يتسبب
ارتفاع درجات الحرارة في أضرار جسيمة للبنية التحتية العالمية التي تشمل شبكات
المواصلات ونقل الكهرباء وخطوط السكك الحديدية.
في
المقابل، فإنّ تأثيرات ارتفاع الحرارة في صحة الإنسان والنظم البيئية وغلات المحاصيل
أصبحت معروفة جيدًا.
وسواء
كانت البنية التحتية تتعرض لحرارة مقدارها 40 درجة مئوية في صيف المملكة العربية السعودية، أو لبرد سيبيريا،
حيث تصل الحرارة إلى ناقص 20 درجة مئوية، فإنها مبنيّة لتتحمّل الظروف
البيئية والمناخية المحلية، حسب مقال اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها
واشنطن).
ووقعت
السنوات الـ10 الأكثر دفئًا في السجل التاريخي بالعقد
الماضي بين عامَي 2014 و 2023، وكان شهر يوليو/ 2024 الأكثر سخونة على الإطلاق منذ أن بدأت
السجلات العالمية في عام 1850.
درجات
الحرارة
بالنظر
إلى تجاوز درجات الحرارة الحدود المحتملة، تواجه البنية التحتية العالمية مخاطر
متتالية من التلف والتعطل على نطاق واسع، حسبما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
وتمّ
بناء الكثير من أنظمة البنية التحتية على أساس مناخ الماضي، إذ تواجه المجتمعات في
جميع أنحاء العالم حرارة قياسية فاقت الحدود المحتملة"، حسبما قالت رئيسة
المرونة المناخية الأميركية لدى شركة الاستشارات العالمية بورو هابولد، سابرينا
بورنشتاين.
وأضافت
بورنشتاين: "يمكن أن يشمل ضرر ارتفاع درجات الحرارة سيارات النقل العام وخطوط
السكك الحديدية الساخنة جدًا وانقطاع التيار الكهربائي بسبب الطلب المتزايد على
التبريد خلال أحداث الحرارة الشديدة"، حسبما نشره موقع إنرجي مونيتور، المعني
بالتحول العالمي للطاقة النظيفة.
اسباب
الكارثة
يؤكد
رئيس دائرة المناخ في مصلحة الأرصاد الجوية، أن درجات الحرارة الحالية التي يشهدها
العالم تتجاوز المعدلات الطبيعية، موضحا أن هذه الظاهرة تحدث بشكل دوري كل عشر
سنوات تقريبا.
وان
هذا الارتفاع إلى تضافر عوامل عدة، على رأسها "التغيرات المناخية الناتجة عن
الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري، وهو ما يزيد من تركيز الغازات الدفيئة
في الغلاف الجوي ويؤدي إلى احتباس الحرارة وارتفاع درجة حرارة الكوكب".
أما
العامل الثاني فيتمثل، في "أنظمة الضغط الجوي التي تؤدي إلى تغير في أنماط
الرياح وتوزيع الأمطار، مما يؤثر مباشرة على درجات الحرارة"، مشيرا إلى تأثير
ظاهرة النينو، "التي تتمثل في ارتفاع غير طبيعي لدرجة حرارة سطح المحيط الهادئ
الاستوائي، على الأنظمة الجوية العالمية".
موجة
الحر تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم.
أن
ظاهرة النينو "تؤدي إلى تغييرات في أنماط الرياح والتيارات البحرية، مما يؤثر
على توزيع الأمطار ودرجات الحرارة في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك منطقة
حوض البحر المتوسط، حيث تؤثر على حركة الرياح الغربية وجلب الأمطار إليها".
ويضيف
أن النينو يمكن أن "تسبب جفافا في بعض المناطق وفيضانات في مناطق أخرى، كما
يمكن أن تؤدي إلى زيادة في تواتر وشدة العواصف"، ويلفت إلى أن "التيار
النفاث يلعب دوراً هاماً في جلب المنخفضات الجوية إلى المنطقة، مما يساهم في
ارتفاع درجات الحرارة وزيادة سرعة الرياح خلال فصل الصيف الحالي".
أما
العامل الثالث فيتمثل بالنشاط الشمسي، "حيث تشهد الشمس حالياً فترة ذروة في
نشاطها، مما يزيد من الرياح الشمسية التي تصل إلى الغلاف الجوي للأرض وتساهم في
ارتفاع درجة حرارته".
وأن
"التقاء هذه العوامل الثلاثة هذا العام أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات
الحرارة خلال فصل الصيف الحالي مقارنة بالأعوام السابقة، إلا أنه توقع أن تهدأ هذه
الظروف تدريجياً مع تراجع النشاط الشمسي والانتقال إلى ظاهرة لا نينا، الظاهرة
العكسية للنينو، والتي ستؤثر على أنماط الطقس العالمية".
من
جانبه يحذّر رئيس حزب البيئة العالمي، من خطورة التغير المناخي الذي وصل إليه
كوكبنا، مرجعاً السبب الرئيسي لهذه التغيرات المناخية إلى "الأنشطة البشرية،
مثل إزالة الغابات واستخدام الوقود الأحفوري بكثافة. كما أوضح أن النشاطات
العسكرية تلعب دوراً كبيراً في تغيير أنماط المناخ، إذ تؤدي الانفجارات
والانبعاثات الناتجة عن الحروب إلى ارتفاع حرارة طبقات الجو العليا وتغيير مسارات
التيارات الهوائية".
و
أن "التوازن الطبيعي بين الكتل الهوائية الباردة والحارة اختل تماماً لصالح الكتل
الحارة التي باتت تهيمن على المناخ العالمي، وهذا التغير الجذري أدى ارتفاع حاد في
درجات الحرارة".
ويشدد
على أن التقسيم التقليدي للفصول أصبح أمراً من الماضي، حيث "بتنا أمام فصل
صيف طويل وحار جداً وشتاء طويل وقاس جداً".
تغيرات
"قاتلة"
توقعت
المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن "يكون متوسط درجة الحرارة العالمية
القريبة من السطح لكل عام بين عامي 2024 و2028 أعلى من خط أساس الفترة بين عامي 1850-1900 بمتوسط يتراوح بين 1.1 و1.9 درجة مئوية".
وأشارت
المنظمة في تقرير أصدرته في يونيو الماضي، إلى أنه من المرجح بنسبة 86% أن تسجل سنة واحدة على الأقل من هذه السنوات رقماً قياسياً
جديداً في درجات الحرارة، متجاوزة بذلك عام 2023 الذي يعد حالياً أكثر الأعوام دفئاً.
ويضيف
التقرير أن هناك احتمالاً بنسبة 47% أن يتجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية
خلال فترة السنوات الخمس 2024-2028 مستوى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 32% مقارنة بتقرير العام الماضي للفترة 2023-2027.
"تؤدي
زيادة درجة حرارة المحيطات، وهي نتيجة مباشرة لتغير المناخ، إلى زيادة حدة وشدة
العواصف الاستوائية". وتواصل درجات حرارة المحيطات تسجيل أرقام قياسية جديدة
خلال عام 2024، لتؤكد استمرار الاتجاه السائد منذ عام 2023، إذ تتجاوز درجات الحرارة الأرقام القياسية السابقة بفارق كبير،
وفقا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في أبريل الماضي.
تداعيات
مأساوية
يؤثر
تغير المناخ بشكل كبير على حياة الإنسان، إذ يتسبب كما يشير فهيم "في خسائر
اقتصادية فادحة، ويؤثر سلباً على الصحة العامة، ويضع ضغوطاً متزايدة على الموارد
الطبيعية".
ويشرح
"على سبيل المثال، يشهد قطاع الزراعة اضطرابات كبيرة بسبب تغير المناخ، إذ
تتسبب التقلبات المناخية في تقلب الإنتاج الزراعي، مما يؤثر على الإنتاجية وسبل
عيش المزارعين، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها في بعض المناطق.
بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الكوارث الطبيعية المتكررة، مثل الفيضانات والجفاف، في
تدمير البنية التحتية وتشريد السكان، مما يزيد من حدة الأزمات الإنسانية
والاقتصادية".
أدى
ارتفاع حرارة الكوكب إلى ذوبان الأنهار الجليدية وتآكل الصفائح الجليدية، مما يزيد
من الضغط على القشرة الأرضية ويرفع من خطر حدوث الزلازل والانفجارات البركانية.
كما يؤثر هذا الذوبان بشكل كبير على أنماط هطول الأمطار، مما يزيد من حدة الجفاف
ومن الظواهر الجوية المتطرفة كالأعاصير والفيضانات وموجات الحر".
ولا
تقتصر تداعيات هذه الظاهرة على البيئة الطبيعية فحسب، بل تمتد كما يقول كامل،
لتشمل المجتمعات البشرية "فارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن ذوبان الجليد
يهدد المدن الساحلية بالفيضانات، كما يتسبب في فقدان التنوع البيولوجي، حيث تواجه
العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية خطر الانقراض نتيجة لتغير موائلها
الطبيعية".
ويؤدي
تراجع الإنتاج الزراعي إلى "انعدام الأمن الغذائي وارتفاع أسعار المواد
الغذائية، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في العديد من المناطق".
إضافة
إلى ذلك، "تسهم موجات الحر في زيادة حالات الإجهاد الحراري والأمراض المرتبطة
بالحرارة، مما يضع ضغطاً إضافياً على النظم الصحية".
خطوات
إنقاذية
يشكل
ارتفاع درجات الحرارة العالمية تحدياً كبيراً للبشرية. وتتطلب معالجة تغير المناخ،
كما يؤكد فهيم، "جهوداً مشتركة على الأصعدة كافة: وطنياً، إقليمياً،
وعالمياً، مع مشاركة فعالة من الأفراد".
ويقول
فيهم "تقع على عاتق الدول الصناعية الكبرى مسؤولية تاريخية لدعم الدول
النامية التي تأثرت بشكل أكبر بالتغير المناخي، رغم مساهمتها المحدودة في انبعاثات
الغازات الدفيئة. يتطلب ذلك تقديم التزامات مالية سخية لتمويل مشاريع التكيف
والبنية التحتية، مع التركيز على قطاعات حيوية مثل الزراعة وإدارة الموارد
المائية".
ويشدد
على "أهمية الاستثمار في مشاريع تعويض المياه، "نظراً لأثر الجفاف
المتزايد على المنطقة العربية. وتتطلب هذه المشاريع استثمارات ضخمة، لكنها ضرورية
لضمان الأمن المائي للأجيال القادمة".
وعلى
المستوى الفردي، "تلعب التوعية والتثقيف دوراً حاسماً في مواجهة التغير
المناخي، حيث يجب تعزيز الوعي بالمخاطر الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وتشجيع
تبني سلوكيات صديقة للبيئة. كما يجب الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر لحماية
المجتمعات من الكوارث المرتبطة بالمناخ".
كذلك
مواجهة تحديات ارتفاع درجات الحرارة، تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وشاملة من قبل
الدول العظمى من بينها "الانتقال إلى الطاقة المتجددة، حماية الغابات، وتعزيز
الزراعة المستدامة التي تقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزز صحة التربة، ونشر
الوعي حول تغير المناخ وأهمية الإجراءات الفردية والجماعية للحد من
تأثيراته".
ويحذّر
من أن "عدم معالجة أسباب التغير المناخي قد يؤدي إلى تحولات جذرية في كوكبنا
بحلول عام 2100، معتبراً أن بلوغ عام 2050دون حدوث كارثة بيئية سيكون بمثابة
معجزة".
موجات
الحرارة تهدد الطاقة الشمسية في أوروبا.. لماذا؟
وأشار
المؤسس المشارك لشركة الاستشارات العالمية "جي إتش دي أدفايزوري إيميا"،
ستيف سكوت، أن "البنية التحتية القديمة تُعدّ الأكثر عرضة للحرارة الشديدة في
جميع أنحاء العالم، ففي ظل البنية التحتية المترابطة، يمكن أن يكون لتعطُّل واحد
تأثير واسع النطاق".
من
ناحية ثانية، يمكن أن تؤدي درجات الحرارة القياسية إلى زيادة مخاطر حدوث حرائق
الغابات وموجات الجفاف، فعلى سبيل المثال، في عام 2023، احترقت 9.5 مليون هكتار من الأراضي في كندا وحدها بحلول
شهر يوليو.
وقالت
بورنشتاين: "يمكن أن تتعرض جميع الأضرار التي لحقت بالإسكان والمطارات
الساحلية والأرصفة وخطوط السكك الحديدية لخسائر من هذا الضرر الذي يؤثّر مباشرةً
في الاقتصادات".
لذلك،
يصبح من غير المرجّح أن يستثمر المستثمرون من القطاع الخاص في المرافق والأعمال
التي تبدو عرضة لتغير المناخ.
بدورها،
فإنّ شركات التأمين تعمل على تغيير أقساط التأمين لديها للتكيف مع أنماط المخاطر
الجديدة، الأمر الذي يخلق حالة من الضبابية في العديد من قطاعات السوق.
وأشارت
بورنشتاين إلى أن هذه التأثيرات تمتد إلى النظام المالي، ما يهدد عائدات الشركات
ويزيد من احتمالات التخلّف عن السداد، ومن ثم فإن دعم القطاع العام يُعدّ بالغ
الأهمية".
تأثُّر
البنية التحتية للكهرباء والاتصالات
تتعرض
شبكات الكهرباء، خلال موجات الحر، لضغوط هائلة، وتتسبب في ارتفاع استهلاك الكهرباء،
إذ سجلت مقاطعة سيتشوان الصينية رقمًا قياسيًا قدره 68 غيغاواط من استهلاك الكهرباء في عام 2024، وهو أعلى بنسبة 13% من ذروة العام السابق في أغسطس/آب من هذا
العام.
ويؤثّر
ارتفاع درجات الحرارة في إنتاج الكهرباء، ويمكن أن يقلل من كفاءة إنتاج الألواح
الشمسية بنسبة 25-10%، ففي عام 2018، خفضت طاقة محطة نووية سويسرية إنتاجها بنسبة 10%، بسبب ارتفاع درجات الحرارة في النهر الذي يبرّد المفاعل.
معلومة
صادمة.. كفاءة الألواح الشمسية تنخفض بسبب الحرارة المرتفعة من جهتها، تستثمر
زامبيا، التي تعتمد بنسبة 85% على الطاقة الكهرومائية، حاليًا، في محطة
فحم جديدة، بعد أن تسببت موجات الجفاف المتكررة في ترك المدن دون كهرباء.
ومن
المتوقع أن تنخفض القدرة الاستيعابية لكابلات الطاقة الكهربائية بنسبة تصل إلى 6%، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بحلول منتصف القرن، حتى مع زيادة
أحمال الذروة في فصل الصيف بنسبة تصل إلى 15%.
وتتمتع
مراكز البيانات، التي تشكّل أساس البنية التحتية العالمية قيد التشغيل، بدرجات
حرارة ثابتة يجري الحفاظ عليها بوساطة أنظمة التبريد.
تلف
البنية التحتية للنقل
تواجه
جميع البنية التحتية للنقل مخاطر التلف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إذ يوضح المؤسس
المشارك لشركة الاستشارات جي إتش دي أدفايزوري إيميا، ستيف سكوت: "يتمدد
الإسفلت الخرساني ويلين وسط درجات الحرارة المرتفعة، ويؤدي إلى الانحناء
والتشقق".
وتواجه
السكك الحديدية مخاطر كبيرة من التمدد المعدني الحراري، الذي يؤدي إلى أعطال تشغيلية
بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وانحناء القضبان، وحتى ترهُّل خطوط الكهرباء العلوية،
وفقًا لسكوت.
مراكز
البيانات والسيارات الكهربائية تقودان ارتفاع الطلب على الكهرباء في أميركا
(تقرير)
وأدت موجة الحر في عام 2022 التي سجلت درجات حرارة أعلى من 40 درجة مئوية في المملكة المتحدة إلى إتلاف مدارج المطارات، وتسببت في حرائق على جانب خطوط نقل الكهرباء وانحناء الطرق وانقطاع التيار الكهربائي، وتعليق عمل بعض مسارات القطارات.
المراجع
_ نوار
صبح، 5/9/2024, ارتفاع درجات
الحرارة يهدد البنية التحتية العالمية.. وقطاع الكهرباء أكبر المتضررين (تقرير)،
موقع الطاقة.
_ اسرار
شبارو، 7/8/2024، الكارثة التي
تهدد الحياة على الأرض.. ماذا تفعل موجات الحر بالعالم؟، موقع الحرة.