كشفت
الحرب الأوكرانية عن التحديات العديدة التي تعايشها الجيوش والصناعات الدفاعية
الأوروبية، فضلاً عن اعتمادها العميق على الولايات المتحدة. ويتوقع المحللون أن
تؤدي رئاسة ترامب الثانية إلى خفض الدعم الدفاعي الأمريكي لأوروبا بشكل كبير. ولذا
تصاعدت المطالب بضرورة تعزيز الاستقلالية الأوروبية دفاعياً عبر تطوير الجيوش
الأوروبية وزيادة قوتها البشرية والتسليحية.
وفي
هذا السياق، نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تقريراً بعنوان "الدفاع
عن أوروبا بتقليل الاعتماد على أمريكا"، للكاتب "كميل جراند"
الباحث ورئيس مبادرة الدفاع والأمن والتكنولوجيا في المنظمة. ويُشير التقرير إلى
أن تدهور البيئة الأمنية الأوروبية والأولويات المتغيرة للولايات المتحدة يعني أن
أوروبا تحتاج إلى الاستعداد لتحمل المزيد من مسؤولية الدفاع عن نفسها. ويشدد
التقرير على حاجة الأوروبيين إلى خطة مستدامة على مدى العقد المقبل تجمع بين
الجهود الفورية لدعم أوكرانيا وإعادة بناء الاستعداد، والأهداف الأطول أجلاً
لتطوير "حزمة القوة الكاملة"، بما في ذلك قدرات الدعم القتالي وعوامل
التمكين الرئيسية التي توفرها الولايات المتحدة حالياً في المقام الأول.
تحالف
متراجع
يُشير
التقرير إلى أن هناك اتجاهاً أساسياً وعميقاً في السياسة الأمنية الأمريكية يشير
إلى أن أوروبا سوف تُضطر إلى أن تصبح أقل اعتماداً على الدعم الأمريكي لأمنها،
وذلك في ضوء ما يلي:
1-
التخوف من النزعة الترامبية المضادة لدعم التحالف مع أوروبا: وفقاً للتقرير، فقد
كانت تعليقات ترامب في فبراير 2024 بأنه "لن يحمي" حليفاً في الناتو لا
يفي بالمبادئ التوجيهية للإنفاق الدفاعي، وأنه "سيشجع [الروس] على القيام بكل
ما يريدون"؛ بمثابة "قنبلة" في أوروبا. بل وفي محاولة لتحويل
تصريحاته إلى سياسة، طورت مؤسسات الفكر والرأي المرتبطة بحملة ترامب سيناريوهات
متعددة، تتراوح من التخفيضات المتواضعة في التزام الولايات المتحدة بالأمن
الأوروبي إلى "حلف الناتو الخامل" مما يعني انسحاباً شبه واقعي لواشنطن
من التحالف الأوروبي، ووقف المزيد من التوسع في التحالف.
وقد
أوضح روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، أنه "يجب على واشنطن
التأكد من أن حلفاءها الأوروبيين يفهمون أن استمرار الدفاع الأمريكي عن أوروبا
يتوقف على قيام أوروبا بدورها، بما في ذلك في أوكرانيا". ويشير هذا على الأقل
إلى أن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا وبقية أوروبا سيكون أكثر مشروطية، وغير
مؤكد بعد إعادة انتخاب ترامب.
2-
اقتناع الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمشروطية المشاركة الخارجية: يشير التقرير
إلى أن النقاش الداخلي في الولايات المتحدة يتسم بالدفع القوي نحو المزيد من ضبط
النفس والحد من المشاركة الخارجية، وليس فقط بين الجمهوريين، بل يجد هذا الاتجاه
أصداء حتى بين الديمقراطيين. ورغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن
"الأمريكيين ما زالوا ملتزمين بحلف الناتو"، يرجح التقرير أن تصبح
التزامات واشنطن في الخارج أكثر مشروطية، وأن تصرّ -بغض النظر عن إدارتها- على أن
يتحمل حلفاؤها حصة أكبر بكثير من العبء الأمني في مستقبل المنطقة.
3-
تركيز واشنطن بشكل أكبر على منطقة الهندوباسيفيك ومواجهة الصين: يركز صناع السياسة
الأمريكيون من مختلف الأطياف السياسية سياستهم الخارجية والأمنية على منطقة
الهندوباسيفيك والمنافسة مع الصين. فعلى الرغم من الحرب في أوكرانيا والتهديد الذي
تمثله روسيا، فإن أوروبا لم تعد مسرحاً للتخطيط الذي يُحدد أولويات التخطيط
الدفاعي للولايات المتحدة ويتلقى القدر الأكبر من الموارد. ويستشهد التقرير بأنه
بالنسبة للسنة المالية 2024، خصص البنتاجون 3.6 مليارات دولار من ميزانيته لـ"مبادرة الردع الأوروبية"،
في حين تم تخصيص 14.7 مليار دولار لـ"مبادرة ردع المحيط
الهادئ".
4-
انخفاض عدد الجنود والقدرات القتالية الأمريكية في أوروبا: بحسب جراند، كان الوجود
الأمريكي في أوروبا يتراجع بشكل مستمر منذ نهاية الحرب الباردة. وفي ذروة الانتشار
الأمريكي في أوروبا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، كان يتمركز 430ألف جندي أمريكي في أوروبا، معظمهم في ألمانيا
الغربية. وفي عام 1989، كان لا يزال هناك 248 ألف جندي أمريكي في أوروبا، ولكن هذا الرقم انخفض إلى 64 ألف جندي بحلول عام 2021. وكان هذا الانخفاض في وجود القوات
الأمريكية مصحوباً بانخفاض في عدد المنصات القتالية الرئيسية (بما في ذلك الطائرات
المقاتلة، والدبابات، ومركبات المشاة القتالية، والمدفعية، فضلاً عن الأسلحة
النووية) المخصصة للقيادة الأمريكية في أوروبا.
5-
استمرار مؤشرات تراجع الدعم الأمريكي لأوروبا: تُشير هذه الاتجاهات، وفقاً للمقال،
إلى أن مستوى الولايات المتحدة في الالتزام بالأمن الأوروبي سوف يظل في أفضل الأحوال
مستقراً عند المستويات الحالية المتواضعة نسبياً، ومن المرجح أن يتراجع أو حتى
يختفي جزئياً على مدى السنوات المقبلة. وقد تؤدي الأحداث الجيوسياسية ونتائج
الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى إبطاء هذه العملية أو تسريعها. ومن ثمّ
"يتعين على أوروبا أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها بالاستعانة بقدر أقل
بالولايات المتحدة".
معوقات
متنوعة
تحول
الاتحاد الأوروبي إلى لاعب دفاعي؛ حيث حشد الموارد لتدريب وتجهيز القوات
الأوكرانية، ودعم أبحاث الدفاع الأوروبية وتنمية القدرات. فمنذ بداية الحرب
الأوكرانية، زادت صناعة الدفاع في أوروبا قدرتها على إنتاج الذخيرة بنسبة 50%، وتهدف إلى إنتاج أكثر من مليوني قذيفة سنوياً بحلول نهاية عام 2025، أي ضعف قدرتها في فبراير 2022. ومع ذلك، كافحت الصناعة والحكومات الأوروبية لتلبية المتطلبات
الأوكرانية في الوقت المناسب، ويرجع ذلك إلى العديد من المعوقات المالية والمؤسسية
بجانب ضعف بناء القدرات، وذلك على النحو التالي:
1-
تراجع الصناعات العسكرية والدفاعية الأوروبية: أدت عقود من مكاسب السلام وإهمال
الدفاع إلى ضمور الصناعات العسكرية والدفاعية الأوروبية، والتي كانت تركز بشكل
أكبر على الصادرات المربحة بدلاً من تلبية الطلب المحلي المنكمش في كثير من
الأحيان.
2-
انكماش ميزانيات الدفاع الأوروبي بشكل عام عن مثيلاتها للقوى الكبرى: حدد
"تعهد الاستثمار الدفاعي" الذي قدمه حلفاء الناتو في قمة ويلز عام 2014هدفاً للحلفاء بإنفاق ما لا يقل عن3% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد ارتفع عدد البلدان
التي حققت هدف الـ2% من 3
إلى 23 دولة منذ عام 2014، مع ارتفاع عدد البلدان التي تجاوزت هدف الاستثمار المنفصل بنسبة 20% من سبعة إلى 30. وبحسب التقرير، فإن هذه الزيادة لم تكن كافية تقريباً للتعويض عن
سنوات من نقص الإنفاق مقارنة بما كانت عليه في السابق بلدان أخرى.
فوفقاً
لقاعدة بيانات الإنفاق العسكري التابعة لمعهد استكهولم الدولي لأبحاث السلام
(سيبري)، فقد نما الإنفاق الدفاعي الروسي منذ عام 2000 بنسبة 360% بالقيمة الثابتة للدولار في عام 2022، بينما توسع الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة 596%. وخلال الفترة نفسها، زاد الإنفاق الدفاعي الأمريكي بنسبة 60% ليظل دائماً الأعلى في العالم.
وفي
تناقض حاد مع هذه الاتجاهات شبه العالمية، انخفض الإنفاق الدفاعي الأوروبي أو ظل
مستقراً إلى حد ما خلال الفترة نفسها حتى أوائل عشرينيات القرن الحالي. ومقارنة
بعام 2000، فقد ارتفع الآن بنسبة 50% فقط، ويرجع ذلك في الغالب إلى الزيادات منذ عام 2015 وخاصة منذ عام 2022. ورغم أن الزيادات في الإنفاق الدفاعي في
السنوات الماضية من شأنها أن تصنع الفارق، فإن الأموال الإضافية لم تمكن
الأوروبيين بعد من معالجة العواقب المترتبة على التخفيضات السابقة وسنوات من
انكماش ميزانيات الدفاع. وسوف يتطلب الأمر سنوات من الجهود المتواصلة لإعادة بناء
القوى التي أصبحت في كثير من الحالات جوفاء إلى حد كبير.
3-
محدودية قدرات بعض الجيوش الأوروبية: مع ميزانياتها الدفاعية المحدودة والمظلة
الأمنية الأمريكية، أصبحت العديد من الجيوش الأوروبية ذات أحجام قوات محدودة
للغاية لا تقدم سوى عينات من القدرات الرئيسية بدلاً من القوات الكبيرة والقوية
الجاهزة للقتال. فلأكثر من عقدين من الزمن، أهملت أغلب خطط الدفاع الأوروبية قضية
الكتلة، إذ يركز الناتو نفسه على القدرة على نشر قوات محدودة بسرعة خارج المنطقة
في أفغانستان أو غيرها من عمليات إدارة الأزمات بدلاً من التركيز على المتطلبات
المرتبطة بصراع كبير محتمل في أوروبا. وفي حين أن العودة إلى أحجام المعدات التي
كانت متاحة خلال الحرب الباردة أمر غير مرجح وغير ضروري، فإن الدول الأوروبية
تحتاج إلى إعادة بناء بعض الكتلة، خاصة في المجال البري والجوي نظراً لعودة الحرب
إلى أوروبا.
4-
التناقض الكبير بين البلدان الأوروبية في المعدات العسكرية: قد تبدو أعدادُ
المنصات القتالية الرئيسية في أوروبا كبيرة، لكنها تخفي العديد من التناقضات بين
البلدان؛ إذ إن هناك اختلالاً كبيراً في المعدات التي تملكها مختلف البلدان. فعلى
سبيل المثال، لا تمتلك 12 دولة أوروبية أي دبابات، ولا تمتلك 14دولة طائرات مقاتلة، مما يعني أنها لا تستطيع
المساهمة في المهام الأساسية. ورغم أن تطوير قوة جوية مقاتلة وطنية أو قدرة مدرعة
قد يكون أمراً صعباً بالنسبة للعديد من هذه البلدان "الصغيرة"؛ فإن
الترتيبات المتعددة الجنسيات تمكنها من أن تكون جزءاً من مشروع أوسع. ومقارنة
بالمخزونات الروسية والأمريكية، فإن العدد المطلق للمنصات الرئيسية في أوروبا قد
لا يكون سيئاً للغاية، ولكن القليل منها نسبياً حديث بما فيه الكفاية، أو يتمتع
بالمستوى المناسب من الاستعداد.
5-
انخفاض الموارد البشرية العسكرية: فقد انخفض حجم القوات القتالية الأوروبية بشكل
كبير منذ الحرب الباردة، مع انتهاء التجنيد الإجباري وتقلص القوات العسكرية. ومع
ذلك، يشير التقرير إلى أن "العدد المتبقي من الجنود البالغ عددهم 1.9 مليون جندي في قوات دول الناتو الأوروبية يكفي لتلبية متطلبات
الناتو في وقت السلم على الورق".
وفي
ضوء ذلك، يشدد التقرير على ضرورة أن تكون هذه القوات قادرة على تلبية المتطلبات
الصعبة لنموذج القوة الجديد لحلف الناتو. إذ يهدف نموذج القوة هذا، الذي تم
الاتفاق عليه في قمة الناتو لعام 2022 في مدريد، إلى توفير أكثر من 300 ألف جندي للرد على أي حالة طوارئ في غضون 30 يوماً (وأكثر من 100ألف جندي فيما يصل إلى 10 أيام)، والقدرة على تعزيز الجناح الشرقي للحلف على الفور في حالة
حدوث أزمة. وهذا يعني أن التوسع العام والواسع النطاق للقوات المسلحة الأوروبية
ليس ضرورياً، شريطة أن تعمل الدول الأوروبية على زيادة الاستعداد القتالي لقواتها
بشكل كبير لتمكينها من الردع والدفاع ضد أي حالة طوارئ كبرى في أوروبا.
تطوير
السياسات
لتحقيق
تقدم كبير في مجال السياسات، يشدد التقرير على ضرورة أن يركز الأوروبيون على قائمة
قصيرة من الأولويات، التي تتراوح من الأهداف المباشرة إلى الجهود الطويلة الأمد
لمعالجة فجوات القدرات وإصلاح التحديات التنظيمية:
1-
تنظيم مساعدة عسكرية متوسطة إلى طويلة الأجل لأوكرانيا: نظراً للاتجاه نحو تراجع
الدعم الأمريكي لجهود الدفاع الأوروبية، فمن الأهمية بمكان وبشكل عاجل أن يعمل
الأوروبيون على زيادة مساعداتهم لأوكرانيا على الفور، وذلك من خلال وضع خطة طوارئ
مشتركة لضمان بقاء القوات الأوكرانية على قيد الحياة إلى ما بعد الأشهر القليلة
المقبلة، ويجب أن تتمحور هذه الخطة حول ثلاث أولويات عاجلة: ضمان التدفق المستمر
للذخيرة للحفاظ على خط المواجهة، وتعزيز الدفاع الجوي والصاروخي الأوكراني لحماية
المدن والبنية التحتية، والتركيز على الدعم وقطع الغيار لصيانة المعدات الغربية
التي يتم التبرع بها. ويؤكد التقرير أن النهج المنسق بشكل جيد من شأنه أن يشجع
الحكومات على تحرير المزيد من الأسلحة الموجودة حالياً في المخزون والتي يمكن أن
تُحدث فرقاً في المجهود الحربي.
2-
ضرورة بناء القدرات العسكرية التقليدية: من أجل الوفاء بـ"المسؤولية
الاستراتيجية الأوروبية"، يقول خبراء عسكريون إنه يجب على أوروبا أن تبني
قدراتها العسكرية التقليدية إلى مستوى يوفر على الأقل نصف جميع القوات والقدرات،
بما في ذلك عوامل التمكين الاستراتيجية مثل النقل الاستراتيجي، والإمدادات الجوية،
والدفاع الجوي، والتزود بالوقود في الجو، والاستخبارات العملياتية اللازمة للردع،
وإذا لزم الأمر هزيمة معتدٍ من القوى الكبرى.
3-
هيكلة القاعدة التكنولوجية والصناعية الدفاعية الأوروبية: تكافح الصناعات الدفاعية
الأوروبية لتلبية الطلب والتسليم خلال إطار زمني معقول. ولتحقيق هذه الغاية، يشدد
التقرير على أهمية أن يحشد الاتحاد الأوروبي أدواته من أجل هيكلة القاعدة
التكنولوجية والصناعية الدفاعية الأوروبية، ودعم عمليات الاستحواذ المشتركة. إذ
تحتاج الدول الأوروبية إلى زيادة حجم القوات القتالية الجاهزة المتوفرة خلال فترة
قصيرة لتمكين الناتو (أو الاتحاد الأوروبي) من مواجهة نطاق أوسع من الأزمات
المحتملة من دون الإفراط في الاعتماد على التعزيزات الأمريكية. ولذلك تحتاج الجيوش
الأوروبية إلى تنظيم تدريبات أكثر انتظاماً وواسعة النطاق للأفراد والمقرات،
والحصول على قطع الغيار والذخيرة، وزيادة توافر المعدات الرئيسية. ويرى التقرير أن
هذه هي الأولويات المطلقة لتوليد مستوى من الاستعداد يتوافق مع البيئة الأمنية
الحالية.
4-
توفير الدعم المالي لتحسين البنية التحتية الدفاعية المشتركة: تُعد الخدمات
اللوجستية والدعم جزءاً أساسياً من الحفاظ على القوات الجاهزة، وجزءاً لا يتجزأ من
النجاح في الحرب. وبحسب التقرير، يتطلب نقل القوات والمعدات عبر مسافات كبيرة
منصات نقل وهندسة وأدوات بناء الجسور. وتحتاج القوات أيضاً إلى دعم طبي وبنية
تحتية مناسبة عند نشرها. ومع ذلك، فقد تضاءلت القدرات اللوجستية والدعم الأوروبي
إلى ما دون المطلوب.
وفي
حين أطلق الاتحاد الأوروبي والناتو جهوداً في عام 2017 لتحسين القدرة على الحركة العسكرية، وقاما بتوسيعها في عام 2022؛ لكن هذه الجهود كانت تعاني من نقص الموارد. ومن ثم يشدد التقرير
على أنه خلال دورة الميزانية المقبلة، يحتاج صناع السياسات الأوروبيون إلى توفير
التمويل الكافي ومتابعة خطة أكثر طموحاً لتحسين البنية التحتية ذات الصلة، بما في
ذلك الموانئ والمطارات والسكك الحديدية والطرق والأنفاق والجسور، ومعالجة العوائق
الإدارية التي تحول دون النشر السريع للأفراد والمعدات عبر أنحاء أوروبا.
5-
وضع خطة عشرية لتقليل الاعتماد على الدعم الأمريكي: من الضروري معالجة النقص
الأوروبي فيما يسمى بعوامل التمكين الاستراتيجية، والتي يعتمد الأوروبيون بشكل
كبير على القوات الأمريكية في تحقيقها. وفي مقابلة أُجريت معه مؤخراً، أكد رئيس
اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي "روبرت بريجر" على هذه الأولوية. وقد
حدد الناتو المجالات ذات الأولوية، حيث يعتمد الأوروبيون أكثر من غيرهم على الأصول
الأمريكية، مثل: الاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، بما في ذلك الأنظمة غير
المأهولة والقدرات الفضائية، والدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، وقدرات الضربة
الدقيقة بعيدة المدى، والجسر الجوي الاستراتيجي والتزود بالوقود جواً.
وقد
حقق الاتحاد الأوروبي نجاحات مؤخراً في الاستحواذ المشترك على عوامل تمكين رئيسية،
بما في ذلك أسطول مشترك مكون من سبع طائرات ناقلة تديرها قيادة النقل الجوي
الأوروبية (EATC) ومقرها في أيندهوفن (هولندا)، أو مبادرة Sky Shield الأوروبية التي تقودها ألمانيا والتي تركز على الدفاع الجوي
والصاروخي. لكن ما زال الأوروبيون مقصرين عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في قدرات
الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. ويؤكد التقرير على ضرورة أن تعالج الخطة
المنظمة أوجه القصور الحالية المحددة جيداً بحلول عام 2035 من خلال عمليات الاستحواذ المشتركة.
6-
مراجعة دور الاتحاد الأوروبي في مجال الدفاع الأوروبي: بعيداً عن عجزها المالي
وقدراتها، تحتاج الحكومات الأوروبية إلى معالجة بعض المناقشات المؤسسية حول دفاعها
في هذه البيئة الأمنية الجديدة، بما في ذلك أدوار ومسؤوليات الاتحاد الأوروبي في
الدفاع الأوروبي، فضلاً عن كيفية قيام الاتحاد الأوروبي بالدفاع عن نفسه. ويرى
التقريرُ أن دور الاتحاد الأوروبي لا بد أن يشمل الآن أربع ركائز: المرونة والدفاع
السيبراني، والحراك العسكري، والبحث والتطوير، وتنمية القدرات وتسليمها. فيما
يتعين على مؤسسات الاتحاد الأوروبي توضيح الأدوار المنوطة بكل منها، وضمان المستوى
المناسب من التمويل والحاجة الملحة إلى التنفيذ على هذه الجبهات الأربع.
7-
السعي لتطوير علاقات مؤسسية دائمة بين الناتو والاتحاد الأوروبي: يؤكد التقرير على
أنه قد حان الوقت للارتقاء بالتعاون بين حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي إلى
المستوى التالي، وتمكين بذل جهد منسق حقيقي. إذ لا بد من تكليف الأمين العام
القادم للناتو وقيادة الاتحاد الأوروبي بإصلاح وتوسيع العلاقة كخطوة أولى. وينبغي
أن يشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر: التنسيق بشكل أوثق بشأن القضايا ذات
الاهتمام المشترك مثل المعايير والابتكار والتنقل العسكري، والمواءمة إلى أقصى حد
ممكن بين جهود تطوير قدرات الحلف والاتحاد الأوروبي لضمان التماسك بين جهود الأخيرة
وأولويات التخطيط الدفاعي للناتو، بجانب تبادل أكثر مرونة للمعلومات (بما في ذلك
من خلال الترتيبات الأمنية التي تسهل تدفق المعلومات السرية)، وتنظيم آليات منهجية
لتبادل الموظفين بين المنظمتين لتطوير التفاهم المتبادل.
كما
يؤكد التقرير على أهمية إعادة النظر في اتفاقية برلين بلس المبرمة عام 2002 والتي سمحت لحلف الناتو بقيادة عمليات الاتحاد الأوروبي لضمان
أنها تسمح بمجموعة متنوعة من السيناريوهات. كما يرى التقرير ضرورة التنسيق بين
تدريبات الحلف والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن القوات الاحتياطية لتعزيز الاستعدادات.
ختاماً، يشير التقرير إلى أنه قد حان الوقت للأوروبيين لأن يتعاملوا مع الدفاع بشكل أكثر استراتيجية، وأن يستثمروا في الدفاع على المدى الطويل، وأن يستعدوا لقبول المزيد من المسؤوليات عن الدفاع عن أوروبا. كما ينبغي لهم أن يركزوا على تطوير "حزمة القوة الكاملة" الأوروبية، بما في ذلك قدرات الدعم القتالي وعوامل التمكين الرئيسية التي توفرها الولايات المتحدة في المقام الأول حالياً، وهذا من شأنه أن يمنح الدول الأوروبية القدرة على معالجة معظم السيناريوهات، بدءاً من إدارة الأزمات إلى الدفاع الجماعي بدعم محدود من الولايات المتحدة، وهو ما يعد أفضل طريقة لضمان أمن أوروبا، بل وأيضاً لتأمين مستقبل التحالف عبر الأطلسي.
المراجع:
كميل
جراند ،10.7.2024، هل يُمكن
لأوروبا تقليل اعتمادها الدفاعي على الولايات المتحدة؟،إنترريجونال للتحليلات
الاستراتيجية.
غابرييل إليفتريو، 27.6.2024، هل تستطيع أوروبا الدفاع
عن نفسها بلا أميركا؟،الميادين.