:
شهد العالم على مر التاريخ العديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة كانت بعضها أوبئة محصورة بدول أو نطاق جغرافي معين وكان بعضها أوبئة عالمية أو ما يطلق عليه "جائحة"، وحصدت تلك الأوبئة أرواح عشرات بل مئات الملايين وتسببت في تغيرات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية في العالم بأسره، بل ومنها جوائح غيرت مجرى التاريخ.
وكان أشهر هذه الأوبئة وأشدها فتكاً في العصور القديمة والوسطى الطاعون الأسود (الموت الأسود) وطاعون جستنيان وطاعون عمواس وفي العصر الحديث نجد الكوليرا والجدري والإنفلونزا الإسبانية وغيرها من الأوبئة
.
وقد اختلفت طرق الناس في التعامل مع تلك الأوبئة والتصدي لها باختلاف الحقبة الزمنية والإمكانيات المتاحة كما تباينت الآثار التي خلفتها هذه الأوبئة على المجتمعات التي اجتاحتها
.
الأوبئة الأسوأ التي غيرت مسار البشرية مما قبل التاريخ إلى يومنا هذا
وفيما يلي عدد من أسوأ الأوبئة والجوائح
الموت الأسود كان واحداً من أكثر الأوبئة ضراوة في التاريخ الإنساني ،فقد تسبب الموت الأسود، في القرن الرابع عشر وتحديدا بين عامي 1347 و1351، بمقتل ما لا يقل عن 200 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، ويعتقد أنه نشأ في الصين أو بالقرب منها، ثم انتقل إلى إيطاليا وبعد ذلك إلى باقي أنحاء أوروبا، ثم إلى مختلف دول العالم ،وقد شُخِّص الوباء بأنه نوع من أنواع الطاعون
وقعت واحدة من أسوأ حالات تفشي لمرض الطاعون ، في عهد الإمبراطور جستنيان الأول ، مما أودى بحياة الملايين من الناس في هذا الوقت ، حيث وصل الطاعون إلى القسطنطينية عام 541 م ، بعد عام تقريبًا من ظهور المرض لأول مرة في المقاطعات الخارجية للإمبراطورية ، واستمر تفشي المرض في جميع أنحاء العالم المتوسطي لمدة 225 سنة أخرى ، ثم اختفى أخيرًا في 750 م.
ويعتبر طاعون جستنيان الذي بدأ في عام 541 م ، أول جائحة في التاريخ المسجل لأنه اجتاح ثلاث قارات ، وقيل أنه قد يكون الطاعون قد انتقل بين القارات الثلاث ، عن طريق السفن التجارية الموبوءة بالقوارض التي حملت المرض إليها، وعندما وصل الطاعون إلى القسطنطينية ، قتل ما يقارب من 40 مليون شخصًا ، وقد حصل الطاعون على اسمه من الإمبراطور البيزنطي جستنيان ، الذي حكم روما القديمة من عام 527 إلى 565 م ، فضرب الطاعون وتركه مدمرًا حيث دمّر الطاعون جيشه واقتصاده ، وأصيب الإمبراطور جستنيان أيضًا بالطاعون لكنه اجتاز تلك المحنة ، على عكس العديد من الآخرين
الجدري الفيروس الذي قضى عليه العالم سجل أول تفشي للمرض في عام 1520، يُعتقد أنه ظهر أول مرة في مصر وتفشى الجدري في أماكن متفرقة في مختلف أرجاء العالم وفي حقب زمنية مختلفة تبعته تفشيات كبيرة متعددة على مدى القرون، وأدخله الأوروبيون إلى الأميركتين في القرن الخامس عشر وتسبب في مقتل غالبية السكان الأصليين بالمكسيك، ويعد الفيروس الذي يسبب الجدري، فيروس فاريولا الأصغر، أحد أشد الفيروسات فتكا على الإطلاق.
وينتشر المرض عن طريق الرذاذ الصادر عن أنف أو فم المريض، أو من خلال البثور الجلدية، و يتسبب في هلاك 3 من كل 10 من المصابين به.
وفي عام 1796 استخدم الطبيب الفرنسي "إدوارد جينر" جدري البقر لتحصين الأشخاص ضد الجدري، مما ساعد في تشكيل مناعة داخل الجسم، ومهد الطريق أمام الأبحاث والدراسات لاكتشاف لقاح ضد الجدري مما أدى إلى انخفاض كبير بالتدريج في حالات الإصابة
في منتصف القرن الثاني للميلاد اجتاح العاصمة الرومانية طاعون قاتل، فتك بقوة بالجيش الروماني، وحصد آلاف الأرواح يومياً، وتسبب بضربة قاسية هزت قوة الإمبراطورية الرومانية التي كانت تتربع على عرش العالم آنذاك، وتسبب الطاعون في إنهاك الجيش الروماني الذي كان يفقد2000 شخص يومياً جراء الطاعون، بل توفي بسببه أحد أهم وأعظم الأباطرة الرومان ماركوس أوريليوس، فخلفه من بعده الإمبراطور كومودوس، الذي ورث التركة الثقيلة، في ظل أوضاع سياسية مضطربة وطاعون يستشري في البلاد، حيث شكلت تلك الأوضاع بداية لعصر النهاية للإمبراطورية الرومانية العظمى
من أشهر الأوبئة في القرن العشرين وأكثرها حصداً للأرواح، ظهرت عام 1918 في أواخر الحرب العالمية الأولى لتضيف إلى العالم معاناة جديدة إضافة إلى معاناة ويلات الحرب تفترض بعض النظريات نشوء المرض بالصين وانتقاله منها إلى أمريكا الشمالية وأوروبا، إلا أنه لا يوجد أي دليل على ذلك. ولم تظهر أولى حالات الإصابة بالوباء في إسبانيا بل ظهرت في الولايات المتحدة أوائل عام 1918 ثم في أوروبا، إلا أن الرقابة على الصحافة آنذاك كانت تمنع نشر تقارير تتحدث عن انتشار الوباء لعدم تثبيط الروح المعنوية للجنود وكانت الصحافة الإسبانية أول من تحدث عن الوباء في مايو 1918 باعتبارها دولة حافظت على مبدأ الحياد خلال الحرب ولذلك سُمي بالإنفلونزا الإسبانية على الرغم من أنه كان قد قتل حينها مئات الآلاف في دول أخرى
.لم يهتم العالم كثيراً بالوباء بسبب انشغالهم بأمور أخرى في أعقاب الحرب فضلاً عن تضرر المنشآت الصحية ووفاة آلاف الأطباء في الحرب
.
حصدت الإنفلونزا الإسبانية أرواح 45 مليون شخص على الأقل حول العالم وأصابت نحو نصف مليار إنسان وساعد في انتشاره أكثر عودة الجنود المصابين بالوباء من الحرب إلى مدنهم وقراهم، وكانت معدلات الوفاة في إفريقيا والأماكن الفقيرة أعلى من الأماكن الغنية التي تتوفر بها رعاية صحية مناسبة.
وتشير الإحصائيات إلى أن 99% من الوفيات كانت في أشخاص أعمارهم أقل من 65 سنة، وأكثر من نصف الوفيات كانت في المجموعة العمرية ما بين 20-40 سنة، وكان السبب الرئيسي للوفاة هو الاختناق نتيجة نزيف رئوي أو التهاب رئوي ثانوي، ويرى البعض أن سبب المناعة لدى كبار السن ضد الإنفلونزا الإسبانية يعود إلى تعرضهم للإنفلونزا الروسية عام 1889 مما أكسبهم مناعة جزئية ضد الفيروس
تمّ رَصد أول حالة إصابة بالإيدز عام 1981م في الولايات المُتحدة الأمريكيّة، وشق الفيروس طريقه حول العالم، وكان الإيدز يعد وباء حتى أواخر القرن العشرين وقد صُنّف فيروس العوز المناعيّ البشريّ في الفترة الحاليّة على أنّه وباء عالمي كبير، حيث تُشير إحدى الدراسات التي أجراها برنامج الأُمم المتحدة المشترك لفيروس العوز المناعيّ البشريّ أنّ عدد الأشخاص المصابين بفيروس العوز المناعيّ البشريّ أو الإيدز قد بلغ حوالي 30 مليون شخص في جميع أنحاء العالم ، ومن بين هؤلاء، كان هناك حوالي 28.3 مليون شخص بالغ ونحو 1.7 مليون طفل تقلّ أعمارهم عن 15 سنة
.
ولعقود، لم يكن للمرض علاج معروف، ولكن الأدوية التي تم تطويرها في التسعينيات تسمح الآن للأشخاص المصابين بالمرض بتجربة عمر طبيعي مع العلاج المنتظم. والأكثر إثارة، تم شفاء شخصين من فيروس نقص المناعة البشرية في أوائل عام 2020
ظهر نوع جديد من فيروس كورونا في الصين، وقد حظي بعدة مسميات مثل: فيروس كورونا الجديد، أو فيروس كورونا المستجد، أو كوفيد 19، أو فيروس كورونا المُتحوّر الجديد، حيث سُجلت التقارير الأولية لبدء انتشاره في منتصف شهر ديسمبر من عام 2019،
يعدّ خبراء الأمراض والصحة العامة فيروس كورونا هو نموذج متطور لفيروس سارس، على أنه غير مسبوق نظرا لسرعة وسهولة انتشاره من جهة، والطيف العريض من الأعراض التي يتسبب فيها، إذ تتراوح شدة هذه الأعراض من الغائبة تماما إلى المميتة وفتك مرض كوفيد-19 بأكثر من 5.5 مليون انسان إلى الآن
نور عثمان، 19/ ديسمبر /2021، فيروس كورونا، موضوع
2004، شلدون واتس ، الأوبئة والتاريخ : المرض والقوة الإمبريالية ، المركز القومي للترجمة
ويكيبيديا ،22 فبراير 2022، جائحة