في
الآونة الأخيرة، برز على السطح مصطلح "اقتصاد الحرب" ليعيد إلى الأذهان
حقبة زمنية من الماضي البعيد حيث كانت أولوية الاقتصاد والإنتاج الصناعي تُوجه
بشكل كامل لصالح المجهود الحربي.
الاقتصاد
يأخذ منحًى آخر بعيدا عن سلوكه الطبيعي خلال فترات الحروب والصراعات المسلحة،
ويشار له في مثل هذا الظرف بمصطلح “اقتصاد الحرب” والذي ظهر أثناء الحروب العالمية
الأولى والثانية، ومنها تكونت نظرية اقتصاد الحرب التي تعمل على صناعة التوازن بين
الحاجة إلى تحقيق الأهداف العسكرية والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة،
والنظرية هذه نتاج لمساهمات وأبحاث العديد من علماء الاقتصاد على مستوى العالم،
لتستخدم بشكل موسع حديثا نتيجة للنزاعات المسلحة المتكررة اليوم.
اقتصاد
الحرب – في مفهومه التقليدي – يعنى بتوظيف اقتصاد بلد ليكون جزءًا هامًا من
استراتيجية الحرب التي تخوضها، بحيث يكون التركيز على توجيه مواردها الاقتصادية
لتلبية احتياجات قواتها المسلحة ودعمها اللوجستي، فيتم تحويل الصناعات الحضرية
والزراعية لإنتاج المعدات العسكرية والإمدادات اللازمة للقوات المسلحة، هذا إضافة
لتنظيم وتوجيه القوى العاملة والتجارة والتمويل لتلبية احتياجات الحرب.
تطور
مفهوم اقتصاد الحرب مع الوقت – بسبب تحديات التغير والتنوع في الاستراتيجيات
وتنفيذ العمليات العسكرية – فلم يعد يعتمد بشكل رئيسي على القوة البشرية والموارد
الطبيعية المتاحة فقط، ولكن شمل التكنولوجيا والصناعات والطاقة والموارد المالية
المستحدثة.
فبعد
الحرب العالمية الأولى تطور مفهوم اقتصاد الحرب بالتركيز على تطبيق سياسات زيادة
الإنتاج وتحقيق التوازن الاقتصادي خلال فترة الحرب، وبعد الحرب العالمية الثانية،
شهد العالم تحولًا كبيرًا نتيجة التركيز على تطوير التكنولوجيا العسكرية والأسلحة
النووية والصواريخ البالستية، مما وجه الاستثمارات نحو البحث والتطوير في مجالات
الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتعزيز القدرات العسكرية، واليوم ومع ظهور
الحروب الهجينة والصراعات غير التقليدية، تقدم مفهوم اقتصاد الحرب ليشمل الجوانب
السيبرانية والمعلوماتية، ليتم استخدام التكنولوجيا المتقدمة لتنفيذ الضربات
الإلكترونية والتجسس والحروب النفسية والإعلامية.
لا
شك في أن الحروب لها آثارها السلبية على الاقتصادات المدنية، نتيجة نقص في الموارد
المتاحة، وتدهور البنية التحتية والبيئية، مما يضعف القدرة الاقتصادية في تلبية احتياجات
المجتمع المدني، خاصة مع زيادة الديون العامة وتفاقم الفقر والبطالة.
هذا
يقود لحقيقة أن اقتصاد الحرب مجال هام للدراسة والبحث المستمر، لكي يتم استكشاف
السبل للحد من التدمير الناتج عن الحروب وتعزيز التخطيط للاستجابة الاقتصادية لدفع
التنمية المستدامة بعيدًا عن الصراعات المسلحة، لا سيما أن النظرية الاقتصادية
للحروب ليست قاعدة ثابتة، فهي مجال يخضع للنقاش والتطور المستمر، وتختلف الآراء
بين الاقتصاديين حول العديد من الجوانب المرتبطة بالعلاقة بين الحروب والاقتصاد.
والمجال
هنا مفتوح، فقد بدأ الغرب البحوث والدراسات لفهم هذه العلاقة بشكل أفضل وأكثر
شمولًا، ومن أهم الأسماء في هذا المضمار الأساتذة “جون مينارد كينز” (بريطانيا)
أحد أهم علماء الاقتصاد في القرن العشرين وقد كان تركيزه على الدور الحكومي في
التعامل مع الأزمات الاقتصادية بما في ذلك الحروب، و ” راؤول بريبيش ”
(الأرجنتين)، و “بول كولير” (بريطانيا)، و “جوزيف ستيجليز” (الولايات المتحدة)
الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهناك أيضا أسماء عربية بارزة في دراسة
تأثيرات الحروب على الاقتصادات العربية، أمثال الأساتذة سمير عمرو (مصر)، و محمد
أبو القاسم (تونس)، و نجيب غلاب (المغرب).
مازال
أمام الاقتصاديين فرصة ثرية للمساهمة في تطوير هذه النظرية، خاصة ممن عايشت بلادهم
حالات حرب أو تعرضت لضغوط النزاعات، فبعض المفاهيم المستمدة من هذا المجال يمكن
تطبيقها في مجالات أخرى، مثل الاستفادة من استراتيجيات إدارة الموارد والتخطيط الاقتصادي
التي تم تطبيقها في اقتصاد الحرب في سياقات الطوارئ والأزمات.
اقتصاد
الحرب
-
يقوم اقتصاد الحرب على تنظيم القدرة الإنتاجية والتوزيعية للدولة خلال فترة الصراع
وإجراء تعديلات جوهرية على إنتاجه الاستهلاكي لاستيعاب احتياجات الإنتاج الدفاعي.
-
في أوقات الحرب، يتعامل كل بلد مع إعادة تشكيل اقتصاده بطريقة مختلفة وقد تعطي بعض
الحكومات الأولوية لأشكال معينة من الإنفاق على غيرها.
-
بالنسبة لبلد يعاني من اقتصاد حرب، تُستخدم أموال الضرائب في المقام الأول في
الدفاع. وبالمثل، إذا كانت البلاد تقترض مبالغ كبيرة من المال، فقد تذهب هذه
الأموال في الغالب إلى الحفاظ على الجيش وتلبية احتياجات الأمن القومي.
-
وعلى العكس من ذلك، في البلدان التي لا تشهد مثل هذه الصراعات، يمكن استخدام
الإيرادات الضريبية والأموال المُقترضة لتحسين البنية التحتية والبرامج المحلية،
مثل التعليم والصحة.
-
تنشأ اقتصادات الحرب بدافع الضرورة عندما تشعر دولة ما أنها بحاجة إلى أن يكون
الدفاع الوطني أولوية لها.
-
حيث تستعرض تلك الدولة تقدمها الصناعي والتكنولوجي والطبي لأنها في منافسة
وبالتالي تتعرض لضغوط لإنشاء منتجات دفاعية أفضل بتكلفة أرخص.
-
ومع ذلك، وبسبب هذا التركيز، قد تشهد البلدان ذات اقتصادات الحرب أيضًا انخفاضًا
في التنمية والإنتاج المحليينِ.
مثال
على اقتصاد الحرب
يُعد
اقتصادات جميع الدول المشاركة في كل من قوى المحور والحلفاء أثناء الحرب العالمية
الثانية اقتصادات حرب.
-
وقد شمل ذلك دولًا مثل الولايات المتحدة واليابان وألمانيا. وكانت القوة
الاقتصادية الأمريكية ركيزة حيوية سمحت للحلفاء بتلقي الأموال والمعدات اللازمة
لهزيمة دول المحور.
-
تحوّلت الحكومة الأمريكية إلى اقتصاد الحرب بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربور-
وهي غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط
الهادئ في قاعدة بيرل هاربر الأمريكية بهاواي- حيث رفعت الضرائب وأصدرت سندات حرب
للمساعدة في تمويل المجهود الحربي.
-
تم تشكيل مجلس الإنتاج الحربي لتخصيص الموارد للمجهود الحربي، بما في ذلك النحاس
والمطاط والنفط، ومنح عقود الدفاع لمصالح الشركات المدنية، وتحفيز الإنتاج العسكري
بين أصحاب الأعمال المدنيين.
-
ومن المعروف أن النساء في جميع أنحاء الولايات المتحدة شاركن في اقتصاد الحرب من
خلال شغل وظائف الإنتاج العسكري وغيرها من المناصب التي شغلها الرجال سابقًا.
الاعتبارات
الخاصة
في
بعض الأحيان، يمكن أن يكون للحروب تأثير على تسريع وتيرة التقدم التكنولوجي
والطبي، وبالتالي، تعزيز اقتصاد البلد بشكل كبير بعد الحرب، كما كان الحال مع
الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
- ومع ذلك، يجادل بعض الاقتصاديين بأن الطبيعة المُهدرة للإنفاق العسكري تعوق في نهاية المطاف التقدم التكنولوجي والاقتصادي.
المراجع
_
جمال عبدالرحمن، 23/11/2023، اقتصاد الحرب،
صحيفة مال.
_
ب، ن ، 28/10/2023، ما
اقتصاد الحرب؟، موقع ارقام.