تستحوذ
الوظيفة العامة على جانب كبير من
الدراسات الخاصة بالقانون الإداري، حيث يحظى قطاع الموظفين بدرجة متقدمة من
الأهمية في الدولة الحديثة، وذلك لتعدد
المهام الملقاة على كاهل هذا القطاع في سبيل إشباع العديد من الحاجات العامة، كما رتب المشرع على عاتق الموظف العام مجموعة
من الواجبات الوظيفية الملزمة ، وكذلك
قيد المشرع الموظف العام بالعديد من المحظورات التي توجب عليه بذل أقصى
درجات العناية لتجنب الوقوع بهذا الأمر الذي يجعله محلاً للمساءلة التأديبية من
قبل سلطات التأديب المختصة حال الإخلال بهذه الالتزامات والقيود، ويعتبر ما تقدم نتيجة لما تقتضيه مصلحة الإدارة
في تسيير المرفق العام بانتظام واضطراد
ونظراً ،لما يترتب على العقوبات التأديبية
من آثار خطيرة على الموظف، والتي تمس
حقوقه الوظيفية والمالية فإنه يتوجب إحاطة توقيــــع هذه العقوبات بالضمانات التي
تكفل الوصول إلى هذه الحقيقة المجردة، وبالتالي كفالة حقوق الموظف العام، ومن بين أهم هذه الضمانات ضمانة التحقيق مع
الموظف الذي ارتكب المخالفة التأديبية.
مفهوم
التحقيق الإداري:
أ.
التحقيق اصطلاحا:
يقصد
بالتحقيق الإداري أنه إجراء شكلي يتخذ بعد وقوع المخالفة بقصد الكشف عن فاعلها، أو
التثبت من صحة إسنادها إلى فاعل معين، فالهدف منه الوصول إلى الحقيقة وإماطة
اللثام عنها.
ويرى
البعض أن التحقيق هو مجموعة من الإجراءات التأديبية التي تقوم بها سلطة معينة بقصد
تحديد ماهية الأفعال المبلغ عنها وظروفها وأدلة ثبوتها أو عدم ثبوتها وصولاً إلى
الحقيقة وبيان ما إذا كانت تشكل مخالفة أو جريمة معينة من عدمه وبيان شخص
مرتكبها).
في
حين يرى البعض الآخر أن التحقيق هو وسيلة الإدارة للأخذ بالإجراءات القانونية بحق
الموظف عند إتيانه فعلاً يشكل مخالفة تأديبية لأحكام الوظيفة العامة والخروج على
مقتضيات الواجب الوظيفي، وما يجب أن يتمتع به الموظف العام من أمانة ونزاهة
والتزام بمهام وظيفته وواجباته)
والتحقيق الإداري من أهم الضمانات التأديبية
اللازمة قانوناً للموظف، إذ أن التحقيق ليس سوى إجراء تمهيدي، فيجب عدم إحالة
الموظف للتحقيق إلا إذا كان الاتهام جدياً يقوم على احتمالات قوية ترجح ارتكابه
للجريمة التأديبية المنسوبة إليه وذلك حفاظاً على سمعته ومكانته.)
والقانون
الليبي يعتبر التحقيق مع الموظف هو من الإجراءات الجوهرية التمهيدية لكل محاكمة
تأديبية ويترتب على إغفاله عدم مشروعية القرار التأديبي ،حيث أشار المشرع الليبي
في المادة 156 من القانون رقم 12 لسنة 2010م بشأن علاقات العمل على أنه " لا
يجوز توقيع عقوبة على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابةً وسماع أقواله وتحقيق
دفاعه ،ومع ذلك يجوز للأمين المختص أو الكاتب العام أو لرئيس المصلحة أو مدير الإدارة
عند توقيع عقوبة الإنذار أو الخصم أن يجري التحقيق مع الموظف شفاهة ،على أن يثبت
مضمونه في القرار الصادر بتوقيع العقوبة، كما يجوز دون اللجوء إلى التحقيق أن يوقع
أيا من العقوبتين المشار إليهما، إذا كان
قد شاهد وقوع المخالفة بنفسه أو كانت ثابتة من واقع الأوراق والمستندات"
كما
أن القضاء الليبي متمثلاً في المحكمة العليا على اتفاق مع المشرع الليبي باعتبار
التحقيق يمثل ضمانة للموظف العام ،حيث أوضحت المحكمة العليا في أحد أحكامها ذلك
بقولها: " من حيث إن الأصول العامة لا تقبل جدلاً أن التحقيق والتأديب
الإداري له أصول وضوابط تمليها قاعدة أساسية هي ضرورة تحقيق الضمان وتوفير
الاطمئنان والأمان للموظف موضوع المساءلة الإدارية ،فلا تجوز مساءلته إلا بعد
تحقيق له مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالته وضماناته من حيث وجوب استدعاء
الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود
النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع، وهو أمر تقتضيه العدالة والأصــــــول العامة
كمبدأ عام في محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى النص عليه"
فالتحقيق
الإداري يمثل إجراء جوهريا لا بد من اتباعه قبل توقيع الجزاء على الموظف، فالشكاوى
والبلاغات والتحريات وإن كانت تصلح لتكون سنداً لنسب الاتهام إلا أنها لا تصلح
سنداً لتوقيع الجزاء على الموظف ما لم تجر الجهة الإدارية تحقيقاً تواجه فيه
المتهم بما هو منسوب إليه.
أهمية
التحقيق:
بعد
أن تطرقنا في الفقرة السابقة إلى تعريف التحقيق الإداري نتعرض في هذه الفقرة إلى
أهمية هذا التحقيق، فما الفائدة المرجوة من التحقيق الإداري باعتباره ضمانة أساسية
للموظف العام من جهة وللإدارة من جهة أخرى ،فأهمية التحقيق الإداري إذاً تكمن في
أنه أداة قانونية للوصول إلى حقيقة العلاقة بين الموظف والتهمة المنسوبة إليه،
والإدانة يجب ألا تكون على الشبهة والشك وإنما لا بد أن تقوم على أساس الجزم
واليقين، فتوقيع الجزاء في نطاق الوظيفة العامة شأنه شأن الجزاء في الجريمة
العامة، لا يوجد فيه الظن والاحتمال بل لا بد من اليقين المستمد من ذات الواقعة،
وأيضاً فإنه مرحلة تحضيرية في الدعوى التأديبية وهو يستخدم على وجه العموم من
السلطة الرئاسية باقتراح الجزاء أو توقيعه أو إحالة الموظف إلى المحاكمة
التأديبية)
كما
تكمن أهمية التحقيق الإداري بالنسبة للإدارة في أن تسعى إلى حماية المرفق العام
الذي تديره، ومن مصلحتها الحفاظ على حسن سيره لتعلقه بالنفع العام، إلا أن الموظف
وهو محرك لهذا المرفق فمن الواجب حمايته وإتاحة الفرصة له للدفاع عن نفسه من خلال
تحقيق إداري تجريه معه وفقاً لما تتطلبه القوانين والأنظمة.
فالإدارة
يجب عليها التصرف وفق معلومات صحيحة، وألا تندفع إلى جــــزاءات بحق الموظف مفتقرة إلى الدقة، وإن من شأن
التحقيق الإداري أن يوفر لها الوقوف على موطن الخلل في جهازها الإداري والتنظيمي؛
ولأن إيقاع العقوبة جزافاً من قبل الإدارة ينعكس سلباً على علاقة الموظف بالمرفق
العام الذي يعمل فيه، إذ لا يشعر الموظف بالاطمئنان وينتابه الخوف في كل عمل يؤديه
وينسحب أثر ذلك على عطاء الموظف وإنتاجيته، وإن كانت الإدارة حرة طليقة في تقدير
كفاية ما استندت إليه من أسباب في مجازاة الموظف إلا أنها يجب أن تكون قد استندت
إلى عناصر ثابتة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من وقائع تنتجها.
فالتحقيق
الإداري مع الموظف العام يتمتع بأهمية قصوى بالنسبة للموظف فهو يشكل ضمانة أساسية
له أمام الإدارة في حالة ارتكابه لأية مخالفة ،فتشكيل لجنة من الجهة المختصة
بالتحقيق مع الموظف تضمن له حق الدفاع عن نفسه من خلال الإجابة عن الأسئلة
المطروحة من قبل لجنة التحقيق، فهو سيدفع أية شبهة ضده إن كان لم يرتكب أي خطأ أو
على الأقل يبرر ما قام به من أعمال قد يكون ارتكبها عن قصد أو غير قصد ويشرح ما
يجول في خاطره أمام اللجنة وبذلك يطمئن لما قد يقع على عاتقه من عقاب نتيجة حقه في
الدفاع عن نفسه الممنوح له من خلال التحقيق معه.
وفي
المقابل تكون أهمية التحقيق بالنسبة للإدارة في المحافظة على المرفق العام الذي
تديره والمؤتمنة عليه من خلال التحري عن المخالفات الإدارية والمالية التي يقوم
بها الموظف أثناء ممارسته لعمله وبالتالي تضمن الحق العام من جهة وحق الموظف في
الدفاع عن نفسه من جهة أخرى.
إجراءات
التحقيق الإداري:
يقصد
بإجراءات التحقيق الأصول والضوابط التي يتم على أساسها التحقيق مع الموظف العام
وتوقيع الجزاءات التأديبية عليه، فإجراءات التحقيق الإداري يعني بها الخطوات
المتبعة في التحقيق ومن هذه الإجراءات الإحالة على التحقيق الإداري، وكيفية مباشرة
التحقيق الإداري مع الموظف العام وهو ما سيتم دراسته في هذه الفقرة وذلك على النحو
التالي:
أولا.... إحالة على التحقيق الإداري:
الإحالة هي أول إجراءات التحقيق إذ تفتح
الإجراءات التأديبية تجاه الموظف بإحالته على التحقيق من قبل السلطة المختصة
قانوناً بذلك الإجراء، لذلك تعد الإحالة من الأمور الجوهرية التي تبدأ بها إجراءات
التحقيق للوصول للحقيقة في واقعة معينة تمهيداً لاتخاذ الإجراء التأديبي الملائم
مع توفير الضمانات للموظف الذي قد يفاجئ بغير مقدمات بإحالته للتحقيق.
لذلك
يتعين اتخاذ جانب الحرص عند الإحالة على التحقيق بحيث ينبغي ألا يكون التحقيق
قائماً على شبهة أو مبنياً على كيد أو نكاية، كما ينبغي عدم التهاون في الإحالة
على التحقيق إذ أن ذلك يؤدي إلى التسيب وسوء الإدارة، وينبغي الإشارة هنا إلى
التفريق بين طلب التحقيق والإحالة على التحقيق، فطلب التحقيق لا يعدو أن يكون بمثابة
الشكوى قد تنتهي بالإحالة على التحقيق وقد لا تنتهي إلى ذلك.
وهنا
يبدو واضحاً أن التحقيق الإداري لا ينعقد إلا بإحالة الموظف على التحقيق حتى تباشر
السلطة المختصة الإجراءات المطلوبة لذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة، والمشرع
الليبي رأى في المادة 156 من القانون رقم 12 لسنة 2010م بشأن علاقات العمل والمشار إليها سابقاً أن
التحقيق يكون شفاهه في المخالفات البسيطة
التي تتناسب مع توقيع مع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب، وتدخل ضمن اختصاصات السلطة
الرئاسية، ويكون التحقيق بمعرفة هذه الأخيرة، أما إذا كانت المخالفة تستوجب عقوبة
أشد فإن الأمر يتطلب إحالة الموظف المتهم على لجنة تحقيق تشكل لجنة داخل الجهة
الإدارية لهذا الغرض، أو إحالة الموضوع
إلى إدارة التحقيق التابعة إلى هيئة الرقابة الإدارية طبقاً لما جاء في المادة 34
من القانون رقم 20 لسنة 2013م , بشأن إنشاء هيئة الرقابة الإدارية والتي نصت على
" تختص الهيئة بالتحقيق بالمخالفات المالية والإدارية المرتكبة من قبل
العاملين بالجهات الخاضعة لرقابتها سواء تم اكتشافها وضبطها من خلال ممارستها
لمهامها أم المحالة إليها من قبل الجهات المختصة ،وتكون الإحالة على التحقيق من
رئيس الهيئة أو من يفوضه بذلك، وقد نصت اللائحة التنفيذية للقانون المذكور في
المادة 23 منها على أن " تتولى إدارة التحقيق إجراءات التحقيق مما ينسب
للموظفين العاملين بالجهات الخاضعة لرقابة الهيئة عن المخالفات المحالة إليها من
رئيسها أو من يكلفه بذلك وفقاً لأحكام القانون" ، أما المادة 24 فقضت بأن
يكون التحقيق فيما ينسب للموظفين الخاضعين لرقابة الهيئة من مخالفات إدارية ومالية
بمعرفة أحد أعضاء التحقيق ويتم التحقيق في هذه المخالفات وفقاً للقواعد والإجراءات
المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.)
أما
اللائحة 501 لسنة 2010م بشأن تنظيم
التعليم العالي فقد نصت في المادة 221 منها على كيفية تشكيل لجنة التحقيق ) ( ، أما المادة 222 فبينت ألية عملها المتمثل
في استدعاء عضو هيئة التدريس وإعلانه كتابياً قبل ثلاثة أيام من تاريخ مثوله
أمامها، ويعاد إعلانه إذ تغيب في الميعاد الأول ،وبعدها يجوز للجنة الاكتفاء
بالوثائق والشهود، وأوجبت على اللجنة مواجهة المحال على التحقيق بالتهم الموجهة
إليه وسماع أقواله ومناقشته في أدلة الاتهام
واستلام وثائق دفاعه ،على أن تتخذ قرارات اللجنة بالأغلبية وعليها إعداد
تقرير مفصل متضمناً ما دار من مناقشات وأوجه دفاع عضو هيئة التدريس.
يستخلص
مما سبق أن الإحالة على التحقيق تعد شرطاً جوهرياً لإجراء التحقيق مع الموظف
المتهم بارتكاب مخالفة معينة حتى تباشر الجهات المختصة التحقيق مع الموظف، ولا
يجوز لتلك الجهات مباشرة التحقيق من تلقاء نفسها، وإنما يتطلب صدور أمر بالإحالة
من الجهات التي منحها القانون هذه الصلاحية.
ثانيا
ا ــ مباشرة التحقيق الإداري مع الموظف العام:
إذا ما نسُب إلى الموظف العام ارتكاب مخالفة
تأديبية ،فإن السلطة المختصة تصدر قراراً بإحالته على التحقيق كما رأينا في الفقرة
السابقة، كما أن مباشرة التحقيق مع الموظف تكون لمن أناط به المشرع الاختصاص
بإجرائه وهي من الضمانات المهمة للموظف العام ومن ثم فإنه في ليبيا تباشر الجهة
الإدارية التحقيق مع الموظف إما بنفسها أو عن طريق قسم التحقيق بهيئة الرقابة
الإدارية، كما أن لهذا الأخير أن يباشر التحقيق مع الموظف في المخالفات المالية
والإدارية التي تكشف عنها التحريات التي يجريها أو ما يتلقاه من شكاوى الأفراد
والهيئات التي يثبت الفحص جديتها، على أنه يلتزم في هذه الحالة بإخطار الوزير
المختص أو رئيس الوحدة الإدارية التي يتبعها الموظف وذلك قبل البدء في التحقيق.)
وإذا
أخطرت هيئة الرقابة الإدارية الوحدة الإدارية بالتحقيق مع الموظف أو باشر التحقيق
بناءً على طلبها امتنع عليها التحقيق ما لم تطلب الهيئة منها مباشرته كلياً أو
جزئياً، أما إذا كانت الوحدة الإدارية قد بدأت في التحقيق قبل الإخطار المشار إليه
فللهيئة أن تكتفي بهذا التحقيق أو أن تباشر التحقيق مستقلاً أو بالتعاون مع الوحدة
الإدارية.
كما
أن القانون رقم 20 لسنة 2013 بشأن إنشاء هيئة الرقابة الإدارية يمنح السلطة
المكلفة بالتحقيق مع الموظف في المادة 35 منه صلاحيات واسعة حيث لها استدعاء
الموظف المتهم والشهود من العاملين بالدولة وغيرهم وسماع أقوالهم بعد حلف اليمين
،كما لها بأن تستعين بذوي الخبرة كلما اقتضت الحاجة لذلك ،كما تنص المادة 38 من
القانون المذكور على أنه " لا يجوز لأعضاء الهيئة دون إذن من النيابة العامة
تفتيش أماكن العمل وغيرها مما يستعمله الموظفون المنسوبة إليهم المخالفات إلا بعد
الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة إذا كانت هناك مبررات قوية تدعو إلى اتخاذ
هذا الإجراء وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية ..." كما أن المادة 31 من ذات القانون تنص على أنه
يجوز للجهة القائمة بالتحقيق أن توقف الموظف عن عمله احتياطيا إذا اقتضت المصلحة
العامة أو مصلحة التحقيق ذلك، ولا يجوز أن تزيد مدة التوقيف عن ثلاثة أشهر إلا
بقرار من السلطة المختصة بالتأديب.
وأياً
كانت الجهة التي تباشر مهمة التحقيق فإن عليها أن تعلم بأن التحقيق الإداري
كالتحقيق الجنائي يجب أن يشتمل على مجموعة إجراءات منها جمع الأدلة والقرائن
المثبتة لموضوع المخالفة، والإثبات ،وأراء أهل الخبرة وغير ذلك من الأدلة ومن
الواجب أيضاً ألا يتعرض الموظف أثناء التحقيق لأي ضغط من المحقق الذي عليه أن
يتحلى بالحياد التام، وأن يقتصر دوره فقط على توجيه الأسئلة وإثبات إجابة المتهم عنها
كما صدرت عنه دون تدخل من المحقق بإضافة أو نقصان، وإذا كانت الغاية من التحقيق هي
الوصول إلى الحقيقة فلا يجوز أن يسلك المحقق للوصول إليها طرق خداع المتهم بالكذب
عليه ،لما في ذلك من تأثير على إرادته واختياره لما يبديه من أقوال دون تضليل).
عليه
فإن إجراءات التحقيق مع الموظف تكمن في إحالته على التحقيق من قبل الجهة المختصة،
ثم بعد هذه الإحالة تباشر الجهة المخولة بالتحقيق قانوناً إجراءات التحقيق وذلك من
خلال سماع أقوال الموظف المتهم وكتابتها في محضر التحقيق، وفي مقابل هذه الصلاحيات
يتمتع الموظف بمجموعة من الضمانات الشكلية والموضوعية وهو ما سيتم دراستها في
الفقرة المقبلة من هذا البحث.
ضمانات
الموظف العام أثناء التحقيق الإداري:
من
أجل إظهار الحقيقة وتحقيق عدالة المساءلة التأديبية وعدالة العقوبة على إثرها أحاط
المشرع الليبي الموظف المعرض للمساءلة التأديبية بعدد من الضمانات يتوجب على
السلطة مراعاتها، وفي حالة إهمال تلك الضمانات أو عدم احترامها فإن القرار
التأديبي الذي يتمخض عن التحقيق الإداري يكون مشوباً بالعيب ومعرضاً للإبطال،
وتتمثل هذه الضمانات في الضمانات الشكلية والموضوعية أثناء التحقيق الإداري، وبهذا
سيتم تقسيم هذا المطلب إلى فرعين على النحو الآتي:
الضمانات
الشكلية للتحقيق الإداري:
إن
أهم ما يتطلبه التحقيق الإداري حتى يكون قانونياً ويبنى على قرارات سليمة أن يكون
وفق الإجراء الشكلي الذي قرره المشرع الذي يجب اتخاذه في صدد التحقيق الإداري،
ولعل من أهم الضمانات الشكلية ضرورة الحصول على إذن من الجهة التي ينتمي إليها
الموظف، وكذلك كتابة التحقيق الإداري بمعنى يجب أن يكون التحقيق الإداري مكتوباً
وهو ما سيتم تناوله في هذه الفقرة على النحو التالي:
الحصول
على إذن لإجراء التحقيق:
الإذن
المسبق أو الموافقة المسبقة هي بمثابة إذن من الجهة التي ينتمي إليها الأشخاص
المطلوب التحقيق معهم، حتى تقدر مدى جدية الاتهام، كي لا تلوث سمعة هؤلاء الأشخاص
وحتى لا تعرضهم للعقاب عن أداء مهامهم لمجرد شبهات أو افتراءات.
ويجب
أن يصدر الإذن بإجراء التحقيق مع الموظف المتهم من الجهة المختصة بذلك ،فعندما
يرتكب الموظف المخالفة التأديبية يصدر إذن التحقيق حياله في العادة من الجهة
الإدارية التي يتبعها الموظف ،فالمسلم به فقهاً وقضاءً أن هذه الجهة هي صاحبة الحق
الأصيل في التحقيق معه، فالتأديب هو فرع من السلطة الرئاسية ،وعلى هذا فلها الحق
في الأمر بإجراء التحقيق فيما هو منسوب إلى الموظف، وذلك بأن تعهد به إلى أحد
رؤسائه أو إلى لجنة مشكلة من مجموعة من الموظفين، أو أن تترك الأمر إلى الإدارة
القانونية بالجهة الإدارية نفسها لتباشر عملية التحقيق مع الموظف.
والتحقيق
كما هو مسلم به في الفقه والقضاء عبارة عن وسيلة تستخدمها الإدارة من أجل الكشف عن
الحقيقة، فهو إجراء أولي ليس غاية في حد ذاته وإنما يمهد لمرحلة أخرى، ومع ذلك
فإنه قد يرتب بعض الآثار ذات الخطورة على الحياة الوظيفية للموظف بما يلزم عنه
توفير قدر من الضمانات وتحقيق الاطمئنان للموظف حتى يتأهب للدفاع عن نفسه ويدرأ ما
هو موجه إليه من تهم.
وبالرغم
من أن المشرع الليبي لم يحدد في القانون رقم 12 لسنة 2010 بشأن علاقات العمل
السلطة المختصة بإصدار أمر التحقيق إلا أن ذلك بطبيعة العمل الإداري والتدرج
الرئاسي منوط بالرئيس الإداري المختص، فقد يكون الوكيل أو الوزير، أو رئيس المصلحة
أو الهيئة أو المؤسسة، أو من يفوض بذلك بحسب الأحوال فالأمر يرجع إلى السلطة
التقديرية للإدارة فقد ترى إحالة الموظف المتهم إلى التحقيق أو قد تقرر العفو عنه.
وبمجرد
صدور إذن التحقيق في حق الموظف المتهم من الجهة المختصة تباشر إجراءات التحقيق معه،
فصدور إذن التحقيق أمر ضروري وجوهري بالنسبة للتحقيق فقد رأينا عند دراستنا
لإجراءات التحقيق كيف يتم إحالة الموظف المتهم على التحقيق ومن يقوم بهذا الإجراء
،وبالتالي لا بد أن تتم كافة هذه الإجراءات وفق القانون بحيث يتم إحالة الموظف على
التحقيق وصدور الإذن بذلك من الجهة التي يحددها القانون وإلا فإنه سيكون هناك عيب
شكلي في التحقيق قد يترتب عليه بطلان التحقيق بالكامل وعليه فإن الحصول على إذن
التحقيق يعد ضمانة شكلية جوهرية للموظف يجب أخذها في الاعتبار عند التحقيق معه.
كتابة
التحقيق:
يعد
استيفاء الشكل الكتابي للتحقيق ضمانة مهمة للموظف العام عند التحقيق معه فيما هو
منسوب إليه، ولا يوجد ما يوجب إفراغ التحقيق التأديبي في شكل معين، وكل ما ينبغي
ملاحظته هو أن يتم التحقيق في الأصول العامة وبمراعاة الضمانات الأساسية التي تقوم
عليها حكمته بحيث يجب أن تتوفر فيه ضمانات السلامة والحيدة والاستقصاء لصالح
الحقيقة، وأن تكفل به حماية الموظف تحقيقاً للعدالة؛ لذلك تعد كتابة التحقيق من
أهم الضمانات الشكلية في التحقيق التأديبي.
ويرجع
السبب في نشوء مبدأ التدوين في التحقيق التأديبي إلى الحاجة لإثبات حصول الإجراءات
والظروف التي اتخذ فيها الأثر الذي ترتب عليه بشكل واضح ومحدد، والكتابة هي التي
تقوم بهذا الدور، كما يرجع السبب أيضاً في أهمية كتابة التحقيق إلى أن الغاية منه
ليست كامنة في ذاته وإنما بعرض إجراءاته ونتائجها بعد الفراغ منها على السلطة
المختصة بإصدار الحكم أو القرار بالفصل في الدعوى ويقتضي بداهة إثبات الإجراءات في
محاضر يتكون منها ملف الدعوى الذي يعرض فيما بعد على سلطة إصدار القرار.
والمشرع
الليبي في القانون رقم 12 لسنة 2010 بشأن علاقات العمل نص في المادة 156 على ضرورة
كتابة التحقيق حيث تنص هذه المادة على أنه " لا يجوز توقيع عقوبة على الموظف
إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ومع ذلك يجوز للأمين المختص
أو للكاتب العام أو لرئيس المصلحة أو مدير الإدارة عند توقيع عقوبة الإنذار أو
الخصم من المرتب أن يجري التحقيق مع الموظف شفاهه، على أن يثبت مضمونه في القرار
الصادر بتوقيع العقوبة"...
يستفاد
من النص السابق أن الأصل العام هو أن يكون التحقيق مع الموظف في القانون الليبي
مكتوباً أي: أنه يجب على الجهة القائمة بالتحقيق أن تقوم بكتابة التحقيق وبالتالي
فإن شرط الكتابة أمر ضروري في التحقيق حسب نص القانون فالنص واضح وصريح وعليه فإنه
لا اجتهاد مع صراحة النص، فالجهة التي تخالف شرط الكتابة يكون قرارها معيباً وقد
يشوبه البطلان لمخالفته نص واضح وصريح، إلا أن المشرع الليبي وفي المادة ذاتها قد
استثنى شرط الكتابة في حالات معينة وسمح بأن يكون التحقيق مع الموظف شفاهه، وهذه الحالات هي بالنسبة للمخالفات البسيطة
التي لا تستحق إلا عقوبتين خفيفتين كما هو مشار إليهما في النص وهما عقوبتا
الإنذار أو الخصم من المرتب ،وفيما عدا ذلك فلا يجوز لأية جهة أن تقوم بالتحقيق
دون كتابة وإلا فإنها ستكون قد خالفت صريح القانون.
التحقيق
الشفهي أمر غير مرغوب فيه لما يترتب عليه من إهدار لضمانات التحقيق في بعض الحالات
حتى لو تعلق الأمر ببعض العقوبات التي تعد بسيطة، فيجب عدم التقليل من هذه
العقوبات وذلك بالاكتفاء فيها بالتحقيق الشفوي، فتلك العقوبات وإن لم تصل للقدر
الكبير من الجسامة إلا أن لها تأثيرا أدبيا ومعنويا على الموظف فضلاً، عما تخلفه
من تأثير في الترقية.
واستناداً
إلى ما تقدم فإن شرط الكتابة في التحقيق شرط جوهري وأساسي في القانون الليبي وهو
ما تضمنته التشريعات التي تعالج الإجراءات المتعلقة بفرض العقوبات التأديبية، كذلك
عدت قاعدة وجوب كتابة التحقيق من القواعد الأساسية المتعلقة بالنظام العام لورودها
في نص صريح، كما أنها متعلقة بحق الموظف في تدوين وتسجيل كل ما نسب إليه من
مخالفات لكي تكون تحت نظر الجهات المختصة بالفصل فيها، ولكي لا تضيع معالم الظروف
والملابسات التي يجري التحقيق في ظلها وتكون حجة للموظف أو عليه.
كما
تكمن أهمية كتابة التحقيق في وضع التحقيقات التي يبنى عليها قرار العقوبة
التأديبية تحت نظر المحكمة المختصة لكي تستطيع ممارسة رقابتها على هذا القرار
ولذلك عدت التشريعات هذا التدوين إجراءً جوهرياً وواجباً على جهة الإدارة ويترتب
على مخالفته البطلان.
الضمانات
الموضوعية للتحقيق الإداري:
هناك
العديد من الضمانات الموضوعية التي يجب أن يتمتع بها الموظف أثناء التحقيق الإداري
معه فيجب أن يواجه المتهم بالتهم المنسوب إليه وذلك لكي يتسنى له الدفاع باعتبار
أن حق الدفاع يعد من أهم الضمانات الموضوعية للموظف العام ،ومن الضمانات الموضوعية أيضا ً حياد المحقق
وهو أمر بديهي حيث يجب أن يكون المحقق على حياد أثناء مباشرته للتحقيق، كما أنه
يجب أن تتناسب العقوبة التأديبية مع المخالفة الإدارية المرتكبة بحيث لا تكون
العقوبة مبالغا فيها بالمقارنة مع ما ارتكب من خطأ إداري وهو أمر يتطلب تسبيب
القرار الإداري بفرض العقوبة التأديبية.
كل
ما تقدم يعد من الضمانات الموضوعية للتحقيق الإداري، وسنقوم في هذه الفقرة بدراسة
حق مواجهة الموظف المتهم بالتهم المنسوبة إليه لكي يتمكن من الدفاع عن نفسه وهذه
الأخيرة تمثل ضمانة أخرى للموظف المتهم، وعليه سنكتفي بدراسة هاتين الضمانتين
تباعاً نظراً لأهميتهما العملية في التحقيق الإداري وذلك على النحو التالي:
مواجهة
الموظف بالتهم المنسوبة إليه:
تعني
المواجهة إحاطة الموظف المتهم علماً بما نسُب إليه من تهم لكي يتمكن من إعداد
دفاعه وتفنيد التهم المنسوبة إليه ،ويجب أن يمهل وقتاً كافياً ليقدم ملاحظاته، كما
يجب إطلاع صاحب الشأن اطلاعا كاملاً على أوراق الملف كافة وليس فقط الاتهامات
الموجهة إليه) ( ، وتعد إحاطة المتهم
بالتهم المنسوبة إليه من المفترضات الأساسية لحق الدفاع إذ يتعين إحاطته علماً
بسائر الإجراءات المتخذة ضده والادعاءات المسندة إليه وبما يدعمها من أدلة كي
يتسنى له الرد عليها مع منحه مدة كافية لإعداد دفاعه؛ لأن بعض أوجه الدفاع تتطلب
إعداداً دقيقا ً، والمهلة التي تمنح للموظف المتهم من الأمور التقديرية للمحقق.
والإدارة
ملزمة قانوناً عند صدور قرار الإحالة للتحقيق إبــــلاغ الموظف بقرار المخالفات
المنسوبة إليه ،وهذا ما أكده القضاء الإداري الليبي حيث قضت المحكمة العليا
الليبية " بأن التحقيق والتأديب الإداري له أصول وضوابط تمليها قاعدة أساسية
هي ضرورة تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان والأمان للموظف موضوع المساءلة الإدارية
فلا تجوز مساءلته إلا بعد تحقيق تكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح
وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه
وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى
الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع وهو أمر تقتضيه العدالة
والأصول العامة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة للنص عليه
")
كما
أن القانون الليبي ينص في المادة 156 من القانون رقم 12 لسنة 2010 السابق الإشارة
إليه على أنه " لا يجوز توقيع عقوبة على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابة
وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ..." وبالتالي يكون القضاء والقانون في ليبيا
متفقين على ضرورة مواجهة الموظف المتهم بالتهم المنسوبة إليه وذلك حتى يتمكن هذا
الموظف من إعداد دفاعه والرد على التهم المنسوبة إليه بما يحقق العدالة الإدارية
والأمان الوظيفي، وحق الدفاع هو ما سيتم تناوله في الفقرة المقبلة.
تمكين الموظف المتهم من الدفاع عن نفسه:
يعد
حق الدفاع عنصراً أساسياً لمبدأ وجوب سلامة الإجراءات قانوناً وضماناً لتحقيق
العدل، فالدفاع حق طبيعي معترف به لكل متهم؛ لأنه يتعلق بالمبادئ العليا التي تقوم
عليها العدالة فإن معظم الدول تحرص على النص عليه صراحة في قوانينها الأساسية.
فحق
الدفاع من الضمانات المقررة للموظف والذي يتمثل في ضرورة إخطار الموظف بما هو
منسوب إليه من أفعال وإفساح المجال أمامه لتقديم دفوعه واعترافاته إما شفوياً وإما
كتابياً وذلك لدحض ما هو منسوب إليه وتقديم دليل براءته، ويعد حق الدفاع أيضاً من
الضمانات الأساسية التي يلجأ إليها الموظفون للحد من السلطات الرئاسية المطلقة
وخشية التعسف في استعمال الحق التأديبي في مواجهتهم.
فلا
تستهدف ضمانة الدفاع تحقيق مصلحة خاصة بالمتهم فحسب بل يتعدى ذلك إلى تحقيق
المصلحة للمجتمع ككل بإظهار الحقائق وكفالة العدالة منها باعتباره من حقوق الإنسان
الطبيعية والنابعة من روح القانون والعدالة وكفلته الدساتير والشرائع المختلفة
ولهذا الحق أهمية على المستوى العالمي فقد نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الصادر سنة 1948 وذلك في المادة) 1 -11 ( والتي أكدت على أن " كل شخص متهم
بريء إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له الضمانات الضرورية للدفاع
عنه" ونجد أن هذا الحق بارز أيضاً في القانون الليبي وذلك حسب ما نصت عليه
المادة 156 من القانون رقم 12 لسنة 2010 والمشار إليها سابقا حيث تنص على أنه
" لا يجوز توقيع عقوبة على الموظف إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله
وتحقيق دفاعه ..." ،والإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه يجعل التحقيق مشوباً
بالقصور ويترتب عليه بطلان الجزاء الموقع من قبل السلطة التأديبية.
وتعود
أهمية كفالة حق الدفاع في الإجراءات التأديبية السابقة للمحاكمة كون تلك الإجراءات
التي يغلب عليها الطابع الإداري وهيمنة الإدارة على تلك الإجراءات وهو ما يفتح
الباب واسعاً لاحتمالات التعسف وإساءة استعمال السلطة، وعلى هذا النحو تبدو الحاجة
ملحة إلى كفالة حق الدفاع في تلك الإجراءات على اعتبار أن هذه الإجراءات مهمة في
تقرير مسار الدعوى التأديبية وترك الموظف دون غطاء دفاعي في تلك المرحلة بحجة
تمكينه من الدفاع في المراحل النهائية قد يتسبب بالإضرار بالموظف على اعتبار أن
مرحلة المحاكمة قد تكون بعيدة واستمرار الإجراءات التأديبية وما تشكله من عبء نفسي
على الموظف قد يسبب له مضاعفات سيئة في مركزه الوظيفي.
ختاماً
: يعتبر التحقيق الإداري إجراءً جوهرياً تلجأ إليه الإدارة لكشف الحقائق وتحديد
الموظف المخالف الذي ارتكب مخالفة تأديبية تستوجب فرض العقوبة التأديبية عليه،
وهذا الإجراء ينطوي على جانبين مهمين الأول: أنه وسيلة لكشف الحقيقة والثاني:
تتمثل
في كون التحقيق الإداري ضمانة أساسية من ضمانات خضوع الموظف للمساءلة التأديبية
،فهو من جانب الإدارة وسيلة للإثبات، ومن جانب الموظف ضمانة من ضمانات تحقيق
دفاعه؛ ولذلك نجد أن معظم الأنظمة الوظيفية ومنها النظام الوظيفي الليبي تضع قواعد
وأصول لتنظيم هذا الإجراء بشكل يحقق فاعليته المزدوجة كوسيلة للإثبات من جانب
ووسيلة للدفاع من جانب آخر، ويترتب على الإخلال بهذه القواعد بطلان إجراءات
التحقيق والآثار والنتائج المترتبة عليه ونظراً للآثار والنتائج المترتبة على
التحقيق الإداري والمتمثلة بتعريض الموظف المخالف لمخاطر فرض عقوبة تأديبية ذات
أثار معنوية ومالية فإن القائم بالتحقيق يفترض أن يكون مؤهلاً ومن ذوي الخبرة في
مجال القانون والتحقيق الإداري لضمان تطبيق هذه الإجراءات بطرق شفافة ومحايدة.
ولا يعد التحقيق الإداري إجراءً بوليسياً يرُاد
منه ترهيب الموظف والنيل من سمعته والحط من كرامته، بل هو إجراء يرُاد به الكشف عن
الحقيقة بشأن الموظف الذي ارتكب المخافة التأديبية، كما يعد التحقيق الإداري أداة
قانونية من شأنها تحقيق التوازن بين المصلحة العامة التي تهدف للوصول إلى الحقيقة
بشأن الوقائع المنسوبة للموظف، وبين حماية الموظف المخالف من خلال منحه حرية
الدفاع عن نفسه مع إحاطته بالعديد من الضمانات التي تمكنه من ذلك وتكفل له عدالة
المساءلة التأديبية.
من
خلال هذه النتائج التي تم التوصل إليها نوصي بالآتي:
1-
عدم إجازة أية عقوبة على الموظف مهما كانت بسيطة دون أن يكون هناك تحقيق إداري
نزيه تتوفر فيه كافة الضمانات القانونية للموظف المشتبه به.
2-
على كافة الجهات الإدارية في الدولة الليبية تشكيل لجان دائمة للتحقيق في
المخالفات المالية والإدارية التي قد تحدث داخل هذه الجهات.
3-
إعطاء الصلاحية القانونية للجنة التحقيق لطلب أي مستند من كافة الجهات العامة
والخاصة طالما أن هذا المستند متعلق بالتحقيق الإداري، وإلزام كافة هذه الجهات
بالتعاون مع لجنة التحقيق وفرض جزاء محدد على الجهة الممتنعة عن تسليم هذه الوثائق
للجنة التحقيق.
المراجع
د.
عياد رجب شويكات، سبتمبر/2021، التحقيق الإداري كضمانة للموظف العام في التشريع
الليبي، كلية القانون والعلوم السياسية جامعة غريان.
أمل
المرشدي ،24.5.2023، بحث ودراسة حول التحقيق الإداري، موقع استشارات قانونية