القمة العالمية للحكومات 2023
فرع بنغازي

شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، في الفترة من 13 ولغاية 15 فبراير 2023، حَدَثًا عالميًّا ضخمًا، تمثّل بعقْد القمة العالمية للحكومات 2023، والتي جمعت تحت مظلتها قادة دول وحكومات ووزراء، إضافة إلى رواد أعمال ومتخصصين في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والمالية من مختلف دول العالم.

هذا الحدث، الذي أُقيم في إمارة دبي، شهد تبادلًا لأهم الخبرات والأفكار التي تسهم في تعزيز الازدهار والتنمية العالمية، وذلك في انسجام واضح مع الأهداف الدولية الخاصة بتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة، الخاصة بالوصول إلى مستقبل آمن يمكّن الأفراد والشعوب والدول من استخدام فضلى الممارسات والأدوات التي تتواءم مع التطور التقني الحاصل، وما يوفّره من أدوات تكنولوجية حديثة تحقق آفاق التحوّل المطلوب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وفي أنشطة المال وريادة الأعمال.

 لقد اتجهت الرؤى العالمية الجديدة في التطوير نحو قطاعات حيوية تؤثر إيجابًا في اقتصادات الدول، وتسعى إلى إيجاد فرص عمل واستثمار مستقبلية يصبح من خلالها الفرد شريكًا في عملية البناء والنهضة والتطوير؛ وهو الأمر الذي حوّل القمة العالمية للحكومات إلى أحد أهم الملتقيات العالمية للتعامل مع المرحلة المقبلة وما تحتويه من تحديات، من خلال دعم مسارات التنمية المستدامة، وبناء مستقبلٍ أفضل للبشرية، يكون فيه الإنسان محور التنمية والتحديث، وأساسها الأول.

«قمم ما قبل 2023»

لا يخفى على أحد أن القمة العالمية للحكومات، التي تُعقد سنويًّا في دولة الإمارات، منذ عام 2013، قد رسخت مكانتها كأحد أبرز الملتقيات العالمية تأثيرًا في صناعة المستقبل، وتحوّلت إلى منصة رائدة تستضيف العديد من المنتديات وورش العمل والجلسات، جامعةً آلاف المشاركين من دول العالم ومن منظمات دولية وإقليمية، وتُنتج مجموعة من اتفاقيات التعاون بين الحكومات والمؤسسات، وتُصدر عشرات التقارير عن كبرى المؤسسات الاستشارية والمراكز البحثية.

وعادة ما هدفت مخرجات القمم السابقة إلى تقديم رؤى واضحة بشأن الحلول الاستباقية لأبرز التحديات العالمية، والخروج بتصميمات مبتكرة للتوجهات الجديدة بشأن أداء الحكومات ومستقبلها، تسهم في صناعة مستقبل أفضل للأجيال، وتطوير منصة توفّر حاضنة لدعم النماذج المستقبلية للعمل الحكومي القائم على المرونة والابتكار وتعزيز الجاهزية لاسيّما عبْر تسخير التكنولوجيا في سبيل التغلب على التحديات الحالية والمستقبلية بأنواعها كافة.

«قمة الحكومات العالمية 2023»

يجد المتأمل في مخرجات القمة الأخيرة، التي أُقيمت تحت شعار «استشراف مستقبل الحكومات»، حجم الاهتمام الذي أكّده المشاركون بضرورة جعْل التكنولوجيا المتقدمة وتقنيات الذكاء الاصطناعي أداةً فاعلة في تحقيق الأهداف الإنمائية العالمية، وأبرزها القضاء على الفقر والجوع، وتمكين الشعوب من حقوقها الصحية والتعليمية، وتأمين مصادر آمنة من الماء والكهرباء، وتوفير فرص عملٍ لائقة للشباب، تمكين السكان من العيش في مدن مستدامة، إضافة إلى تعزيز محفّزات الصناعة والريادة والابتكار، وصولًا إلى مجتمعات تنعم بالسلام والعدل والازدهار.

 وأفرزت القمة الأخيرة، التي شهدت مشاركة 20 رئيس دولة وحكومة، وما يزيد على 250 وزيراً و10 آلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين وقادة الفكر والخبراء، و80 منظمة دولية وإقليمية وحكومية، مجموعة من المخرجات التي تركز على وضع خطط واستراتيجيات تعزز جاهزية الحكومات وتوفّر أعلى مستويات الجودة المقدّمة للمجتمعات، والتغلب على التحديات والعبور إلى مستقبل أكثر رخاءً وأمنًا وتطورًا في القطاعات كافة.

 وتتلخص مخرجات القمة العالمية للحكومات 2023 بمحاور عدّة، يدور أولها حول مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية وتحليل التطورات المستقبلية، ويتعلّق ثانيها بالحوكمة وتعزيز الانتعاش الاقتصادي والازدهار، فيما يختصّ المحور الثالث بالتأكيد على أن التعليم والعمل يُعدّان أولويةً أساسية تهدف الحكومات من خلالهما إلى تحقيق التغييرات للأجيال المقبلة وتطويرها. أما بشأن التنمية، فقد أكّدت القمة الأخيرة أهمية وضع الحكومات لنماذج وسياسات مبتكرة تسرّع عملية الاستدامة وترتقي بالخدمات وتوفّر الموارد اللازمة لإنشاء مدن مستدامة، تقوم على البنى التحتية الذكية وتعزيز استخدامات أنظمة نقل مستدامة وطاقة نظيفة، باستكشاف آفاق جديدة للتكنولوجيا.

واشتملت المحاور الرئيسية التي دارت حولها جلسات القمة، على تأثير الفرص المستقبلية في أكثر من 40 قطاعًا حيويًا؛ فإضافة إلى قطاعات التعليم والصحة والإسكان، فقد تركّز الاهتمام على قطاعات يواجه فيها العالم حاليًّا تحديات جمّة، لكنها تشكّل في الوقت نفسه فرصًا مستقبلية يمكن أن تحقق للبشرية التقدم وتنعكس على جودة حياة الأفراد والجماعات، إن أحسنت الحكومات التعامل معها بمرونة وابتكار؛ وخصوصًا في قطاعات الغذاء والفضاء والاتصالات والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، والطاقة بنوعيْها الأحفورية والنظيفة، والخدمات المالية والاستثمار والبنى التحتية والبناء، والخدمات اللوجستية والنقل والشحن والسياحة، إضافة إلى الإعلام والترفيه.

تقرير "الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023"

أطلقت "دبي للمستقبل" خلال مشاركتها ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات، تقرير "الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023" الهادف لتسليط الضوء على أبرز الفرص بمختلف القطاعات الحيوية، واستعراض سبل التغلب على التحديات الجديدة التي يشهدها العالم عبر توظيف أدوات وتطبيقات التكنولوجيا الحديثة في تحقيق قفزات نوعية على المستويات العلمية والاقتصادية والحكومية والاجتماعية.

وجاء إطلاق التقرير الذي تم إعداده بالتعاون مع 30 خبيراً عالمياً وعدد من شركاء مؤسسة دبي للمستقبل من المؤسسات الحكومية والخاصة والأكاديمية، ضمن سلسلة الدراسات والتقارير الاستشرافية التي تصدرها المؤسسة لدعم الجهات المعنية بتصميم المستقبل، وتعريف القادة وصانعي القرار ورواد الأعمال والخبراء والمشرعين بأحدث التوجهات العالمية، ومساعدتهم على مواكبة التغيرات المتسارعة.

ويستعرض التقرير 50 فرصة عالمية واعدة في كافة القطاعات التي تهم حياة ومستقبل الأفراد والمجتمعات والحكومات، وتناول أبرز 10 توجهات عالمية كبرى سترسم ملامح التحولات الحالية والمستقبلية وانعكاساتها على جودة حياة الأفراد ومسيرة التنمية خلال الفترة المقبلة.

"يسلط هذا التقرير الضوء على 50 فرصة واعدة نأمل أن تعزز قدرة المجتمعات على تحديد أفضل السيناريوهات المستقبلية، ومواصلة استكشاف الفرص الجديدة والمبتكرة، رغم التحديات التي نعيشها اليوم، والتي سنراها في المستقبل من تغيرات ضرورية في النظام التعليمي التقليدي، وزيادة الاعتماد على الروبوتات، وتبني الأساليب الزراعية المبتكرة، وتوفير موارد لا محدودة من الطاقة، وغيرها من الفرص المبتكرة مثل الانتقال اللحظي، والهوية الرقمية، والمواد الجديدة، وتخزين الطاقة في الفضاء".

وتم تصنيف الفرص المذكورة في "تقرير الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023" وفق عدة قطاعات رئيسية، ففي قطاع الصحة يشير التقرير إلى دور العلاجات الجينية وطرق التغذية المتقدمة في تعزيز جهاز الحماية الطبيعي، وإمكانية تجديد الأنسجة الحيوية للإنسان مدى الحياة، والاستفادة من التقدم الهائل في علم الوراثة والهندسة الحيوية في تطوير علاجات متقدمة للأمراض، وإمكانية توفير أفضل وسائل الوقاية والتشخيص والتحاليل والتصوير بالأشعة والعلاجات بشكل سريع ومخصص وربما عن بُعد، وتقليل الضوضاء في المدن والأحياء السكنية بالاعتماد على المواد المبتكرة، ودور التقدّم في علم الأعصاب بتطوير طرق لعلاج الصدمات النفسية وتعديل الذكريات.

 وإنشاء مناطق خالية من الأجهزة التقنية والعوالم الافتراضية تتيح للسكان قطع الاتصال بالعالم الرقمي، وإمكانية تحسين جودة النوم لتحسين الصحة البدنية والنفسية وزيادة الإنتاجية، وتعزيز الحماية من الإشعاع الكهرومغناطيسي بالاستفادة من هندسة تقنيات النانو، وزيادة الاهتمام العالمي بتطبيقات طب الشيخوخة.

التكامل البشري والتكنولوجي

ويتناول التقرير العديد من الفرص الواعدة في مجال التكامل البشري والتكنولوجي مثل قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على الابتكار وتوليد الأفكار التجارية الجديدة، وكيفية تأقلم البشرية مع الإمكانات الهائلة للذكاء الآلي المتقدم، ومستقبل الاقتصاد التعاوني، ودور المعارف والخبرات البشرية في تحسين الأعمال وخدمة المجتمعات.

وأهمية تنوّع الأجيال في مجالس الإدارة، وتطوير تشريعات الفضاء وتحديد أهداف عالمية مستدامة، وتوظيف التوسع الهائل في استخدام البيانات، وإمكانية إنشاء دليل رقمي عالمي للمناخ لاحتساب التأثير البيئي في الوقت الفعلي، وتسهيل مشاركة المعرفة بين المجتمعات والقطاعات والمؤسسات، وتسهيل الانتقال إلى الواقع الرقمي وتقليص الفجوة الرقمية.

حماية الطبيعة وتعزيز الاستدامة

كما يستعرض تقرير "الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023" العديد من الفرص العالمية المستقبلية في مجال الطبيعة والاستدامة، مثل التوقف التدريجي عن الاستخدام المفرط للأراضي لاستعادة التنوع البيولوجي، وتغيير الوظائف التقليدية للعجلات والإطارات لتقليل استخدام الطاقة والحدّ من التلوّث، وإمكانية وضع خطة مئوية عالمية لتنمية كوكب الأرض، وتعزيز قدرة الغلاف الجوي على الترميم الذاتي، وإعادة تبريد كوكب الأرض عبر الحفاظ على الغطاء الجليدي، وتعزيز التعاون الدولي للوصول إلى الحياد المناخي، وتنقية الهواء من الجسيمات الدقيقة، وتقليل اعتماد الزراعة على المياه.

ويتضمن التقرير مجموعة من الفرص الواعدة لتمكين المجتمعات عير توظيف تطبيقات التكنولوجيا الحديثة، وإمكانية تطوير نظام تصويت عالمي يتيح للجميع التصويت على القضايا العالمية، وإتاحة الخدمة الاجتماعية مدفوعة الأجر للأفراد، وإمكانية تطوير السياسات الاجتماعية وتعديلها وفق احتياجات المجتمع بشكلٍ لحظي، والجمع بين الذكاء البشري والذكاء الآلي لخلق مجتمعات أكثر تنوعاً وتناغماً، وإقرار اتفاقية دولية لحماية حقوق الإنسان في العالم الرقمي، واستخدام تقنيات التشفير المتقدمة لحماية الهوية الرقمية للأفراد، وتصميم مؤشر لقياس جودة الحياة في الواقع الرقمي، وتحويل البيانات الحساسة إلى رموز مشفرة، وإحداث تغيير جذري في مجال التعليم الثانوي التقليدي عبر الاستغناء عن الترتيب التقليدي للصفوف الدراسية.

أخبار ذات صلة

 كما يتناول التقرير عدة فرص مهمة ضمن محور الابتكارات المستقبلية بما في ذلك إمكانية نقل مجمّعات إنتاج الطاقة الشمسية إلى الفضاء، وتطوير تشريعات الـويب 3.0"، والإمكانيات الواعدة لتوظيف التطورات في مفهوم المحاسبة المالية لتوفير أدوات جديدة لكشف حالات الاحتيال.

وإنشاء نظام قائم على الذكاء الاصطناعي لتسليم الطلبات آلياً وحسب الطلب عبر شبكات تحت الأرض ممتدة في مختلف أنحاء المدينة، والاعتماد على نماذج وتقنيات خوارزمية جديدة للتنبؤ بكيفية عمل المواد الجديدة، والانتقال نحو تبني مؤشر النمو المستقبلي عالمياً لقياس تقدم الدول.

وإمكانية تصوير كوكب الأرض بأكمله بالأشعة السينية بغرض اكتشاف مصادر جديدة للمياه والطاقة والمعادن والموارد الأخرى، وتخزين احتياطيات هائلة من الطاقة في الفضاء الخارجي، وأهمية تبني ممارسات مؤسسية مبتكرة لتعزيز تنافسية الشركات في توظيف الممارسات البيئية والاجتماعية ومبادئ الحوكمة، واحتمال مساهمة التطورات الهائلة في فيزياء الكم بأن يصبح الانتقال واقعاً حقيقياً، إضافة إلى الفرص الواعدة للشركات الموجودة في العالم الافتراضي بالكامل.

10 توجهات كبرى

ويتضمن تقرير "الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023" أيضاً 10 توجهات عالمية كبرى تشمل توجه القطاعات الصناعية والتقنية والاستهلاكية نحو استخدام مواد جديدة ومبتكرة بفضل تطور الذكاء الآلي المتقدم وتقنيات النانو، وزيادة توافر البيانات لدى الحكومات والشركات والأفراد بأحجام وسرعات لم يسبق لها مثيل، وتبني نهج مختلف في مواجهة تزايد الثغرات التكنولوجية الأمنية، والتركيز على إيجاد مصادر جديدة وبديلة للطاقة، توجيه عمليات إدارة الأثر البيئي نحو إدارة النظم البيئية كمنظومة متكاملة.

وتشمل التوجهات الأخرى ظهور أنماط جديدة للوظائف والأعمال التجارية، وتسارع الانتقال إلى الواقع الرقمي الجديد، وظهور أنماط جديدة لعلاقة الإنسان بالروبوتات، وحصول تغيير في مفهوم البشر حيال تحقيق الذات والقيم والأولويات والأهداف المستقبلية، وتزايد الاهتمام بالتغذية وتحسين مستويات الصحة في مختلف المراحل العمرية.

ويستعرض التقرير تأثير الفرص المستقبلية في أكثر من 40 قطاعاً حيوياً بما في ذلك قطاعات الزراعة والغذاء، والمواد المتقدمة والتقنية الحيوية، والفضاء والطيران، وصناعة المواد الكيميائية والبتروكيماويات، وتقنية المعلومات والاتصالات، والسلع الاستهلاكية والخدمات والبيع بالتجزئة، وأمن المعلومات والأمن السيبراني، وعلم البيانات والذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة، والتعليم، والنفط والغاز والطاقة المتجددة، والخدمات المالية والاستثمار، والصحة، والبنية التحتية والبناء، والتأمين، والخدمات اللوجستية والشحن والنقل، والتصنيع والتعدين، والإعلام والترفيه، والعقارات، والسفر والسياحة، والمرافق العامة والخدمات الحكومية والخدمات المهنية.

 4 فرضيات

وتستند الفرص والتوجهات الكبرى المذكورة في "تقرير الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023" على 4 فرضيات رئيسية وهي أننا سنعيش حياة أطول وأكثر صحة بفضل دور التقنيات الحديثة، واستمرار ظاهرة التغير المناخي نتيجة التلوث الذي يسببه الإنسان والأسباب الطبيعية الأخرى، واتساع فجوة عدم المساواة بين المجتمعات والدول، واستمرار التقدم التكنولوجي.

ويمكن الاطلاع على النسخة الكاملة لتقرير تقرير الفرص المستقبلية: 50 فرصة عالمية لعام 2023 باللغتين العربية والإنجليزية عبر الموقع الإلكتروني الرسمي لمؤسسة دبي للمستقبل






المراجع:

سوزان عفيفي ,6 - 2 - 2023 - القمة العالمية للحكومات - جودة الحياة أولا، الامارات .

محمد القرضاوي , 14 -- 2 -- 2-2023 , القمة العالمية للحكومات، سكاي نيوز عربية.

المقالات الأخيرة