دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا : النجاحات والإخفاقات
فرع القاهرة

 

الجزء الأول :

تحولت الاحتجاجات الشعبية في ليبيا 17 فبراير 2011 إلي ثورة عارمة وحرب طاحنة بين النظام والثوار مطالبين بالحرية والديمقراطية، لم يستجب النظام لهذه المطالب وواجهها بالاستخدام المفرط للقوة مما استدعي انتباه المجتمع الدولي لخطورة الحالة في ليبيا مما جعل الأمم المتحدة تقتنع بضرورة التدخل الدولي وتتبني سياسات لإنقاذ الوضع الإنساني في ليبيا، وقد انقسمت هذه السياسات تجاه الأزمة في ليبيا إلي مرحلتين؛ الأولي متمثلة في التدخل العسکري بناءاً علي قرار مجلس الأمن 1973 حيث استطاع المجتمع الدولي بقيادة حلف الناتو من اسقاط نظام القذافي.

 أما المرحلة الثانية فإن سياسات الأمم المتحدة تعني بمتابعة بناء الدولة ورعاية النظام السياسي الجديد الذي يتفق ومرحلة ما بعد الثورة في دولة تشهد حالة من الفوضى السياسية والأمنية في ظل غياب دور المؤسسات العسکرية والأمنية الفاعلة، لذلک شرعت الأمم المتحدة في مهمة إنسانية من خلال تفويض "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا"(UNSMIL) بناءاً علي قرار مجلس الأمن رقم 2009 لعام 2011 لمساعدة الجهود الوطنية الليبية الرامية لبناء الدولة ودعم المرحلة الانتقالية والعملية السياسية وتعزيز سيادة القانون، لکن واجهت البعثة العديد من المسارات المعقدة في المجتمع الليبي والخلافات بين الأطراف المتصارعة حول کيفية بناء الدولة وشکل النظام السياسي وخاصة مع التجاذبات الإقليمية والدولية.

في سياق تطور دور الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلم في الدولة الليبية التي تعکس حالة من التفکک والصراعات المفتوحة، جاءت "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا" والتي تبرز معها إشکالية بحثية رئيسية تتعلق بمحاولة البعثة معالجة الصراعات وتضميد الشقاق بين الأطراف الليبية المتصارعة حول السلطة وشکل الدولة والنظام السياسي، ومدي ملائمة مساعي البعثة وحلولها مع هذه المعضلة التي لاشک أنها توجت بالنجاح تارة وبالفشل تارة أخري على هذا الأساس تثير هذه الإشکالية سؤالاً بحثياً رئيسياً مفاده: إلي أي مدي تمکنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من إدارة المرحلة الانتقالية وحل الأزمة السياسية في ليبيا؟

ويرتبط بهذا السؤال الرئيسي عدد من الأسئلة الفرعية تتضمن:

1- کيف تعاملت البعثة مع الصراعات السياسية في ليبيا؟

2- ما هي مظاهر النجاحات والاخفاقات في إدراة البعثة للمرحلة الانتقالية؟

3- کيف يمکن تفسير نتائج ما وصلت إليه البعثة في ليبيا؟

المحور الأول :

ظروف ونشأة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

أولاً: خلفية الأزمة الليبية2011

اندلعت ثورة 17 فبراير 2011 أساسا بدافع التخلص من الاستبداد، وبحافز التحرر من التسلطية والولوج إلي عصر الديمقراطية والحريات کمثل باقي دول الربيع العربي ولکن مع بعض الخصوصيات التي ميزت الثورة الليبية عن غيرها توسعت الاحتجاجات وتدخل الجيش الليبي تدخلاً قوياً ونشأت الحروب بين المؤيدين لنظام القذافي والمعارضين له، ودخلت ليبيا مرحلة متأزمة من الثورة أنتشر فيها إستخدام القوة والعنف بين قوات النظام والمعارضة، والإنتشار الکثيف للأسلحة، ودخول ليبيا في مأزق أمني شديد.

مع تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا وسقوط مئات القتلى والجرحى، بدأت الدعوات ترتفع إلى الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية لأداء واجبها الإنساني تجاه الشعب الليبي، و وقف ما سمي بالإبادة الجماعية التي ترتکب ضد المدنيين لذلک وجدت الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن أهمية إتخاذ الاجراءات اللازمة تجاه الحالة الليبية وإعمال مبدأ مسؤولية الحماية في ليبيا من أجل أن يکون التدخل الدولي الإنساني في ليبيا في إطار الشرعية الدولية وعليه أصدر مجلس الأمن قراره 1970 المعتمد في 26 فبراير 2011 أدان القرار العنف وانتهاکات حقوق الإنسان التي نفذها نظام القذافي، وأحيلت القضية إلى المحکمة الجنائية الدولية، ودعي إلى وقف إطلاق النار وانهاء العنف، بالإضافة إلى ذلک، تبني القرار وجود منطقة حظر طيران عسکري، وحماية المدنيين، وحظر الأسلحة وتجميد أصول عائلة القذافي وحظر سفر على کبار المسؤولين في نظام القذافي.

أنشئ قرار رقم (1970) لجنة الجزاءات (فقرة 24) حيث تضم جميع أعضاء مجلس الأمن، يکون من مهامها إعداد القوائم الخاصة بالعقوبات والإعفاء ومتابعة تنفيذ قرارات المجلس، وقد حدد القرار مهمة اللجنة في مساعدة الحکومة الليبية علي تحديد الإحتياجات والأولويات الوطنية، إدارة عملية التحول الديمقراطي وتقديم الدعم الفني لمتطلبات العملية السياسية ومع ذلک لم ينجح القرار 1970 في ترهيب القذافي وتهدئة الوضع مهد هذا التصعيد المؤسف للعنف الطريق لقرار أکثر جذرية وهو قرار مجلس الأمن رقم 1973، والذي تم تمريره في 17 مارس 2011، في محاولة لاستعادة السلام بشکل نهائي في البلاد.

ثانياً: التدخل العسکري في ليبيا

طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المادة (39) التي تعتبر المدخل الرئيسي لتعريف مصادر تهديد الأمن والسلم وهي المادة التي فسرها مجلس الأمن علي نحو يتيح له السلطة التقديرية والحرية في التکييف القانوني لحالات تهديد الأمن والسلم في النزاعات الدولية والنزاعات غير الدولية ووفقا لقناعة المجتمع الدولي بفظاعة الوضع في ليبيا، وإعمالاً بمبدأ "مسئولية الحماية"، فقد أعتمد مجلس الأمن في قرار 1973 لعام 2011 الذي رکز بشکل خاص على استخدام القوة لتوفير الحماية للشعب الليبي

جاء تدخل حلف الناتو تحت رعاية الأمم المتحدة تطبيقاً للقرار 1973 بعد أن أصبح وضع الثورة حرجاً في مواجهة النظام، وکان الهدف من الحملة العسکرية توفير الحماية للمدنيين بکافة الوسائل اللازمة من خلال توجيه ضربات جوية لتدمير مقرات الأجهزة الأمنية والقوات العسکرية التابعة للقذافي، الأمر الذي حد کثيراً من قدرة النظام الليبي بالشکل الذي قاد في النهاية إلى إسقاط النظام وحسم الأمر لصالح الثوار، ودخلت ليبيا فترة انتقالية مليئة بالصراعات والانقسامات مما أدي إلي تقويض بناء الدولة والنظام السياسي في ليبيا وعليه أوفدت الأمم المتحدة بعثتها لدعم العملية السياسية في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة.

ثالثاً: نشأة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

أ‌- ولاية البعثة

تعد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بعثة سياسية خاصة متکاملة، أصدر مجلس الأمن قرار رقم (2009) في 16 سبتمبر عام2011 بإنشائها بناء على طلب من السلطات الليبية لدعم السلطات الانتقالية الجديدة في البلاد في جهودها خلال مرحلة ما بعد النزاع، حيث نص القرار على إنشاء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا UNSMIL))، تحت قيادة الممثل الخاص للأمين العام لفترة أولية قدرها ثلاثة أشهر لکن تم التمديد لولاية البعثة علي مدي الفترات الإنتقالية المضطربة التي مرت بها ليبيا من خلال قرارات مجلس الأمن اللاحقة لقرار إنشائها، رقم 2022 لسنة2011، وقرار رقم 2040 لسنة 2012، ورقم2095 لسنة 2013، ورقم 2144 لسنة 2014، ورقم 2238 لسنة 2015، ورقم 2323 لسنة 2016، ورقم 2376 لسنة 2017، ورقم 2434 لسنة 2018، ورقم 2486 لسنة 2019، ورقم 2542 لسنة 2020 الذي مدّد عمل البعثة لغاية 15 سبتمبر2021، وأخيراً تم اعتماد أحدث قرار لمجلس الأمن رقم (2619) في 31 يناير 2022 الذي مدد ولاية البعثة بوصفها بعثة سياسية خاصة متکاملة حتي 30 أبريل 2022

ب‌- إختصاص البعثة

من حيث الإختصاص تکون مهمة البعثة استعادة الأمن والنظام وتعزيز سيادة القانون، وإجراء حوار سياسي يضم الجميع، وتعزيز المصالحة الوطنية، والشروع في عملية وضع الدستور، والعملية الانتخابية، وبسط سلطة الدولة وتعزير حقوق الإنسان. إذ يمکننا إعتبار أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وريثة لجنة الجزاءات من حيث الإختصاص ولکن بشکل موسع، إن مبدأ الملکية الوطنية هو المبدأ الذي يوجه جميع أنشطة البعثة في ليبيا لممارسة الوساطة والمساعي الحميدة لدعم حکومة وطنية موحدة للبلاد

إضافة إلى ماتقدم، يتوجب على البعثة في إطار الحدود الأمنية تقديم الدعم للمؤسسات الليبية وتقديم الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية عند الطلب، کما تم تکليف البعثة برصد أوضاع حقوق الإنسان، وتقديم الدعم لتأمين الأسلحة ومکافحة انتشارها بهدف إحلال الاستقرار في مناطق ما بعد النزاع،

ويمکننا ترکيز اختصاصات البعثة التالي:-

1- تعزيز سيادة القانون واستعادة الأمن والنظام، ودعم وضع الدستور والعملية الانتخابية.

2- إجراء حوار سياسي يضم الجميع، وتعزيز المصالحة الوطنية.

3- بسط سلطة الدولة بوسائل منها تعزيز المؤسسات السيادية.

4- تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها لاسيما الفئات الضعيفة والأولي بالحماية.

5- اتخاذ الخطوات الفورية المطلوبة لبدء الإنعاش الاقتصادي.

 

 

يتبع______________

 

المصدر : مجلة السياسة و الاقتصاد

الكاتب : أحمد مصطفي فتحي عرابي

تاريخ : يوليو 2022

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المقالات الأخيرة