الذكري 14 لثورة السابع عشر من فبراير
فرع القاهرة

 

في أوائل عام 2011 م شهدت ليبيا انطلاقة حقبة جديدة من تاريخها المعاصر حيث اندلعت انتفاضة شعبية عارمة بدأت كحركة احتجاجية سلمية ضد نظام الحكم الذي استمر لعقود طويلة بقيادة العقيد معمر القذافي لكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح نتيجة القمع الوحشي الذي مارسته السلطات ضد المتظاهرين

انطلقت الشرارة الأولى لهذه الثورة في يوم الخامس عشر من فبراير عندما تم اعتقال المحامي فتحي تربل بسبب دفاعه عن ضحايا سجن بوسليم مما أثار غضب الأهالي الذين خرجوا للمطالبة بإطلاق سراحه ومع مرور الساعات تصاعدت الاحتجاجات وأصبحت تطالب بإسقاط النظام بأكمله

في اليوم التالي السادس عشر من فبراير توسع نطاق الانتفاضة لتشمل مدنًا أخرى وفي نفس اليوم خرجت مظاهرات بمدينة البيضاء للمطالبة بإسقاط النظام وأسفرت المواجهات مع قوات الأمن عن سقوط عدد من الضحايا كما شهدت مدن جبل نفوسة بما فيها الزنتان ويفرن ونالوت والرجبان احتجاجات واسعة حيث قام المتظاهرون بإشعال النار في مقار اللجان الثورية ومراكز الشرطة والمصارف المحلية

مع دخول يوم السابع عشر من فبراير وهو اليوم الذي أصبح يعرف فيما بعد بيوم الإعلان الرسمي للثورة اتسعت دائرة الاحتجاجات لتشمل العديد من المدن الليبية خاصة في المنطقة الشرقية واستخدمت قوات النظام الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية لقمع المتظاهرين العزل مما أدى إلى سقوط أكثر من أربعمائة بين قتيل وجريح

تأثرت هذه الثورة بالموجة الثورية التي عمّت العالم العربي خلال تلك الفترة والتي أسقطت أنظمة مستبدة في دول مجاورة مثل تونس ومصر وقد كانت شعاراتها الرئيسية المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكانت في بدايتها سلمية قبل أن تتحول إلى ثورة مسلحة بسبب العنف المفرط الذي مارسه النظام ضد الشعب

بعد سيطرة الثورة على المنطقة الشرقية  أعلن المجلس الوطني الانتقالي عن قيام الجمهورية الجديدة وفي يوم العشرين من أغسطس انتفضت العاصمة طرابلس حيث تمكن شبابها من إسقاط النظام خلال تسع ساعات فقط بفضل رفض الكتائب الموالية للقذافي القتال وبعد يومين دخل الثوار إلى طرابلس للاحتفال بالنصر وواصلوا تقدمهم حتى حرروا آخر معاقل القذافي وانتهت المواجهات بمقتل القذافي في مسقط رأسه سرت في العشرين من أكتوبر لتكون بذلك صفحة جديدة من تاريخ ليبيا قد بدأت

أسباب اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير

تعددت الآراء حول أسباب قيام الثورة الليبية في السابع عشر من فبراير حيث برزت تساؤلات في الشارع الليبي تبحث عن الأسباب الحقيقية لاندلاعها خاصة من قبل من يرون أن ليبيا كانت مستقرة تحت حكم القذافي سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي

هناك مقاربتان رئيسيتان لتفسير دوافع الثورة الأولى تشير إلى مجموعة معقدة من الأسباب التي دفعت الشعب الليبي للخروج ضد النظام

على الصعيد الاقتصادي أدت سياسات نظام القذافي إلى ظهور تفاوت كبير في توزيع الثروة الوطنية وخاصة العائدات النفطية التي استحوذت عليها دائرة ضيقة من المقربين من القذافي وعائلته كما تم إنفاق مليارات الدولارات على شراء الأسلحة وتكدس الأموال في البنوك الأجنبية مما أدى إلى انتشار الفساد والبطالة

أما على المستوى الاجتماعي فقد كانت ليبيا تعيش حالة من التغير الديموغرافي المتمثل في زيادة نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن خمس وعشرين عاما حيث مثلوا أكثر من نصف السكان وقد أدى هذا التغيير إلى ظهور جيل جديد يرفض التناقض بين الشعارات الكبرى التي تربى عليها وبين الواقع المر الذي عاشوه ما خلق حالة من الغضب وعدم الرضا

أما على الصعيد السياسي فقد كان القذافي يرى نفسه خليفة لجمال عبد الناصر في الدفاع عن الوحدة العربية وقاد العديد من المغامرات السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية والتي كلفت البلاد الكثير من الموارد دون تحقيق فوائد حقيقية للمواطن الليبي بينما تدهورت الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية رغم توفر عائدات نفطية كبيرة

في المجال التربوي الاجتماعي سادت حالة من التسيب والإهمال داخل مؤسسات الدولة بسبب التركيز على الولاء الشخصي للقذافي بدلا من الكفاءة والمهنية مما أثر سلبا على الأداء العام

كما أن الاختلاف بين الخطاب الرسمي الذي كان يتحدث عن الحرية والعدالة وحكم الشعب وبين الواقع المعاش أفقد هذه المفاهيم مصداقيتها وأربك فهم المواطنين لها

أما الفريق الثاني فيرى أن الأسباب الحقيقية للثورة تعود إلى تدخلات غربية وأن الأسباب المحلية لم تكن سوى ذريعة لتحقيق أجندات خارجية حيث استغل الغرب الثورة لتحقيق مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية مثل الاستحواذ على النفط الليبي وإحداث حالة من الفوضى لتعزيز نفوذه

بغض النظر عن وجهة النظر فإن الثورات بشكل عام تهدف إلى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية عبر بناء نظام جديد يقوم على أسس الديمقراطية والمساواة أمام القانون ويتيح لكل مواطن المشاركة في الحياة العامة بغض النظر عن الخلفيات المختلفة.

الوضع الراهن لليبيا بعد ثورة السابع عشر من فبراير

تمر ليبيا اليوم بمرحلة حساسة ومعقدة في الذكرى الرابعة عشر لثورة السابع عشر من فبراير التي انطلقت عام 2011 كجزء من موجة الربيع العربي حيث خرج الشعب الليبي للمطالبة بالحرية وإسقاط نظام العقيد معمر القذافي الذي انتهى بمقتله في العشرين من أكتوبر 2011 عن عمر يناهز تسعة وستين عاما

كان طموح الليبيين أن تكون هذه الثورة بداية لحياة سياسية جديدة تقوم على أسس الحرية والديمقراطية فقد تم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي الذي أشرف على إجراء أول انتخابات تشريعية بعد غياب دام لأكثر من أربعين عاما حيث جرت الانتخابات في يوليو 2012 لاختيار مائتي عضو للمؤتمر الوطني العام بمشاركة نحو مليونين وتسعمئة ألف ناخب كما جرت في يونيو 2014 انتخابات لتشكيل هيئة تأسيسية لصياغة دستور دائم للبلاد وكذلك انتخابات مجلس النواب

لكن رغم هذه الخطوات كان الانقسام السياسي يزداد يوما بعد يوم حيث رافقت السلاح العديد من المحاولات السياسية مما حال دون تحقيق الأهداف المنشودة وأدى إلى صراع على السلطة بين الفرقاء الليبيين بلغ حد الاحتراب المسلح

وبعد مرور اربعة عشر عاما على الثورة ما زالت ليبيا تعاني من تداعيات الانقسام السياسي حيث توجد اليوم حكومتان الأولى هي حكومة الوحدة الوطنية الموقتة والثانية هي الحكومة المكلفة من مجلس النواب مما يعكس استمرار الأزمة السياسية التي لم تجد لها حلولا حتى الآن

تثير هذه الحالة أسئلة حول أسباب انحراف أهداف الثورة التي خرج من أجلها الشعب الليبي والتي كانت تتمثل في تحقيق الحرية والتداول السلمي على السلطة والتوزيع العادل للثروة وتعزيز الوحدة الوطنية ويحمل الكثير من الليبيين المسؤولية للأطراف الرئيسية المتصارعة سواء التنفيذية أو التشريعية متهمين إياها بسرقة الثورة واستغلالها لتحقيق مصالح ضيقة

في ظل هذه الظروف تبقى الأمل الوحيد هو في تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام السياسي عبر الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة لتكون ليبيا دولة مستقرة وآمنة تحقق تطلعات شعبها الذين ضحوا كثيرا لتحقيق أهداف الثورة

عملية الكرامة
بعد ثورة السابع عشر من فبراير، شهدت ليبيا تغلغلًا ملحوظًا للجماعات الإرهابية التي استغلت الفراغ الأمني والسياسي الذي أعقب سقوط النظام السابق. أصبحت هذه الجماعات تهدد الاستقرار الوطني واستقرت في العديد من المدن الليبية، مستخدمة إياها كمعاقل لتنفيذ عملياتها ضد الدولة والمجتمع.

في مواجهة هذا التهديد الخطير، قاد المشير خليفة حفتر عملية الكرامة التي أُطلقت عام 2014 بدعم كامل من مجلس النواب، الذي أدرك خطورة الوضع وأهمية استعادة الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد. هدفت العملية إلى القضاء على الإرهاب وتطهير ليبيا من الجماعات المسلحة غير الشرعية التي زعزعت أمن المواطن الليبي.

حققت عملية الكرامة نجاحات كبيرة حيث تمكنت القوات المشاركة فيها، وبفضل الدعم السياسي والميداني، من تحرير عدة مناطق كانت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية. كما أسهمت في تأمين المدن الرئيسية وإعادة الحياة الطبيعية إلى سكانها. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الجهود العسكرية في تعزيز قدرات الجيش الليبي وتطوير أدائه لمكافحة الإرهاب بشكل أكثر فاعلية.

إن هذه العملية الوطنية، التي جاءت بتوجيه ومباركة مجلس النواب، جسدت إرادة الشعب الليبي في التصدي للإرهاب وحماية وطنه. وقد مهدت الطريق أمام جهود إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية لتحقيق استقرار دائم وضمان مستقبل آمن لأجيال ليبيا القادمة.

جهود فخامة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح في إعادة توحيد البلاد

لعب المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي دورا بارزا في مساعي تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة توحيد البلاد من خلال خطوات قانونية وسياسية هدفت إلى إنهاء حالة الانقسام وإيجاد بيئة مشجعة للسلام والتعايش بين جميع الأطراف

من أبرز هذه الجهود كان إصدار قانون العفو العام الذي جاء ليشكل خطوة مهمة نحو المصالحة الوطنية حيث سعى القانون إلى تقديم فرصة حقيقية للمصالحة من خلال عفو شامل عن التهم التي ارتكبت خلال النزاعات المسلحة باستثناء الجرائم ضد الإنسانية أو التي تتصل بالفساد المالي والإداري مما يعكس رغبة في التركيز على المستقبل دون نسيان حقوق الضحايا

كما عمل المستشار عقيلة صالح على دعم إصدار قانون المصالحة الانتقالية الذي يهدف إلى معالجة آثار سنوات النزاع عبر وضع إطار قانوني لتقديم التنازلات والمصالحات المحلية وإعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات المجتمع الليبي كما يركز هذا القانون على أهمية التعويض عن الأضرار وإعادة الحقوق لأصحابها بما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية

هذه الخطوات تعكس رؤية واضحة لدى المستشار عقيلة صالح بأن الحلول السياسية والقانونية هي الأساس لإنهاء الأزمة الليبية وأن تحقيق المصالحة الوطنية يتطلب جهودا مستمرة من الجميع لتحقيق الوحدة والاستقرار في البلاد

إن مثل هذه المبادرات تأتي لتؤكد أهمية الحوار والتفاهم كوسائل أساسية لتجاوز الأزمات وتعزيز السلم الأهلي وتوفير الأرضية المناسبة لبناء ليبيا جديدة تقوم على أسس الحرية والعدالة والمساواة

وفي إطار السعي نحو استعادة الاستقرار وتحقيق الوحدة الوطنية، قام مجلس النواب الليبي تحت رئاسة المستشار عقيلة صالح باتخاذ خطوات حاسمة نحو بناء مستقبل أفضل للبلاد. حيث عمل المجلس على اعتماد قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بهدف تمكين الشعب الليبي من اختيار قياداته عبر صناديق الاقتراع، مما يعكس التزامه بتعزيز الديمقراطية واحترام إرادة الأمة.

اليوم، يواصل مجلس النواب جهوده المثمرة بالتعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الدولة لإيجاد حلول شاملة للأزمة الليبية من خلال تشكيل حكومة موحدة تهدف إلى إدارة شؤون البلاد وإعدادها لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة. تسعى هذه الجهود إلى تجديد شرعية الأجسام الحالية بما يتماشى مع تطلعات الشعب الليبي في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

إن هذه الخطوات تعكس رؤية واضحة للمستقبل تقوم على الوحدة الوطنية والمصالحة الشاملة، وتؤكد أن ليبيا قادرة بجهود أبنائها على تجاوز التحديات وبناء دولة مؤسسات تحقق آمال وطموحات جميع الليبين

 

 

 

 

المصدر: وكالة الأنباء الليبية

التاريخ : 15/2/2025

-------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الوسط

التاريخ : 17/2/2024

--------------------------------------------------

المصدر: صحيفة اليوم السابع

التاريخ : 27/5/20217

-------------------------------------------------

المصدر: ويكبيديا

-------------------------------------------------

المصدر: Deutsche Welle

التاريخ : 19/2/2015

---------------------------------------------

 

المقالات الأخيرة