كيف تكسب الصين من الحرب الروسية الأوكرانية
فرع بنغازي

منحت الحرب بعض الفرص الرئيسية للصين، إذ أدت لإبعاد موسكو عن الغرب مع تعزيز الأخيرة علاقاتها مع بكين على اعتبار أن روسيا الشريك الأصغر للسلطات الصينية، وقد نمت التجارة بين البلدين بنسبة 5.29% في عام 2022، مع تفوق الميزان التجاري لصالح الصين.

وأسهمت العقوبات الغربية في إضعاف جزئي للحكومة الروسية، وجعلها أكثر اعتمادا على الصين والأسواق الشرقية، مما يمكّن بكين من ربط موسكو بـ"أصول الموارد" وتوسيع وجودها في السوق الروسية من خلال القطاعات الصناعية والاقتصادية الرئيسية، ولعل إتفاقية الغاز الطبيعي ذات السعر الثابت التي وقعها البلدان في الماضي كانت من أبرز مكاسب بكين حاليا بعد الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة في سياق حرب روسيا وأوكرانيا.

ويرى الباحث في الشؤون الدولية تشو يوان شي، في مقال له، أن الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، كان لها جانب إيجابي بالنسبة للصين، إذ تساعد على تعزيز خفض التكلفة النسبية للإنتاج الصناعي، وتعزيز الطلب على السلع الصينية في البلدان الأوروبية والأميركية، وزيادة صادرات بكين إلى السوق العالمية.

في المقابل، تأثرت الواردات الصينية من المنتجات الزراعية الأوكرانية، حيث كانت كييف أكبر مصدر للذرة إلى بكين منذ 2015، وكانت 75% من الذرة المستوردة من قبل الصين تأتي من أوكرانيا.

كما أن أوكرانيا، باعتبارها دولة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، تتمتع بأهمية نموذجية قوية للتعاون بين الصين والدول الأخرى على طول الطريق. لكن احتمال تنفيذ بكين استثمارات إستراتيجية على الأراضي الأوكرانية بات قريبا من الصفر.

 

 ما مكاسب وخسائر الصين من الحرب الروسية في أوكرانيا:

أن الغزو الأمريكي للعراق كان فرصة لروسيا والصين للاستفادة من أخطاء الولايات المتحدة، حيث استفاد بوتين من دخول الأمريكيين في المستنقع العراقي في تعزيز سلطته في الداخل الروسي وفي محيطه الإقليمي، حيث لم تملك واشنطن مبرراً أخلاقياً أو سياسياً للوقوف بوجه روسيا، عندما دخلت قواتها جورجيا ودعمت إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ضد حكومة تبليسي المدعومة من الغرب.

 وكذلك استفادت الصين في تطوير قوتها العسكرية والاقتصادية في خضم الانشغال الأمريكي بالمستنقع العراقي. كما وفّر غزو العراق فرصة ذهبية للعسكريين الصينيين لدراسة التكتيكات العسكرية الأمريكية في الحرب، ومعرفة نقاط ضعف وقوة الأسلحة الأمريكية. ولاحقاً استفادت الصين اقتصادياً بدخول شركاتها في استثمارات نفطية وأخرى للبنية التحتية في العراق.

الحرب الحالية إذن ستُشكّل فرصة للولايات المتحدة لإحراز أهداف اعتماداً على أخطاء الفريق الروسي الخصم، والأيام القادمة ستكشف عن طبيعة هذه الأهداف ومدى قوتها وتأثيرها. ويتوقع أن يكون غالبها اقتصادياً، يهدف للضغط على روسيا اقتصادياً في مجالات الغاز والتعاون الاقتصادي والمصرفي، لكنها أيضاً تشكّل فرصة للصين، التي تعمل بمبادئ الجنرال الصيني سون تزو، صاحب كتاب "فن الحرب" الشهير قبل ستة عشر قرناً، في الاستفادة من أخطاء العدو، لتستفيد من الاجتياح الروسي في تحقيق أهداف دبلوماسية وسياسية وعسكرية واقتصادية لصالحها.

يجب التوضيح في البداية أن روسيا كانت على الدوام غريماً للصين، فحتى في أشدّ سنوات الحرب الباردة قسوة وصعوبة خلال ستينيات وسبعينيات القرن العشرين لم تكن العلاقات بين الجار السوفييتي والصين جيدة، وما زال الصينيون يذكرون قطع السوفييت للتكنولوجيا العسكرية وإمدادات الحديد عنهم، من قبل الزعيم ستالين، الذي وصلت العلاقات في عهده لدرجة خطيرة قاربت شن الحرب بين البلدين. وبينما يدور الحديث في الإعلام دوماً عن خصومة وكراهية صينية للولايات المتحدة، فإن المتابعين للسياسة الصينية يعلمون جيداً أن المنافس الحقيقي لبكين كان على الدوام هو روسيا، وأن كراهية النخب الشيوعية الصينية للروس تفوق كراهيتهم (هذا إن كانت هناك كراهية للأمريكيين).

يعد تغيير الاهتمام الأميركي العسكري بعيدا بعض الشيء عن جنوب شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهادي والهندي تجاه أوروبا وأوكرانيا، بمثابة استفادة صينية مباشرة من الحرب في أوكرانيا، وتكرر الصين أنه لا ينبغي مقارنة الأوضاع في أوكرانيا بتايوان، ذلك أن أوكرانيا بلد ذو سيادة تعرض لهجوم من بلد آخر، في حين أن تايوان جزء من الصين ويعترف بها العالم على هذا النحو.

تحليلات خبراء:

وقال الخبير كورلانتزيك "الصين تؤمن أن عليها دعم روسيا، لن تتخلى بكين عن حليفها الروسي، لأن ذلك من شأنه أن يجعلها ضعيفة، كما أن لذلك آثارا على مستقبل تخطيط الصين لضم تايوان.

غير أن كورلانتزيك يعتقد كذلك أن استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا يؤثر في مكانة الصين على الساحة العالمية سلبا، فهي مرتبطة ببوتين، وهذا أمر سيئ بشكل خاص بالنسبة للصين من حيث علاقاتها مع دول في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث انهارت صورتها بسبب دعمها لبوتين.

من جانبها، تقر الخبيرة صون يون أن الصين استفادت بشدة من الحرب، خاصة فيما يتعلق بزيادة الاعتماد الروسي عليها، وفي الوقت ذاته، لم تكن كل نتائج الحرب الأوكرانية جيدة لبكين، فبعد عام من القتال أرست الحرب أسسا جديدة عززت ووسعت ورسخت حلف الناتو. وتعتبر بكين الحلف بمثابة أداة بيد أميركا يخدم أهدافها الجيوسياسية، التي على رأسها مواجهة الصعود الصيني.

أما الباحثة المتخصصة في الشؤون الصينية ( هدير طلعت ) فتصف الصين بأنها "الرابح المجاني في الأزمة الراهنة التي تربك الغرب وتستنزف كلا الطرفين، وتعمل على تسريع عملية الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب بعيداً من الهيمنة الأميركية والغربية، كما تدرك أن دعمها الضمني لروسيا في شأن أوكرانيا لا يكلفها شيئاً، كما أن تلك الأزمة ستوفر لها مكاسب استراتيجية واسعة أولها تحويل التوجه الاستراتيجي الأميركي مؤقتاً وبعيداً من آسيا، مما سيقلل من الضغط عليها، وثانيها منحها نفوذاً أكبر في علاقاتهما مع مختلف الأطراف، إذ تدرك رهان موسكو عليها للتقليل من تأثيرات العقوبات الاقتصادية، ورهان أوكرانيا والدول الأوروبية على وساطتها من أجل الحل، وثالثها استثمار الأزمة لإظهار نفسها كقوة استقرار في النظام الدولي، وأن روسيا هي مصدر التهديد داخل النظام العالمي، وأنه يجب عدم التعامل مع روسيا والصين باعتبارهما معسكراً واحداً، ورابعها أن الأزمة تمنح ورقة مساومة وضغط في يد بكين إذا ساعدت موسكو في مواجهة العقوبات الغربية، كما ستصبح روسيا أكثر اعتماداً على الدعم الاقتصادي والضمانات الأمنية الصينية، وهو ما تسعى إليه بكين دائماً لحاجتها أيضاً إلى موسكو في مواجهة واشنطن،

ختاماً : يبدو أن الصين ليست مهتمة بصراع طويل الأمد وعالي الكثافة بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية التي قد تجلبها هذه الحرب، في الوقت الذي لا تريد فيه بكين أن ترى الهزيمة الكاملة لروسيا.

ومن غير المرجح أن تنضم الصين إلى أي عقوبات على روسيا، ليس لأن بكين تدعم غزو موسكو العسكري لأوكرانيا، بل لأن انضمامها يعني الخضوع لإرادة الولايات المتحدة، وهو أمر غير مقبول للحكومة الصينية، في وقت تبدو فيه الأخيرة مستعدة للعب دور في التوسط لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، بيد أنها ترغب في القيام بذلك على قدم المساواة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.





 

المراجع:

بهاء الدين عياد، 30 مارس 2022، كيف تستفيد الصين من موقفها الغامض في الحرب الروسية؟، أندبندنت العربية.

أحمد زمراوي، 2022/3/3، التنين الصيني متوجس.. ما مكاسب وخسائر الصين من الحرب الروسية في أوكرانيا؟، صحيفة عربي بوست.

ب. ن، 20/2/2022، بين الربح والخسارة.. حسابات الصين الإستراتيجية بعد عام على حرب أوكرانيا، قناة الجزيرة نت.

المقالات الأخيرة