من المأثور عن الزعيم الراحل نيلسون مانديلا قوله:
"يبدو الأمر مستحيلاً دائماً حتى يتم إنجازه" فهل يصبح عام 2025 هو العام
الذي تحول فيه أفريقيا طموحاتها إلى إنجازات؟ ولا يخفى أن القارة الأفريقية تقف اليوم
على مشارف مرحلة جديدة مليئة بالفرص والتحديات فهذا العام لا يحمل فقط ذكريات تاريخية
مهمة، بل يفتح آفاقاً جديدة لصياغة مستقبل القارة، حيث تحتفل العديد من الدول الأفريقية
بذكرى استقلالها مثل مرور 50 عاماً على استقلال موزمبيق وكيب فيردي وساو تومي وبرينسيب،
و60 عاماً على استقلال غامبيا كما تحتفل المنظمات الإقليمية مثل الجماعة الاقتصادية
لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) والجماعة الاقتصادية لشرق أفريقيا بذكري تأسيسهما.
هذه الأحداث لا تمثل مجرد احتفالات عابرة، بل هي فرصة لإعادة
تقييم التقدم الذي تم إحرازه وتجديد الالتزام بمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية التي تواجه القارة، مع التأكيد على أهمية الوحدة والتعاون في دفع عجلة
التنمية والاستقرار في أفريقيا ويسعى هذا المقال إلى استكشاف بعض الاتجاهات الكبرى
التي يمكن أن ترسم ملامح المستقبل الأفريقي في عام 2025 .
أولاً: أفرقة النظام الدولي من خلال تعظيم الدور والمكانة
كان عام 2024 عاماً فاصلاً للدبلوماسية الأفريقية، حيث استغلت
الدول بمهارة التوترات العالمية لتضخيم نفوذها ويسلط توسع مجموعة البريكس لتشمل إثيوبيا
ومصر الضوء على أهمية أفريقيا المتزايدة في تشكيل السياسة الاقتصادية الدولية ومع تحول
الكتلة بشكل متزايد نحو تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتعزيز التجارة بين الأعضاء،
تجد أفريقيا نفسها في طليعة هذه الجهود إن الدول الأفريقية مثل مصر وإثيوبيا، التي
تعتمد على واردات الغذاء، من المرجح أن تستفيد من خطط مجموعة البريكس لإنشاء بورصات
السلع الأساسية، وخاصة الحبوب والمعادن وفي الوقت نفسه، تشير قيادة جنوب أفريقيا لمجموعة
العشرين إلى استعداد أفريقيا لدفع المحادثات حول النمو الشامل، والقدرة على التكيف
مع المناخ، والإصلاح المتعدد الأطراف ومع ذلك، من المقرر أن يتحول المشهد الجيوسياسي
بشكل كبير مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ومن المرجح أن تعمل سياساته الانعزالية
وتشككه تجاه المؤسسات المتعددة الأطراف على تسريع تنويع تحالفات أفريقيا وعليه، فإن
"لحظة الوضوح" هذه تقدم للدول الأفريقية فرصة لتعزيز العلاقات مع أوروبا
والصين وشركاء الجنوب العالمي ويتعين على القادة الأفارقة أن يتعاملوا مع هذا الأمر
بعناية، مع موازنة البراجماتية مع الطموح الاستراتيجي.
ومن المتوقع أن تشهد علاقة أفريقيا بالصين، أكبر شريك تجاري
لها، نقطة تحول كبرى ومع تحول تركيز بكين بعيداً عن مشاريع البنية الأساسية واسعة النطاق
نحو استثمارات أكثر استراتيجية، يتعين على الحكومات الأفريقية تنويع الشراكات والحد
من الاعتماد على القروض وسوف تعمل الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لمنتدى التعاون
الصيني الأفريقي كمنصة لإعادة تقويم العلاقات، مع التأكيد على التعاون المستدام بدلاً
من الاقتراض غير المنضبط وفي الوقت نفسه، تبرز دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية
والإمارات العربية المتحدة كمستثمرين رئيسيين في أفريقيا، لموازنة هيمنة الصين ويشير
تعهد المملكة العربية السعودية بعشرة مليارات دولار لمشاريع التعدين الأفريقية إلى
تحول استراتيجي، حيث تسعى القوى في الشرق الأوسط إلى تأمين الإمدادات المعدنية وتوسيع
النفوذ ولا يعزز هذا التنوع القوة التفاوضية لأفريقيا فحسب، بل يقدم أيضاً ديناميكيات
تنافسية من شأنها أن تعزز الشفافية والحوكمة في القطاع.
ثانياً: معضلة الأمن والحوكمة والتوازن المفقود
لا يزال المشهد
الأمني في أفريقيا معقداً ومليئاً بالتحديات، حيث تواصل مناطق الصراع في الساحل والقرن
الأفريقي ومنطقة البحيرات العظمى إظهار مؤشرات محدودة على الاستقرار، في ظل تزايد تعقيد
الديناميكيات الجيوسياسية ويُتوقع أن تستمر موجات الاضطرابات الاجتماعية، المدفوعة
بالتفاوتات الاقتصادية وفشل أنظمة الحكم والقمع السياسي، في تعطيل التنمية في دول مثل
نيجيريا وكينيا وأوغندا ورغم المكاسب الديمقراطية التي شهدتها غانا والسنغال وبوتسوانا
وجنوب أفريقيا، إلا أن النزعات الاستبدادية لا تزال مترسخة في العديد من الدول الأخرى
وفي غرب أفريقيا، واصلت المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر تحدي الضغوط
الدولية لاستعادة الحكم المدني، مما أثار قلقاً متزايداً بشأن احتمالات التراجع الديمقراطي
على المدى الطويل ومن المنتظر أن تسود أجواء عدم اليقين الانتخابات المقبلة في كوت
ديفوار وتوغو والكاميرون، نظراً لاستمرار هيمنة النخب الحاكمة وغياب الشفافية في العمليات
الانتخابية.
في عام 2025، ستشكل عوامل تصاعد عدم الاستقرار في الساحل،
والهشاشة السياسية في غينيا واستمرار الجمود في السودان المشهد الأمني في القارة وتستعد
المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر للانسحاب رسمياً من الإيكواس، وتعزيز
تحالف دول الساحل في إطار اتحاد سياسي واقتصادي جديد يهدد بتقويض التماسك الإقليمي
ورغم أن هذه الخطوة تعزز التعاون الداخلي بين دول الساحل، إلا أنها قد تؤدي إلى تفاقم
عزلة هذه الدول وتعرضها لإجراءات انتقامية من الإيكواس تشمل قيوداً على التجارة والسفر
في المقابل، تستمر الحكومة العسكرية في غينيا في تأجيل تنفيذ التزاماتها بالانتقال
إلى الحكم المدني، مستغلة تردد الإيكواس في فرض ضغوط إضافية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات
داخل المنظمة
أما السودان، فلا تزال الحرب الأهلية مستعرة بين القوات
المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع دون أي بوادر للحل ورغم الجهود المستمرة للوساطة
الدولية، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل حتى الآن، في ظل عجز مجلس الأمن عن اتخاذ خطوات
حاسمة وفي ظل غياب تحول كبير في المشهد الدبلوماسي العالمي يُرجح أن يستمر الصراع في
السودان، مما يعزز القناعة بأن التحديات الأمنية في أفريقيا ستظل مترسخة في الصراعات
الداخلية والتدخلات الخارجية، حتى وإن تبدلت التحالفات السياسية على مستوى القارة.
ثالثاً: النمو الاقتصادي ومتلازمة الديون
يعكس النمو الاقتصادي المتوقع للقارة بأكثر من 4٪ في عام 2025 المرونة الاقتصادية،
إلا أن هذا الرقم يخفي التفاوتات الأساسية ستقود شرق أفريقيا، مدفوعة بالأداء القوي
في رواندا وأوغندا وتنزانيا وجيبوتي الطريق بمعدلات نمو تتجاوز 6٪ ومع ذلك، لا يزال التضخم وتقلب
العملة بمثابة معضلة كبرى أمام التنمية المستدامة وربما يتم تشكيل المسار الاقتصادي
لأفريقيا في عام 2025 من خلال الضغوط المزدوجة للحمائية الخارجية والإصلاح الداخلي
إن سياسات ترامب التجارية تهدد مستقبل قانون النمو والفرص في أفريقيا الذي ينتهي في
عام 2025 ورغم أن التجديد محتمل، فإن حالة عدم اليقين قد تثبط الاستثمار في القطاعات
الحيوية وفي الاستجابة لذلك، من المتوقع أن تعمل الدول الأفريقية على تعميق التكامل
الإقليمي في إطار منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وتعزيز الروابط الاقتصادية
مع الاتحاد الأوروبي من خلال اتفاقيات مثل الشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي
وكينيا.
وفي المقابل، لا تزال أزمة الديون تشكل تهديداً وشيكاً،
حيث إن أكثر من نصف البلدان ذات الدخل المنخفض في أفريقيا إما في خطر أو معرضة لخطر
كبير من أزمات الديون وهذا يؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاحات مالية مبتكرة وتعزيز توليد
الإيرادات المحلية يجب على الحكومات إعطاء الأولوية للتصنيع والإنتاجية الزراعية لتحفيز
التنوع الاقتصادي إن بلدان مثل بنين وكوت ديفوار وموزمبيق وإثيوبيا تحقق تقدماً بالفعل
ولكن الجهود الأوسع نطاقاً والمنسقة ضرورية للحفاظ على الزخم.
وتعكس المفاوضات المطولة التي أجرتها زامبيا مع الدائنين،
والتي بلغت ذروتها في التوصل إلى اتفاق بعد أربع سنوات، عدم كفاءة الإطار المشترك لمجموعة
العشرين لمعالجة الديون ولكن إعادة الهيكلة السريعة في غانا تشير إلى أن التقدم ممكن
ومع بقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة، فمن المرجح أن تكثف الحكومات الأفريقية دعواتها لإصلاح
النظام المالي الدولي، والدعوة إلى شروط أكثر إنصافاً تعكس الحقائق الاقتصادية للقارة
ولذلك، فإن رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين تقدم منصة مهمة للدفاع عن هذه الإصلاحات
ومع مناقشة خبراء الاقتصاد لنماذج تخفيف الديون المبتكرة، بما في ذلك تخفيضات القروض
الميسرة ومبادلات الديون الخضراء، يتعين على أفريقيا أن تلعب دوراً رائداً في إعادة
تشكيل هيكل الديون العالمية
رابعاً: التحول التكنولوجي والعملات الرقمية
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، يزداد إدراك الدول
الأفريقية لأهمية الاستقلال المالي وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية ويأتي هذا
الإدراك مدفوعاً بتقلبات العملات المحلية، وشح احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع تكاليف
المعاملات عبر الحدود وفي هذا السياق، يبرز نظام الدفع والتسوية الأفريقي(PAPSS) كأداة ثورية يمكن أن تعيد تشكيل النظام المالي
القاري ويهدف نظام الدفع هذا إلى تقليل الحاجة لاستخدام العملات الأجنبية، عبر تمكين
الدول الأفريقية من إجراء المدفوعات مباشرة بعملاتها المحلية، وهو ما يُقدر أنه سيوفر
للشركات الأفريقية أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً كانت تُهدر في رسوم التحويلات المصرفية
إلى جانب ذلك، يشكل صعود العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) خطوة أخرى نحو تحقيق السيادة
المالية وتُدرك العديد من البنوك المركزية الأفريقية أن رقمنة العملات المحلية قد تكون
حلاً فعالاً لمواجهة التضخم وتعزيز الشمول المالي على سبيل المثال، أطلقت نيجيريا عملة
"إي-نيرة" كأول عملة رقمية لبنك مركزي في أفريقيا، بهدف تحسين كفاءة النظام
المالي وتقليل التكاليف التشغيلية ومن المتوقع أن تحذو دول أخرى مثل غانا، كينيا، ومصر
حذو نيجيريا خلال السنوات المقبلة، مع التركيز على تطوير أنظمة دفع مرنة تستوعب الاستخدام
الواسع للعملات الرقمية.
ومع تزايد الاتجاه نحو التكامل الإقليمي، تكتسب العملات
الرقمية للبنوك المركزية أهمية متزايدة كأدوات لتعزيز التجارة البينية داخل أفريقيا
ومن المنتظر أن يؤدي تزايد تبني هذه العملات إلى تسهيل تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة
القارية الأفريقية، حيث ستتمكن الشركات الصغيرة والمتوسطة من توسيع نطاق عملياتها بسهولة
عبر الحدود، بفضل توفر أنظمة دفع رقمية أقل كلفة وأكثر كفاءة كما أن التكامل بين أنظمة
الدفع الرقمية مثل (PAPSS) والمنصات العالمية مثل منصة ( إم بريدج mBridge) المدعومة من مجموعة البريكس قد
يمثل نقلة نوعية في تعزيز تقويض الدولرة في أفريقيا وتسمح منصة" إم بريدج"
للدول بإجراء معاملات تجارية وتسويات مالية مباشرة باستخدام العملات الرقمية للبنوك
المركزية، متجاوزة بذلك النظام المصرفي التقليدي الذي يعتمد بشكل كبير على الدولار
الأمريكي من خلال هذه المنصة، يمكن لأفريقيا أن تقلل من تعرضها لصدمات العملات الأجنبية
وتخفف من آثار تقلبات العملة العالمية.
خامساً: تمويل قضايا المناخ
في حين حقق مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون تقدماً تنظيمياً
في أسواق الكربون، فإن التزامات تمويل المناخ كانت مخيبة للآمال إن الهدف السنوي البالغ
300 مليار دولار للدول النامية بحلول عام 2035 بعيد كل البعد عن 13 تريليون دولار التي
تسعى إليها الدول الأفريقية ويؤكد هذا التناقض على إحجام الشمال العالمي عن تلبية احتياجات
أفريقيا من تمويل المناخ ومع ذلك، فإن التقدم المحرز في تجارة أرصدة الكربون بموجب
المادة 6 من اتفاق باريس يقدم سبلاً جديدة للدول الأفريقية لتسييل رأس مالها الطبيعي
الغني وعلى سبيل المثال، تعكس لوائح سوق الكربون الاستباقية في كينيا سعي أفريقيا إلى
الاستفادة من الفوائد الاقتصادية من أصولها البيئية وتهدف مبادرة أسواق الكربون الأفريقية
إلى خلق ملايين الوظائف وإطلاق العنان للمليارات من الإيرادات، لكن المخاوف بشأن مصداقية
أسواق الكربون الطوعية لا تزال قائمة وعليه يجب على صناع السياسات الأفارقة الضغط من
أجل الرقابة الصارمة لضمان ترجمة أرصدة الكربون إلى عمل مناخي ملموس، بدلاً من أن تصبح
أدوات لغسيل الأموال من قبل الدول الصناعية.
سادساً: الاستثمار في الشباب والابتكار من أجل المستقبل
في خضم التحديات الكبرى تكمن أعظم أصول أفريقيا - شبابها
مع أكثر من 60٪ من السكان تحت سن 25 عامًا، فإن مستقبل القارة يعتمد على تمكين
هذه الفئة السكانية من خلال التعليم وريادة الأعمال والحكم الشامل وبدلاً من قمع حركات
الشباب، يجب على الحكومات تسخير طاقتهم وابتكارهم كمحركات للتحول الاجتماعي والاقتصادي
ويوفر عام 2025 للقادة الأفارقة تلاقياً نادراً للفرص ومن خلال اغتنام هذه اللحظات
بالرؤية والغرض، يمكن لأفريقيا تسريع مسارها نحو الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي
والنفوذ العالمي الأكبر ولكن تحقيق هذه الأهداف يتطلب أكثر من مجرد الشعارات الخطابية
بل يتطلب اتخاذ إجراءات جريئة ومستدامة تستند إلى حقائق المشهد المتنوع في القارة.
ختاماً، فإن عام 2025 من المرجح أن يكون عاماً حاسماً لأفريقيا، يتميز بزيادة الدور والمكانة الجيوسياسية، والتنويع الاقتصادي، والجهود المتجددة لمعالجة تغير المناخ وفي حين تستمر التحديات الكبرى - بدءاً من ضائقة الديون إلى فجوات تمويل المناخ - فإن الموقف الاستباقي لأفريقيا ونفوذها المتزايد في المنتديات العالمية يضعها في قلب الخطاب العالمي المرتبط بهذه القضايا ومن جهة أخرى، يمكن لأفريقيا من خلال تسخير طاقات شبابها ومواردها الطبيعية وإمكاناتها الرقمية، أن تحول عام 2025 إلى عام النهضة الأفريقية، وإرساء الأساس للازدهار المستدام والقدرة على الصمود في العقود القادمة.
المصدر: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
الكاتب : أ د حمدي عبد الرحمن حسن
التاريخ : 31/12/2024
---------------------------------------------
المصدر : صحيفة قراءات إفريقية
الكاتب : أ.ناصر كرم رمضان
التاريخ : 2/12/2024