مضت دول غرب إفريقيا قدماً
في خططها لتدخل عسكري محتمل في النيجر عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد رغم
أنها لم تفقد الأمل في حل سلمي للأزمة.
وقرر قادة الجماعة الاقتصادية
لدول غرب إفريقيا (إكواس) نشر "القوة الاحتياطية" التابعة للمنظمة لإعادة
النظام الدستوري في النيجر "في أقرب وقت"، وفق ما أعلنت المنظمة ورئيس ساحل
العاج الحسن واتارا.
ولم تحدد "إيكواس"
في قمتها في أبوجا أي جدول زمني أو عديد العسكريين الذين يشكلون هذه "القوة الاحتياطية"،
مع تشديدها أنها لا تزال تأمل التوصل إلى حل سلمي للأزمة. لكن الحسن واتارا صرح لوكالة
فرانس برس عند عودته إلى أبيدجان مساء الخميس أن المنظمة منحت الضوء الأخضر من أجل
"بدء العملية في أقرب وقت ممكن".
وأشار إلى أن ساحل العاج
ستساهم بـ"كتيبة" من 850 إلى 1100 عنصر، إلى جانب نيجيريا وبنين خصوصاً،
وأن "دولاً أخرى" ستشارك أيضاً في قوة التدخل. وشدّد على أن "الانقلابيين
يمكنهم أن يقرروا المغادرة صباح الغد ولن يكون هناك تدخل عسكري، كل شيء يعتمد عليهم"،
مردفاً "نحن مصممون على إعادة الرئيس بازوم إلى وظيفته".
تهديدات الإيكواس
ولا يعد هذا التهديد الأول
الذي تطلقه إيكواس التي تضم 15 دولة، إذ أصدرت تهديدات سابقة وقامت بتنفيذ وعيدها حيث
أرسلت عام 2017 قوات إلى غامبيا عندما رفض رئيس البلاد آنذاك يحيى جامح التنحي بعد
خسارته الانتخابات.
فعلى وقع احتشاد 7000 عنصر من قوات إيكواس بقيادة السنغال على حدود
غامبيا، وافق جامع على الخروج من البلاد والعيش في المنفى بدولة غينيا الاستوائية.
ولا يزال حوالى 2500 جندي من السنغال وغانا ومالي وتوغو ونيجيريا يشاركون فى عمليات
حفظ السلام فى غامبيا.
كذلك تمتلك إيكواس قوة
عسكرية تتمركز في غينيا بيساو، حيث أعادت نشر حوالي 600 جندي من نيجيريا والسنغال وساحل
العاج وغانا في أعقاب محاولة انقلاب شهدتها البلاد في فبراير/ شباط العام الماضي. وكانت
إيكواس قد شكلت قوة حفظ سلام لإعادة الحكم المُنتخب في ليبيريا وسيراليون، فيما نشرت
قوات في ساحل العاج عام 2003.
ما هي فرص نجاح التدخل
العسكري؟
ويعتقد خبراء أن أي تدخل
عسكري من قبل إيكواس في النيجر سيكون مختلفا عن العملية العسكرية التي قادتها في غامبيا،
لأن الأخيرة تعد أصغر دولة غير جزرية في أفريقيا ولا تمتلك جيشا قويا. في حين أن النيجر
تعد بلدا كبير المساحة يقع في قلب منطقة الساحل ويمتلك جيشها خبرة في القتال وحصل على
تدريبات من الجيش الأمريكي الذي ينشر 1100 جندي في النيجر فضلا عنتمركز حوالي 1500
جندي فرنسي.
ومن هنا يرى آرثر بانجا،
الخبير الإيفواري في الشؤون العسكرية، أن "حجم النيجر والعدد الكبير لقوات جيشها
سوف يصعب أي تدخل عسكري، لكن في حالة الإعداد والتخطيط الجيدين، فقد يتم ذلك مع وضع
كافة الخيارات في الاعتبار."
ويضاف إلى تعقيدات المشهد،
إعلانمالي وبوركينا فاسو في بيان مشترك أن أي تدخل عسكري ضد قادة الانقلاب في النيجر
سيعتبر "إعلان حرب" ضدهما. وحذّرت سلطات مالي وبوركينا فاسو المنبثقة عن
انقلابين من أن "أي تدخل عسكري ضد النيجر سيؤدي إلى انسحابهما من المجموعة الاقتصادية
لدول غرب إفريقيا وإلى اتخاذ تدابير في إطار الدفاع المشروع لدعم الجيش والشعب في النيجر".
وشدد أوفيغوي إيغيغو على
أنه رغم ترجيحه الشروع في تدخل عسكري في النيجر، إلا أن الأمر يحمل في طياته
"مخاطرة كبيرة للغاية، إذ قد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب حقيقية".
ما هي الأسباب التي تعجل
من التدخل العسكري في النيجر؟
مع انتهاء مهلة المجموعة
الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" لقادة الانقلاب في النيجر، يلوح شبح
التدخل العسكري، الذي سينطوي على تداعيات كبيرة، في حال وقوعه، ويرى خبراء أنه رغم
ذلك ثمة أسباب عديدة تدفع للتدخل.
ويرى خبير أن هناك أسبابا
تدفع "إيكواس" ومن خلفها فرنسا للتدخل العسكري في النيجر، على الرغم من التحديات
العسكرية التي تقف حائلا أمام الأمر.
ويقول رئيس المركز المغاربي
للدراسات الاستراتيجية :
إن مجموعة "إيكواس"
تواجه تحديات حقيقية لاعتبارات عديدة، فهناك خلافات داخلية بين دول المجموعة الـ15،
فثم دول من داخل المجموعة تعارض التدخل العسكري.
نيجيريا أكبر دول المجموعة
وأقدرها عسكريا والمرجح أن تتدخل ورئيسها يملك موقفا مضادا من الانقلابات والانقلاب
في النيجر الدولة المجاورة لبلاده تحد كبير.
إن ترك الانقلاب في النيجر
وشأنه سيجعل دول المنطقة تتساقط مثل قطع الدومينو واحدة تلو الأخرى، لأننا شاهدنا انقلابا
في مالي ثم بوركينا فاسو وإلى حد ما في تشاد ثم النيجر.
صعوبات جيوسياسية:
تزيد من احتمالات التدخل العسكري لـ “إيكواس” في
النيجر
مع إغلاق نافذة الحل السلمي
والدبلوماسي في النيجر، يبدو أن التدخل العسكري هو الخيار المحتمل بشكل كبير أمام مجموعة
“الإيكواس” رغم ما يواجهه هذا الخيار من صعوبات، فقد تضاءلت فرص الحل الدبلوماسي مع
رفض السلطة العسكرية والجنرال عبد الرحمن تشياني رئيس “المجلس الوطني لحماية الوطن”،
وهو الممثل للسلطة العسكرية في النيجر إبداء أي مرونة لحل دبلوماسي للأزمة، وقد رفضت
السلطة في النيجر استقبال وفد ثلاثي يمثل مجموعة الإيكواس والاتحاد الأفريقي والأمم
المتحدة، بل أن قائد الانقلاب العسكري هناك شرع في عمل تغييرات كبيرة في الأجهزة الأمنية
والعسكرية وقام بتعيين رئيساً للوزراء، ووزراء جدد غالبيتهم من العسكريين بعد أن طالت
الاعتقالات العديد من الوزراء السابقين وأعضاء الحزب الحاكم وذلك في تحد واضح لتهديدات
الإيكواس وفرنسا بالقيام بعمل عسكري، وهو ما دفع بقيادة “إيكواس” بفرض المزيد من العقوبات
الاقتصادية وقيود علي المعاملات المالية وتجميد أصول مالية، بل وقطع إمدادات الطاقة
من نيجيريا.
حسابات التدخل العسكري:
ليست المرة الأولي التي
تدخل فيها الإيكواس عسكرياً، فقد سبق أن تدخلت الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا
خلال الحربين الأهليتين في ليبيريا وسيراليون في أوائل التسعينيات، لأسباب إنسانية،
وفي الآونة الأخيرة تدخلت إيكواس في مالي 2013 عقب انقلاب عام 2012 وانهيار النظام
واستغلت الجماعات المسلحة على الفور الانقلاب الذي أعقب ذلك للسيطرة على شمال البلاد.
وقادت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بعثة الدعم الدولية في مالي لدعم الحكومة المالية في الحرب ضد المتمردين في
عام 2013. وفي غامبيا 2017 أرسلت الإيكواس قوات إلى غامبيا عندما رفض الرئيس يحيى جامح،
الذي حكم البلاد لأكثر من عقدين، التنحي بعد خسارته في الانتخابات، وبعد أن احتشد حوالي
7000 فرد من القوة متعددة الجنسيات المدعومة من إكواس، بقيادة السنغال، على الحدود
مع غامبيا، وافق جامع بسرعة على صفقة للتنحي والنفي.
مسارات متوقعة
ما يزيد مشهد النيجر تعقيدا،
وفق مراقبين، المظاهرات المؤيدة والمستمرة للمجلس العسكري الذي قاد الانقلاب، والمناهضة
لقرار "إيكواس"، فضلا عن انقسام أعضاء المجموعة حول الخيار العسكري، وإعلان
قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تيشاني فترة انتقالية لمدة 3 سنوات وإطلاق حوار وطني
بالبلاد، مما يعني عمليا تجاوز فترة حكم بازوم، يضاف إلى ذلك التضامن العسكري من بوركينا
فاسو ومالي مع الانقلابيين، ونشرهما طائرات حربية في النيجر.
المصدر :العربية نيوز
/ تاريخ 21/8/2023
موقع DW / تاريخ 11/8/2023