أسعار الوقود النووي ترتفع عالميًا
فرع بنغازي

تشهد أسعار الوقود النووي فورة عالمية؛ ما يهدّد بكبح الانتعاشة التي بدأت تشهدها صناعة الطاقة النووية مؤخرًا، مع تدافع العديد من الدول عليها - مجددًا- لتوليد الكهرباء النظيفة، تحوطًا من التقلبات في سوق الطاقة العالمية.

ويدق الارتفاع في أسعار ذلك الوقود الذي لا غنى عنه لتشغيل المحطات النووية جرس إنذار لدى الدول الغربية التي تعاني نقصًا في المنشآت اللازمة لتحويل أكسيد اليورانيوم المعروف بـ"الكعكة الصفراء" إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم، تمهيدًا لتخصيبه واستعماله وقودًا في المفاعلات لتوليد الطاقة.

وتتنامى التحديات التي تواجه الغرب بشأن توفير إمدادات اليورانيوم منذ الحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ تُعد موسكو أكبر مورد لليورانيوم المخصب للبرامج النووية المدنية في العالم، مع استئثارها بما يزيد على 40% من سعة التخصيب العالمية.

حيث قفزت أسعار اليورانيوم 12% خلال ‏شهر أغسطس/ 2024 وحده، لتصل إلى 65.50 دولارًا للرطل، وهي النسبة الأعلى منذ ‏عام 2011، أي قبل كارثة انفجار محطة فوكوشيما النووية في اليابان.

جنون الأسعار

ارتفعت أسعار الوقود النووي المُستعمَل في المفاعلات النووية بوتيرة أسرع من أسعار اليورانيوم الخام منذ بداية عام 2022، في علامةٍ على التحديات المتراكمة لدى الغرب في هذا الخصوص، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.

وزادت أسعار اليورانيوم المخصب 3 مرات، لتصل إلى 176 دولارًا لكل وحدة عمل فصل إس إم يو (SWU) -المقياس المعياري للجهد اللازم لفصل نظائر اليورانيوم- منذ بداية عام 2022، وفق مزود البيانات يو إكس سي (UxC).

وجاء الطلب على اليورانيوم مدفوعًا -أساسًا- بإعادة إحياء الطاقة النووية التي كانت قد شهدت انتكاسةً في أعقاب كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني.

ومع ذلك تؤدي روسيا دورًا مفصليًا في العملية متعددة المراحل الخاصة بتحويل اليورانيوم المعدن إلى وقودٍ صالح لتشغيل الوقود النووي.

وتشتمل تلك العملية على تحويل مُرَكَّز أكسيد اليورانيوم -الكعكة الصفراء- إلى غاز سداسي فلوريد اليورانيوم، وتخصيبه لزيادة تركيز نوع اليورانيوم المُستعمَل في الانشطار، ثم تحويل اليورانيوم المخصب إلى حبيبات تدخل في المفاعلات.

وقفزت أسعار غاز سداسي فلوريد اليورانيوم 4 أضعاف، لتصل إلى 68 دولارًا لكل كيلوغرام، خلال المدة ذاتها؛ ما يوضح أن التحويل يبقى هو العقبة الكبرى في سلسلة إمدادات الوقود النووي، بحسب فايننشال تايمز.

وفي المقابل ارتفعت أسعار اليورانيوم بواقع الضعف فقط، وفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصصة.

ضغوط الإمدادات

قال الرئيس التنفيذي لشركة "يو إكس سي" جوناثان هينزي، إن "التحويل وأسعار التخصيب تعكس ضغوطًا أكبر بكثير على الإمدادات نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وعوامل أخرى".

وأضاف هينزي: "اليورانيوم وحده لا يُخبِر القصة بأكملها فيما يتعلق بآثار الأسعار في سلسلة إمدادات الوقود النووي"، في تصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتهيمن روسيا على ما نسبته 22% من سعة تحويل اليورانيوم عالميًا، و44% من سعة التخصيب.

لكن أضحت تلك الخدمات معلقة في بعض المنشآت المتخصصة الغربية في أعقاب الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على اليورانيوم الروسي، على الرغم من السماح بالإعفاءات حتى نهاية عام 2027.

وتبرز فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والصين بلدانًا أخرى إلى جانب روسيا، التي تمتلك منشآت ضخمة لتحويل اليورانيوم.

وقالت الإدارة الأميركية، إنها تراقب من كثب إذا كانت واردات اليورانيوم من الصين تتيح بابًا خلفيًا للمواد الروسية، بعد ارتفاع الصادرات في مايو/ 2024حينما دخل الحظر الأميركي حيز التنفيذ.

ودأبت بريطانيا على الإسهام في السعة التحويلية العالمية عبر منشأة سبرينغفيلدز (Springfields)، غير أن خدمات التحويل تلك توقفت في عام 2014، في حين واجه مصنع فرنسا تأخيرات في الوصول إلى السعة الكاملة.

قيود سوق التحويل

قال المدير المالي في شركة كاميكو (Cameco)، ثاني أكبر مُنتِج لليورانيوم في العالم، غرانت إسحاق: "سوق التحويل مقيدة جدًا لسبب بسيط، وهو أن المنشآت الحالية تخضع لأعمال الصيانة".

وأوضح: "بسبب التأخيرات في الحصول على سعة إنتاج كاملة من منشآت التحويل في العالم الغربي، ستكون لأنشطة التحويل تلك آثار قوية جدًا خلال المدة القليلة المقبلة".

وبينما من المرجح أن تحقق أسعار الوقود النووي المرتفعة ربحيةً لشركات الطاقة، تبقى القضية الكبرى متمثلة في التأكد من أن هناك استثمارات كافية في قطاعات المناجم، والتحويل والتخصيب، بهدف تلبية الطلب من جراء تمديد العمر التشغيلي للمفاعلات وكذلك الجديدة.

وتبدي شركات الوقود النووي أمثال أورانو (Orano) الفرنسية وأورينكو (Urenco) متعددة الجنسيات، التزامًا بتعزيز سعة تخصيب اليورانيوم، لكن أيًا منها لم يلتزم -حتى الآن- ببناء سعة تحويل جديدة في الغرب.

وفي هذا الصدد قال الرئيس التنفيذي لشركة أورانو نيكولاس ماييس، إن الاستثمارات اللازمة في أنشطة تحويل اليورانيوم وتخصيبه، كانت ضخمة، مقارنةً بحجم الشركات ذات الصلة.

وقارن ماييس الإيرادات السنوية التي حققتها أورانو، وتبلغ قرابة 5 مليارات يورو (6 مليارات دولار أميركي)، بالمبلغ المطلوب اللازم لتوسيع سعة أنشطة التخصيب لديها، والبالغة قيمته 1.7 مليار يورو (2 مليار دولار) في جنوب فرنسا، بأكثر من 30%.

معضلة "الدجاجة والبيضة"

قال مدير الوقود النووي والمحلل في مؤسسة ساثرن نيوكلير (Southern Nuclear)، المشغلة لـ8 محطات طاقة نووية في الولايات المتحدة، جوناثان تشافرز، إن المنشآت وموردي الوقود النووي غير مستعدين لرهانات كبيرة نتيجة معضلة "الدجاجة والبيضة".

وأوضح تشافرز أن مشغلي محطات الطاقة يترددون في توقيع اتفاقيات توريد طويلة الأجل ما لم تُبنَ المنشآت؛ ما يضفي يقينًا بشأن أوقات التسليم المتوقعة للوقود النووي.

دفعت زيادة أسعار الوقود النووي المنتجين إلى زيادة أنشطتهم في مناجم اليورانيوم بل وإعادة تشغيل المناجم المهجورة.

دفعت زيادة أسعار الوقود النووي المنتجين إلى زيادة أنشطتهم في مناجم اليورانيوم بل وإعادة تشغيل المناجم المهجورة. وكانت وكالة بلومبرغ للأنباء قد ذكرت في وقت سابق أن خمسة منتجين أمريكيين على الأقل يحيون مناجم في ولايات منها وايومنج وتكساس وأريزونا ويوتا، حيث كان الإنتاج مزدهرا حتى تحول موقف حكومات ضد اليورانيوم في أعقاب كارثة محطة فوكوشيما النووية عام 2011 في اليابان.

نشاط مريب بمناجم اليورانيوم المهجورة

ووفقا للتقارير، فإنه في الوقت الراهن، ومع تحول حكومات إلى الطاقة النووية لتلبية أهداف الحد من الانبعاثات، وسعي كبار منتجي اليورانيوم لتلبية الطلب، فإن أسعار اليورانيوم بدأت في الارتفاع ، وهذا يمنح عمليات تعدين اليورانيوم التي لم تكن مربحة في السابق فرصة لسد فجوة في العرض.

أعلى مستويات الأسعار

ووصلت أسعار اليورانيوم قبل نحو شهر إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من 16 عامًا بسبب موجة شراء ناجمة عن تسليط أكبر شركة تعدين للوقود النووي في العالم الضوء على مخاطر الإنتاج.

وقالت شركة كازاتومبروم الكازاخستانية في وقت سابق الشهر الماضي إنها قد تخفض خطة الإنتاج لعام 2024 بسبب الصعوبات المتعلقة بتوافر حمض الكبريتيك اللازم لإنتاج اليورانيوم.

واكتسبت أسعار أكسيد اليورانيوم، التي تعرضت لضغوط لسنوات بعد حادث فوكوشيما الذي أدى إلى تضرر الطلب، زخما في أغسطس/ عام 2021 عندما أدت الاضطرابات الناجمة عن عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا إلى التأثير على الإمدادات.

وقد ارتفعت الأسعار منذ ذلك الحين بنسبة 250%، وارتفعت بنسبة 15% الشهر الماضي لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ نوفمبر/ 2007 عند 106 دولارات للرطل.

 

 

ارتفاع الطلب على اليورانيوم

وجاءت الزيادة في الأسعار في الوقت الذي تعهدت فيه 24 دولة، من بينها الولايات المتحدة واليابان وكندا وبريطانيا وفرنسا، الشهر الماضي في دبي، خلال المؤتمر الـ28 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، COP28، بمضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050.

وارتفع الطلب علي اليورانيوم في السنوات الأخيرة، مدفوعة بتجدد الاهتمام الحكومي بالطاقة النووية المنخفضة الكربون حيث تعمل الدول الغربية على إطالة عمر محطاتها النووية، حيث أعلنت شركة آي دي إف في المملكة المتحدة عن خطط لتأجيل إغلاق أربع مفاعلات، بينما تقوم الصين ودول أخرى ببناء مفاعلات جديدة وفقا لتقرير صحيفة فايننشال تايمز .

وتهدف حكومة المملكة المتحدة أيضًا إلى توسيع القدرة النووية من خلال العمل على إنشاء محطات نووية جديدة.

ويشكل اليورانيوم نسبة صغيرة من التكلفة الإجمالية للطاقة النووية نظرا لارتفاع تكلفة بناء المفاعلات، وهذا يعني أن اهتمام المرافق أقل بشأن السعر وأكثر اهتماما بتوافر الوقود النووي.

 وقال نيك لوسون، الرئيس التنفيذي لدار أوشن وول الاستثمارية آنه "لا يوجد حاليًا أي رطل من اليورانيوم للبيع حيث إن المنتجين هم المشترون، في إشارة إلى شركات التعدين التي تشتري إمدادات اليورانيوم للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالإمدادات.

وتعد كازاخستان القوة العالمية لإنتاج اليورانيوم، حيث تنتج 43 في المائة من الإمدادات بشكل رئيسي من خلال شركة كازاتومبروم - التي يملك صندوق الثروة السيادية الحكومي الأغلبية فيها - وشركائها في المشاريع المشتركة، لكن المرافق الغربية لديها مخاوف متزايدة من وقوع إمداداتها تحت مجال روسيا والصين.

اهتمام صيني

ولا تزال الصين تقود بناء محطات نووية عالمية مع خطط لمضاعفة قدرتها تقريبًا إلى 100 غيغاواط بحلول نهاية هذا العقد. ويوجد في الدولة الآسيوية 22 من أصل 58 مصنعًا يتم بناؤها في جميع أنحاء العالم وفقا لتقرير ماينج.

ومن الممكن أن يؤثر التشريع الأخير في الولايات المتحدة الخاص بخفض اعتمادها على روسيا، التي تزودها بأكثر من خمس احتياجاتها من اليورانيوم أيضاً على أسعار اليورانيوم، وأقر الكونغرس مشروع قانون في شهر ديسمبر الماضي يلزم الولايات المتحدة بالحصول على جزء من وقودها النووي محلياً. ويدعو مشروع القانون إلى توفير 20 طنًا من وقود اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لتشغيل معظم المفاعلات المتقدمة في البلاد ليأتي من مصادر محلية بحلول نهاية عام 2027.

وقال توم برايس، محلل شركة ليبروم إنه بعد عقد من السكون، عاد اليورانيوم إلى الحياة فجأة في منتصف عام 2021، مرتفعًا عن الحد الأقصى الطويل الأمد عند 30 دولارًا للرطل، والذي يصادف أيضًا أنه التكلفة الهامشية لإنتاج المناجم في الصناعة العالمية".

وقال بنك أوف أمريكا وبنك بيرنبرغ في مذكرات بحثية منفصلة إن استمرار نقص الإمدادات في سوق اليورانيوم قد يدفع الأسعار إلى ما يزيد عن 100 دولار في الأيام المقبلة.






المراجع

_ ياسمين السيد، 4/3/2024، نحو طفرة الوقود النووي، العين الاخبارية.

_ محمد عبدالسند، 22/9/2024، أسعار الوقود النووي ترتفع عالميًا.. وتحدي "الكعكة الصفراء" يُعجِز الغرب، موقع الطاقة.

المقالات الأخيرة