أدان المجلس الأعلى لمشيخة الطرق الصوفية في ليبيا
استغلال الحملة ضد السحرة والمشعوذين بتشويه الطرق الصوفية ومنتسبيها والتهجم عليهم
وتهديدهم بحجة محاربة السحر والشعوذة ومحاولتهم تضليل الرأي العام، مؤكدا أن “أهل التصوف
هم حماة الدين وحراس العقيدة والسنة المحمدية وهم من نشر الإسلام وتعليم وتحفيظ القرآن
الكريم” في مختلف مناطق العالم عبر الزوايا الصوفية.
وأوضح المجلس الأعلى لمشيخة الطرق الصوفية أن
"المنهج الصوفي لم يخرج منه أي زنديق أو داعشي أو إرهابي واحد"، بل إن
"الدواعش خرجوا من عباءة الوهابية السلفية، وتاريخ الماضي والحاضر يشهد بجرمهم
وإرهابهم”، مشددا على أن “أتباع منهج التصوف وراءهم قبائل تحميهم ولن تسكت عن تهديدهم
والتطاول عليهم بعد اليوم”.
وسبق للجنة الوطنية لحقوق الإنسان أن طالبت مكتب
النائب العام بفتح تحقيق شامل في “تجاوزات وجرائم” وممارسات الهيئة العامة للأوقاف
والشؤون الإسلامية ومكاتبها في مدن الزاوية وتاجوراء وطرابلس المركز ودرنة وبنغازي،
حيال تجاوزاتها لصحيح القانون وقيامها بأعمال ليست من اختصاصها القانوني، وقالت إن
هيئة الأوقاف جهة مشرفة على المساجد وليست سلطة إنفاذ قانون، فهي غير مخولة بالقيام
بهذه الأعمال والممارسات المتجاوزة لاختصاصاتها ومهام عملها.
ويشير مراقبون محليون إلى أن القانون الجديد سيكون
عصا بيد التيارات المتشددة تسلطها على من يختلف معها في الرأي والعقيدة، وهو بمثابة
انتصار كبير لتلك التيارات التي تعمل على تحقيق هدفها المتمثل في السيطرة على المجتمع
بمزاعم الدفاع عن الإسلام ومحاربة الأفكار الهدامة والخارجة عن الدين والشرع.
محتوى ونصوص قانون أعمال السحر والشعوذة والكهانة
أقرّ مجلس النواب قانون تجريم أعمال السحر والشعوذة
والكهانة وما في حكمها، في جلسته المنعقدة بتاريخ 9/1/2024. وقد صدر القانون من دون
رقم ولم ينشر حتى الآن في الجريدة الرسمية وإن تمّ الإعلان عنه في موقع مجلس النواب
وقد احتوى القانون على 17 مادة صيغت بطريقة مختلفة وغريبة عن التشريع الجنائي الليبي
حيث أفردت المادة الأولى تعريفات لبعض المصطلحات المستحدثة مثل السحر الذي عرفته بالعمل المخالف للشريعة ويقصد
به التأثير في البدن والقلب والعقل باستخدام التمائم والطلاسم وغيرها. كما عرف الكهانة
بأنها ادّعاء علم الغيب ومحاولة التبصّر بما تكنّه الضمائر بأية وسيلة كانت وتدخل فيه
العرافة والتنجيم. ثم عرّف الشعوذة بأنها استعمال الحيلة أو خفّة اليد في أفعال عجيبة
يظنّها من يراها حقيقة وهي ليست كذلك لمحاولة استغلال الناس. وأخيرا عرّف الطلسم بأنه
أسماء وجمل وحروف يكتبها السحرة وتكون مجهولة المعنى.
واعتبر القانون في مادته الثانية أن أعمال السحر
والشعوذة والكهانة وما في حكمها أفعال مجرّمة معاقب عليها. ولم يكتفِ المشرّع بذلك
بل وسّع نطاق الأفعال المجرّمة حيث أضفى وصف التجريم على أفعال ادّعاء القدرة على السحر
وتعلّم السحر وتعليمه وطلب القيام بالسّحر وكذلك دعم السحرة والمشعوذين وجلبهم والتستّر
عليهم وأيضا الترويج ونشر أعمال السحر والشعوذة واستيراد أدواته وحيازتها والتحريض
على الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
ورغم عدم وضوح الجريمة التي تحدّث عنها هذا القانون
كونها ليست فعلا أو سلوكا ماديا محدّدا، إلا أن القانون تشدّد في العقوبات لتصل إلى
حدّ الإعدام في حالات عدة، علما أن القانون لم يستخدم مصطلح الإعدام (وهو المصطلح المستخدم
في التشريع الجنائي الليبي)، إنما مصطلح القتل. فقد نصّت المادة 5 على عقوبة القتل
للساحر إن تضمّن سحره كفرا أو ترتّب عليه قتل نفس مع إمكانية أن يحكم القاضي بالقتل
أوالسجن المؤبد أوالسجن لمدة لا تقلّ عن خمسة عشر عاما في غير ما ذكر في هذه المادة. بعدها انتقل القانون لمعاقبة
الكاهن بالسجن مدة لا تقلّ عن عشر سنوات وغرامة مالية لا تقلّ عن خمسين ألف دينار والمشعوذ
بالسجن مدة لا تقلّ عن ثلاث سنوات وبغرامة مالية لا تقلّ عن خمسة عشر ألف دينار. كما
وردت عقوبة السجن بمدد مختلفة وبالغرامة المالية في المواد 9/10/11/12 لجرائم تعلّم
السحر وطلب أعمال السحر ودعم السحرة وجلبهم والترويج لهم واستيراد الأدوات الخاصة بالسحر.
أهم الانتقادات الموجهه للقانون
لم يشرْ قانون العقوبات الليبي سابقا إلى جرميْ
السحر والشعوذة كجرائم خاصّة وإن كان ورد في القرار رقم 601 لسنة 1426 هجرية بشأن تنظيم
أمانة اللجنة الشعبية العامة للأمن العام ينيط بها من ضمن مهام البحث الجنائي “مكافحة
الشعوذة وضبط المخالفين وإحالتهم لجهة الإختصاص”. إلا أن هذا النصّ ألغي في 2012 بصدور
قرار 145 بشأن إعتماد الهيكل التنظيمي واختصاصات وزارة الداخلية وتنظيم جهازها الإداري.
فقد أُعيد تنظيم اختصاصات الإدارة العامة للبحث الجنائيّ في المادة 22 منه ولم يرد
ذكر الشعوذة ولا مكافحتها في تلك المادة. وهو ما أكّد عليه قرار 92 لسنة 2013 بشأن
إنشاء جهاز المباحث الجنائية. وعليه، وفق التشريعات السابقة لهذا القانون، لم يكن هناك
جريمة خاصة تحت مسمّى الشعوذة أو أعمال السحر، إنما كان يمكن أن يعاقب مرتكبها فقط
بوصفه مرتكبا لجريمة النصب والاحتيال متى اكتملت
أركانها وفقا لنص المادة 461 من قانون العقوبات.
ويمكن إيجازها فيما يلي:
أولاً: إنه يعرّف الجرائم المستحدثة بمفاهيم مطاطة
وغامضة، عدا عن أنّها تتناول أفعالا تمتّ إلى عالم الغيب أكثر مما تمتّ إلى الواقع
المعيوش.
ثانيا: إنه ينشئ (هيئة من الخبراء) يوكل لهم تقدير
تحديد مضمون الفعل المسند للمتهم من حيث ما إذا كان من قبيل السحر والشعوذة أم لا.
وهذا ما يعدّ سلبا لسلطة القضاء الموكل لهُ وحدة اختصاص الفصل فيما يعرض عليه من قضايا،
ليصبح تقدير وقوع الفعل المجرم من اختصاص هيئة غير قضائية لم يوضح القانون معايير تشكيلها
أو الخبرة المتطلّبة في أعضائها متجاوزا دور مركز البحوث والخبرة القضائية التابع لوزارة
العدل.
ثالثا: إنه تضمّن مصطلحات مغايرة للمصطلحات المعمول
بها في مجال القانون الجنائي الليبي، حيث نصّ على أنه (يعاقب الساحر بالقتل)، إذ أن
مصطلح (القتل) مصطلح غريب عن مفردات القانون الجنائي الليبي، والذي كان يعبر دائماً
عن هذه العقوبة بمصطلح (الإعدام) وهي عقوبة من العقوبات الأصلية، وفق ما سبق بيانه
رابعا: إنه ينكر فكرة العدول عن الاعتراف، والذي
سمّاه (الإقرار)، بمعنى أنّ اعتراف المتهم أمام مأمور الضبط كافٍ لوحده لإثبات وقوع
هذه الجريمة، ولو عدل المتهم عن ذلك فيما بعد أمام سلطات التحقيق أو سلطة القضاء تحت
أيّ مبرّر. وهذا التوسّع والتساهل في توفير أدلّة الإدانة هو أمر لا يتناسب مع جسامة
العقوبة المقدّرة عن تلك الأفعال والتي تدور بين (الإعدام والسجن المؤبد والسجن).
خامسا: أخلّ مشروع القانون بمبدأ التفريد العقابيّ،
وسلب القاضي حقّه في إنزال العقوبة وتقديرها بحسب ما يتراءى له من ظروف عامة وخاصة
سواء بالواقعة أو بشخص مرتكبها، حيث تنص المادة من مشروع القانون على أنهُ (لا يجوز
الأمر بإيقاف تنفيذ أي عقوبة منصوص عليها في هذا القانون ولا استبدالها ولا تخفيفها
ولا العفو عنها).
سادسا: إنه ضمّن القانون عقوبات فرعية ذات طابع
دينيّ كمنع الصلاة على المحكوم عليه أو غسله أو دفنه في مقابر المسلمين، على نحو يظهر
الخلط بين السلطة السياسية والسلطة الدينية أكثر فأكثر
الخاتمة:
نستطيع القول أننا أمام قانون يجرم ظاهرة معينة
بنصوص تخالف القواعد العامة في القانون الجنائي سواء أكانت قواعد موضوعية أو إجرائية، ويضع القضاء الجنائي
أمام معضلة حقيقية، سواء من حيث تقدير وقوع الفعل وحرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته،
أو من حيث حريته في تقدير مدى كفاية العقوبة وملاءمتها في تحقيق أهدافها. وهذا ما يعد
انتهاكاً لحقوق المتهمين في محاكمة عادلة، وهو الأمر الذي من المفترض أن يتنزّه عنه
المشرع الليبي احتراماً للنصوص الدستورية والمواثيق الدولية وما تضمنته من التزامات
في هذا الخصوص. لذلك، فإن إعادة النظر في هذا القانون هو أمر ملحّ درءًا لما سوف يسفر
عنه تطبيقه من إخلال بحقوق أساسية للمتقاضين، وكذلك تفادياً للإشكال الذي سوف يقع فيه
القضاء عند التطبيق. وهنا نُهيب بالمشرّع الليبي أن يراجع هذا القانون مُستندا على
الاتّفاقيات الدّولية المُصادق عليها من الدولة الليبية ومستأنسا بتجارب التشريعات
المقارنة.
يتبع____
المصدر :
المفكرة القانونية / تاريخ
26/2/2024
صحيفة العرب / الكاتب ( الحبيب
الأسود ) تاريخ 11/1/2024