تعد
البيئة البحرية في أفريقيا والموارد التي تحويها مركزًا للتنمية المستدامة للقارة،
وتحقيق الطموحات التي حددها الاتحاد الأفريقي في أجندة 2063،حيث تخدم البحار
والمحيطات مصالح جميع الأطراف في القارة، ولا سيما الدول الساحلية الـ 38 والدول
الجذرية الصغيرة النامية (SIDS)،
وكذلك الدول الحبيسة التي تستفيد من القطاع البحري، وتبرز مجموعة من التحديات
والتهديدات للموارد المستدامة في البيئة البحرية، وعمليات استخراجها وسلامة من
يستخدمون المجال البحري، حيث يجذب الموقع والموارد البحرية للقارة الشركاء
الدوليين والإقليميين الذين يعتمدون على مياهها؛ لتعزيز تنميتهم الاقتصادية
ومصالحهم الجيوستراتيجية.
وتواجه
دول القارة الأفريقية الكثير من التحديات الأمنية التي باتت تهدد أمنها البحري
بشكل يسترعي الانتباه، فعلى الرغم من كثافة الأنشطة البحرية التقليدية خلال
العقدين الماضيين من صيد وشحن وما إلى غير ذلك، إلا أن هذه الكثافة صحبها الكثير
من الممارسات غير المشروعة والجرائم التي كبدت القارة الأفريقية مئات المليارات من
الدولارات، فضلًا عن الخسائر في الأرواح من جراء هذه الممارسات وتلك الجرائم.
وانطلاقًا من إدراك الاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء فيه لما يمثله المجال البحري
الأفريقي من إمكانات هائلة يمكن استغلالها؛ لتكوين الثروات وخلق المزيد من الفرص
لشباب القارة، عمل الاتحاد على بلورة رؤية متكاملة وخطة عمل يمكن من خلالها حماية،
واستغلال المجال البحري الأفريقي من جهة، وخلق شراكة تتسع؛ لتضم الدول الأفريقية،
وكافة أصحاب المصلحة من أجل استغلال الإمكانات المتاحة ووضع حلول مبتكرة؛ لمواجهة
التحديات المشتركة، مع العمل على خلق مجال بحري أفريقي آمن ومستدام.
وبالفعل
في عام 2012، تبنى الاتحاد الأفريقي الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا
2050، ثم تبعها الميثاق الأفريقي للأمن البحري والسلامة والتنمية عام 2016،
والمعروف بميثاق لومي 2063. وبعد قرابة عقد من الزمان على تبني الاستراتيجية سالفة
الذكر، يصبح تقييم فاعليتها، والتعرف على مدى نجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة
منها أمرًا من الأهمية بمكان. وفي هذا السياق، تبدأ هذه المقالة بمناقشة أبرز
تهديدات الأمن البحري الأفريقي، مرورًا بتحليل الاستراتيجية البحرية المتكاملة
لأفريقيا وميثاق لومي 2063، وصولًا لأهم التحديات التي تعرقل الجهود الأفريقية في
مجال الأمن البحري.
أولاً:
تهديدات الأمن البحري الأفريقي:
يواجه
المجال البحري الأفريقي مجموعة واسعة من التهديدات الفعلية والمحتملة التي يمكن أن
تؤديَ إلى إلحاق أضرار سياسية واقتصادية كارثية بالدول الأفريقية؛ فبالإضافة إلى
الخسائر في الإيرادات من جراء الجرائم البحرية، يمكن أن تغذيَ هذه الجرائم العنف
وانعدام الأمن، ويمكن لبعض منها، مثل الاتجار بالمخدرات، أن تغذيَ الفساد، وتمول
شراء الأسلحة غير المشروعة، الأمر الذي يغذي المزيد من العنف، والتطرف، وعدم
الاستقرار في المجتمع. وتعتبر سواحل الصومال، وخليج غينيا من أبرز بؤر انتشار
الجريمة البحرية في أفريقيا. وفيما يلي نتناول أبرز مهددات الأمن البحري الأفريقي:
1
- القرصنة والسطو المسلح في البحر:
وفقًا
لتقارير المكتب البحري الدولي، ارتفعت حوادث القرصنة في خليج غينيا بنسبة تجاوزت
الـ 50% بين عامي 2018 و2019؛ ففي ديسمبر عام 2019 تعرضت ناقلة نفط لهجوم في خليج
غينيا، واختُطف معظم أفراد طاقمها أثناء إبحارها من أنجولا إلى توجو، وفي الحادي
والثلاثين من ديسمبر 2019 تعرضت ناقلة نفط يونانية للقرصنة أثناء إبحارها من ميناء
ليمبو في الكاميرون، الأمر الذي أسفر عن اختطاف ثمانية من أفراد الطاقم. وفي مطلع
يناير من عام 2020، تعرضت سفينة نيجيرية لهجوم من قبل القراصنة في خليج غينيا أسفر
عن اختطاف ثلاثة أشخاص ومقتل أربعة آخرين. وفي تقريره الصادر في ديسمبر عام 2022،
أكد مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد أن خليج غينيا بات بؤرة القرصنة على
مستوى العالم خلال الـ 15 عامًا الماضية.
ومن
ناحية أخرى، تشهد سواحل الصومال حوادث قرصنة مماثلة، وإن اختلفت من حيث أهدافها عن
تلك التي يشهدها خليج غينيا؛ حيث يستهدف القراصنة في الصومال السفن بغية الاختطاف
مقابل الحصول على فدية، بينما يكون اختطاف السفن في خليج غينيا بغرض سرقة النفط
الخام بالأساس، تمهيدًا لبيعه في السوق السوداء فيما بعد.
2
- الإرهاب البحري:
يعتبر
الإرهاب البحري من أخطر مهددات الأمن البحري في أفريقيا؛ حيث تستغل الجماعات
الإرهابية المجال البحري في تمويل عملياتها الإرهابية، من خلال المكاسب التي
تحققها من عمليات ابتزاز الشركات، وفرض الإتاوات، وتهريب السلع بشكل غير مشروع وما
إلى غير ذلك. وعلى سبيل المثال، تحقق حركة الشباب المجاهدين في الصومال أرباحًا
هائلة من تهريب الفحم، الذي يعد مصدرًا مهما لدخل الحركة ويدر عليها مكاسب تقدر
بنحو 7 ملايين دولار سنويًّا. وكذلك يقوم جيش الرب للمقاومة في أوغندا بعمليات
تهريب العاج من الكونغو الديمقراطية، والألماس من أفريقيا الوسطى، عبر «كفيا قنجي»
على حدود السودان، وكذا عبر جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، ثم ميناء
«بورسودان» إلى الأسواق العالمية. وتقوم القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونغو
الديمقراطية، المبايعة لتنظيم داعش الإرهابي، بتهريب العاج عبر أوغندا إلى موانئ
مومباسا في كينيا، أو دار السلام في تنزانيا.
3
- سرقة النفط الخام:
تعتبر
سرقة النفط الخام من أبرز الجرائم التي تهدد الأمن البحري في أفريقيا، وتزايدت هذه
العمليات بشكل مكثف خلال السنوات الأخيرة؛ حيث أدركت العناصر المسيطرة على عصابات
القرصنة وسرقة النفط أن سرقة النفط تنطوي على مخاطر أقل من مخاطر القرصنة في أعالي
البحار ومكاسب أو أرباح أعلى منها بكثير. وتعتبر نيجيريا من أبرز البلدان التي
عانت من سرقة النفط؛ حيث أفادت مجلة "ماريتيم إجزاكاتيف" Maritime Executive أن نيجيريا خسرت مكانتها بوصفها أكبر مصدر للنفط في أفريقيا في
يوليو عام 2022، وجاءت في المرتبة الثانية بعد أنجولا، ولعل هذا ما أرجعه المحللون
لسرقة كميات كبيرة من النفط. كما أن إنتاج نيجيريا من النفط الخام انخفض إلى 940
ألف برميل في المتوسط يوميًا في سبتمبر 2022؛ وهو مستوٍ لم تشهده منذ ثمانينيات القرن
العشرين.
وفي
مايو عام 2023، أظهر أحدث تقرير شهري عن سوق النفط أصدرته منظمة الدول المصدرة
للبترول (أوبك) أن إنتاج نيجيريا النفطي انخفض خلال شهر واحد فقط بمقدار 270 ألف
برميل يوميًا، حيث تراجع من 1.26 مليون برميل يوميًا في مارس 2023 إلى 999 ألف
برميل يوميًا في أبريل من ذات العام، الأمر الذي يعد مؤشرًا لحجم الخسائر التي
يتكبدها الاقتصاد النيجيري على خلفية سرقة النفط الخام.
4
- الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين وتهريب المواد المخدرة:
تنتشر
عمليات تهريب المهاجرين، والاتجار بالبشر في أفريقيا؛ حيث تستغل عصابات الجريمة
حالة الضعف والفراغ الأمني، وضعف الرقابة على الحدود البحرية لممارسة الكثير من
الجرائم، الأمر الذي أسفر عن تداعيات بالغة الخطورة، فضلًا عن الكثير من الخسائر
المادية والبشرية نتيجة الظروف القاسية التي يتعرض لها ضحايا تهريب المهاجرين
والاتجار بالبشر. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر خليج غينيا نقطة عبور رئيسة لعصابات
الجريمة المنظمة التي تقوم بتهريب المخدرات من دول أمريكا اللاتينية؛ حيث يمر أكثر
من 30 % من المواد المخدرة المستهلكة في أوروبا -وبخاصة الكوكايين- عبر خليج
غينيا.
ويتضح
مما سبق، أن ثمة تزايد في الجرائم البحرية خلال العقدين الماضيين بشكل أكبر من ذي
قبل، ومع تزايد العوامل المهددة للمجال البحري في أفريقيا وكثافة الممارسات غير
المشروعة والجرائم عبر الوطنية من حيث العدد والقدرة، أصبح لابد من وجود مقاربة
أفريقية لمعالجة هذه العوامل سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو القاري.
5
- الصيد غير القانوني غير المنظم:
يمثل
أحد التهديدات المنتشرة في المجال البحري لأفريقيا، وتعد أحد الآثار المباشرة
للصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم هو تفاقم استنفاد الأرصدة السمكية. وعلى
الرغم من أن الطبيعة السرية للتهديد تجعل من المستحيل تحديد التكلفة إلا أنه وفقًا
للرئيسة السابقة للاتحاد الأفريقي «نكوسازانا دلاميني»، فقد أقرّت بخسارة أفريقيا
200 مليار دولار أمريكي في خمسة عقود بسبب الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون
تنظيم، وكشفت الأمم المتحدة أنَّ الصيد غير القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم يكلف
إقليم غرب أفريقيا 2.3 مليار دولار أمريكي سنويًا، ويرتبط بجرائم بحرية أخرى
كالقرصنة والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات.
ثانيًا:
الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا 2050:
يمثل
المجال البحري الأفريقي فرصة حقيقية للنمو لكل الدول الأفريقية، وذلك من خلال شبكة
من الممرات البحرية ذات الأهمية الهائلة للأمن والازدهار. ومن هذا المنطلق، فإن
حدوث أي تعطل أو عدم كفاءة في نظام المجال البحري الأفريقي ينعكس بطبيعة الحال
وبشكل مباشر على اقتصادات العديد من البلدان الأفريقية وفي هذا الإطار، ارتأت
الدول الأفريقية أن الوقت قد حان لإعادة النظر في كيفية إدارة ممرات مياهها
الداخلية، ومحيطاتها، وبحارها، بوصفها حيوية في مكافحة الفقر والبطالة، وكذا
بوصفها ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجميع الدول الأعضاء في
الاتحاد الأفريقي.
وانطلاقًا
مما تقدم، دعا رؤساء الدول والحكومات الأفريقية مفوضية الاتحاد الأفريقي في الدورة
العادية الثالثة عشرة لقمة الاتحاد الأفريقي «لوضع استراتيجية شاملة ومتماسكة»،
وذلك بموجب القرار الصادر عن قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في مدينة سرت الليبية
في يوليو عام 2009. وبالفعل فقد تم إعداد الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا
لعام 2050 Africa’s
Integrated Maritime Strategy (AIMS)،
التي تبناها الاتحاد الأفريقي عام 2012 كأداة لمعالجة تحديات أفريقيا البحرية من
أجل التنمية المستدامة وتعزيز القدرة التنافسية. وبشكل عام، تضمنت الاستراتيجية
112 مادة عرضت من خلالها الأهداف الاستراتيجية، والأطر التنظيمية الموجودة في ذاك
الوقت وخطة العمل، كما لم تتجاهل الوثيقة التهديدات، ونقاط الضعف ذات الصلة بالأمن
البحري الأفريقي. ولقد ركزت المادة 21 على الأهداف الاستراتيجية الرئيسة للوثيقة.
وتهدف
الاستراتيجية إلى تعزيز خلق المزيد من الثروة من محيطات، وبحار أفريقيا ومياهها
الداخلية، وذلك من خلال تطوير اقتصاد بحري مزدهر وتحقيق الإمكانات الكاملة للأنشطة
المتصلة بالبحر بصفة مستدامة مع الحفاظ على البيئة البحرية في أفريقيا؛ لتعزيز نمو
الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه، تهدف الاستراتيجية إلى مساعدة أفريقيا
على التغلب على التحديات التي تواجهها في إدارة مواردها والحفاظ عليها، وسيساعد
هذا أيضًا في حل ومعالجة المخاوف المتعلقة بالأنشطة غير القانونية مثل الصيد غير
القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم، وانعدام الأمن؛ بسبب أنشطة السطو البحري والقرصنة
والاختطاف في المياه وغير ذلك من ممارسات غير مشروعة.
وفي
مساعيه لضمان وجود آليات لتنفيذ هذه الاستراتيجية المخطط لها لمدة 36 عامًا منذ
دخول الاستراتيجية حيز التنفيذ عام 2014 إلى عام 2050 على النحو المبين في الشكل
رقم (1)، وضع الاتحاد الأفريقي أيضًا آليات تسمى خطة العمل التي ستساعد في التنفيذ
الفعال لما جاء في الاستراتيجية. وتضمنت خطة العمل 21 مجالًا رئيسًا كما هو موضح
في الوثيقة، لعل من أبرزها بناء القدرات في مجال الحوكمة البحرية، والدفاع البحري،
والأمن وغير ذلك من الأمور. وبالإضافة إلى الأهداف والمجالات، حددت خطة العمل
الأنشطة ذات الصلة، والنتائج المتوقعة، والأطر الزمنية وكذا الجهات المسئولة عن
التنفيذ.
ثالثاً:
الميثاق الأفريقي للأمن البحري والسلامة والتنمية 2063:
لتعزيز
تنفيذ أهداف استراتيجية 2050، اجتمع القادة الأفارقة في العاصمة التوغولية لومي في 15 أكتوبر عام 2016، وذلك للتوقيع
على الميثاق الأفريقي للأمن البحري والسلامة والتنمية في أفريقيا، والذي يشار إليه
عادة باسم ميثاق لومي 2063، ولقد ضم ميثاق لومي 56 مادة مبوبة في سبعة فصول، وجاءت
المادة الثالثة متضمنة أهداف الميثاق، والتي تمت بلورتها في اثني عشر هدفًا تغطي
مجالات رئيسة مثل: القضايا المتعلقة بالأمن، وحماية البيئة، ومبادرة بناء القدرات،
ورفع مستوى الرعاية الاجتماعية للمواطن، وزيادة الوعي حول تسخير نظام الاقتصاد
الأزرق المستدام، فضلًا عن تعزيز التعاون والتضامن بين الوكالات المعنية في كافة الدول
الأعضاء.
وقد
حددت المادة 4 نطاق الميثاق فيما يتعلق بالجوانب ذات الأهمية التي لها أولوية في
هذا المقام، والتي تشمل استغلال الموارد البحرية بطريقة مستدامة، ومنع الصيد غير
القانوني دون إبلاغ ودون تنظيم وغير ذلك من أمور، في حين ركزت المادة 5 على
التدابير الاجتماعية والاقتصادية؛ لمنع الجرائم من خلال التوعية التي تهدف إلى
تعزيز التماسك الاجتماعي، وتشجيع المشاركة الشاملة بقصد منع الجريمة وخلق فرص
العمل.
وعلاوة
على ذلك، ركزت المواد من 6 إلى 11 على مسئوليات الدول الأطراف، وهياكل تنسيق
الأمور المتعلقة بالسلامة البحرية والأمن، والحاجة إلى تنسيق القوانين الوطنية مع
صياغة نموذج تمويل الشراكات العامة والخاصة للاستثمار في المعدات التشغيلية. وجدير
بالذكر أن الميثاق قد كشف عن أهمية تبادل المعلومات والاتصال بكفاءة وفاعلية من
أجل تسهيل الحوكمة البحرية. وجاء الفصل الرابع من الميثاق متضمنًا 11 مادة (19 -
29) ركز خلالها على المصطلحات العامة؛ لتنمية الاقتصاد الأزرق، الأمر الذي يتطلب
من الدول الأطراف تطوير سياساتها لاستغلال مواردها البحرية مثل: مصايد الأسماك،
وتربية الأحياء المائية وغيرها. وبالمثل فقد ركز الميثاق على ضرورة تنمية القدرات
البشرية، لتعزيز المهارات والخبرة في القطاع البحري، وكذا على تطوير البنية
التحتية للموانئ، الأمر الذي يعزز من القدرات التنافسية للدول الأفريقية في مجال
الشحن الدولي.
ويشير
ملخص الفصول 5-7 (المواد 30-56) إلى الحاجة إلى توفير كافة الأطر، وعلى كل المستويات
القارية والإقليمية والوطنية؛ لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء وبعضها البعض في
المجالات ذات الصلة بجمع المعلومات، وكذا تعزيز التعاون القضائي والقانوني في مجال
تسوية المنازعات بما يحترم مبدأ السيادة لكل دولة من الدول الأعضاء.
ويتبين
مما جاء في ميثاق لومي، أن أحكام الميثاق تظهر التزامًا حقيقيًا من جانب الاتحاد
الأفريقي بمواجهة وإيجاد حلول للعقبات التي تحول دون تحقيق مجال بحري أفريقي
مستدام. ويلاحظ أن ما جاء في الميثاق يعكس حرص الاتحاد على تفعيل أهداف استراتيجية
2050، والمتمثلة في خلق الثروة، وتعزيز الإرادة السياسية، وتحقيق الأمن البحري،
وبناء القدرات البحرية وغير ذلك من أهداف.
رابعاً:
تحديات تعرقل الجهود الأفريقية في مجال الأمن البحري:
يعتبر
التنفيذ أحد المعايير الرئيسة؛ لتقييم أية استراتيجية واختبار مدى نجاحها، ويتطلب
التنفيذ الجاد والفعال للاستراتيجية سالفة الذكر وكذا الميثاق وجود قدر من الاتساق
في المراحل المختلفة، كما يتطلب تقسيم ما جاء من تعهدات والتزامات إلى أجزاء وفقًا
للأهداف المرحلية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، الأمر الذي يجعلها قابلة للتتبع
والقياس وفقًا لجداول زمنية محددة ومعدة سلفًا. وفي عام 2019، دخلت خطة العمل
المقترحة في إطار الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا 2050 إلى المرحلة
الثانية منها وفقًا لما سبق توضيحه في إطار الشكل رقم (1)، الأمر الذي يستوجب
الوقوف على أهم ما تم إنجازه في إطار هذه الاستراتيجية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن
ثمة تحديات قد حالت دون تنفيذ ما جاء في إطار هاتين الوثيقتين، الأمر الذي جعل من
إمكانية تحقيق الأهداف المعلنة في إطار كل منهما أمرًا من الصعوبة بمكان. وفيما
يلي بيان بأهم وأبرز التحديات التي يمكن الإشارة إليها في هذا المقام:
1
- نقص التمويل وضعف الإمكانات المادية:
يعتبر
التمويل أمرًا ضروريًا وحاسمًا لتنفيذ أي استراتيجية، ويشكل ضعف التمويل قيدًا
كبيرًا يحول دون تنفيذ الأهداف المتضمنة في إطار استراتيجية 2050، فطبقًا لما جاء
في استراتيجية 2050، أنشأ المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي فريق العمل
الاستراتيجي Strategic
Task Force،
وذلك بموجب قراره الصادر عن الاجتماع الذي عقد في مايو عام 2014 في مالابو، بحيث
يعهد إلى هذا الفريق مهمة وضع خارطة طريق؛ لتتبع تنفيذ الاستراتيجية، وجدير بالذكر
أن هذا الفريق قد تعثر نتيجة للكثير من العوامل التي جاء في مقدمتها ضعف التمويل،
مما أدى إلى فشل عقد اجتماعه الافتتاحي في أكتوبر 2014، وعلى الرغم من تمكنه من
عقده لاحقًا في يوليو 2015، إلا أن الحضور في هذا الاجتماع كان ضئيلًا جدًا.
وبالرجوع
إلى الموقع الإلكتروني الرسمي للاتحاد الأفريقي، يتضح أنه خلال الفترة من عام 2014
حتى عام 2021، عقد فريق العمل الاستراتيجي أربعة اجتماعات فقط، مما يعني أنه لم
يكن هناك انتظام في الاجتماعات، كما لم يتم إصدار أية وثيقة تعبرَّ عن خارطة طريق
منذ تأسيس الفريق. ولقد ارتبط عدم القدرة على عقد الاجتماعات بنقص الميزانية وضعف
التمويل، الأمر الذي يعد بمثابة عقبة كبيرة لتحقيق أهداف استراتيجية 2050، في ظل
عجز فريق العمل الاستراتيجي عن صياغة خارطة طريق عملية تضع الهيكل المناسب وتحدد
آليات التمويل.
2-
غياب إدارة بحرية متخصصة ونقص الخبرات:
تعتبر
مبادرة الاتحاد الأفريقي لإدراج الاقتصاد الأزرق والأمن البحري في أجندة 2063
بمثابة خطوة جيدة على صعيد الاهتمام بالأمن البحري الأفريقي، ولاستكمال هذه
الجهود، أكد الاتحاد الأفريقي على الحاجة إلى إنشاء مكتب أو إدارة بحرية متخصصة في
مفوضية الاتحاد الأفريقي، ذلك أن إنشاء كيان بحري متخصص من شأنه أن يساعد على
تحقيق الأهداف المنصوص عليها في إطار كل من استراتيجية 2050 وميثاق لومي 2063. وفي
الوقت نفسه، فإن عدم وجود قوة بحرية مشتركة تابعة للاتحاد الأفريقي أو حرس سواحل
مشترك يعد بمثابة فجوة كبيرة في استراتيجية 2050. وبالرغم من قيام العديد من الدول
الأفريقية باتخاذ خطوات جادة من خلال قواتها البحرية بغية توفير الأمن البحري
لمناطقها وأقاليمها، إلا أن القوة البحرية المشتركة في القارة ستجعل من مكافحة
انعدام الأمن أمرًا أكثر كفاءة وفعالية، خاصة وأن استراتيجية 2050 تتبنى نهجًا
يقوم على إيجاد حلول مشتركة للمشكلات والتحديات الأفريقية.
ومن
ناحية أخرى، تواجه القارة الأفريقية نقصًا في الخبراء المتخصصين في شئون الأمن
البحري، الأمر الذي يعني أن ثمة حاجة ملحة لإعداد المزيد من الكوادر والخبراء
المتخصصين في هذا المجال، فضلًا عن الحاجة لإنشاء مؤسسات ومراكز بحثية تمد القارة
بهؤلاء الكوادر من جهة، وتعمل على سد الفجوة المعرفية فيما يتعلق بالاقتصاد الأزرق
وغيره من مفاهيم ذات صلة بالأمن البحري المستدام من جهة أخرى.
3
- غياب إطار مؤسسي أفريقي لتسوية نزاعات الحدود البحرية:
يعتبر
عدم وجود إطار مؤسسي لتسوية المنازعات بشأن القضايا المتعلقة بالحدود البحرية في
أفريقيا بمثابة فجوة مؤسسية في استراتيجية 2050، ذلك أن التسوية الودية للمنازعات
تعد بمثابة أمرٍ بالغ الأهمية؛ لتحقيق استراتيجية عام 2050، وذلك من أجل تسريع
الحل السهل دون تصعيد الأمر إلى الهيئات الدولية، لأن استراتيجية 2050 محددة
زمنيًا، الأمر الذي يتطلب اهتمامًا عاجلًا وفوريًا من جانب الاتحاد الأفريقي، وذلك
من أجل تفادي حدوث تنازع الاختصاص في القضايا ذات الصلة بتسوية المنازعات البحرية
في المستقبل.
وجدير
بالذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) تدعم هذا الاتجاه بشدة، وذلك وفقًا لما جاء في الجزء الخامس عشر
من المادة 280، والذي ينص على أنه «لا يوجد في هذا الجزء ما يخل بحق أية دولة طرف
في الموافقة في أي وقت على تسوية نزاع بينها وبين دولة أخرى بشأن تفسير أو تطبيق
هذه الاتفاقية بأية وسيلة سلمية من اختيارهم». علاوة على ذلك، فإن المادة 282 من
اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تفسح المجال لإمكانية تسوية المنازعات حسبما
تراه أي منطقة مناسباً.
4
- غياب الإرادة السياسية:
لقد
نص الهدف الثالث من أهداف استراتيجية 2050 على ضرورة تعزيز الإرادة السياسية على
المستوى الوطني والإقليمي والقاري، ومن ثم، فإن توافر الإرادة السياسية يعد أمرًا
بالغ الأهمية؛ لتحقيق الاستراتيجية على أي مستوى من المستويات، ومع ذلك، فإن
المتأمل لمدى التزام الدول الأفريقية بما جاء في الاستراتيجية أو في ميثاق لومي
يدرك أن هناك القليل من الاهتمام بهاتين الوثيقتين. ولعل هذا ما يبدو جليًا من
خلال مدى التزام الدول بالتصديق على استراتيجية 2050 وميثاق لومي، فمن بين 55 دولة
أفريقية عضو في الاتحاد الأفريقي، وقع على الميثاق 35 دولة بينما قامت دولتان فقط
بالتصديق عليه هما توجو، وبنين، الأمر الذي يدل على ضعف أو غياب الإرادة السياسية
لقبول الميثاق ابتداءً، والالتزام بما جاء فيه.
إجمالًا،
يمكن القول إن المقاربة الأفريقية لتحقيق الأمن البحري تحتاج للمزيد من الجهد
والاهتمام بحيث تحظى قضية الأمن البحري بالأولوية التي تستحقها لدى مختلف دول
القارة الأفريقية، وبعد مرور تسع سنوات على تبني الاستراتيجية البحرية المتكاملة
لأفريقيا 2050، يتبين إنها استراتيجية طموحة إلى حد بعيد، الأمر الذي ربما لم تكن
أفريقيا مستعدة له بشكل كافٍ؛ حيث يبدو أنه لا يوجد إطار عمل متفق عليه بشكل منظم،
لاسيما فيما يتعلق بمراحل تنفيذ الاستراتيجية، هذا بالإضافة إلى محدودية الموارد
والخبرات اللازمة والضرورية لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ الفعلي. وبالرغم
من أن الاتحاد الأفريقي قد مهد الطريق لتنفيذ الاستراتيجية من خلال اعتماد خطة عمل
تفصيلية تتضمن أهدافًا استراتيجية يمكن من خلالها العمل على تنفيذ الاستراتيجية،
إلا أن هذه الخطة قد أتمت المرحلة الأولى منها بالفعل في عام 2018، ووصلت في عام
2019، خطة العمل إلى المرحلة الثانية دون أية نتائج واضحة.
وبالرغم من الإسهاب في المجالات الرئيسة لخطة العمل، والتي بلغت 21 مجالًا، فهناك إشكاليات ملحوظة في التنفيذ لعل من أبرزها إشكالية التمويل، الأمر الذي قد يؤثر على إمكانية تحقيق واستدامة الاستراتيجية خلال الفترة المخصصة، ولعل هذا ما دفع بعض المحللين إلى التأكيد على أن خطة العمل المذكورة، والتي تم تبنيها في إطار استراتيجية 2050 لا تحقق النتائج المرجوة منها، الأمر الذي يجعل من إمكانية تحقيق مجال بحري أفريقي يمكنه التنافس مع نظرائه بحلول عام 2050 أمرًا من الصعوبة بمكان.
المراجع
د. شيماء محي الدين، 2023-6-20، المقاربة
الأفريقية لمكافحة الجريمة البحرية وحماية الأمن البحري، مركز الأهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية.
د. أميرة محمد عبد الحليم، 2023-7-1، السياسات الإقليمية والدولية لتعزيز النفوذ
وحماية الأمن البحري في أفريقيا، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.