رغم مرور ما يقارب العامين على اندلاع الحرب
السودانية بين الجيش السوداني وميليشيا “الدعم السريع”،- إلا أن الاشتباكات
المسلحة بين طرفي الصراع تستمر في اتخاذ مسارات غير متوقعة، فالدعم السريع يسعي
لتوسيع نفوذه، وفي المقابل يتمسك الجيش باستعادة المناطق التي سيطرت عليها
الميليشيا، الأمر الذي نتج عنه تدهور الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، حيث نزح نحو
11.3 مليون شخص داخل السودان وخارجه وقُتل أكثر من 24 ألف شخص آخرين، ويعاني نحو
26 مليون شخص من انعدام حاد في الأمن الغذائي كما تتزايد أعداد حالات الأمراض
المزمنة والمعدية مثل السكري والسل وارتفاع ضغط الدم والملاريا والكوليرا بالإضافة
إلي تدمير معظم البني التحتية من مدارس وجامعات ومصانع ومنازل، وفقًا لمفوضية
الأمم المتحدة، لذلك تعد الحرب القائمة هي الأكثر تدميرًا من بين الحروب التي
شهدتها السودان بل والعالم.
تأسيسًا على ما سبق يحاول هذا التحليل رصد
تطورات الحرب السودانية، مع توضيح التحولات الراهنة في المشهد السوداني.
الوضع السوداني المتأزم:
تستمر الاشتباكات بين الجيش السوداني وميليشيا
“الدعم السريع” منذ أبريل 2023، لا سيما في ولاية الجزيرة ومدينتي سنجة والفاشر،
ويتم توضيح ذلك فيما يلي:
- استعادة الجيش السوداني مدينة “سنجة”: تمكن
الجيش السوداني من استعادة مدينة “سنجة” في ولاية سنار جنوب الخرطوم من ميليشيا
“الدعم السريع” في 23 نوفمبر الجاري، وذلك بعد سيطرت الدعم عليها في يونيو الماضي-
أي لمدة خمسة أشهر، ويُعد ذلك نجاحًا استراتيجيًا للجيش، خاصة وأنها تقع بين مناطق
يسيطر عليها الجيش في شرق السودان ووسطه. وتجدر الإشارة إلي تمكن الجيش من استعادة
جبل “موية” الاستراتيجي في ولاية سنار الذي يربطها مع ولايات الجزيرة والنيل
الأبيض في 5 أكتوبر الماضي، فضلاً عن استعادته بلدة اللكندي ومدينتي الدندر
والسوكي، الأمر الذي يفقد ميليشيا “الدعم” أكثر من 80% من سيطرتها على ولاية سنار
الاستراتيجية. وفي المقابل تتمدد ميليشيا الدعم السريع في شمال غرب إقليم النيل
الأزرق.
- تجدد الاشتباكات في الخرطوم: شهدت العاصمة
الخرطوم المتمثلة في الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، تجدد الاشتباكات العنيفة
بين الجيش السوداني وميليشيا “الدعم السريع” في سبتمبر الماضي بعد توقف دام لعدة
أسابيع، وذلك في مناطق وسط وغرب وجنوب الخرطوم، وخاصة مدينة قاعدة “حطاب” العسكرية
في شمال مدينة الخرطوم بحري، حيث تمكن الجيش من تدمير الآليات العسكرية التابعة
لميليشيا الدعم وأجبرها على التراجع. وفي 13 أكتوبر الماضي، حقق الجيش تقدمًا
عسكريًا في وسط وجنوب الخرطوم، كما تمكن الجيش السوداني من التقدم في منطقة المقرن
حتى قاعة الصداقة، فضلاً عن انتشار سلاح المدرعات وتموضعه في أجزاء واسعة من أحياء
اللاماب والرميلة والحماداب جنوبي الخرطوم.
- استمرار الاشتباكات في مدينة الفاشر: تسعي
ميليشيا “الدعم السريع” جاهدة للسيطرة على مدينة الفاشر آخر عواصم ولايات إقليم
دارفور الخمس، بعد سيطرتها على عواصم جنوب وشرق وغرب ووسط دارفور (نيالا، الضعين،
الجنينة، وزالنجي)، وذلك علي الرغم من حظر استخدام الأسلحة بالإقليم، إلا أن
الاشتباكات تجددت بعد فترة من الهدنة، حيث يتمسك الجيش بالسيطرة علي أخر ولايات
دارفور، وسيطر الجيش على العديد من قواعد الميليشيا، وقتل 150 مقاتلاً من “الدعم
السريع” في معركة الفاشر، في تأكيد على تحقيق الجيش تقدمًا كبيرًا أمام عناصر
الدعم، وفي المقابل لم تعلق ميليشيا “الدعم السريع” على المعركة. ومع ذلك عاد
الهدوء النسبي إلى مدينة الفاشر في 20 نوفمبر الجاري بعد أسابيع مستمرة من
الاشتباكات العنيفة.
- تجدد الاشتباكات في ولاية الجزيرة: تجددت
الاشتباكات في ولاية الجزيرة بين الجيش وميليشيا “الدعم السريع” بداية من أكتوبر
الماضي، نتيجة لإعلان قائد الدعم السريع “أبو عاقلة كيكل” عن انضمامه وانحيازه
للقوات المسلحة السودانية، حيث بدأت الميليشيا بشن هجومًا عنيفًا على قري الولاية،
وسيطرت على مدينة “الهلالية” شمال شرق ود مدني، مما أدي إلى وفاة مئات الأشخاص،
ونزوح أكثر من 343 أخرين بين 20 أكتوبر الماضي إلى 13 نوفمبر الجاري.
تحولات سياسية واقتصادية مُقلقة:
تتسم الأزمة السودانية بالتعقيد وتعدد الأبعاد
السياسية والاقتصادية الاجتماعية منذ بدء الحرب في أبريل 2023، حيث تستمر التحديات
التي تواجها البلاد، وفيما يلي بعض النقاط الرئيسية حول التحولات الراهنة في
المشهد السوداني:
- تزايد التواجد الروسي في الحرب السودانية:
تلاحظ في الفترة الأخيرة تزايد التواجد الروسي بشكل كبير في الحرب السودانية، حيث
تسعي روسيا لدعم الجيش السوداني من خلال توفير أسلحة وذخيره له في مقابل إقامة
محطة للوقود في البحر الأحمر وحصولها علي موطئ قدم عسكري، الأمر الذي يجعلها تعزز
من حضورها في غرب ووسط وجنوب القارة السمراء، مما يشكل تحديًا أمام تواجد القوي
الغربية فرنسا على وجه التحديد.
علاوة على ما سبق، قامت روسيا في 18 نوفمبر
الجاري باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع القرار الذي
قدمته بريطانيا مع سيراليون والمملكة المتحدة، والذي يدعو إلى وقف فوري للحرب
القائمة في البلاد ضد المدنيين، فضلاً عن العودة إلى محادثات “منبر جدة”، بالإضافة
إلى مطالبة طرفي الصراعبالسماح بتسهيل وصول المساعدات عبر الحدود دون أي معوقات،
الأمر الذي يعكس انحياز موسكو بشكل صريح للجيش لتعزيز مصالحها في إفريقيا.
- وجود أسلحة ومعدات عسكرية فرنسية: شهدت ساحة
المعركة القائمة بين الجيش وميليشيا “الدعم” وجود أسلحة ومعدات عسكرية فرنسية،
الأمر الذي يعد انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة في دارفور، حيث توجد
ناقلات جند من طراز “نمر عجبان” التي تصنعها المجموعة الوطنية الإماراتية “إيدج”
وتقوم باستخدامها ميليشيا الدعم السريع، وتُعد المدرعات المستخدمة مُجهزة بنظام
الحماية الذاتية “غاليكس” الذي تصممه شركتا ” كا إن دي إس” و “لاكراو” الفرنسيتان،
ويتكون من أجهزة استشعار متصلة ببطارية قاذفات يمكن تحميلها بذخيرة مثل الدخان أو
الأفخاخ الخداعية أو المقذوفات، وفقًا لصور نشرتها منظمة العفو الدولية، ودعت
المنظمة باريس إلي التوقف عن توريد نظام “غاليكس” إلى الإمارات من جانب الشركتين
المصنعتين. وفي المقابل امتنعت فرنسا والشركتين عن التعليق.
- انتشار الميليشيات في شرق السودان: قد تشهد
المرحلة المُقبلة من الحرب السودانية صراعات بين الفصائل المسلحة، خاصة وأن
الأسابيع القليلة الماضية شهدت انتشار الميليشيات في شرق السودان، حيث يوجد أكثر
من 3 ميليشيات مسلحة دارفورية تابعة للجيش وتعرف باسم “القوة المشتركة”، فضلاً عن
انتشار ميليشيا “الأورطة الشرقية” التي دربتها إريتريا في مدينة كسلا، بالإضافة
إلى 8 حركات مسلحة من “فسيفساء” الإقليم، وقام الجيش الإريتري بتدريب 4 منها داخل
معسكراته. وعليه، قامت حركة “تيار الشباب البجاوي الحر” تابعة لقبيلة “البجا
العريقة” في شرق البلاد بالمطالبة بطرد الحركات المسلحة الحليفة للجيش من المنطقة،
مهددة بإغلاق الإقليم الذي تتخذ الحكومة عاصمته بورتسودان مقرًا إداريًا لها كبديل
عن العاصمة الخرطوم التي تعج بالصراعات، مؤكدة أن الحركات المسلحة تمثل خطرًا
كبيرًا على الأمن والنسيج الاجتماعي للإقليم.
وعليه،،، فإن تعدد الميليشيات الحليفة للجيش مع
معارضة قومية البجا لتلك الميليشيات، وبخاصة “الأورطة الشرقية” كونها ميليشيا
أجنبية تدربت في إريتريا إلى استغلال أطراف مسلحة أخري للوضع للدخول في الحرب
القائمة بين الجيش وميليشيا ” الدعم السريع”، كما قد يحدث انقسام داخل الفصائل
المسلحة الداعمة للجيش، مما يعقد من المشهد السياسي والعسكري للبلاد.
ومما سبق، فإن السودان تحولت إلى ساحة للصراع
للتداخلات الخارجية المتزايدة في البلاد سواء من القوي الدولية أوالإقليمية، نتيجة
لأطماع تلك القوي في ثروات البلاد الهائلة وخاصة الذهب، حيث تبلغ احتياطاته من
الذهب حوالي 1550 طنًا من جهة وموقعه الاستراتيجي المتميز الذي يمكن تلك القوي من
الحصول على موطئ قدم لها على البحر الأحمر من جهة أخري.
وختامًا، يمكن القول إنه علي الرغم من تمكن
الجيش السوداني من تحقيق تقدم كبير في الحرب القائمة باستعادته بعض المناطق
الخاضعة لسيطرة ميليشيا “الدعم السريع”، وتكبيد الميليشيا خسائر فادحة، إلا أنه
لكي يتم وقف الحرب القائمة لابد من مواجهة التحديات التي تعول وقف الصراعات
المسلحة بين طرفي الصراع، وهي: الانقسامات السياسية التي تمنع القوي السياسية في
البلاد من الاتفاق علي أهداف موحدة وطريقة موحدة للسلطة، فضلاً عن الصراعات
العرقية الإثنية التي تعقد من الوصول لحلول سلمية، بالإضافة إلي تأثير وجود
الجماعات المسلحة المتعددة على عملية التفاوض، كما تؤثر تدخلات الأطراف الخارجية
علي إطالة الحرب، حيث تقوم تلك الأطراف
باستغلال الصراعات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وأخيرًا يؤثر فقدان الثقة بين
الأطراف المتنازعة مع إصرار كل طرف علي تحقيق النصر لصالحه وعدم التخلي عن الأطماع
السياسية إلي استمرار الحرب.وعليه، فإن توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في
الحرب السودانية التي تدعم طرف على حساب الآخر، هو الحل الوحيد لوقف الحرب
الُمشتعلة.
المصدر:
مركز رع للدراسات الاستراتيجية
الكاتب
: عبير مجدي
التاريخ
: 28/11/2024