لم يتبقى من ولاية الرئيس الامريكي جو بايدن سوى عامين، في ضوء ذلك وتزامناً مع المتغيرات الدولية والاقليمية المحيطة بالشرق الاوسط، تطرح تساؤلات عن موقف الادارة الامريكية من هذه المنطقة بعد تصاعد الدور الصيني والروسي فيها، فهل ستتجه ادارة بايدن الى المواجهة مع القوى الكبرى؟ ام ستكتفي بالمراقبة؟ ام الانسحاب والتراجع؟ ام ستشهد تحولا واضحاً مختلفاً عن كل اجابات هذه التساؤلات؟
في
الحقيقة هنالك عدة محددات وثوابت تؤطر السياسة الامريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط
ودول الخليج بغض النظر عن طبيعة الادارة الحاكمة وشخصية الرئيس والحزب الذي ينتمي
اليه او يدعمه، ديمقراطي كان ام جمهوري، واهمها:
1
- عدم التراجع الكلي والسماح للقوى
الاخرى بأخذ دورها وملئ الفراغ في هذه المنطقة.
2
- امن الطاقة وضمان وصول إمداداتها
إلى واشنطن وحلفاءها.
3
- أمن الكيان الصهيوني وتفوقه عسكريا
على حساب دول المنطقة.
4
- مواجهة النفوذ الايراني والمد
الاسلامي الذي تتحرك وفقه مبادئ الثورة الاسلامية في إيران.
5
- نشر معايير الديمقراطية وحقوق
الانسان واحلال التغيير السياسي المطلوب في بلدان هذه المنطقة.
وفي
ظل هذه المحددات تتحرك الادارات الأمريكية المتعاقبة تجاه الشرق الاوسط ودول
الخليج؛ لكن في ظل ادارة بايدن فأن توجهاته وتوجهات الحزب الديمقراطي رغم تمسكهم
نظريا بهذه المحددات والتصريح بأن لديهم وجهات نظر راسخة تجاه هذه المنطقة
الحيوية، لكن عند متابعة سياسة بايدن مؤخرا نجد ابتعاده عن المنطقة وتقليص التمويل
والاستثمارات المباشرة والتدخلات العسكرية، وبدلا عن ذلك فأنه يميل الى التركيز
على القضايا الاكثر الحاحاً والاكثر اهمية لواشنطن مثل التعافي من آثار كوفيد 19، والعلاقات المتوترة مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية والتغير المناخي وغيرها.
اذ
ينظر الرئيس بايدن الى الشرق الاوسط على انه اقل اهمية من ضبط الصراع مع الصين
وروسيا مع عدم الميل الى المواجهة المباشرة مع هذه القوى وعدم تحويل المنطقة الى
ساحة لتصفية الحسابات مع محاولة ابعادهما عن المشاريع الحساسة ذات الابعاد
الاستراتيجية في هذه المنطقة.
بعد
ان طبق الرئيس بايدن منظوره المتراجع تجاه المنطقة في عامه الاول بعد الانسحاب من
افغانستان، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليسلط الضوء من جديد على الدور الحيوي الذي
تلعبه المنطقة ودول الخليج في التوازنات الدولية وليعكس ايضا مخاطر السماح لكل من
روسيا والصين باكتساب نفوذ حلفاء واشنطن التقليديين.
ان
الانسحاب من افغانستان كان اسوء حدث مرت به ادارة الرئيس بايدن بل اسوء حدث مرت به
السياسة الخارجية الامريكية في تاريخها المعاصر، اذ كان من المفترض ان يحتفي الرأي
العام الامريكي بهذا الحدث لكنه تحول الى كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث
سيطرت حركة طالبان المتشددة على كامل اراضي افغانستان بسرعة خاطفة وتمت محاصرة
القوات الامريكية في مطار كابول مما أرسل رسائل واضحة عن البراغماتية الامريكية في
التعاطي مع الحلفاء بأنهم شريك دولي غير موثوق فيه.
ان
ما يميز منطقة الشرق الاوسط الخليج هو الموقع الجغرافي القريب من اوروبا والطاقة
والاحتياطات النفطية والتحكم بالخطوط الملاحية الدولية الرئيسة، وتأثير النزاعات
الداخلية فيها على المصالح الاستراتيجية للأطراف الدولية وتهديدها للأمن الدولي
والاهم من ذلك ان هذه النزاعات ليست محلية فحسب لكن محركاتها خارجية على نطاق
واسع.
وانطلاقا
من هذه الاهمية الجيوسياسية لمنطقة الشرق الاوسط والخليج فأن اهداف السياسة
الخارجية التي حددها الرئيس بايدن المتمثلة بإعادة الانخراط في المجتمع الدولي،
وتأكيد الهيمنة الامريكية، وقيادة امريكا للنظام الدولي، وانهاء الحروب الابدية،
ومواجهة الصين، واحتواء روسيا، واعادة الاتفاق النووي مع ايران واضفاء الطابع
الانساني لسياسات واشنطن في مجالات الهجرة والمناخ، لا تتوافق مع هذه الاهمية
للمنطقة لان مستوى التنافس مع القوى الكبرى وتزايد نزعات الاستقلال الوطنية لدول
المنطقة وابتعاد الحلفاء التقليديين عن المصالح الامريكية تدريجيا يشكل اطارا
مختلفا عن نهج ادارة بايدن وسياساته تجاه دول المنطقة ما يقتضي اعادة النظر فيها.
من
المتوقع ان لا تنسحب ادارة بايدن من المنطقة لأنها تمتلك رؤية حول حجم المخاطر
والكلف المحتملة جراء ذلك وهي قد جربت ما حصل في العراق وافغانستان، والان تنظر
وتترقب الامير السعودي الشاب محمد بن سلمان كيف يتقارب مع الصين وروسيا وإيران
والعراق واليمن وسوريا.
لذا
فيما تبقى له من مدة حكم رئاسية، بعد فوز حزبه بمقاعد مجلس النواب وخسارة طفيفة لا
تعطي اولوية للحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ فانه سيتبنى مبادئ كاشفة عن تدخلات
مباشرة في المنطقة لإعادة ضبط التوازن على الاقل مع القوى الكبرى في الشرق الاوسط
ودول الخليج، وسيتبنى نهجاً وسياسة براغماتية واحدة بدءا من سوريا ولبنان واعادة
التموضع في العراق عبر اقليم كردستان وضبط العلاقة مع تركيا، واستغلال المنصات
الاقتصادية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية
وسلاح العقوبات الدولية اقتصاديا وسياسيا، لان بايدن وفريقه درسوا المشكلات
الاقليمية وتداعياتها المباشرة على المصالح الامريكية وتم تحديد الموارد المتاحة
اعلاه لإعادة التدخل والتموضع في هذه المنطقة.
أثر المتغيرات
الإقليمية والدولية على السياسة الخارجية الامريكية إزاء الشرق الأوسط:
ستبقى
منطقة الشرق الأوسط نطاقاً استراتيجيا حيويا للأمن القومي الأمريكي، حيث بدأت
الإدارة الأمريكية الجديدة مع وصول “جو بايدن” إعادة النظر في سياستها الخارجية،
القائمة على نمط المبادئ التي تبرز في طياتها أبعاد عدة ذات توجهات مثالية وقيمية،
وتوثيق علاقاتها مع حلفائها الاستراتيجيين ورفع مستوى الالتزام الأمريكي بشكل
أساسي لإثبات دورها الفعال والتكيف مع المتغيرات التي شهدتها البيئة الإقليمية
والدولية، والتركيز على آليات فاعلة
لتجاوز القصور في مواجهة التحولات التي افرزتها ممارسات القوى الإقليمية والدولية
في المنطقة.
أدركت
الإدارة الأمريكية عمق التحولات السياسية والتحديات التي تواجه المصالح القومية
الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع تعدد الأزمات والاضطرابات بالإضافة إلى
تغيرات في موازين القوى على الصعيد الإقليمي في ظل بروز فواعل إقليمية وأخرى دولية
تسعى إلى المنافسة الجيوسياسية للولايات المتحدة في المنطقة. أهمها ما يتعلق
بالتحولات الجارية في ليبيا وشرق المتوسط، واستئناف العلاقات العربية- الخليجية
عقب توقيع دول التحالف الرباعي العربي، السعودية والإمارات والبحرين، بالإضافة إلى
مصر.
حيث
تعهدت وثيقة الدليل الاستراتيجي المؤقت بحماية أمن الكيان الصهيوني والسعي إلى تعزيز علاقاتها مع جيرانها،
واستئناف دور أمريكا كداعم لحل الدولتين كما. وأن واشنطن ستعمل مع حلفائها في
المنطقة لردع الاعتداء والتهديد النووي الإيراني، وتهديدات إيران لسيادة الدول
ووحدة أراضيها، والقضاء على تنظيم القاعدة والشبكات الإرهابية المرتبطة بها، ومنع
عودة ظهور داعش، لكنها ذكرت في المقابل أن الإدارة الأمريكية لن تعطي شركاءها في
الشرق الأوسط شيكًا مفتوحًا لممارسة سياسات تتناقض مع المصالح والقيم الأمريكية.
إن
توجهات إدارة الرئيس جو بايدن الحالية ستعيد العمل بالمحددات والاهداف الامريكية
التقليدية المذكورة وستعمل على التدخل تجاه العديد من قضايا المنطقة بشكل
براغماتي، لكن هذا التدخل والعمل على تحقيق المحددات الامريكية سيركز على مبدأ
تجنب تفاقم الأوضاع والامور وتطورها سواء في العراق او سوريا واليمن ولبنان
والخليج، وعدم تعظيم المواجهة والصدام المباشر ما أمكن بل ستتعامل من خلال نهج
دقيق يمزج بين الواقعية السياسية والتعامل المؤسسي مع الاحداث، والتعاطي الحذر مع
متغيرات النظام الاقليمي والدولي، مع تركيز خاص على الدور الإيراني، وكذلك النفوذ
الروسي والصيني المتزايد في هذه المنطقة.
الخاتمة:
مما
لا شك فيه أنّ هناك تطوراً على المستوى السياسي تشهده منطقة الشرق الأوسط يعكسه
التحولات الجيوسياسية في البيئة الإقليمية، وهذا يجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة
جذب العديد من السياسات الخارجية للدول الكبرى،
في
سياق ذلك، إن أهم المصالح التي تسعى لها إستراتيجية الولايات المتحدة هي أمن الكيان
الصهيوني، لأن الكيان الصهيوني ليس فقط دولة وظيفية في الإستراتيجية الأمريكية،
وإنما أقرب ما يكون إلى ولاية أمريكية خارج حدود الولايات المتحدة، بالإضافة إلى
ذلك، يمثل أمن هذا الكيان أحد أهداف جولة بايدن في الشرق الأوسط. وكذلك أيضاً
اهتمام إدارة جو بايدن بإمدادات الطاقة يعد من أهم أهداف زيارة جو بايدن، حيث كانت
تستهدف زيادة إنتاج الدول الخليجية والعراق من النفط لمواجهة ارتفاع الأسعار
عالمياً. وعلى خلفية العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على قطاع الطاقة
الروسي بعد غزو روسيا لأوكرانيا، وقد نجحت زيارة بايدن جزئياً في تحيق هذا الهدف
بعد إعلان السعودية رفع الإنتاج إلى 13 مليون برميل يومياً، ولكن إعلان الرياض
بعدم قدرتها على الزيادة أكثر من ذلك أدى إلى الحد من تحقيق النتيجة التي كان تسعى
إليها استراتيجية بايدن. وعلى هذا فقد نجحت زيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق
الأوسط في تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة بناءاً على الانعقاد الذي تم في قمة
جدة للأمن والتنمية والتي ضمت عدداً من الدول المشاركة، خاصةً مع ظهور بعض
الخلافات حول التوجه شرقاً نحو روسيا والصين، وهو ما أكدته الادارة الأمريكية بحسم
ووضوح، وأنها لن تترك المنطقة لتمدد موسكو أو بكين. وتشدد واشنطن أن أهداف
والتزامات الإستراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي الأمريكي.
المراجع
د. أحمد عدنان الميالين، 06 يونيو 2023، محددات السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط في عهد الرئيس
بايدن، مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية.
انتصار صابر محمد، 4.
يونيو 2023، أثر الاستراتيجية الأمريكية” الدليل المؤقت” على منطقة الشرق الأوسط
(إدارة بايدن نموذجًا)، المركز الديمقراطي العربي.