الاتحاد الأوروبي والهجـرة غير الشرعيَّة: قضايا وتحديات الجزء الثاني
فرع القاهرة

ثانيا- آليَّاتُ الاتحاد الأوروبي في مُكافحة الهجرة غير الشـرعيَّة

إنَّ أغلب دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تتعاملُ مع قضية الهجرة غير الشرعية كمسألة أمنية بالدرجة الأولى، لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر قضية الهجرة من أهم القضايا التي تشكل خطرا على الاستقرار الأمني والسياسي لدول الاتحاد؛ نظرا للعلاقة المُحتملة بين الإرهاب والمُهاجرين، حيثُ أصبح من الاحتمالات الواردة وُجُود أعضاء جماعات إرهابية بين المُهاجرين، ولذلك ركز الاتحاد الأوروبي اهتمامه بشكل أساسي على ضرورة وقف توافد المهاجرين غير الشرعيين إلى الشواطئ الأوروبية بآليات عديدة معظمها يركز على الجوانب الأمنية بالدرجة الأولى، ومن تلك الآليـات :

إنشاء الهيئاتُ المُختصَّة (تشكيل قوات الأوروفـواس وإنشاء وكالة فرونتكس):

  تشكيل قوات الأوروفـواس: وهي عبارة عن قوة خاصة يُمكنها التدخُّل برًا وبحرا لاعتباراتٍ أمنيَّةٍ وإنسانيَّةٍ، تُقرِّرُها القيادةُ العامَّةُ لهذه القُوَّات التي تشكَّلت عام 1996 بقرار من الدول الأوروبية الأربع المُطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط: (فرنسا – إيطاليا – البرتغال – إسبانيا) ، وهي تتشكَّلُ من قوَّاتٍ بريَّة (euro – force) ، وقوَّاتٍ بحريَّةٍ (euro – mar – force) ، مُهِمَّتُها حماية أمن واستقرار الحُدُود الجنُوبيَّة الأوروبيَّة. وفي عام 2002 شكلت أوروبا قوات التدخل السريع.

 * إنشاء وكالة فرونتكس: هي هيئة مستقلة متخصصة مكلفة بتنسيق التعاون العملياتي بين الدول الأعضاء في ميدان حماية الحدود border security تعرف باسم frontex، أنشأها الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2004 في إطار تشديد الحراسة على الحدود الأوروبية للحد من الهجرة غير الشرعية ، وقد ركزت الوكالة على تدفق المُهاجرين بين شمال إفريقيا وإيطاليا ومالطا

الإجراءات الأمنية الأوروبية لمكافحة الهجرة غير الشرعـيــة:

اتخذ الاتحاد الأوروبي العديد من الإجراءات الأمنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، منها: تشديد الحراسة الأمنية على الحدود الأوروبية، وبناء جدار حدودي يصل ارتفاعه إلى ستة أمتار مجهز بالكاميرات، والصور الحرارية، و رادارات للمسافات البعيدة، وأجهزة للرؤية في الظلام بالأشعة تحت الحمراء، وكذلك إطلاق قمر صناعي أطلق عليه اسم شبكة "فرس البحر" لمُراقبة عمليات الهجرة غير الشرعية، وهي شبكة سريعة لمُراقبة البحر تسمح بتوزيع المعلومات حول تدفق المُهاجرين .

الجانب الاتفاقي في مكافحة الهجرة غير الشرعية: بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية السابقة، فقد قام الاتحاد بإبرام وعقد اتفاقيات تتعلق بإعادة أي شخص دخل إلى أراضي دولة أخرى بطريقة غير قانونية، وأيضا تبنت دول الاتحاد الأوروبي سياسة التعاون المشترك مع دول الشمال الإفريقي، عبر إبرام اتفاقيات ثنائية وأخرى جماعية منها على سبيل المثال:

الاتفاقية المبرمة بين ليبيا وإيطاليا: عقدت بطرابلس 2007 وبموجبها تقوم ليبيا وإيطاليا بتنظيم دوريات بحرية بعدد ست قطع بحرية إيطالية، ويوجد على متنها طواقم مشتركة من البلدين لغرض أعمال التدريب والتكوين والمساعدة الفنية على استخدام وصيانة هذه الوحدات البحرية على عمليات المراقبة والإنقاذ سواء في المياه الإقليمية الليبية أو الدولية.

الاتفاقية المبرمة بين تونس وإيطاليا: تقضي بتزويد إيطاليا لتونس بالمعدات والأجهزة والزوارق السريعة، وعقد دورات تدريبية سنوية لأفراد الشرطة المتخصصين في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مع وضع نظام تبادل للمعلومات بين البلدين.

اتفاقية إسبانيا والمغرب: هي مذكرة تفاهم وقعت في عام 2003 للحد من الهجرة غير الشرعية، بموجب هذه الاتفاقية يسمح لـ 200 عامل موسمي من المغرب بالعمل في أسبانيا لمدة تزيد على تسعة أشهر، وهي تعد نموذجا للاتفاقيات الناجحة في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وخلال السنوات الماضية واصل الاتحاد الأوروبي تعاونه مع الشركاء الخارجيين لإدارة ضغوط الهجرة من خلال نهج شامل متأصل في تعددية الأطراف. شملت أهداف الأنشطة المنفذة في إطار البعد الخارجي لسياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي منع الهجرة غير النظامية؛ وتعزيز التعاون مع البلدان المعنية في عمليات الإعادة، والسماح بدخول البلاد مجددًا؛ ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة من خلال تحسين الفرص في بلدان المنشأ، وزيادة الاستثمارات في البلدان الشريكة؛ وضمان مسارات قانونية إلى أوروبا لمن هم بحاجة إلى حماية دولية .

ومع توقف إصلاح سياسة اللجوء المشتركة، في سبتمبر 2020، اقترحت المفوضية الأوروبية ميثاقًا جديدًا بشأن الهجرة واللجوء، والذي يحدد إجراءات أسرع في جميع أنحاء نظام اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي، ويتضمن مراجعة "لوائح دبلن"، ويُوفِّرُ خياراتٍ جديدة لكيفيَّة إظهار الدُّول الأعضاء التَّضامُن.

وفي هذا الجانب أيضا: دعت المفوضة الأوروبية للشئون الداخلية إيلفا جوهانسون في 20 نوفمبر2020، الدول الأوروبية إلى إعادة المزيد من الأجانب الموجودين في وضع غير قانوني إلى بلدانهم الأصلية تجنبا لتأجيج "الشعبوية".وأفادت جوهانسون خلال جلسة استماع أمام لجنة الشئون الأوروبية، أن عمليات الإعادة يجب أن تمر عبر مضاعفة "الاتفاقات حتى تستعيد بلدان المنشأ رعاياها الذين لا يعيشون في وضع قانوني" في الاتحاد الأوروبي .

كما أشارت المفوضة الأوروبية التي عرضت ميثاق الهجرة الجديد في بروكسل، إلى أنه يمكن للمفوضية أن تجعل شروط منح التأشيرات أكثر مرونة على مستوى "تعاون" الدول مع اتفاقات إعادة القبول

جديرٌ بالذِّكر أنَّ "الميثاق الأورُوبيَّ الجديد للهجرة واللجُوء"، كان مُنتظرا بشدَّةٍ، وأُرْجِئَ الإعلانُ عنهُ أكثر منْ مرَّةٍ.ويهدفُ هذا التَّعديلُ المُثيرُ للجدل على سياسة الهجرة، إلى وضع "آليَّة تضامُنٍ إلزاميَّةٍ" بين الدُّول الأورُوبيَّة في حال وُجُود عددٍ كبيرٍ من المُهاجرين، وإرسال منْ رُفضت طلباتُ لُجُوئهم إلى بُلدانهم الأصليَّة.وبانت أولى بوادر الإصلاح الذي استهدف سياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، وتجسَّدت بتشديد عمليَّات إعادة المُهاجرين غير القانونيين، وتعزيز المُراقبة على الحُدُود الخارجيَّة وتسريع آليَّات طلبات اللجُوء.وتلقَّت الدُّولُ المعنيَّةُ هذا الإصلاح بتحفُّظٍ، فيما رأت مُنظَّماتٌ غير حُكُوميَّة أنَّهُ تنازُلٌ للحُكُومات المُناهضة للهجـرة .

إنَّ كُلَّ هذه السِّياسات والمبادرات والاستراتيجيَّات الأورُوبيَّة التي تُوجَّهُ نحو مُشكلة الهجرة غير القانونية تدُلُّ على خُطُورة وحساسيَّة هذه المُشكلة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأنها تظل دائما في مقدمة المشكلات والقضايا التي تشكل هاجسا للتفكير الأوروبي في منطقة البحر المتوسط، ورغم كثرة مضامين هذه السياسات ومحاولة الحد من الهجرة غير الشرعية من خلالها، إلا أن هذه المشكلة لا تزال تشكل تحديا لدول الاتحاد برمته، وتتطلب بذل مزيد من الجهود الجماعية لمُجابتها.

ختـاماً :

إن أوروبا اليوم أصبحت تعيش مأزقا حقيقيا؛ إزاء أفواج المهاجرين التي تأتي إليها بطرق غير شرعية، وخصوصا عبر البحر المتوسط، وهي محكومة في هذه المواجهة باعتبارات قد تكون متناقضة، فهي تحت الضغط الاقتصادي في حاجة إلى شرائح معينة من المهاجرين، وكذلك بسبب حاجتها إلى تجديد شبابها بعد ارتفاع نسبة المسنين، لكنها في الوقت نفسه تخشى لعدم رغبة هؤلاء المهاجرين في الاندماج– أن تتحول مناطق المهاجرين إلى بؤر للعنف والإرهاب وعدم الاستقـرار.

ولذلك، فإن غالبية المشروعات الأوروبية التي طرحت لمكافحة الهجرة غير الشرعية مرتبطة بالأمن الأوروبي، فالدول الأوروبية تسعى لإيقاف المد المُتزايد من المُهاجرين غير الشرعيين بوضع العديد من الاستراتيجيات والآليات الأمنية من أجل المُحافظة على أمنها، مما سبق يتضح أن الحلول التي يقدمها الاتحاد الأوروبي تقوم– بالدرجة الأولى- على الحلول الأمنية، وهذه الحلول غير عمليَّة؛ لكونها تُهملُ الأسباب والظروف المُحيطة بموضُوع الهجرة غير الشرعية، فالأسباب الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وغيرها..، كلها أسباب قد تقـود إلى الهجرة غير الشرعية.

لذلك، فإن الحد من هذه المشكلة المعقدة يستلزم العمل في اتجاهين مُتوازيين، الأول: سياسات الاتحاد الأوروبي للحد من المشكلة في ضوء خبرته الطويلة في مواجهتها طيلة العقود الماضية، والثاني: عدم إغفال دول المصدر والمعبر فيما يتعلق برصد المعطيات الاقتصادية والسياسية فيها، ومحاولة العمل على دعم الإصلاحات الشاملة في هذه المجالات، بشكل مدروس، يكون هدفه الرئيسي هو توفير بيئة جيدة للعيش الإنساني في تلك الدول النامية، في سبيل التخفيف من خطورة مشكلة الهجرة غير الشرعية، وتخفيف الخسائر البشرية والمادية على الجميع.وهذه الإجراءات وغيرها ربما تساعد على تخفيف الهجرة من بلدان جنوب المتوسط إلى بلدان شماله.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : صحيفة السياسة الدولية

الكاتب : خالد خميس السحاتي

بتاريخ : 1/4/2024





المقالات الأخيرة