لا
تزال التفاعلات العالمية محكومة بتصاعد الأزمات واستمرار الصراعات خلال العام
الجاري، فلا تزال هناك حروب قائمة عصية على التسوية، وخاصة في أوكرانيا وقطاع غزة،
ناهيك عن مواصلة التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وتظل هناك عدد من البؤر
المرشحة للتصعيد، وخاصة في تايوان ومنطقة الهندوباسيفيك؛ وذلك في ظل استمرار
التنافس بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ هناك، وكذلك استياء دول المنطقة
من سياسات بكين، علاوة على انتظار التحولات السياسية المحتملة في السياسات
الأوروبية وكذلك الأمريكية في ظل مكاسب اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان
الأوروبي، وكذلك التوقعات بعودة ترامب مجدداً إلى البيت الأبيض.
تتجه
أميركا بخطى ثابتة نحو بدء مسار تخفيض الفائدة خلال الربع الثالث من 2024، وهذا الأمر بات متوقعاً بنسبة أكبر مقارنة مما كان عليه الأمر في
الربع الثاني من 2024، والأسباب الرئيسية لهذا التوجه تكمن في
تراجع التضخم تدريجياً، ولو بنسب ليست كالتي يتمناها الفيدرالي الأميركي، في حين
أن السبب الثاني الذي يدعم هذا التوجه، هي أجواء ضعف الاقتصاد الأميركي، بعد أن
أظهر مؤشر مديري مشتريات الخدمات من ICM
وبيانات الوظائف ومعدلات البطالة أن الاقتصاد بات بمنطقة الإنكماش، مشيراً إلى أن
احتمالية تخفيض الفائدة حتى ولو مرة واحدة هذا العام، ستدعم معنويات وثقة المستهلك
في الولايات المتحدة، ما سيحدث هجوماً شرائياً قوياً في سوق الأسهم مدعوماً
بالذكاء الاصطناعي وبشركات التكنولوجيا وبالمنتجات الفاخرة.
فقاعة
تلوح بالأفق
من المتوقع أن تحيط الأجواء الإيجابية بسوق الأسهم، خلال الربع الثالث من 2024، ولكن خلال الربع الأول والثاني من عام 2025، قد يحدث ما يدل على أننا نتجه صوب فقاعة.
وفي
هذا الصدد، تأتي أهمية تقرير "التوقعات الجيوسياسية للربع الثالث من عام 2024"، المنشور من جانب مؤسسة ستراتفور، في يونيو 2024، الذي يشير إلى أن الربع الثالث من العام سيشهد المزيد من
التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين أكبر الاقتصادات في العالم؛ حيث تفرض الولايات
المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي تعريفات أعلى على التقنيات الصينية الرئيسية،
وأبرزها السيارات الكهربائية، في مقابل تبني بكين سياسات انتقامية في القطاعات
الحساسة سياسياً، مثل المركبات والمنتجات الزراعية.
الاتجاهات
العالمية
يشير
التقرير إلى عدد من الاتجاهات العامة والرئيسية للتفاعلات العالمية المتوقعة، وهو
ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1– استهداف الغرب دور الصين في صناعة الطاقة
النظيفة: يتوقع خلال الربع الثالث من العام، أن تفرض الولايات المتحدة الأمريكية
والاتحاد الأوروبي قيوداً على قطاع التكنولوجيا الخضراء وبعض المنتجات المهمة مثل
السيارات الكهربائية الصينية؛ وذلك بهدف حماية الإنتاج المحلي والحد من دور بكين
في سلاسل توريد التكنولوجيا، ولتبدأ واشنطن في تطبيق التعريفات الجمركية على
السيارات الكهربائية والبطاريات وأشباه الموصلات الصينية والعديد من السلع
الاستراتيجية الأخرى في الأول من أغسطس، غير أن الإجراءات الغربية سيكون من شأنها
دفع الصين نحو اتخاذ إجراءات انتقامية، وقد ألمحت بكين بالفعل إلى أنها قد تفرض
تعريفات جمركية على المركبات والمنتجات الزراعية المستوردة من أوروبا.
2– توسيع روسيا حربها الهجينة في أوروبا رداً
على العقوبات: مع تحقيق روسيا مكاسب في أوكرانيا وتوسيعها حملتها الحربية الهجينة
في أوروبا، سيضع ذلك المزيد من الضغوط على الحكومات الغربية للإسراع بتقديم المزيد
من الدعم العسكري والمالي لكييف، وبما يشمل الأسلحة الأكثر تطوراً والمزيد من
المساعدات المالية، توازياً مع فرض المزيد من العقوبات على روسيا (وربما حتى
الصين)؛ حيث تدرج الولايات المتحدة المزيد من الكيانات الروسية على قائمة
عقوباتها، مع تنفيذ عقوبات ثانوية موسعة على موسكو تستهدف المؤسسات المالية
الأجنبية. ورداً على ذلك، من المرجح أن تزيد روسيا عملياتها داخل الدول الغربية،
بما في ذلك الهجمات السيبرانية وحتى التخريب المحتمل الذي يستهدف البنية التحتية
الحيوية والمباني الحكومية والمدنيين، في محاولة لدفع القوى الغربية للتراجع عن
دعمها لأوكرانيا وإرسال الأسلحة الأكثر تقدماً إلى كييف.
3– استمرار تهديدات الحوثيين لحركة الشحن
التجاري: بالرغم من انخفاض هجمات الحوثيين على السفن بعد تسجيل أعلى مستوياتها في
فبراير ومارس، فإنن التهديدات لا تزال مرتفعة، مع ترجيح شن الحوثيين هجمات مكررة
تستهدف السفن البعيدة في المحيط الهندي. ومع استمرار هجماتهم على الشحن التجاري في
البحر الأحمر والمحيط الهندي، سيؤدي ذلك إلى تحويل السفن إلى طرق أطول؛ ما يؤدي
إلى تفاقم أزمة سلاسل التوريد المستمرة، وخاصة مع تزايد الطلب على الشحن قبل موسم
العطلات المزدحم، الذي عادة ما يشهد تزايداً لعمليات الشحن من آسيا إلى أوروبا
والأمريكتين خلال الربع الثالث من العام، ومن أجل ضمان وصول المنتجات إلى رفوف
المتاجر بحلول الربع الرابع.
4– تأثير أسعار الفائدة الأمريكية على
الاقتصادات النامية: نتيجة للتضخم الذي لم ينخفض كما كان متوقعاً، تتراجع احتمالات خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة
في الربع الثالث من العام؛ حيث إن بيانات التضخم الأمريكية الأعلى من المتوقع خلال
الربع الثاني تجعل من المرجح أن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار
الفائدة في الربع الرابع بدلاً من الربع الثالث؛ ما يؤدي إلى تشديد الظروف المالية
العالمية، وخاصة بالنسبة إلى الاقتصادات النامية والناشئة.
حيث
يساعد ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية على إبقاء الدولار قوياً وأسعار الفائدة
الدولية مرتفعة، وهو ما ينعكس على استمرار ظروف التمويل الصعبة، خاصة بالنسبة إلى
الاقتصادات النامية الضعيفة اقتصادياً والمتعثرة مالياً، وبسبب تقليل تدفقات رأس
المال الخاص؛ ما يترك لهذه الاقتصادات مساحة أقل لخفض أسعار الفائدة لدعم النمو
الاقتصادي.
الإقليم
المأزوم
يستعرض
التقرير بعض الملامح الرئيسية لتفاعلات الشرق الأوسط خلال الربع الثالث من عام 2024؛ وذلك على النحو التالي:
1– استبعاد تأثير الانتخابات الرئاسية
الإيرانية في استراتيجية طهران الإقليمية: لا يتوقع أن تغير الانتخابات الرئاسية
الإيرانية استراتيجية طهران الإقليمية المتمثلة في دعم الوكلاء ضد الكيان الصهيوني
، ومن ثم يرجح التقرير عدم حدوث أي تغيرات تقريباً في استراتيجية الأمن القومي
لإيران في الربع الثالث من العام، وإطالة أمد عدم استعداد طهران للتفاوض مع
الولايات المتحدة بسبب العقوبات. وأيضاً ستواصل طهران دعمها لوكلائها مثل الحوثيين
في اليمن، و"حزب الله" اللبناني، وقوات "الحشد الشعبي"
العراقية، لتبقى التوترات الإقليمية مرتفعة.
2– تركيز الرئيس الإيراني الجديد على الملف
الاقتصادي: من المقرر أن يركز الرئيس الإيراني الجديد – الذي يرث اقتصاداً يعاني
من ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قياسي ومتكرر في قيمة العملة في الأعوام الأخيرة
– على السياسات الاقتصادية المحلية، ومع ذلك من غير المرجح أن يدعم أي من المرشحين
المحافظين أي تحرير اقتصادي حقيقي. ويعني هذا، بجانب العقوبات الأجنبية الشديدة،
أن الرئيس الإيراني المقبل لن يحل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد،
وهذا يعني أن الاحتجاجات ذات الدوافع الاقتصادية ستظل قائمة خلال هذا الربع وما
بعده.
3– اتجاه الحرب الصهيونية نحو لبنان وإنشاء
مناطق عازلة في غزة: يتوقع أن تتحول الحرب التي تشنها الكيان الصهيوني شمالاً إلى
لبنان، مع التصعيد القائم مع "حزب الله"، مع تغير الضرورات الاستراتيجية
للكيان الصهيوني في قطاع غزة، والتركيز على تكثيف الغارات اعتماداً على عدد أقل من
القوات وتنفيذ معارك أصغر حجماً، في الوقت الذي يحاول فيه الكيان الصهيوني تهيئة
الظروف لوقف إطلاق النار المحتمل، الذي لن يشهد انسحاباً صهيونيا كاملاً من القطاع
في ظل احتفاظ الجيش الصهيوني بمناطق عازلة في غزة.
ومع
تحرير أولوية القتال الأمامية في غزة، فإن الكيان الصهيوني سوف تحول اهتمامها نحو
هدفها الرئيسي الثاني، وهو إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان، وهنا سيزيد الكيان
الصهيوني طوال هذا الربع ضغوطه العسكرية على "حزب الله"، بما يصل إلى
عمليات توغل برية محدودة، في محاولة لإجبار الحزب على الانسحاب من منطقة الحدود،
لكن سيقاوم "حزب الله" ذلك، وسيرد بتصعيد ضد أهداف عسكرية ومدنية صهيونية
في سيناريو قد يؤدي إلى تصاعد التوترات، وخاصة إذا ضرب أي من الجانبين هدفاً
سياسياً حساساً. وفي سياق هذه الحملة، سيكون لدى إيران الحافز لتوجيه حلفائها في
سوريا والعراق واليمن لزيادة هجماتهم على أهداف إسرائيلية وأمريكية، وفي سيناريو
أقل احتمالاً، قد يشنون ضربة مباشرة أخرى على الكيان الصهيوني.
4– احتمال تبني الحزب الحاكم في تركيا سياسات
قومية وشعبوية: بهدف تعزيز سلطته وكسب حلفاء قوميين جدد، وخاصة بعد الأداء الضعيف
في الانتخابات البلدية التي أجريت في 31 مارس، يعتزم حزب "العدالة
والتنمية" الحاكم في تركيا تبني المزيد من السياسات القومية والشعبوية في
محاولة لاستعادة مستوى الدعم الهائل الذي كان يحظى به. ونتيجة لذلك، ستحاول
الحكومة التركية تمرير ما يسمى قانون "التأثير الأجنبي" الذي يحظى
بشعبية كبيرة بين القوميين، ولكن من المرجح أن يُستخدم ضد المعارضين ويزيد من
المخاطر التشغيلية التي تواجه المنظمات الممولة من الخارج، ووسائل الإعلام
والشركات.
وسيحدث
هذا على خلفية مفاوضات جديدة لإجراء إصلاحات دستورية لصالح حزب "العدالة
والتنمية"، بما في ذلك الإصلاح القضائي، لكن من غير المرجح أن تصل جهود إلى
عتبة هذا التغيير خلال هذا الربع؛ وذلك لافتقار أحزاب المعارضة إلى الحافز لتقديم
تنازلات بعد تحقيقها نتائج قوية في الانتخابات البلدية.
5– مواصلة أنقرة عملياتها العسكرية ضد حزب العمال
الكردستاني في العراق: لمزيد من جذب القوميين اليمينيين، من المرجح أن يقوم الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان بتوسيع العمليات العسكرية التركية ضد "حزب العمال
الكردستاني" في شمال العراق. وقد تزايدت بالفعل الغارات الجوية ضد الجماعة.
وبدون تعاون عراقي قوي، من المرجح أن تقوم أنقرة بزيادة الضربات الجوية على طول
الحدود التركية العراقية، وخاصة في حال وقوع هجوم كبير لـ"حزب العمال
الكردستاني" على تركيا رداً على هذه العمليات.
السياسة
الأوروبية
من
المرجح أن يهيمن على مشهد السياسة الأوروبية عدد من الملامح الرئيسية المتمثلة
فيما يلي:
1– استمرار فرض القيود على السيارات
الكهربائية الصينية: ستعني العملية الانتقالية في بروكسل، وكذلك العطلة الصيفية
للبرلمان الأوروبي، أن النشاط التشريعي للاتحاد الأوروبي سيكون محدوداً للغاية
خلال هذا الربع. ومع ذلك، ستفرض المفوضية الأوروبية رسوماً مؤقتة على السيارات
الكهربائية الصينية (وهي الرسوم التي من المرجح أن تؤدي إلى انتقام صيني)، وتصدر
مبادئ توجيهية للدول الأعضاء لإجراء مراجعة لسلاسل التوريد والاستثمارات الخارجية
في قطاعات التكنولوجيا الاستراتيجية، وتقدم للدول الأعضاء خيارات لفرض رسوم جمركية
مؤقتة على السيارات الكهربائية الصينية، مع العمل لزيادة الاقتراض المشترك لتمويل
مشاريع الدفاع المشتركة في الاتحاد الأوروبي، وبدء المفاوضات مع الدول الأعضاء
لصياغة خطط لخفض الديون الوطنية بموجب ميثاق الاستقرار والنمو الجديد.
2– إمكانية مواجهة فرنسا اضطرابات سياسية: تشهد
فرنسا إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في الفترة من 30 يونيو إلى 7 يوليو، بعد إعلان
الرئيس إيمانويل ماكرون حل البرلمان عقب هزيمة ثقيلة في انتخابات البرلمان
الأوروبي، ومن المرجح أن يؤدي التصويت إلى برلمان معلق آخر يكافح من أجل تمرير
التشريعات، وفي ظل وجود رئيس ورئيس وزراء من حزبين مختلفين؛ وذلك إذا ما نجح
"حزب التجمع الوطني" اليميني المتطرف في تشكيل أغلبية؛ ما يؤدي إلى شلل
سياسي طويل الأمد، وهو ما يؤدي بدوره إلى حالة أكبر من عدم اليقين المحيط بالسياسة
المالية الفرنسية وعدم استقرار الأسواق المالية في الدولة، في حين تتعرض باريس
لضغوط متزايدة لتنفيذ تدابير التكيف المالي اللازمة لخفض العجز الهائل في ميزانية
البلاد.
3– احتمالية تزايد التوترات السياسية في
ألمانيا: وفي ألمانيا، سيؤدي تراجع شعبية الأعضاء الثلاثة في الحكومة الائتلافية
إلى زيادة التوترات فيما بينهم، بالرغم من أن انهيار الحكومة وإجراء انتخابات
برلمانية مبكرة يظل أمراً غير مرجح، مع التوقعات بتصاعد الخلاف الحكومي حول
أولويات الإنفاق، مع قيام الائتلاف بوضع اللمسات الأخيرة على مقترح الميزانية
الفيدرالية لعام 2025، وسط توقعات إيرادات ضريبية أضعف من
المتوقع، والإحجام عن زيادة الضرائب، وفي ظل حدود الاقتراض الدستورية. وأيضاً قد
تتزايد التوترات مع سعي شركاء الائتلاف إلى تشديد مواقفهم بشأن القضايا الحساسة،
مثل الدفاع والمناخ والإنفاق المالي قبل انتخابات الولايات في شرق ألمانيا في
سبتمبر (حيث من المتوقع أن يؤدي "حزب البديل اليميني" المتطرف لألمانيا
أداءً قوياً) وقبل الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل.
4– تزايد فرص تولي حكومة عمالية جديدة السلطة
في بريطانيا: مع الاحتمالات القوية لفوز "حزب العمال" في الانتخابات
العامة المقرر إجراؤها في 4 يوليو؛ ما يسمح بتعيين كير ستارمر رئيساً للوزراء،
فإنه يتوقع عمل الحزب على حضور أكبر للدولة في الاقتصاد، وزيادة الإنفاق على
السياسات الاجتماعية والخدمات العامة، ووضع أجندة أكثر طموحاً لانتقال الطاقة.
ولكن الحكومة الجديدة ستواجه قيوداً مالية واقتصادية، وهذا يعني أن الزيادات في
الإنفاق ستكون محدودة إلى أن يتسارع النمو وتنخفض تكاليف الاقتراض، مع تركيز
الحكومة الجديدة خلال هذا الربع على سياسات مؤثرة ولكن منخفضة التكلفة مثل تعزيز
حقوق العمال، وإصلاح نظام التخطيط، وزيادة الإيرادات الضريبية من خلال تدابير مثل
مكافحة التهرب الضريبي وإنهاء الإعفاءات الضريبية للمدارس الخاصة، وإلغاء خطط
المحافظين لترحيل اللاجئين إلى رواندا.
هذا
ولا يتوقع أن تشهد السياسة الخارجية تغييرات كبيرة. وبينما سيسعى "حزب العمال"
إلى علاقات أوثق ومواءمة تنظيمية مع الاتحاد الأوروبي، فإن التراجع عن خروج
بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يكون على الأجندة. وفيما يتعلق بغزة – وهي قضية
مثيرة للخلاف داخل "حزب العمال" – فمن المرجح أن يحافظ ستارمر على نهج
حذر تجاه تلك القضية خلال هذا الربع، ساعياً إلى مواءمة موقفه مع مواقف حلفائه
الغربيين، رغم الدعوات داخل حزبه لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل.
تحولات
أوراسيا
تفترض
ستراتفور أن منطقة أوراسيا ستظل تواجه تحديات رئيسية؛ وذلك على النحو التالي:
1– مواصلة الضغوط العسكرية الروسية على
أوكرانيا: يتوقع أن يشهد الربع الثالث من العام اشتداداً للقتال في أوكرانيا، مع
استمرار روسيا في التقدم على نطاق صغير في مواقع متعددة، حيث تستمر قواتها في
إعطاء الأولوية لكسب الأرض في منطقة دونباس، وكذلك في منطقة خاركيف. ويمكن لروسيا
أيضاً أن تفتح جبهات جديدة في منطقتي سومي وتشرنيهيف في أوكرانيا من أجل الانتشار
واستنزاف الموارد الأوكرانية بسرعة أكبر للضغط على الحكومة الأوكرانية والحكومات
الغربية للدخول في المفاوضات، ومع ذلك فإن مثل هذه التوغلات غير مرجحة إلى حد ما؛
لأنها ليست ضرورية تماماً لروسيا لمواصلة مكاسبها على الأرض وإضعاف القوات
الأوكرانية.
2– استمرار تحركات أوكرانيا وروسيا لتعبئة
المزيد من المجندين: رغم ترجيح تمتع القوات الروسية بالزخم خلال الجزء الأول من
هذا الربع، فإن القوة البشرية الأوكرانية ستشهد دعماً نتيجة لقانون التعبئة وتسليم
الأسلحة الذي صُرح به في الربع الثاني من العام، وسيساعد ذلك في استقرار الوضع
الاستراتيجي العام لأوكرانيا قرب نهاية الربع الثالث؛ ما يدفع روسيا في نهاية
المطاف إلى زيادة المكافآت والأجور الشهرية للجنود المتطوعين؛ ما يزيد التضخم ونقص
العمالة في الدولة، ويجبر موسكو على النظر في المزيد من التعبئة بعد هذا الربع.
3– مساعي أوكرانيا وروسيا للحصول على الدعم
الخارجي: سوف يستمر الدعم المالي والعسكري الغربي لأوكرانيا خلال هذا الربع، مع
ترجيح أن تسفر قمة الناتو التي ستُعقَد في واشنطن من 9 إلى 11 يوليو، عن اتفاق
يقضي بأن تُقدِّم دول الحلف ما لا يقل عن 40 مليار يورو من الدعم العسكري سنوياً
لكييف، رغم أن هذا لن يزيد بشكل كبير من قدرتها على مواصلة خوض الحرب أو نفوذها
التفاوضي تجاه موسكو، وخاصةً أن التقدم في عضوية أوكرانيا في الحلف ومشترياتها من
الأسلحة على المدى الطويل، سوف يظل أمراً غامضاً، بالرغم من التعهدات السياسية
بشأن هذه المواضيع.
وفي
المقابل، قد تصبح بعض مبادرات الدعم الغربي نشطة خلال هذا الربع، مثل مهمات
التدريب الغربية الموسعة في أوكرانيا، ودعم الضربات الأوكرانية داخل روسيا بأسلحة
غربية دقيقة، وربما حتى التسليم الأول لطائرات "F–16"، لكن مثل هذه المبادرات لن تُغيِّر بشكل جذري آفاق ساحة
المعركة في أوكرانيا في الأشهر المقبلة.
وفي
الوقت نفسه، ستتلقى روسيا الدعم الاقتصادي من شركائها الرئيسيين، وفي مقدمتهم
الصين التي ستستمر في توفير المدخلات الرئيسية للاقتصاد المدني لروسيا وصناعتها
العسكرية. وفي المنتدى الاقتصادي الشرقي لروسيا المقرر انعقاده من 3 إلى 6 سبتمبر
في فلاديفوستوك، ستحث روسيا بكين على تعزيز التعاون في مجال الطاقة والاستثمار في
القطب الشمالي، وحث البنوك الصينية على زيادة وجودها في روسيا، وعلى دعم خط أنابيب
سيبيريا 2. ومع ذلك، فمن غير المرجح إحراز تقدم في هذه القضايا إلا بشروط بكين،
وسيكون الدعم العسكري الصيني لروسيا بالأساس في شكل سلع ذات استخدام مزدوج.
4– استخدام أذربيجان التهديد بالتصعيد وسيلةَ
ضغطٍ على أرمينيا: بناءً على الاستراتيجية التي تبنَّتها في الأعوام الأخيرة،
المتمثلة في زيادة الهجمات على القوات الأرمينية خلال أواخر الصيف وأوائل الخريف،
فإن من المرجح أن تكثف أذربيجان قصف المواقع الأرمينية خلال هذا الربع، وقد تحاول
أيضاً الاستيلاء على أجزاء صغيرة إضافية من أراضي أرمينيا المعترف بها دولياً، رغم
أن هذا أقل احتمالاً. وسيكون هدف باكو هو الضغط على يريفان لتقديم تنازلات
إقليمية؛ لتجنب المزيد من الخسائر في الأرواح وخسارة المزيد من الأراضي الأرمينية.
5– انقسام الناخبين في جورجيا بين المعسكرَين
المُوالِيَين للغرب ولروسيا: تُجرى الانتخابات البرلمانية في جورجيا في 26 أكتوبر، لتحشد الحكومة الجورجية قاعدتها قبل التصويت من خلال
المضي قدماً في سن القوانين المثيرة للجدل على النمط الروسي. وبعد إقرار ما يسمى
مشروع قانون "العملاء الأجانب" في أواخر شهر مايو، يمكن لحزب
"الحلم الجورجي" الحاكم أن يتابع قانوناً بشأن ما تسمى "الدعاية
للمثليين"، وهو القانون المستوحى هو الآخر – مثل مشروع قانون "العملاء
الأجانب" – من قانون مماثل في روسيا، ليتوقع تنظيم احتجاجات ضد حكومة
"الحلم الجورجي" في تبليسي على نحوٍ يومي خلال هذا الربع؛ وذلك بالرغم
من أن معظم الاحتجاجات ستكون على نطاق صغير.
وفي
حين أن بعض قوى المعارضة قد تدعو إلى احتجاجات أكثر كثافةً قبل انتخابات أكتوبر،
لن تكون هناك محاولات احتجاجية جادة على غرار احتجاجات "الميدان" خلال
هذا الربع؛ لأن المعارضة تعتقد أنه يمكن حشد مؤيديها بشكل أكثر فاعليةً بعد
التصويت وليس قبل أسابيع من الانتخابات.
آسيا
والمحيط الهادئ
تكشف
التطورات المتوقعة في آسيا والمحيط الهادئ عن عدد من الدلالات الجوهرية المتمثلة
فيما يلي:
1– اتجاه الصين للحد من التدخل الاقتصادي وسط
انتعاش مطرد: سوف يختار صناع السياسات في الصين سياسات محدودة وموجهة للحفاظ على
استقرار الاقتصاد الكلي ودعم النشاط الاقتصادي، مع اقتراب هدف النمو الصيني بنسبة 5% لعام 2024. وستواصل بكين نهجها التدريجي في إدارة
مخاطر الانكماش والقطاع العقاري والحفاظ على نمو اقتصادي قوي. ومن الممكن اتخاذ
المزيد من التدابير الرامية إلى تحفيز الاستهلاك المحلي، وغيرها من التدابير
الرامية إلى دعم القطاع العقاري، وإن كان من المحتمل أن تكون على نطاق صغير. ومن
غير المرجح أن تقدم بكين حوافز كبيرة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التدخل المستهدف
أكثر ملاءمةً لإدارة المخاطر النظامية، مع إعادة التوازن إلى الاقتصاد.
2– زيادة التوترات بين بكين وتايبيه: ستُعيق
التوترات المحيطة بتايوان المحادثات الاقتصادية المشحونة بالفعل بين الولايات
المتحدة والصين، خاصةً إذا التقى رئيس مجلس النواب أو زعماء الأغلبية والأقلية في
مجلس الشيوخ الأمريكي والرئيس التايواني الجديد ويليام لاي قبل الانتخابات العامة
الأمريكية في نوفمبر، التي من المُرجَّح أن تؤدي إلى تدريبات عسكرية صينية جديدة
واسعة النطاق حول تايوان.
3– احتمالية تولي رئيس وزراء جديد في اليابان
مع الحفاظ على السياسة الخارجية: يمكن أن تؤدي النزاعات على القيادة داخل الحزب
الحاكم في اليابان إلى ظهور رئيس وزراء جديد، ولكن من غير المرجح أن تؤدي إلى
تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية، خاصةً خلال هذا الربع؛ فقد انخفضت معدلات قبول
رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا وحزبه الليبرالي الديمقراطي منذ أشهر. وفي
حالة خسارة كيشيدا انتخابات قيادة الحزب في سبتمبر، فمن المرجح أن يحافظ زعيم
الحزب الجديد (الذي سيصبح أيضاً رئيساً للوزراء) على استمرارية السياسة الخارجية
من خلال التعاون المتزايد مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في الشؤون
العسكرية.
4– استمرار الأسباب المحفزة للصراع السياسي في
فيتنام: انتخبت الجمعية الوطنية في فيتنام مجموعة من القادة الجدد في مايو 2024؛ الأمر الذي قاد فيتنام إلى مسار استعادة الشعور بالاستقرار
السياسي وإعادة تنشيط ثقة المستثمرين خلال الربع الثالث. مع ذلك، فإن المنافسة على
الخلافة لا تزال مستمرة؛ ما يعني أن الاقتتال الداخلي من المرجح أن يتجدد بعد هذا
الربع. وفي سيناريو أكثر تطرفاً، فإن استقالة المزيد من كبار القادة أو عجز أو
وفاة الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي نجوين فو ترونج، من شأنه أن يعيد عملية
الخلافة المعاد تنظيمها إلى الفوضى.
5– توسع اتفاقية أوكوس: ستتخذ نيوزيلندا
واليابان وكوريا الجنوبية خطوات للانضمام إلى الركيزة الثانية من اتفاقية أوكوس AUKUS، الذي يسعى إلى تعزيز قدراتها الأمنية والتكنولوجية وتقاسم بعض
عبء ردع الصين الواقع على الولايات المتحدة مع شركاء إضافيين في منطقة آسيا
والمحيط الهادي. وبحسب التقرير، ترتبط الضرورة الملحة لتعزيز أوكوس بالانتخابات
الرئاسية الأمريكية في نوفمبر؛ حيث يسعى الحلفاء إلى تثبيت مثل هذه الترتيبات قبل
أن تتخلى عنها إدارة ترامب المحتملة.
وبالنسبة
إلى الولايات المتحدة، فإن توسع أوكوس من شأنه أن يوزع عبء الدفاع الإقليمي وردع
الصين على نطاق أوسع. ومن شأن إدراج دول إضافية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أن
يزيد في الوقت نفسه من إدراك الصين للتهديد، ويدفعها أكثر نحو السعي إلى التكافؤ
أو التفوق في تقنيات مثل الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي والأسلحة التي تفوق
سرعتها سرعة الصوت. ومن شأن توسع أوكوس أيضاً أن يزيد من تحفيز علاقات الصين
الأمنية العميقة مع روسيا وكوريا الشمالية.
أمريكا
اللاتينية
تشير
توقعات أمريكا اللاتينية، بحسب التقرير، إلى عدد من الاتجاهات الرئيسية المتمثلة
فيما يلي:
1– استقرار انكماش الاقتصاد الكلي في
الأرجنتين: انكمش اقتصاد الأرجنتين بدرجة كبيرة في النصف الأول من عام 2024 بسبب تخفيضات الإنفاق العام والزيادات الضريبية التي تهدف إلى
تحقيق فائض مالي وخفض التضخم؛ ما أدى إلى انخفاض النشاط الاقتصادي بشدة. ومع ذلك،
أدت هذه السياسات إلى تباطؤ التضخم الشهري، الذي سيظل في خانة الآحاد في الربع
الثالث. وسوف تحافظ بوينس أيرس أيضاً على فائضها المالي، وسوف يستمر البنك المركزي
الأرجنتيني في زيادة احتياطياته من الدولار. وعلى الرغم من ضعف الحصاد عما كان
متوقعاً بسبب الطقس غير المتوقع، فإن زيادة تدفقات النقد الأجنبي في وقت مبكر من
هذا الربع ستؤدي إلى استقرار ظروف الاقتصاد الكلي. وقد يؤدي ذلك إلى تحسينات طفيفة
في النشاط الاقتصادي خلال هذا الربع.
2– دفع الرئيس المكسيكي المنتهية ولايته نحو
إصلاحات دستورية لتأمين إرثه: خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، سيحاول الرئيس
المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (آملو) تمرير حزمة من الإصلاحات الدستورية
لتأمين إرثه، ومن شأن بعضها أن يقلل من العقبات التنظيمية والضوابط والتوازنات
الحكومية؛ فمن المقرر أن تتولى الرئيسة المنتخبة كلوديا شينباوم مهامها في الأول
من أكتوبر، لكن الكونجرس الجديد سينعقد في الأول من سبتمبر؛ ما يمنح آملو شهراً
لتمرير الإصلاحات.
لكن
من المرجح أن يُواجِه (آملو) صعوبات في تمرير المزيد من الإصلاحات المثيرة للجدل،
بما في ذلك تقليص المعهد الانتخابي الاتحادي المسؤول عن تنظيم الانتخابات
الاتحادية، وسط مقاومة المعارضة. ومن شأن المقترحات الأخرى التي تلغي الهيئات
الحكومية أن تساعد في خفض النفقات، لكنها تخاطر بتقليص الضوابط والتوازنات،
والسماح بتفاقم تحديات الفساد في المكسيك.
3– مساعي رئيسة المكسيك الجديدة شينباوم
للتواصل مع الحكومات اليسارية: من ناحية أخرى، سوف تتواصل شينباوم مع الحكومات
اليسارية، مثل حكومة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا في البرازيل لتعزيز العلاقات
القوية، مع احتمال أن تشمل مجالات التركيز الرئيسية القضايا البيئية. هذا التواصل
سيعطي لسياسة الرئيسة الجديدة المزيد من الزخم.
4– احتمالية حدوث توترات اجتماعية في
البرازيل: على الصعيد المحلي، ستخلق قضايا المناخ توترات اجتماعية وسط الإحباط
الشعبي إزاء الفيضانات المدمرة في جنوب البرازيل في شهر مايو، والزيادة المحتملة
لشركة الطاقة العملاقة المملوكة للدولة بتروليو برازيليرو في إنتاج النفط، بما في
ذلك في مياه الهامش الاستوائي الشمالي.
5– ترجيح إعادة انتخاب نيكولاس مادورو في
فنزويلا: ستُجرِي فنزويلا انتخابات رئاسية في 28 يوليو، ومن شبه المؤكد أن يفوز
نيكولاس مادورو بإعادة انتخابه؛ لأن التصويت لن يكون حراً أو نزيهاً؛ نظراً إلى
جهود النظام لمنع مرشحي المعارضة الشعبية من الترشح، واحتمال تزوير الأصوات.
وستشهد فترة ما بعد الانتخابات انتقادات دولية متزايدة لفنزويلا، مع احتمال قيام
الولايات المتحدة بتخفيض الإعفاءات من العقوبات على النفط الفنزويلي.
6– استمرار التوترات بين فنزويلا وجويانا مع
استبعاد الغزو الكامل: سوف تستمر التوترات مع جويانا بشأن منطقة إيسيكويبو
المتنازع عليها؛ حيث يشير بناء فنزويلا منشآت عسكرية على الحدود إلى احتمال متزايد
لعمليات توغل صغيرة في المنطقة، ومضايقة سفن قطاع الطاقة قبالة ساحل جويانا. ومع
ذلك، يظل الغزو الفنزويلي الكامل غير مرجح إلى حد كبير خلال هذا الربع.
شرق
آسيا
بالانتقال
إلى منطقة شرق آسيا، يشير التقرير إلى عدد من الاتجاهات المحتملة للتفاعلات في
المنطقة؛ وذلك على النحو التالي:
1– إعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية الأقل
إثارةً للجدل في الهند: يعتقد التقرير أن الأغلبية المنخفضة لحزب بهاراتيا جاناتا
قد تُعِيق تمرير إصلاحات هيكلية أكثر طموحاً، مثل خصخصة الشركات المملوكة للدولة
وإصلاحات الأراضي والعمل التي يمكن أن تقاومها أحزاب المعارضة خوفاً من رد فعل
عنيف من النقابات العمالية ومجموعات المزارعين. ونتيجةً لذلك، من المرجح أن تعطي
الحكومة الأولوية للإصلاحات الاقتصادية الأقل إثارةً للجدل، مثل توسيع الحوافز
المرتبطة بالإنتاج للقطاعات الموجهة للتصدير والمثقلة برسوم الاستيراد المرتفعة،
وخاصةً المنسوجات والجلود والمعدات.
2– إمكانية عرقلة بعض التغييرات السياسية
والاجتماعية في الهند: ففي حين سيسعى حزب بهاراتيا جاناتا إلى مواصلة جهوده لضبط
أوضاع المالية العامة، من المرجح أن تتضمن ميزانية السنة المالية المقبلة التي
سيتم الانتهاء منها في يوليو زيادة طفيفة في الإنفاق الشعبوي على خطط الرعاية
الاجتماعية والإعانات لاسترضاء الحلفاء، وربما يمنعه موقف حزب بهاراتيا جاناتا
الضعيف أيضاً من دفع تغييرات سياسية مثيرة للجدل مثل إعادة صياغة مبدأ "أمة
واحدة، انتخابات واحدة" الذي يتم الترويج له على نطاق واسع، والذي يهدف إلى
مزامنة انتخابات مجلس النواب في البرلمان الهندي وجميع مجالس الولايات. ويتطلب هذا
الإصلاح تعديلاً دستورياً، لكن حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاءه يفتقرون إلى الأغلبية
المطلقة اللازمة.
3– إعطاء باكستان الأولوية للاتفاق النهائي مع
صندوق النقد الدولي: ستُعطِي باكستان الأولوية لوضع اللمسات الأخيرة على برنامج
جديد لصندوق النقد الدولي، بهدف تأمين ما يقرب من 6
مليارات دولار من التمويل في يوليو، ومن المحتمل أن تطلب تمويلاً إضافياً في إطار
صندوق المرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي. وبحسب التقرير، فإن الحصول
على أموال إضافية من صندوق النقد الدولي سيساعد باكستان على إعادة هيكلة ديونها.
4– مساعي سريلانكا لإعادة هيكلة الديون: ستكون
الأولوية الرئيسية لسريلانكا خلال هذا الربع هي مواصلة مناقشات إعادة هيكلة
الديون. وتهدف الحكومة إلى الانتهاء بحلول أواخر يونيو، ولكن يمكن تأجيلها أكثر في
هذا الربع. وبينما استمرت هذه المفاوضات، فمن غير المرجح أن يمنع عدم إحراز تقدم
صندوق النقد الدولي من الموافقة على الأموال من خطة الإنقاذ البالغة 2.9 مليار دولار ما دامت الحكومة ملتزمةً بالمفاوضات مع حاملي السندات
وتلتزم بالإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي، كما قد تعطي الحكومة
الأولوية لإصلاحات أكثر جدوى بما في ذلك تحسين تحصيل الضرائب من خلال فرض ضريبة
تصاعدية على الممتلكات، وإزالة الإعفاءات الضريبية لصناعات مثل السياحة والزراعة،
ومكافحة التهرب الضريبي.
5– ترجيح إعلان الرئيس ويكرمسينجه ترشحه في
سريلانكا: فمع الانتخابات الرئاسية المقررة بين سبتمبر وأكتوبر، من المرجح أن يعلن
الرئيس رانيل ويكرمسينجه ترشحه، خاصةً وسط إعلانات من زعماء المعارضة الرئيسيين.
وفي محاولة لكسب التأييد الشعبي، قد تقلص الحكومة بعض تدابير التقشف، وربما تؤخر
زيادة الضرائب وتحافظ على الإعانات.
6– استعداد الهند وباكستان لمواجهة مجموعة من
التحديات المناخية: يشكل موسم الرياح الموسمية وموجات الحر المحتملة مخاطر كبيرة
على الهند وباكستان، بما في ذلك الفيضانات والأضرار التي تُلحِقها بالبنية التحتية
والمنازل والمحاصيل وإمدادات الطاقة، كما أن المياه الراكدة التي خلفتها الفيضانات
تزيد من خطر الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الملاريا وحمى الضنك، في حين أن نزوح
الناس والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية سيؤديان إلى خسائر اقتصادية واضطرابات
في المناطق المتضررة؛ ما يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية الإقليمية.
تحديات
أفريقيا
من
المتوقع أن يهمين على التفاعلات داخل الدول الأفريقية بعض الاتجاهات الرئيسية على
النحو التالي:
1– تراجع احتمالية حدوث إصلاحات هيكلية في
جنوب أفريقيا: من غير المرجح أن تقوم حكومة جنوب أفريقيا الجديدة بتمرير إصلاحات
اقتصادية كبيرة؛ حيث يحاول المؤتمر الوطني الأفريقي والتحالف الديمقراطي صياغة
أجندة سياسية مشتركة، فيما من المرجح أن يتبنَّى حزب المعارضة الرئيسي (حزب الرئيس
السابق جاكوب زوما "رمح الأمة") نهج المواجهة ضد الحكومة الجديدة، الذي
قد يشمل احتجاجات يمكن أن تتحول إلى أعمال عنف.
2– تفاقم التحديات الأمنية في نيجيريا نتيجة
استمرار أزمة تكاليف المعيشة: ستستمر أزمة تكاليف المعيشة في نيجيريا؛ ما قد يؤدي
– على الأرجح – إلى تفاقم التحديات الأمنية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم تضخم
الغذاء، وتسبب صعوبات مستمرة في توسيع إنتاج البلاد من النفط. وسوف يظل التضخم
مرتفعاً وسط استمرار ضعف قيمة " النيرة"، الذي سيؤدي –بجانب الإلغاء
الأخير لبعض إعانات دعم الكهرباء – إلى استمرار أزمة تكاليف المعيشة في البلاد؛ ما
يهدد بتدهور البيئة الأمنية في نيجيريا.
وفي
هذا الصدد، يشير التقرير إلى أن الأزمات في نيجيريا قد تؤدي إلى تضخم صفوف
الجماعات الإجرامية في دلتا النيجر التي تستهدف البنية التحتية النفطية البرية،
وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تهديد مستمر لإنتاج النفط في نيجيريا.
3– استمرار الحرب الأهلية في السودان وتهديدها
الاستقرار الإقليمي: في ظل استمرار رفض القوات المسلحة السودانية المشاركة في
محادثات السلام مع قوات الدعم السريع، من المرجح أن تستمر الحرب الأهلية في
السودان؛ ما يهدد استقرار تشاد وجنوب السودان المجاورتين. وبحسب التقرير سيوفر
استمرار الحرب فرصاً للقوى الخارجية لتوسيع نفوذها في البلاد؛ حيث تتطلع القوات
المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى تأمين أسلحة إضافية.
ومن
المرجح أن تساعد القوات المسلحة السودانية روسيا على البدء في إنشاء نقطة إمداد
بحرية بالقرب من بورتسودان مقابل الدعم العسكري؛ ما يُمكِّن موسكو من توسيع نفوذها
الإقليمي، كما أن الدعم الروسي للقوات المسلحة السودانية سيُمكِّن أيضاً من تحقيق
قدر أكبر من التآزر في نهج روسيا وإيران تجاه أفريقيا؛ ما يسهل وصول طهران إلى
الدول الأخرى الصديقة لروسيا في القارة.
4– تصاعد النشاط الإرهابي في موزمبيق وتأخير
مشاريع الطاقة في البلاد: من المرجح أن يوسع تنظيم الدولة الإسلامية– ولاية
موزمبيق هجماته عبر كابو ديلجادو مع انتهاء مهمة مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية
في البلاد؛ ما يهدد بتأخير مشاريع الغاز الطبيعي المسال الكبرى التابعة لشركة
توتال إنيرجي الفرنسية، وهذا من شأنه أن يحرم الاتحاد الأوروبي من مصدر جديد للغاز
الطبيعي، كما من المرجح أن يؤثر التأخير في مشروع الغاز الطبيعي المسال التابع لشركة
توتال على مشروع روفوما للغاز الطبيعي المسال التابع لشركة إكسون موبيل في
موزمبيق؛ حيث يشترك كلا المشروعين في مرافق مشتركة.
علاوة
على ذلك، يمكن لجبهة تحرير موزمبيق الحاكمة المعروفة باسم فريليمو، استغلال تصاعد
الهجمات الجهادية لتوطيد السلطة قبل الانتخابات العامة في أكتوبر؛ ما قد يمهد
الطريق لاحتجاجات حركة المقاومة الوطنية الموزمبيقية المعارِضة المعروفة باسم
رينامو.
خلاصة
القول أن السمة الرئيسية للتفاعلات العالمية خلال الربع الثالث من عام 2024هي استمرار الصراعات القائمة في أوكرانيا وقطاع
غزة مع بقاء احتمالات توسع هذه الصراعات؛ وذلك فيما سيستمر الصدام بين بكين والدول
الغربية بقيادة الولايات المتحدة، بالتوازي مع معاناة العديد من الدول من أزمات
اقتصادية، كما ستظل سمة عدم الاستقرار السياسي واحدة من السمات الرئيسية في عدد من
المناطق المختلفة، وخاصةً أفريقيا التي تشهد صراعات ممتدة استدعت في الوقت ذاته
تدخلات خارجية ومنافسة بين العديد من القوى على النفوذ.
المراجع
_ ايمان عبد الحليم، 13/7/2024، توقعات
ستراتفور: الاتجاهات المحتملة للتفاعلات العالمية خلال الربع الثالث من عام 2024، مركز الناطور للدراسات والابحاث.
_ صباح عبد الصبور، 1/7/2024، توقعات
ستراتفور: الاتجاهات المحتملة للتفاعلات العالمية خلال الربع الثالث من عام 2024، انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية.