وتونس والمغرب ومصر والجزائر أكبر ستة مصادر إفريقية لعمليات العبور الحدودية التي يتم اعتراضها (IBC) في السنوات الأخيرة. وتمثل هذه البلدان مجتمعة أكثر من نصف جميع عمليات العبور الحدودية التي يتم اعتراضها (IBC) في إفريقيا.

وفي محاولة لردع عمليات عبور البحر الأبيض المتوسط، حاولت دول شمال إفريقيا، بناءً على طلب من الاتحاد الأوروبي، نقل المهاجرين من المدن الساحلية. وفي بعض الأحيان، كانت هذه الإجراءات قاسية، مثل قيام السلطات التونسية بترحيل مئات المهاجرين و تركهم في الصحراء على الحدود الليبية.

المهاجرون المفقودون:

يمكن رؤية مدى غدر كل من طرق العبور هذه من خلال عدد من لقوا حتفهم، ما يقرب من 40 ألف حالة وفاة واختفاء مسجلة على جميع الطرق الإفريقية منذ عام 2014، وهو بلا شك رقم غير كامل.

ويتزايد أيضًا العدد السنوي لوفيات المهاجرين المسجلة في السنوات الأخيرة مع تقديرات تصل إلى 4300 شخص في عام 2023.

كيف تؤثر الهجرة غير الشرعية على الاتحاد الأوروبي؟

التأثير الديمغرافي والصناعي (تأثير إيجابي):

أسهمت الهجرة غير الشرعية في ضبط معدلات النمو الديمغرافي المتدنية في أوروبا، ففي عام 2011 كان معدل النمو السكان في الاتحاد الأوروبي إيجابيًّا بالرغم من تناقصه، ولكنه أخذ منحنى الهبوط بداية من عام 2012. والسبب هو تسجيل حالات وفيات أكثر من المواليد، فقد ارتفع عدد السكان 7.5 مليون نسمة فقط من يناير/كانون الثاني 2012 حتى يناير/كانون الثاني 2020 وذلك بفضل الهجرة، لكن بعد عام 2020 و 2021 لم يعد معدل المهاجرين مساعدً إيجابيًّا في مقاومة الهبوط الديمغرافي في أوروبا.

ففي عام 2022، استمرت الوفيات في تجاوز عدد المواليد الأحياء في الاتحاد الأوروبي، مما عمَّق الفجوة الديمغرافية،حيث فاق عدد الوفيات (5.15 مليون) عدد المواليد الأحياء (3.86 مليون) فكان معدل النمو لمواطني الاتحاد الأوروبي هو بالسالب (- 1.3 مليون) لكن بإضافة صافي الهجرة الذي بلغ 4.1 مليون مهاجر يصبح معدل نمو سكان الاتحاد الأوروبي (2.8 مليون) في عام 2022 (انظر الشكل 5). كذلك من المهم إدراك أن معدلات الهجرة ارتفعت في أوروبا بشكل عال في عام 2022 متأثرة بالحرب الروسية-الأوكرانية وبتسهيلات قدمتها دول الاتحاد الأوروبي للأوكرانيين، حيث بلغ عددهم بحسب تقارير اليونسكو 2.852 مليون من بداية الحرب حتى ديسمبر/كانون الأول 2022.

كما أن للمهاجرين تأثيرًا عاليًا في تطوير الصناعات وتشغيل المصانع، كما يسهم أيضًا المتعلمون ذوو التعليم العالي في الابتكارات بشكل إيجابي، لكن التأثير الأكبر والملاحظ في الصناعات ذات المستويات المنخفضة، بالإضافة لدورهم المحوري في الاستثمار الأجنبي المباشر والانفتاح على التجارة، فالتأثير الكلي للمهاجر الماهر هو حوالي ثلث تأثير المواطنين المهرة.

تفكك الاتحاد الأوروبي وصعود اليمين المتطرف (تأثير سلبي):

أما التأثيرات السلبية على الاتحاد الأوروبي فتتمحور في كون المهاجرين غير الشرعيين عاملًا في دفع الدول للخروج من الاتحاد الأوروبي. فملف الهجرة غير الشرعية أحد الأسباب الرئيسية في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. عاش المهاجرون في 32 دولة في الاتحاد الأوروبي، لكن حوالي نصفهم عاش في دولتين فقط، هما: ألمانيا وبريطاني.

استطاعت ألمانيا توظيف الهجرة بشكل ناجح في عجلة الإنتاج والاقتصاد بالمقارنة مع بريطانيا. لكن في بريطانيا كان الأمر مختلفًا، حيث وظَّف اليمين ملف المهاجرين إعلاميًّا لأجل تحقيق أهدافه بالخروج من الاتحاد الأوروبي. فقبل الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أيد 6 من كل 10 في استطلاع رأي في بريطانيا رغبتهم في تخفيض الهجرة بنسبة بلغت 62%.

كان الهدف من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو منح بريطانيا مزيدًا من السيطرة على حدودها وتفعيل سياسات خاصة بمكافحة الهجرة. ومع ذلك لم تستطع بريطانيا حتى الآن أن تمنع الهجرة بشكل كامل.

هناك أيضًا اعتقاد منتشر بأن الهجرة تضر بالتجانس الثقافي لدول الاتحاد الأوروبي، حيث يرى 57% أنها تمثل خطورة على الثقافة في الدول الأوروبية. كما أن أكثر من ثلاثة أرباع المقيمين الأوروبيين قلقون من الهجرة غير المشروعة، حيث اعتبر 49% في أحد الاستطلاعات أن الهجرة غير الشرعية تمثل مشكلة خطيرة للغاية، بينما قال 36% إنها مشكلة خطيرة فقط, أي إن الاتجاه السلبي العام يعادل 85%. كما يتنامى عند قطاعات كبيرة من المجتمعات التي تستقبل المهاجرين غير الشرعيين أن المهاجرين يؤثرون بشكل سلبي على الاقتصاد وتُستهلك الموارد المالية للدولة من أجل مكافحتها ما يتسبب في أزمات اقتصادية.

عمل اليمين المتطرف على توظيف ملف الهجرة ملفًّا إستراتيجيًّا في خطابه السياسي على نحو شعبوي. فاليمين المتطرف يجسد أسوأ ما في التقاليد الأيديولوجية الأوروبية حاليًّا. فهم يميلون نحو الأصولية القومية، والسلطوية السياسية. وتستند رسالتهم في الغالب إلى ثلاث أفكار أساسية

(1) التمجيد العرقي،

(2) كراهية الأجانب ومعاداة المهاجرين،

(3) الشعبوية "المناهضة للسياسة" والمناهضة للمؤسسات.

هناك مخاوف حقيقية من تفكك الاتحاد الأوروبي بسبب صعود اليمين المتطرف في عدد من الدول الأوروبية؛ فالخطابات القومية تُعد عامل مساهم في التفكك الأوروبي، فعودة القومية في بعض الدول الأعضاء أدت إلى انهيار التعاون وإضعاف الاتحاد الأوروبي.

كما أن قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي المدفوع بأزمة ملف الهجرة أثار قلقًا وتساؤلات حول مستقبل الاتحاد.

سياسات الاتحاد الأوروبي في مواجهة الهجرة غير الشرعية:

يتبنى الاتحاد الأوروبي تنفيذ مجموعة من السياسات لمواجهة الهجرة غير الشرعية. تهدف هذه السياسات إلى وضع سياسة شاملة بنهج متوازن للتعامل مع الهجرة النظامية وغير النظامية، تتمثل هذه السياسات في تعزيز الضوابط الحدودية، والتشجيع على عودة فعالة للمهاجرين غير الشرعيين، وتعزيز هجرة العمالة القانونية وذلك من خلال توفير طرق قانونية مشروعة للأشخاص الراغبين بالهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، لكن ارتفاع معدلات الهجرة دفع الدول التي تقع في المناطق الشرقية والجنوبية مع البحر المتوسط في الاتحاد الأوروبي إلى تبني سياسات أمنية متشددة. وتتمحور سياساتها في أمرين:

تشديد الرقابة على الحدود: تجلت تلك السياسة في أبشع صورها لتتحول لآلات قتل. كما تعمد خفر السواحل اليوناني إغراق قوارب المهاجرين، والذي كان آخرهم القارب الذي أغرقته عن عمد، في منتصف يونيو/حزيران 2023، بحسب رواية الناجين، والذي كان على متنه أكثر من 750 مهاجرًا بينهم 100 طفل. نجا نحو مئة شخص فقط فيما انتُشل بضع وثمانون جثة، وهو ما أثبته العديد من الحوارات الصحفية مع الناجين حيث وصف أحدهم ما قام به خفر السواحل اليوناني: "ربطوا القارب من الجانب، ثم تحرك خفر السواحل بسرعة قصوى عدة مرات، جعلت قاربنا يميل يمينًا ويسارًا قبل أن ينقلب، وبعدها قطعوا الحبل".

هذا الحادث ليس استثناء، بل هو سياسة تتبعها اليونان، فسبق أن خرج العديد من مقاطع الفيديو المصورة من الناجين أو من قبل فرق خفر السواحل التركية توثق تعمد السلطات اليونانية إغراق القوارب، تكرار تلك الحوادث يؤكد أنها سياسة ممنهجة.

توطين المهاجرين في الدول المجاورة وإعادة المهاجرين للدول التي قدموا منها. مقابل تقديم بعض الامتيازات والمبالغ المالية لمساعدة الدول على تأسيس بنية تحتية لاستقبالهم أو دعمهم بخدمات صحية وتعليمية، وهو ما نجحت به حتى الآن مع تركيا؛ حيث قدم الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو على أقساط متعددة كحزمة مساعدات بهدف دعم تركيا في إدارة اللاجئين داخل حدودها ومنعهم من التحرك في اتجاه أوروبا.

ومع ذلك يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبات في الوصول لاتفاقات مشابهة مع دول شمال إفريقيا؛ حيث يحاول أن يضع بنودًا مختلفة لكل دولة على حدة كتسهيل الحصول على التأشيرات، وتحسين العلاقات التجارية. كذلك تسعى بريطانيا لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا كوسيلة لردع المهاجرين عن الوصول إلى بريطانيا.

وقد رفض المغرب طلبًا من الاتحاد الأوروبي بإعادة المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا من المغرب خاصة الذين يصلون إلى جزر الكناري الإسبانية. ومع ذلك يعيد المغرب بالفعل إدخال نحو 15000 من المهاجرين إلى بلادهم كل عام. بالإضافة إلى ذلك، وافق المغرب، في عام 1992، على قبول رعايا الطرف الثالث من الإسبانيين في حال إعادتهم في غضون 24 ساعة. لكن بشكل عام، يعكس رفض المغرب لطلب الاتحاد الأوروبي بمكافحة الهجرة وتسويتها موقفه من الهجرة وتركيزه على تحمل كل دولة مسؤولية مواطنيها.

أما في تونس، فقد استطاع الاتحاد الأوروبي استغلال الأزمة الاقتصادية هناك ووقَّع مذكرة تفاهم متواضعة، في يوليو/تموز 2023، تهدف إلى مكافحة المتاجرين بالبشر وتشديد الرقابة على الحدود لوقف الهجرة مقابل تخصيص 100 مليون يورو لتونس لمساعدتها في مكافحة الهجرة، والتي تبعها انتهاكات جسيمة للمهاجرين بإلقاء أكثر من 500 مهاجر بينهم أطفال في مناطق صحراوية على الحدود مع ليبيا، يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل فرق عمل مشتركة مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة للحد من استخدام غرب البحر الأبيض المتوسط وغرب إفريقيا مسارًا للهجرة. ومع ذلك، فإن الحكومات الإفريقية لا تتعاون مع المطالب الأوروبية.

الخاتمة :

هذه الحلول الأمنية والقمعية يمكن وصفها بسياسات قصيرة الأجل تتعامل كرد فعل وليست إستراتيجية متكاملة تهدف لحل مشكلة الهجرة من جذورها. وذلك بعد فشلها في وضع حلول وسياسات قادرة على حل المشكلة بشكل فعال من جذورها. وقد تعطي تلك السياسات الأمنية نجاحًا زائفًا يخفي فشلًا أخلاقيًّا وسياسيًّا. لماذا ستفشل؟ ببساطة لأن المهاجر يعلم تمامًا أن تلك الرحلة سيواجه فيها الموت قبل أن يتحرك. كما أن العوامل الهيكلية كالفساد والحروب والاستبداد في الدول التي يهاجر منها المهاجرون لم تتقدم في مسارات إيجابية. وهي العوامل التي تدفع المهاجر للهجرة.

إن العوامل التي تصنع بيئة طاردة للشباب الإفريقي وغير آمنة للمجتمعات الإفريقية لا تزال قائمة، بل إن دول الاتحاد الأوروبي هي أحد الأسباب الرئيسية من خلال سياساتها التي تتعاطى بها مع القارة خلال القرنين الماضيين. وعليه، إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حل مشكلة الهجرة بشكل جاد فعليه أن يعيد النظر في سياساته الخارجية مع دول القارة الإفريقية بداية من دعم الانقلابات العسكرية وتحفيز الأطراف المحلية على الاقتتال وحتى سرقة الموارد الطبيعية أو استغلالها على نحو غير عادل.

 

 

 

 

المصادر:

مركز الجزيرة للدراسات، بقلم ( شاذي إبراهيم )

- Africa center for strategic studies 

بقلم ( ويندي ويليامز )

المقالات الأخيرة