بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان
حيز التنفيذ، باتت الأنظار تتجه نحو غزة، حيث أبدت حركة حماس استعدادها للتوصل إلى
هدنة تشمل صفقة لتبادل الأسرى، بشرط التزام إسرائيل.
هذه التصريحات تزامنت مع حراك دولي تقوده إدارة
الرئيس الأميركي جو بايدن بهدف التهدئة في غزة مما يثير تساؤلات حول إمكانية نجاح جهود
الوساطة في ظل التعقيدات الميدانية والسياسية.
رادار ناقش آفاق هذه التطورات مع أستاذ العلوم السياسية
في جامعة الأمة بغزة، الدكتور حسام الدجني والمحاضر في أكاديمية الجليل الغربي الدكتور
موشيه إلعاد، والباحث في السياسة الخارجية، جوردان شاكتيل.
غزة بين مبادرات التهدئة وخيارات التصعيد
النقاش بدأ بالسؤال عن أسباب انفتاح حماس غير المسبوق
على التهدئة، رغم استمرار العمليات العسكرية حيث أرجع الدجني هذا التوجه إلى قراءة
حماس للمشهد الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى أن نجاح اتفاق لبنان دفع الحركة إلى التفكير
بمرونة أكبر.
وأكد أن المطالب الفلسطينية تركز على رفع الحصار
وإعادة الإعمار، معتبرًا أن التفاوض لا يعني التنازل عن الثوابت، بل محاولة لإنهاء
الإبادة الجماعية التي يواجهها القطاع.
فوقف إطلاق النار في لبنان ليس بالضرورة تمهيداً
لوقف مشابه في غزة، إذ أن غزة مختلفة، فالحرب فيها تتعلق بأكثر من مجرد أمن الحدود
أو الرهائن الإسرائيليين
هي أيضاً مسألة انتقام، تتعلق ببقاء بنيامين نتنياهو
السياسي، ورفض حكومته المطلق لطموحات الفلسطينيين لتحقيق استقلالهم
الآن، وقف إطلاق النار في لبنان هش ومُتباطئ بشكل
متعمد، لمنح مزيد من الوقت لتحقيق الأهداف وعندما تنتهي مدو الـ 60 يوماً التي من المفترض
أن ينسحب خلالها الجيش الإسرائيلي من لبنان سيكون دونالد ترامب قد عاد إلى المكتب البيضاوي،
وقد أشار الرئيس المنتخب إلى أنه يريد وقف إطلاق نار في لبنان، لكن خططه لم تتضح بعد.
إسرائيل والموقف من الهدنة
من جانبه، رأى موشيه إلعاد أن إسرائيل قد تكون مستعدة
للتفاوض مع حماس، ولكن بشروط واضحة منها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
وأشار إلى أن الضغوط الداخلية على رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو تدفع نحو إنهاء الأزمة، لكنه شدد على أن إسرائيل لن تقبل بأي صيغة
تمنح حماس دورًا مستقبليًا في حكم غزة.
فقد انتقل النقاش إلى جوردن شاكتل، الذي تحدث عن
الدافع وراء تكثيف إدارة بايدن جهودها للتوصل إلى هدنة في غزة وأشار إلى أن الإدارة
تسعى لاستثمار ما تبقى لها من وقت قبل تسليم السلطة لدونالد ترامب الذي يُتوقع أن يتبنى
مقاربة أكثر صرامة تجاه حماس.
وأكد شاكتيل أن بايدن يحاول استغلال الزخم الناتج
عن نجاح هدنة لبنان لإحراز تقدم مماثل في غزة، لكنه أشار إلى أن إسرائيل قد تتردد في
تقديم تنازلات قبل تغيير الإدارة في واشنطن.
قيادة حماس بين الداخل والخارج
تطرق النقاش إلى الانقسامات داخل قيادة حماس، إذ
أكد الدجني أن الحركة تعمل بمؤسسة تنظيمية موحدة نافياً تأثير الخلافات الداخلية على
قرارها.
وأوضح أن قيادة الداخل، التي تعاني من وطأة الحرب،
هي الأكثر حماسة للتوصل إلى هدنة، لكن ليس بأي ثمن.
في المقابل، رأى إلعاد أن الانقسامات داخل حماس
قد تعرقل أي تقدم نحو التهدئة، مشيرًا إلى أن قيادات الخارج، مثل خالد مشعل، تفتقر
إلى الصلاحيات الميدانية، مما يزيد من تعقيد المفاوضات.
وحول استعداد إسرائيل وحماس لمرحلة ما بعد الحرب،
أشار إلعاد إلى أن إسرائيل بحاجة إلى شريك فلسطيني بديل لحماس لإدارة غزة، مقترحًا
تشكيل ائتلاف يضم شخصيات فلسطينية معتدلة.
في المقابل، أكد الدجني أن استبعاد حماس من المعادلة
السياسية يُعد قفزة في الهواء، مشيرًا إلى أن الانتخابات الفلسطينية المقبلة ستحدد
الدور الذي ستلعبه الحركة، سواء كفصيل أول أو ثاني.
الموقف الدولي والإقليمي
من جهته، أشار جوردن شاكتيل إلى أن إدارة ترامب
القادمة ستدعم إسرائيل بقوة، مشددًا على أن واشنطن لن تقبل بأي صيغة تُبقي حماس في
السلطة.
وأضاف أن هناك ديناميكية جديدة تتشكل في المنطقة،
مع تراجع الدعم لحماس من بعض الدول الإقليمية مما قد يعيد تشكيل ميزان القوى.
وحول إمكانية تحقيق تهدئة مستدامة في غزة، في ظل
استمرار الاستقطاب السياسي والميداني. أكد الضيوف أن الحل يعتمد على توازن المصالح
بين الأطراف المختلفة، مشيرين إلى أن التهدئة تتطلب جهودًا دولية وإقليمية مكثفة لتحقيق
الاستقرار.
الناس يعودون إلى مدينة صور في لبنان بعد دخول وقف
إطلاق النار حيز التنفيذ.
منطقة الشرق الأوسط تنتظر كيف سيكون تأثير وقف إطلاق
النار، بعض المتفائلين يأملون أن يخلق خلق لحظة مماثلة للزيارة الاستثنائية التي قام
بها الرئيس نيكسون إلى الصين في عام 1972، من خلال أن يتمّ التقارب مع إيران.
في المقابل، يخشى المتشائمون من أن وقف إطلاق النار
قد يكون سبباً للتخلي عن التقدير الشكلي الذي تبديه الولايات المتحدة تجاه فكرة إنشاء
دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل – ما يُعرف بحل الدولتين، وهذا قد يمهد الطريق
لضم أراض فلسطينية محتلة لإسرائيل، بما في ذلك أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وشمال
غزة.
المؤكد هو أنه لا توجد فرصة للشرق الأوسط للهروب
من أجيال من الحرب والموت، ما لم يتمّ حل الانقسامات السياسية الأساسية في المنطقة،
وأكبر هذه الانقسامات هو الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.
يعتقد بنيامين نتنياهو وحكومته وعدد الإسرائيليين،
أنه من الممكن فرض السيطرة على أعدائهم من خلال السعي لتحقيق انتصار عسكري، ويستخدم
رئيس الوزراء الإسرائيلي القوة دون قيود من الولايات المتحدة لتغيير ميزان القوى في
الشرق الأوسط لصالح إسرائيل.
وفي صراع دام لأكثر من قرن، حاولت أجيال من العرب
واليهود تحقيق السلام من خلال الحل العسكري وأخفقت، والعواقب الكارثية لهجمات السابع
من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أثبتت أنه لا يمكن إدارة الصراع بينما تواصل إسرائيل رفض
حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وقف إطلاق النار في لبنان هو مجرد هدنة، وليس حلاً.
المصدر: سكاي نيوز لربية
التاريخ : 28/11/2024
-----------------------------------
المصدر: بي بي سي نيوز
الكاتب : جيرمي بوين
التاريخ : 28/11/2024