قــراءة فــي قــمــة الـنـاتــــو 2023
فرع بنغازي

بدا واضحاً امتعاض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، من تأجيل قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، التي جرت أعمالها في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، الثلاثاء والأربعاء 11و 12يوليو 2023، لمسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، لكن ورغم الانقسام على هذه المسألة، يسود في المقابل اتفاق أميركي أوروبي على دعم أوكرانيا طويلاً بشتى الوسائل المالية والعسكرية.

وخلال يومين قدمت قمة الناتو ملامح عامة لمستقبل الحرب المتواصلة، بعد 500 يوم على غزو روسيا لأوكرانيا.

شعور زيلينسكي بخيبة ومرارة إبقاء الأطلسي لبلده بعيدا عن عتبات أبوابه، جاء بعد إدراكه أن الناتو لم يتفق على صيغة تطمئنه حيال تاريخ محدد للتفاوض على العضوية. وحتى قبل الوصول إلى ليتوانيا حين غرد على تويتر أن الأوكرانيين تلقوا "بعض الإشارات المشؤومة".

وعلى ما يبدو، بضغط وثقل أميركي وألماني، ارتأى قادة الأطلسي عدم حسم السجالات بشأن تحديد جدول زمني لفتح مفاوضات القبول في الناتو. وكتب زيلينسكي بلغة قاسية: "إنه أمر غير مسبوق وسخيف ألا يتم تحديد إطار زمني للدعوة أو لعضوية أوكرانيا". وذهب أبعد من ذلك بالقول: "بالنسبة لروسيا فهذا دافع لمواصلة إرهابها".

بضغط وثقل أميركي وألماني، ارتأى قادة الأطلسي عدم حسم السجالات بشأن تحديد جدول زمني لفتح مفاوضات القبول في الناتو

كل ذلك جاء بعد عبارة الأطلسي القائلة: "سنتمكن من إرسال دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف عندما يتفق الحلفاء ويتم الوفاء بالمتطلبات".

ولعل أسباب امتعاض كييف ودول أخرى مؤيدة لها في الحلف، ولا سيما رئيسة وزراء إستونيا، كاجا كالاس، للغة المطاطة المستخدمة، استشعارهم أن أية مفاوضات لوقف الحرب في أوكرانيا مع الجانب الروسي يجب أن يسبقها "منح أوكرانيا اليقين بأن الضمان الأمني النهائي هو في عضوية الناتو بمجرد انتهاء الحرب".

على لسان كالاس يمكن فهم المسألة بشكل مختصر، باعتبار تحديد موعد عضوية أوكرانيا مع توقف الحرب بمثابة "وصفة وحيدة لسلام دائم" (بالأصل لا يضم الحلف إلى عضويته بلدا يعيش حربا أو نزاعا مسلحا).

الرئيس جو بايدن، رغم اعتباره أن حجم وعود المساعدات الغربية "يظهر لموسكو أن الوقت ليس في صالحها"، أكد في مقابلة مع سي أن أن الأميركية عن اعتقاده أن أوكرانيا "ليست مستعدة بعد لعضوية الناتو"، مضيفا أن تلك العضوية "تتطلب أن تفي البلاد بجميع المؤهلات، من التحول الديمقراطي إلى مجموعة متكاملة من القضايا". ألمح بايدن إلى منح أوكرانيا وضعا متميزا على مستوى المساعدات قريبا من وضع دولة الاحتلال الإسرائيلي في العلاقة مع واشنطن.

بطريقة أو أخرى يُفهم من كلام الأميركيين أن البلد الذي ساعدوه عسكريا وماليا بأكثر من 50 مليار يورو مناصفة مع الاتحاد الأوروبي (حتى نهاية مايو/ الماضي) أمامه أميال طويلة لتلبية متطلبات عضوية الناتو، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي حتى.

وفي أفضل الأحوال، مع بوادر استمرار الحرب في أوكرانيا، يبقى أمام الأوكرانيين، وحلفائهم في دول البلطيق وشرق أوروبا، باستثناء المجر، حتى قمة الناتو في واشنطن العام القادم، لإقناع زعماء الحلف بأنهم "يستحقون" السير نحو مفاوضات عضويته.

بدوره، قال رئيس ليتوانيا غيتاناس ناوسيدا إن أمن الجبهة الشرقية للناتو يجب أن يكون أولوية للحلف.

وفور وصوله إلى ليتوانيا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستشرع في إمداد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، لمساعدتها في الدفاع عن نفسها.

وقال "قررت زيادة شحنات الأسلحة والعتاد لتمكين الأوكرانيين من امتلاك القدرة على تنفيذ ضربات عميقة، مع الحفاظ على قناعتنا بالسماح لأوكرانيا بالدفاع عن أراضيها"، ورفض ماكرون الإدلاء بمزيد من التفاصيل حول عدد الصواريخ أو أنواعها.

وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان إن الحلف الذي يبدأ اليوم اجتماع قمة في فيلنيوس، سيحدد "مسار إصلاح لأوكرانيا"، لكن "لا يمكنني تحديد جدول زمني لذلك". وأوضح المسؤول الأميركي أن الرئيس جو بايدن سيلتقي نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في العاصمة الليتوانية الأربعاء 12/يوليو.

إجراءات أمنية ضدّ روسيا:

واستبعد سوليفان أي انضمام فوري لأوكرانيا بسبب صراعها المستمر مع روسيا، قائلا إن ذلك "سيجرّ الناتو إلى حرب مع روسيا".

وأشار إلى أن هناك "الكثير من حسن النية" لدى الحلفاء المجتمعين في قمة فيلنيوس، فيما دعا زيلينسكي إلى الحصول على "إشارة واضحة" من الغربيين حول احتمالات انضمام بلاده إلى الناتو.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت عضوية الناتو ستكون مستحيلة طالما أن هناك قوات روسية على الأراضي الأوكرانية، ترك سوليفان الباب مفتوحا أمام الحلول الوسط.

وبعيدا عن مسألة العضوية، تناقش الدول الأعضاء في الناتو إجراءات أمنية مؤقتة ملموسة لعرضها على أوكرانيا، بالإضافة إلى المساعدات الحالية التي تتدفق لمساعدة جيش كييف في صدّ القوات الروسية.

وقال سوليفان إن هذه المسألة ستناقش خلال اجتماع الأربعاء 12/ يوليو بين بايدن وزيلينسكي، موضحا أنهما سيبحثان "كيف أن الولايات المتحدة -إلى جانب شركائنا- مستعدة لتقديم التزامات طويلة الأمد لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها الآن، وردع أي عدوان في المستقبل".

في سياق مواز، نقلت رويترز عن 3 دبلوماسيين قولهم إن الدول الأعضاء في الناتو توصلت إلى اتفاق حول خطط توضح بالتفصيل كيف سيرد الحلف على هجوم روسي، متغلبا على محاولة تركية لعرقلة الاتفاق.

ويشير ذلك إلى تحول كبير، فهي المرة الأولى التي يضع فيها الحلف مثل هذه الخطط منذ نهاية الحرب الباردة قبل ثلاثة عقود.

وحاولت تركيا عرقلة الاتفاق على الخطط بسبب مشكلة صياغة تتعلق بمواقع جغرافية، مثل موقع قبرص.

روسيا تتوعد:

وفي موسكو، قال الكرملين إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يشكل تهديدا لروسيا، وهو ما يتطلب رد فعل سريعا، موضحا أن روسيا تراقب قمة الناتو "عن كثب".

وحذّر الكرملين من أن انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي ستكون له عواقب وخيمة على هيكلية الأمن في أوروبا.

من جهتها، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن الدبلوماسي الروسي قسطنطين غافر يلوف، قوله إن إعلان الولايات المتحدة عن خطط لزيادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا يظهر عدم اهتمامها بالتوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة.

وأضاف غافر يلوف في تعليقات نشرت يوم الثلاثاء 11/يوليو، أن أوروبا ستكون أول من يواجه "عواقب كارثية" في حالة تصعيد الحرب.

استياء زيلينسكي:

في الموضوع ذاته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن عدم تقديم إطار زمني لانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي خلال قمة فيلنيوس 11/يوليو، سيكون أمرا "عبثيا".

وكتب زيلينسكي باللغة الإنجليزية على تطبيق تلغرام "سيكون أمرا غير مسبوق وعبثيا إذا لم يتم تحديد إطار زمني، سواء لتقديم دعوة (للانضمام إلى الحلف) أو لعضوية أوكرانيا".

وأضاف أن الغموض المستمر حول انضمام أوكرانيا لعضوية حلف شمال الأطلسي من شأنه أن يمدّ روسيا "بدافع لاستمرار إرهابها".

وتابع قائلا -في إشارة إلى أنه سيحضر القمة- "عدم التيقن ضعف.. وسأناقش ذلك بكل وضوح خلال القمة".

انضمام السويد:

وفيما يخص انضمام السويد للحلف، وافقت تركيا يوم الاثنين 11/يوليو على عرض بروتوكول انضمام السويد إلى الناتو في البرلمان.

وعقب محادثات في فيلنيوس مع أردوغان ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، قال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ "يسرني إعلان أن الرئيس أردوغان وافق على عرض بروتوكول انضمام السويد" على البرلمان "في أسرع وقت ممكن، وعلى العمل مع المجلس لضمان التصديق" عليه، مضيفا أنه "يوم تاريخي".

وتابع ستولتنبرغ أن "استكمال انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي خطوة تاريخية تفيد أمن كل الحلفاء في الناتو في هذه الأوقات الحرجة، وتجعلنا جميعا أكثر قوة وأمنا".

كما رحّب رئيس وزراء السويد بالموافقة التركية، واصفا موقف أنقرة الجديد بأنه "خطوة كبيرة جدا".

وقال كريسترسون -خلال مؤتمر صحفي- "نخطو خطوة كبيرة نحو التصديق رسميا على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، إنه يوم جيد للسويد"، معربا عن "سعادته الكبيرة" بالاتفاق.

المجر على خطى تركيا:

من ناحيته، وصف رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك موضوع انضمام السويد باللحظة التاريخية لحلف الناتو، قائلا إنها تجعل أعضاءه جميعا أكثر أمانا، مشيرا إلى أنه يتطلع إلى الترحيب بالسويد في الحلف.

أما رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، فقد قال إن انضمام السويد إلى الناتو سيزيد من أمن الحلف وأمن أوروبا.

ورحّبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بما قالت إنها خطوة تاريخية مهمة، كما رحّبت وزيرة الخارجية النرويجية بإعلان الناتو بشأن انضمام السويد، مؤكدة أن وجودها في الحلف مهم لدول البلطيق وللجميع، بحسب تعبيرها.

ورحّب سوليفان بقرار تركيا، لافتا إلى أن "القيادة الشخصية للرئيس جو بايدن" كانت أساسية في دفع الرئيس التركي إلى التوقف عن عرقلة محاولة السويد الانضمام إلى الناتو، وهو أمر يتطلب إجماع كل أعضاء التحالف.

بدورها، أعطت المجر -التي لم تصادق بعد على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي- إشارة إيجابية لذلك حتى الأن.

وقال وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو "موقفنا واضح: الحكومة تدعم انضمام ستوكهولم للحلف الأطلسي.. استكمال عملية المصادقة لم يعد الآن سوى مسألة تقنية"، وذلك في تصريحات له على فيسبوك قبيل توجهه لحضور قمة الناتو في فيلنيوس.

لكن موسكو قالت اليوم عبر تصريحات للكرملين إن انضمام السويد المتوقع إلى حلف شمال الأطلسي ستكون له تداعيات سلبية واضحة على الأمن الروسي، وسيتطلب ردا مماثلا لما تم اتخاذه عند انضمام فنلندا للحلف.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من شأن قرار تركيا العدول عن معارضتها لانضمام السويد، قائلا إن أنقرة عليها التزامات بصفتها عضوا في الحلف، وإن موسكو ليست لديها أوهام بشأن هذا الأمر.

وأضاف أن هناك اختلافات بين روسيا وتركيا، لكن بينهما أيضا مصالح مشتركة، وأن موسكو تعتزم تطوير علاقاتها مع أنقرة.







المراجع

ب. ن، 11/7/2023، زيلينسكي مستاء لعدم تحديد تاريخ لانضمام بلاده.. قمة الناتو تنطلق بليتوانيا وهذا أبرز ما بأجندتها، موقع الجزيرة.

ناصر السهلي،12 يوليو 2023، قمة الناتو.. جوائز ترضية لأوكرانيا ومؤشرات على طول الحرب  ،العربي الجديد.

ب. ن، 11/7/2023، قمة الناتو.. تطمينات لأوكرانيا بشأن مستقبلها مع الحلف وتعهد بالتصدي لتهديدات روسيا، موقع الجزيرة.

المقالات الأخيرة