ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن الكفاح من أجل
تثبيت وتطبيق حقوق الإنسان كان المركز الذى دارت حوله كافة محاور الحركة فى تاريخ المجتمعات
البشرية فعلى امتداد المراحل التاريخية المختلفة، وفى جميع الأوطان، كان سعى الإنسان،
إلى إقرار حقه فى الوجود، وما يترتب على هذا الحق الأصلى من حقوق فرعية، وأخصها الحقوق
المدنية والسياسية من جهة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى كان هذا هو
مركز النضال البشرى على وجه التحديد.
ففي مثل هذا اليوم عام 1948، أقرّت الجمعية العامة
للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ليصبح الوثيقة التي تمثل حجر الزاوية
في حماية الحقوق الأساسية للبشرية، على مدى ثلاثة أرباع القرن، مثّل الإعلان أداة أمل
ومقاومة ضد الظلم، لكنه لم يسلم من اختبار الزمن والتحديات المستمرة في العالم.
تعد حقوق الإنسان حقوقًا غير قابلة للتصرف، تشمل
الحق في الحياة والحرية والكرامة، وكذلك حقوق الفرد في التعليم والعمل والمشاركة السياسية
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تحقق في العديد من البلدان في ما يتعلق بالحفاظ على
هذه الحقوق، فإن التحديات لا تزال قائمة في الكثير من المناطق، مما يجعل يوم حقوق الإنسان
فرصة لتسليط الضوء على الانتهاكات المستمرة التي يعاني منها ملايين الأشخاص في شتى
أنحاء العالم.
منذ إعلان حقوق الإنسان، تم تحقيق العديد من الإنجازات
المهمة، بما في ذلك تحسين ظروف العمل والحد من التمييز العنصري والجنساني، إلى جانب
التقدم في مجال حرية التعبير وحماية الحقوق المدنية ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من
القضايا التي تتطلب اهتمامًا عاجلاً، مثل القمع السياسي، والتمييز ضد الأقليات والعنف
ضد النساء والأطفال، بالإضافة إلى تحديات جديدة ظهرت مع التغيرات السياسية والاقتصادية.
وفي الوقت الذي يتم فيه الاحتفال بما تحقق من تقدم
في مجال حقوق الإنسان، لا بد من تذكر أن الطريق ما زال طويلاً نحو تحقيق العدالة الشاملة
لذلك، يبقى "اليوم العالمي لحقوق الإنسان" بمثابة دعوة للتغيير والالتزام
المستمر بحماية كرامة الإنسان وتوفير فرص متساوية للجميع، خاصة لأولئك الذين لا يزالون
محرومين من حقوقهم الأساسية في العديد من أنحاء العالم.
في نهاية المطاف، يعتبر هذا اليوم تذكيرًا للجميع
بأن حقوق الإنسان ليست مجرد مفاهيم نظرية أو نصوص قانونية، بل هي حقوق يومية يتعين
أن يتمتع بها كل فرد في هذا العالم.
المبادئ الأساسية لـ حقوق الإنسان
يتألف الإعلان من 30 مادة تغطي الحقوق المدنية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية، من حق الحياة والحرية (المادة 3) إلى حرية التعبير (المادة
19) وحظر التعذيب (المادة 5)، أسس الإعلان قواعد أساسية لبناء عالم يتسم بالكرامة والمساواة
- فيبدأ الإعلان بعدة مبادئ أساسية: الحق فى الحرية
والمساواة، ومن ثم، فلا تفرقة بسبب العنصر أو اللغة، أو الدين، أو بسبب الوضع السياسى،
أو الاجتماعى وفى هذا المعنى تقول المادة الأولى من الإعلان "يولد الناس أحرارًا،
متساويين فى الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلًا، وضميرًا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا
بروح الإخاء"
- كما تقرر المادة الثانية،
أن "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات، الواردة فى هذا الإعلان دون أى
تمييز بسبب العنصر، أو الدين، أو اللون، أو الجنس، أو النوع أو الرأى السياسى، أو أى
رأى آخر"
- ويفصل الإعلان، بعد
ذلك، نوعين من الحقوق: الحقوق المدنية والسياسية من ناحية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية من جهة أخرى.
- وتشمل الحقوق المدنية والسياسية، التى نصت عليها
المواد من ٣ إلى ٢١، حق كل إنسان فى الحياة والحرية وسلامة شخصه وحقه فى التحرر من العبودية والاسترقاق
وحقه فى التحرر من التعذيب أو التعرض لأى شكل من أشكال المعاملة القاسية المهينة المنافية
للكرامة الإنسانية، وحق كل إنسان فى أن يعترف بشخصه أمام القانون، وحق كل الناس فى
حماية قانونية متساوية، وحق كل إنسان فى الالتجاء إلى المحاكم لدفع أى اعتداء، وحقه
فى عدم القبض عليه أو حبسه أو نفيه بغير مسوغ قانونى، وحق كل إنسان فى محاكمة علنية
أمام محاكم مستقلة نزيهة.
- كما تؤكد هذه الحقوق
أن كل متهم يعتبر بريئا حتى تثبت إدانته، وأن لكل إنسان حق التمتع بحرمة حياته الخاصة،
وحرمة أسرته وحرمة مسكنه، وكذا حقه فى اللجوء إلى بلاد أخرى والانتماء إلى أى جنسية
وحقه فى الزواج وتكوين الأسرة، وحقه فى التملك وفى التمتع بحرية الفكر والضمير والدين
وحرية الرأى والتعبير وحضور الاجتماعات والاشتراك فى الجمعيات، وحقه فى الإسهام فى
شؤون بلاده والالتحاق بالوظائف العامة على أساس المساواة.
- أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
الواردة فى المواد من ٢٢ إلى ٢٧ فتشمل حق كل فرد فى الضمان الاجتماعى وحقه فى العمل وحقه فى الراحة وفى مستوى
من المعيشة يكفل له الصحة والرفاهية وحقه فى التعليم وفى الاشتراك فى حياة المجتمع
الثقافية.
مدى التجاوب للتغيرات العالمية لإعلان حقوق الإنسان
اليوم وبعد 76 عامًا، يواجه العالم تحديات جديدة
لم تكن ضمن تصور واضعي الإعلان، فالذكاء الاصطناعي والتغير المناخي وعدم المساواة الاقتصادية
هي قضايا تتطلب تطويرًا في فهم حقوق الإنسان وهناك دعوات لتحديث الإعلان ليشمل الحقوق
الرقمية والبيئية باعتبارها جزءًا من الكرامة الإنسانية.
و برغم أن الإعلان شكّل قاعدة للعديد من الاتفاقيات
الدولية والإقليمية، مثل العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية،
إلا أن تطبيقه في الواقع لا يزال محل جدل واسع، فالتقارير الدولية تشير إلى انتهاكات
حقوقية صارخة في دول عدة، حيث يُمارس القمع ضد الحريات الشخصية ويتم استهداف الأقليات
العرقية والدينية.
في مناطق النزاعات مثل سوريا واليمن وأماكن أخرى،
يبدو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصبح حلمًا بعيد المنال، في ظل الانتهاكات الممنهجة
التي تشمل الاعتقال التعسفي والتعذيب وغياب العدالة القانونية
الانتقادات الموجهه للإعلان العالمي لحقوق الإنسان
على الرغم من الانتقادات الموجهة للإعلان بسبب فشله
في منع الانتهاكات في مناطق عدة، إلا أنه يظل أداة أساسية للحركات الحقوقية العالمية،
فالمنظمات الدولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" تعتمد
عليه كأساس لمحاسبة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
ومع مرور الزمن، يبقى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
وثيقة حية، ليست فقط شاهدًا على لحظة تاريخية بل دليلًا على إمكانيات البشر في السعي
نحو العدالة، فالاحتفال بالذكرى الـ76 للإعلان ليس مجرد تذكير بالماضي، بل دعوة لإعادة
التفكير في كيفية تحقيق أحلام الميثاق في الحاضر والمستقبل.
ولم كنا نسلم بأن قضية حقوق الإنسان ليست مجرد قضية
شعارات ومؤتمرات وقرارات، وإنما بالدرجة الأولى قضية وعى بهذه الحقوق وممارسة لها،
فإننا نعتقد أن تعريف الشباب بهذه الحقوق وتربيتهم على احترامها يجب أن يحتل أولوية
خاصة فى برامج الأجهزة المسؤولة عن التربية والتعليم والثقافة والإعلام، فى مصر وباقى
الأقطار العربية.
وإذا كان لنا من كلمة أخيرة، فإن حقوق الإنسان العربى
وحرياته الأساسية حقوق وحريات أصلية لا يمكن التنازل عنها، وتنبع من ثوابت راسخة فى
التراث الفكرى للأمة العربية، وفى نضال شعوبها من أجل الحرية والعدل والمساواة، وتستند
فى ذات الوقت إلى المبادئ العامة فى الدساتير العربية ويجب ألا يغيب عن البال لحظة
واحدة أن قضايا حقوق الإنسان وتأكيدها والتصدى لحمايتها والدفاع عنها تبقى مسؤولية
كل الأحرار فى كل زمان ومكان، ومهما كانت التضحيات.
المصدر: موقع فيتو
الكاتب : احمد فوزي
التاريخ : 10/12/2024
--------------------------------
المصدر: صحيفة المصري اليوم
الكاتب : مفيد شهاب
التاريخ : 9/12/2024