تعد
منطقة القرن الإفريقي من أهم مناطق العالم الإستراتيجية، بسبب موقعها الجغرافي المترامي
الأطراف، المسيطر على مدخل البحر الأحمر الجنوبي عند مضيق باب المندب، والمؤثر
أيضاً في مدخله الشمالي من جهة قناة السويس، لذلك فإن البحر الأحمر هو شريان
الحياه الواصل بين أرجاء العالم أجمع، حلقة الوصل المحورية لسريان التجارة
العالمية، علاوة على ذلك فإن البحر الأحمر له باع كبير من الناحية الإستراتيجية،
إذ يعد صمام الأمن، الأمان والمحدد الرئيسي لاستقرار الدول العربية والإفريقية
بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، إذ يمثل أهم مصادر الدخل القومي لمصر ومرآة التجارة
المصرية المنعكسة على العالم أجمع عن طريق قناة السويس، بالإضافة لما تخطط له مصر
من أمال واعدة مستقبلاً في المنطقة الاقتصادية الراسخة في إقليم قناة السويس .
أولاً:
في التعريف بمنطقة القرن الإفريقي: ـ
من
ناحية أخرى، فقد تعددت التعريفات الخاصة بمنطقة القرن الإفريقي، إذ سُميت هذه
المنطقة بهذا الاسم نظراً إلى امتدادها داخل المياه بشكل يشبه قرن حيوان وحيد
القرن، وكأنه يشق الماء إلى شطرين، الشطر الشمالي هو البحر الأحمر، والشطر الجنوبي
هو المحيط الهندي، وهو يضم عدد من الدول تتمثل في : ( إريتريا ـ إثيوبيا ـ الصومال
ـ جيبوتي ـ السودان ـ كينيا ـ رواندا ـ بوروندي ـ تنزانيا ـ أوغندا )، وذلك في ضوء
إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في شرق ووسط أفريقيا، الأمر الذى يوضح أن
مفهوم القرن الإفريقي أكثر عرضه لأن يتسع ويضيق طبقاً لسياسات الدول ومصالحها؛ إلا
أن بعض الرؤى تفترض أن مصطلح القرن الإفريقى في جوهره يعد مصطلحاً سياسيا قد مر
بعدد من المراحل، وأن مرحلته الأخيرة لم تتشكل بعد؛ نتيجة لكم المصالح المتضاربة
بين القوى الكبرى والإقليمية في هذه المنطقة، ولكن في كل الأحوال فإن دول القرن
الإفريقى نفسها بإمكانيتها وقدراتها لا يمكنها تحديد الإطار المفاهيمى الواضح
والمحدد لحدود وسياسات هذه المنطقة، بسبب عدم استقرار الحدود السياسية لهذه الدول التي
تمتلئ بالكثير من العرقيات المختلفة، ومن ثم فإن بعض الرؤى ترى هذا المسمى “القرن
الإفريقى” مفهوم غامض ومتغير بفعل تغيرات البيئتين الدولية والإقليمية معاً، كما
أنه مصطلح أكثر مرونة وقابل للتعديل في أي وقت وفقاً لقدرات ومصالح القوى الكبرى .
ثانياً:
الأهمية الإستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي: ـ
تحتوى
منطقة القرن الإفريقي على الكثير من الثروات الطبيعية مثل : الذهب والنفط، كما تعد
هذه المنطقة غنية باحتياطيات ضخمة من المعادن المستخدمة في الصناعات الثقيلة
والنووية مثل : الكوبالت و اليورانيوم، بالإضافة إلى ذلك تطل منطقة القرن الإفريقي
على عدة جزر لها أهمية إستراتيجية خطيرة كجزر “حنيش” الممتدة في اليمن من جهة،
أرخبيل “دهلك” الواقعة بالقرب من السواحل الإريترية من جهة أخرى، كل هذه الامتيازات
قد جعلت من منطقة القرن الإفريقي مطمح لكثير من الدول الكبرى لإقامة مشاريعها
الاستغلالية هناك كالمشروع الأمريكي نفسه المعروف باسم “القرن الإفريقي”، كما أن
التوغل الإيراني حالياً في منطقة القرن الإفريقي ليس بالأمر الذى وجد صُدفةً، إذ
أن هذا التواجد يقع ضمن بوتقة إيرانية حقيقة، مفاداها تحقيق حلم الهيمنة الفارسية
على دول العالم الإسلامي والعربي، والذى لن ولم يتحقق إلا من ثنايا الدول
الإفريقية التي تتوافر فيها كافة العناصر والآليات من الضعف والفقر والجوع، التي
تجعل من هذه الدول الإفريقية أكثر عرضه للسيطرة الإيرانية عن طريق كافة الأدوات
الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية.
أيضاً،
تنعم منطقة القرن الإفريقي بكميات كبيرة من النفط المكتشف حديثا في باطن أراضيها.
ففي كينيا بدأ التنقيب عن البترول منذ عثرت شركة “تولو” البريطانية المتخصصة في
الاستكشافات النفطية على النفط الخام في حوض لوكشار شمالي شرق كينيا في عام 2012، وبعدها توالت الاكتشافات النفطية الهامة، كما تعد إثيوبيا من
الدول الواعدة اقتصاديا بعد إكتشاف العديد من الثروات الطبيعية الكامنة في أراضيها
ومنها النفط الذي تم اكتشافه حديثا بشكل مفاجئ بعد أن كانت إثيوبيا من أكبر الدول
استيرادا للبترول العربي لفترات طويلة، غير أنه ومع قدوم عام 2010 أعلنت إريتريا عن امتلاكها احتياطات ضخمة من النفط والغاز قبالة
سواحلها بالبحر الأحمر، وفي عام 2015 بدأت الاستثمارات الدولية الكبرى للنفط
الإريتري، حيث أعلن الاتحاد الاوروبي عن منحة قيمتها 200 مليون يورو لإريتريا بغرض تطوير قطاع الطاقة.
خلاصة
القول: تثور مخاوف عديدة من الخبراء والباحثين مغبة استيلاء الجماعات الإرهابية
المسلحة على هذه الثروة النفطية الكامنة في هذه المنطقة للدرجة التي يطالب فيها
البعض بتأجيل استخراج البترول لحين جاهزية الأجهزة الأمنية في هذه الدول لحماية
الثروة القومية ولحين عودة الاستقرار السياسي لأغلب بلدان منطقة القرن الإفريقي.
كما يخشى البعض من عدم وجود خبرة اقتصادية في التعامل مع هذه الثروة وتسويقها
عالميا ويطالبون أصحاب صلاحيات عقد الاتفاقيات بالتأني في توقيع صفقات البيع
والاستغلال بما يضمن تحقيق الاستفادة الكاملة للبلاد من ثرواتها النفطية، ولا شك
أن النفط الإفريقي أصبح محل اهتمام عالمي خاصة في ظل ما يتمتع به من مزايا
اقتصادية كبيرة منها وجود 40 نوعا من النفط الخام بالقارة السمراء وتميزها جميعا
بجودة عالية، وهو ما يؤهل قارة إفريقيا لتبوأ مكانة اقتصادية واستراتيجية كبري.
ثالثاً:
التنافس الدولي والإقليمي في القرن الإفريقي: ـ
ظلت
منطقة القرن الإفريقى محل إهتمام القوى الكبرى والإقليمية على مر التاريخ، حيث كان
لعدة دول استعمارية مناطق نفوذ ومستعمرات في منطقة القرن الإفريقى، إلا أن
الإهتمام بهذه المنطقة قد تزايد بشكل سريع للغاية؛ نتيجة لتفاقم الفوضى على الساحل
الصومالي، حيث عمليات القرصنة للسفن العابرة من قبل بعض الجماعات المسلحة
المتشددة، وهو ما يشكل تهديداً جسيماً للتجارة العالمية المارة عبر هذه المنطقة،
أيضاً زاد الإهتمام بهذه المنطقة عقب تمرد جماعة الحوثيين الموالية لإيران وأحد
أهم أذرعها في اليمن، التي تسعى لتطويق عدوها اللدود المتمثل في المملكة العربية
السعودية من خلال الاستيلاء على اليمن، الأمر الذى أشعل لهيب الصراع في منطقة
القرن الإفريقى.
علاوة
على ذلك فقد تزايد تنافس القوى الدولية: كالصين والولايات المتحدة الأمريكية،
روسيا، القوى الإقليمية: كالكيان الصهيوني وتركيا وإيران لإيجاد سبل لتعزيز نفوذهم
السياسي والاقتصادي والعسكري، ذلك على حساب بعضهم البعض في منطقة القرن الإفريقي،
من ثم فإن التنافس بين القوى الدولية والإقليمية قد برز في منطقة القرن الإفريقى
بعدة صور وأشكال، إلا أن أبرز هذه الأشكال قد تمثلت في التنافس العسكري والاقتصادي
على النحو التالي:
أـ
القوى الدولية: الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، روسيا: ـ
اهتمت
الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة القرن الإفريقى بشكل كبير في وقت متأخر خاصة
بعد أحداث 11سبتمبر2001 التي هزت أركان المجتمع الأمريكي، الأمر الذى شكل بالأساس التغيرات في
إستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية إزاء العالم كافة، ومنطقة القرن الإفريقى
بصفة خاصة، ومن ثم فقد تم استحداث مفهوم القرن الإفريقي الكبير الذى يضم عشرة دول
إفريقية وفق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة صوب شرق ووسط إفريقيا، إلا أن
الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة يستند إلى عدة عوامل محددة لهذا المفهوم الواسع،
تكمن في اكتشافات النفط في القرن الإفريقى، لكن الأوضاع السائدة داخل هذه المنطقة
قد أثرت سلباً على المصالح الأمريكية، لا سيما عقب تفجير سفارتي الولايات المتحدة
الأمريكية في نيروبي(كينيا)، دار السلام(تنزانيا)عام1998، وبالتالي أعلن المسؤولون الأمريكيون إنشاء عدة قواعد عسكرية
بغطاء شرعي قد تمثل في عدة شعارات أهمها هي : الحرب على الإرهاب، إدارة أزمات
المنطقة وتحسين حالة الأمن الغذائي في القرن الأفريقي، ومن ثم فقد سعت الولايات
المتحدة الأمريكية إلى تحسين علاقتها مع جيبوتي رغبة منها في استثمار موقعها
الحيوي اقتصاديا، فأنشأت ” قاعدة ليمونيير “على أراضيها، إذ تمثل هذه القاعدة
مدينة متكاملة الحياة، وأمتد عقد إيجار هذه القاعدة حتى عام 2025، أيضاً توجد بها القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا وهى ”
أفريكوم ” ، وهى المسئولة عن متابعة وتنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والاستقرار في
القارة الإفريقية وعن العلاقات العسكرية مع كل دول القارة الإفريقية فيما عدا مصر
.
علاوة
على ما قد سبق، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ليست القوة الكبرى الوحيدة
المتواجدة في منطقة القرن الإفريقى، حيث هناك تواجد قوى ومنافس للولايات المتحدة في
هذه المنطقة متمثل في الصين، التي تسعى إلى تطويق الأمريكان بسياج أمنى على رقعة
“شطرنج العالم” لاسيما منطقة القرن الإفريقى، إذ دخلت أفريقيا حيز السباق على
الهيمنة نظراً لاعتبارها أحد أهم وأغنى أقاليم العالم الجيوسياسية، فأصبح القوتين
الدوليتين “الصين، الولايات المتحدة الأمريكية” متنافستين وبقوة في القرن الإفريقي،
إلا أن هذا التنافس ذات صبغة اقتصادية في الأساس، فالصين تمتلك منطقة لوجيستية
هامة في جيبوتى، وهو ما تراه الولايات المتحدة أن هذه المنطقة ترتقى لقاعدة عسكرية
في جيبوتي منافسة لها، كما ترى الولايات المتحدة أن الصين تعمل على تطويق جيبوتي
التي تعد من أحد أفقر بلدان العالم من خلال قروض صينية بالمليارات ومن خلال بناء
تحالفات إستراتيجية مع حكومتها، وتعتبر واشنطن أت التمدد الصيني في جيبوتي بلا شك
يشكل خصماً من رصيد الولايات المتحدة في منطقة القرن الإفريقي، فضلاً عن حرص الصين
على التواجد العسكري بهذه المنطقة عن طريق وحداتها البحرية المتواجدة في خليج عدن
لتأمين قوافل التجارة البحرية المارة به والبالغ عددها 6000 قافلة بحرية سنوياً، كما تعمل الصين حالياً على بناء خط سكك حديد
سريع يربط بين جيبوتي والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو ما يعتبره الخبراء
بمثابة رابط استراتيجي مهم في هذه المنطقة بإمكانه إشعال صراع جيبولتيكى في القرن
الإفريقي في مواجهة القوى الإقليمية المتنافسة هناك .
في
المقابل تقدم روسيا نفسها لدول القرن الإفريقي على أنها شريك لا يمكن الاستغناء
عنه في المنطقة، ومن هنا، تمثل التحركات الرُّوسِيَّة في المنطقة تحديًا بالنسبة
لإعادة صياغة النفوذ الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر؛ حيث ترتبط تحركاتها في
المنطقة بسعيها الحثيث إلى خلق نظام دولي متعدِّد القُطبية، يهدف إلى مواجهة تأثير
القوى الدَّوليَّة في مناطق الصراع على النفوذ، ومنها إفريقيا، لا سيما الولايات
المتحدة الأمريكية،
وهو
ما يدفع الروس إلى محاولة احتضان عددٍ من دول المنطقة مثل السودان وإريتريا،
باعتبارهما مدخلاً مهمًّا إلى إفريقيا، وللتواجد بشكل مكثف في القرن الإفريقي،
مستغلة في ذلك التراجع الأمريكي في المنطقة عقب فوز ترامب لتوسيع هامش المناورة من
منطقة الشرق الأوسط إلى إفريقيا.
ب
ـ القوى الإقليمية: الكيان الصهيوني، تركيا، إيران: ـ
تخوض
تركيا وإيران والكيان الصهيوني سباقاً من
أجل تكثيف نفوذهم في منطقة القرن الإفريقي، حيث يعمل الكيان الصهيوني على
تعزيز تواجده في المنطقة، فوجدت ملاذها في إثيوبيا منذ ستينات القرن الماضي من
خلال إقامة علاقات أمنية، عسكرية واقتصادية وبسط نفوذ تجارى واستثماري لها في هذه
المنطقة، كما يتواجد الكيان الصهيوني في جزيرتي “دهلك ، فاطمة” الإريتريتين، ومن
ثم بإمكانها بناء مراكز رصد لها على البحر الأحمر تستهدف السعودية والسودان و
اليمن، إلا أنها تقيم في دهلك أكبر قاعدة بحرية لها خارج حدودها، على الجانب الأخر
تسعى تركيا للتواجد في العمق الإفريقي لتعزيز نشاطها الاقتصادي والسياسي ولتوسع
نفوذها العسكري، حيث تقيم تركيا مع إثيوبيا علاقات اقتصادية قوية للغاية، إذ تعد
رابع أكبر شريك تجارى لأنقرة في القارة السمراء، وتتلقى وحدها نحو2.5مليار دولار
من إجمالي 6مليار دولار تستثمرها تركيا في القارة، في المقابل ينصب اهتمام تركيا
الإنساني والعسكري كمزيج من الأداتين الناعمة والصلبة نحو الصومال، حيث بلغت
المساعدات التركية الإنسانية والتقنية للصومال ما يربو نحو 400مليار دولار،
بالإضافة إلى حرصها على قيام قاعدة عسكرية وكلية عسكرية تابعة لها في الصومال .
في
المقابل، نجد إيران تتبع سياسة نشطة في أفريقيا بصفة عامة والقرن الإفريقى بصفة
خاصة، من خلال شراكات اقتصادية وتحقيق اختراقات ثقافية والعمل على نشر التشيع،
بجانب تعزيز وجودها العسكري فى منطقة القرن الإفريقي، إذ تشير بعض التقارير إلى
أنها تمكنت من بناء قاعدة بحرية عسكرية في إريتريا، ومركز لتموين سفنها، إضافة
لتدريبها عناصر من الحرس الثوري والمليشيات التابعة لها في إريتريا، وأبرز دليل
على ذلك هو العاصمة الإريترية أسمرة، التي تعد بمثابة حلقة وصل ودعم عسكري
للحوثيين في اليمن ضد الشرعية والضغط على السعودية، مما جعل السعودية استدعاء
الرئيس الإريتري أكثر من مرة لتنسيق المواقف بين البلدين بخصوص مكافحة الإرهاب
والقرصنة في مضيق باب المندب، تطمح إيران بمرجعتيها الدينية الشيعية أن تكون القطب
الإسلامي المهيمن على شئون الدول الإفريقية التي تحظى بأقليات مسلمة من خلال
استغلال بعض التنظيمات الإرهابية، لا سيما إريتريا في هذا الصدد، حيث وجود “الحزب
الإسلامي الإريتري للعدالة والتنمية” وهو الذراع السياسي للإخوان المسلمين في
إريتريا، وبالتالي ولاء هذا الحزب لجماعة الإخوان المسلمين هو فكرى أكثر منه تنظيمي
حيث تكمن خطورة الحزب في إمكانيات قيام تحالفات بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين
في منطقة القرن الإفريقي بهدف حماية المصالح المشتركة في مضيق باب المندب وتضيق
الخناق على مصر عن طريق مدخل قناة السويس الجنوبي .
خامساً:
تداعيات التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة على الأمن القومي العربي: ـ
تأمل
كل دولة إلى تحقيق مشروعها السياسي في المنطقة الشرق أوسطية كقوة سواء دولية وإقليمية
تسعى للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمي الجديد، وهو ما قد تبين من خلال الأنشطة
التي تقوم بها كل الدول المتصارعة في هذه المنطقة، لا سيما عقب ثورات الربيع العربي،
التي هيأت الدور للاندفاع التركي والصهيوني نحو منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة
القرن الإفريقي، كما مهدت مثلاً للأذرع الإيرانية الاندفاع وبقوة نحو الإقليم
الشرق أوسطى من جهة كما هو واضح في العراق، سوريا، اليمن، لبنان والبحرين،
والتواجد والهيمنة أيضاً في منطقة القرن الإفريقي من جهة أخرى، ولذلك لتكوين واستكمال
الدوائر المفرغة من “الهلال الشيعي”، الذى لن ولم يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران
على الجانب الجنوبي من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقي ومضيق باب
المندب على وجه الخصوص، لتُنبذ بذلك الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية ضد الدول
الإفريقية والعربية على حد السواء، الأمر الذى يشكل تهديد واضح وصريح للأمن القومي
العربي ، بما يتطلب استراتيجيات تعاون جديدة وجدية في كافة المجالات بين الدول
العربية والإفريقية لتحجيم الصراعات المتغلغلة داخل منطقة القرن الإفريقى .
ولكن
في حقيقة الأمر، أن الإقليم الإفريقى يفتقد جدياً للمنظومة الجماعية أو حتى
الفرعية لضمان الأمن فيه، إذ أن منظومة الأمن الجماعي فيه تقوم بتأمين الدول
داخلياً وتدفع التهديد عنها خارجياً، بما يكفل لها الأمن والاستقرار، بشرط توافق
المصالح، غايات وأهداف أطرافها، حيث كان من الممكن في وقت سابق قيام منظومة عربية
ـ إفريقية جماعية لحماية الأمن في منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الوضع الآن أصبح
مُعقد للغاية لوجود أطراف إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة في هذه المنطقة، على
من ذلك فإن تكوين هذه المنظومة ليست بالأمر المستحيل؛ لضمان حماية بقاء وأمن واستقرار
الدول العربية والإفريقية معاً .
وبناء على ما قد تقدم، فإن منطقة القرن الإفريقى تمثل بالنسبة للأمن القومي العربي أهمية استراتيجية خطيرة، حيث تضم المنطقة أهم منابع نهر النيل، الذى يعد شريان الحياة لمصر والمصريين، حيث تعد إثيوبيا أحد أهم منابع نهر النيل بنسبة 86% بالنسبة لمصر من إجمالي المياه الواردة إلى مصر من دول حوض النيل جميعاً، مما يضعها على رأس قائمة أولويات السياسة المصرية، أيضاً من ناحية أخرى، يمثل البحر الأحمر أهمية كبرى للأمن القومي المصري، إذ يمثل حلقة الوصل لمصر اتجاه إفريقيا وآسيا، ويتميز بأهمية جيوبوليتيكية لما يحتويه من موانئ بحرية وإطلاله على طرق الملاحة البحرية للتجارة الدولية، وبالتالي تأمينه مسألة حياة للمصريين والعرب، حيث لا حياة للعرب بدون أمن مصر، ولذلك وجب على العرب توحيد الصفوف وتكوين تكتلات عسكرية واقتصادية لتأمين هذه المنطقة من أي تهديد لها على غرار التهديد الإيراني لهم عند مضيق باب المندب، كما يجب التركيز على إيجاد حلول سلمية وجذرية للأزمات والمشاكل الإفريقية كما هو الحال في الصومال، إريتريا، اليمن، أثيوبيا، والسعي لاستخدام مصر والدول العربية القوة الناعمة المتمثلة في التقارب الإنساني، وهو ما يشكل أهم نقاط القوة في الإنسان العربي بوجه عام ، إن كان هناك صعوبة في التواجد والتنافس مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى في هذه المنطقة بالأدوات والآليات العسكرية والاقتصادية في منطقة القرن الإفريقى .
المراجع
محمد رمضان، 17.1.2020، التنافس الدولي
والإقليمي في منطقة القرن الإفريقي، ملتقى الباحثين السياسيين العرب
ياسر قطيشات، 1.12.2010، التنافس الدولي في
القارة السمراء، موقع العربي الجديد.