اتفاقية عنتيبي والسيطرة على نهر النيل
فرع القاهرة

 

تجدد الجدل حول اتفاقية دول حوض النيل المعروفة باسم "عنتيبي"، التي توزع حصص المياه لأطول نهر في العالم وتنظم المشاريع التي تقام عليه بشكل ترفضه مصر والسودان، في وقتٍ تتأزم العلاقة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة الذي أقامته على منابع النهر ويثير خلافات لم تحل مع القاهرة والخرطوم.

ودخلت ما تسمى بالاتفاقية الإطارية للتعاون في حوض النيل (CFA) المعروفة باسم اتفاقية "عنتيبي" التي أبرمتها دول عدة على رأسها إثيوبيا - حيز التنفيذ بعد 14 عاماً من توقيعها.

ورأي خبراء تحدثوا لبي بي سي أن اتفاقية دول حوض النيل المعروفة باسم "عنتيبي" أصبحت أمراً واقعاً و"على مصر والسودان الانخراط فيها ومحاولة تحقيق مكاسب بدلاً من الصدام". بينما ذهب آخرون إلى أن الاتفاقية "تخرق المبادئ والأعراف والاتفاقيات التاريخية فيما يخص مياه النيل، ومن حق القاهرة والخرطوم اللجوء لمجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية".

أهم بنود اتفاقية عنتيبي

يشمل حوض النيل في تعريفه الأوسع 11 دولة أفريقية، يشكل سكانها ما نسبته 40% من إجمالي سكان القارة السمراء، ويتشكل الحوض من 3 أحواض رئيسية:

حوض النيل الشرقي ويشمل مصر والسودان وإثيوبيا، ويتضمن النيل الأزرق وبعض الأنهر الفرعية.

حوض نيل البحيرات الاستوائية والذي يشمل الكونغو ورواندا وبوروندي وكينيا وأوغندا ومصر والسودان، ويتضمن هذا الحوض بحيرة فيكتوريا، والتي تعتبر من أكبر البحيرات في العالم ومصدرا رئيسيا لنهر النيل الأبيض.

حوض النيل الجنوبي والذي يشمل جنوب السودان وأجزاء من أوغندا وكينيا ويتضمن هذا الحوض نهر السوباط وهو أحد روافد النيل الأبيض.

ويعتبر النيل أطول أنهار العالم بطول 6650 كيلومترا، ويغطي حوض النيل مساحة قدرها 3.4 ملايين كيلومترا مربعا ويتميز النيل وروافده بالجريان من الجنوب إلى الشمال

ولا تعترف الاتفاقية المعروفة باسم "عنتيبي" بالحصص التاريخية لمصر والسودان من مياه النهر والمقررة بموجب اتفاقيات مبرمة منذ القرن الماضي، لكن إثيوبيا وبعض دول حوض النيل ترفضها وتصفها بالاتفاقيات التي خلفتها الدول الاستعمارية للقارة الأفريقية.

تعود اتفاقية عنتيبي إلى عام 2010، حيث اجتمعت 6 دول من حوض نهر النيل، وهي إثيوبيا، أوغندا رواندا، تنزانيا، كينيا، وبوروندي، في مدينة عنتيبي الأوغندية بهدف تنظيم استخدام مياه النيل وتوزيعها بين الدول الأعضاء.

وبعد توقيع الاتفاقية، صادقت حكومتا إثيوبيا ورواندا عليها في عام 2013، ثم تبعتها مصادقة تنزانيا في عام 2015، وأوغندا في عام 2019، وبوروندي في عام 2023، بينما لم تصادق كينيا حتى الآن.

ولكن في يوم 14 أغسطس الماضي، وفي خطوة غير متوقعة، صادقت دولة جنوب السودان على الاتفاقية بعد تمرير برلمانها لها.

وبحسب بنود الاتفاقية فإنها تدخل حيز النفاذ بعد 60 يوماً من تصديق ثلثي دول حوض النيل البالغة 11 دولة على الاتفاقية.

وعلمت "بي بي سي" أن اجتماعا بين الدول المصادقة على الاتفاقية كان مقرراً له السبت في أديس أبابا ولكن تم تأجيله دون إعلان رسمي حول الاجتماع أو أسباب الإرجاء.

لكن الخبير الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، المتخصص في الشؤون الأفريقية ودول حوض النيل في موقع نايلوتيك بوست قال لبي بي سي إن هذا الاجتماع ليس له علاقة بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ من عدمه، بل هو مجرد لقاء تشاوري وجرى تأجيله وقد يعقد فيما بعد.

ونوه إلى أنه وفق الاتفاقية فإن الدول الموقعة عليها ستشرع بشكل فوري في إنشاء مفوضية خاصة بتنظيم استخدام مياه نهر النيل والمشروعات التي تقام عليه.

ولكنه قال إنه لم تتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى أن المفوضية سيكون لها علاقة بحسم الخلاف حول سد النهضة، موضحا أن "سد النهضة مشروع إثيوبي سابق على إنشاء المفوضية مثل السد العالي في مصر كذلك، بينما هي ستختص بالمشروعات المستقبلية".

رفض مصري سوداني وتجاهل إثيوبي

وكانت مصر والسودان قد استبقت بدء سريان الاتفاقية بعقد اجتماع تشاوري للهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بينهما وأصدرتا بياناً مشتركاً أكدتا فيه رفضهما لاتفاقية عنتيبي، وأنها اتفاقية غير ملزمة وتخرق المبادئ القانونية الدولية.

وأكد البيان المصري السوداني كذلك أهمية الالتزام بمبادئ التشاور والإخطار المسبق بشأن مشاريع المياه على نهر النيل. وأعربت الهيئة الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان عن خيبة أملها من عدم تحقيق التفاعل الإيجابي المطلوب من بعض دول الحوض، ودعت إلى إعادة توحيد الجهود تحت مظلة مبادرة حوض النيل لضمان التعاون المستدام والإنصاف في إدارة الموارد المائية.

و على الجانب الآخر، وصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اتفاقية عنتيبي بأنها "علامة فارقة في تاريخ التعاون بين دول حوض النيل".

وأشار أن "الاتفاقية تمثّل خطوة مهمة نحو الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل"، مؤكداً أنها "تعزز الروابط بين دول الحوض وتضمن استفادة الجميع من الموارد المائية المشتركة".

وهنّأ رئيس الوزراء الإثيوبي الدول الأطراف في الاتفاقية على ما وصفه بـ"التزامها بتعزيز التعاون الإقليمي"، داعياً الدول التي لم توقّع بعد إلى "الانضمام إلى عائلة النيل، لتحقيق الأهداف المشتركة في التنمية والتكامل الإقليمي".

أسباب الخلاف حول حجم المياه

الدكتور رأفت محمود، المتخصص في الممرات المائية، وهو أستاذ غير متفرغ بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر، قال لبي بي سي إن "تأثير الاتفاقية على مصر سيتحدد بناء على قدرتها على التعاطي مع هذا الملف دولياً وأفريقياً، ومدى قدرتها على أن تجذب دول حوض النيل الموقعة على الاتفاقية لصفها وإقناعها بعدالة حقوقها التاريخية، لأن المسألة لا تحكمها القوانين الدولية فقط".

وشدد على أن الاتفاقية بها خلل إذ لم تفسر معنى الأمن المائي المقصود لدول حوض النيل، "فهل مقصود به حجم المياه التي تنزل في مجرى النهر وهي لا تتعدى 80 مليار متر مكعب سنوياً، أم حجم المياه التي تنزل على دول منابع النيل وبحيراتها وهي تقدر بـ 1000 مليار متر مكعب سنوياً، ولا يصل منها شيء لمصر والسودان".

ويرى أنه بالإشارة لحجم المياه التي تهطل على دول حوض النيل فإن من العدالة أن مصر والسودان تحتاجان لزيادة حصتيهما التاريخية من نهر النيل لأنهما دولتان جافتان ليستا كإثيوبيا وبقية الدول.

ونوه إلى أن إثيوبيا في جميع تحركاتها ترغب في أن تظهر كقوة أفريقية عظمى وتفعل كل شيء لتأكيد ذلك، وعيناها على التوسعة التي ستحدث في عضوية مجلس الأمن وضم دولتين أفريقيتين له، والمنافس لها في هذا الملف "مصر"، ومن ثم فهي تفعل كل شيء لتظهر أمام العالم أقوى من مصر وممثلاً جيداً لأفريقيا. وهذا بدا واضحا من إثارة وزير خارجيتها لقصة اتفاقية عنتيبي بخطابه أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.

كانت وزارة الخارجية المصرية أعلنت في 24 من سبتمبر الماضي رسمياً عن تسليم شحنة مساعدات عسكرية إلى مقديشو لدعم الجيش الصومالي، بعدما وصلت شحنة سابقة كشفت عنها وسائل إعلام بينما لم تعلق القاهرة عليها، وكانت تلك الشحنات أُرسلت بعد اتفاق للتعاون العسكري بين البلدين.

كما تعتزم مصر المشاركة في قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، بعدما رفضت حكومة مقديشو التمديد للقوات الإثيوبية، وهو ما رآه البعض يأتي رداً على اتفاق إثيوبيا – وهي دولة حبيسة - مع منطقة أرض الصومال الانفصالية للحصول على منفذ مائي منها لإنشاء قوة بحرية إثيوبية، وهو ما ترفضه الصومال وتراه اعتداءً على أراضيها.

من أبرز نقاط الخلاف هي المادة 14 من اتفاقية عنتيبي والتي تنص على أنه "تتفق دول حوض النيل بروح التعاون على عدم التأثير الكبير في الأمن المائي لأي دولة أخرى في حوض النيل".

وطالبت مصر والسودان بتعديل المادة لتنص على "عدم التأثير بصورة كبيرة في الأمن المائي والاستخدامات الحالية وحقوق أي دولة أخرى في حوض النيل"، حيث تخشى الدولتان من الجور على حصصهما المائية الحالية التي نصت عليها الاتفاقيات التاريخية الموقعة أعوام 1902 و1929 و1959، والتي تنص على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل، و18.5 مليار متر مكعب سنوياً للسودان.

أيضاً من أهم بنود الخلاف الأخرى بند الإخطار المسبق رقم 12 الذي تطالب به مصر والسودان قبل تنفيذ أي مشروعات على النيل، وبند التصويت على القرارات بالإجماع بدلاً من الغالبية المنصوص عليها حالياً في الاتفاقية.

ردود وآثار الاتفاقية

ويرى رئيس صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني إنه رغم الاعتراض المصري والسوداني على اتفاقية عنتيبي منذ أن كانت فكرة عام 1999، على أنها أصبحت الآن أمراً واقعاً يجب التعاطي معه.

ونوه إلى أن الاتفاقية منذ توقيعها وجدت قبولاً دولياً تمثل في أن البنك الدولي -الذي هو الذراع الاقتصادية للدول الكبرى والمجتمع الدولي- موّل مشروعاتٍ بناءً على تلك الاتفاقية في الدول الموقعة عليها من خلال السكرتارية الدائمة لتلك الاتفاقية في عنتيبي، وهو ما يعد اعترافاً بها.

ويذهب إلى أن الاتفاقية تبدو الآن كما لو كانت خلقت "واقعاً جديداً فيه تكتل لدول حوض النيل بقيادة إثيوبيا ضد مصر والسودان، في محاولة لعزل دولتي المصب عن محيطهما الأفريقي"، خاصة مع اتخاذ الاتفاقية أبعاداً سياسية متعلقة بالسياق الحادث من خلافات حول سد النهضة الإثيوبي واعتراض مصر والسودان على ما تصفانه بالإجراءات الإثيوبية الأحادية بشأنه.

وشدد على أنه على مصر والسودان إعادة التموضع في محيطهما الإقليمي والانضمام للاتفاقية ومحاولة استمالة الدول الموقعة عليها لصالحهما بدلا من الصِدام الذي قد يزيد الضرر عليهما.

إلا أن الدكتور إسماعيل خلف الله، أستاذ القانون والعلاقات الدولية بالمدرسة العليا للصحافة في باريس، قال لبي بي سي، إن "عدم توقيع مصر والسودان على الاتفاقية، لا يرتب عليهما أية التزامات تخصها".

ويرى أن الاتفاقية تمثِل خرقا للمبادئ الدولية المتعلقة بعدم الإضرار بالغير أو خرق الاتفاقات المبرمة سابقاً. وهذه الاتفاقية تمثّل جوراً على الحقوق المائية المصرية والسودانية المقررة في اتفاقات دولية وموضوعة في سجلات جميع الهيئات الدولية والأممية.

وشدد على أن مصر والسودان من حقهما وضع اعتراضات رسمية على الاتفاقية لدى الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، وكذلك يحق لهما التحرك قانوناً ضدها في محكمة العدل الدولية والاتفاقيات التاريخية في صالحهما.

وختم قائلاً، إن الاتفاقية للأسف تكرس للخلافات ولم تقدم حلولاً للقضايا الكبرى في القارة مثل قضية سد النهضة، بل إن بنود الاتفاقية وطريقة عمل المفوضية المزمع إنشاؤها، ستزيد من رقعة الصراعات في المنطقة لأنها تعطي اليد العليا لدول المنابع على دول المصب، وكأن الأخيرة ليس من حقها إلا الإنصات والموافقة فقط.

 

 

 

المصدر: بي بي سي

الكاتب : هشام المياني

التاريخ : 16/10/2024

-------------------------------

المصدر: المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

الكاتب : أفروبوليسي

التاريخ : 9/8/2024

 

 

المقالات الأخيرة