يسعى تنظيم داعش خلال
الأشهر الأخيرة إلى التركيز على الساحة السودانية، في محاولة من جانبه لإعادة
التموضع وإنشاء نقطة ارتكاز جديدة في الداخل السوداني، وهو ما عبر عنه في رسالته
الأخيرة، التي أصدرها عبر صحيفة "النبأ"، في 23 يناير 2025، بعنوان
"السودان المنسي"، والتي دعا فيها عناصره في دول الجوار السوداني إلى
إعادة الارتكاز والتموضع وتفعيل نشاط التنظيم والتواجد في الداخل السوداني على نحو
يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب تركيز داعش على التطورات التي طرأت على الساحة
السودانية للمرة الثالثة على التوالي في أقل من عام، ودوافع إصدار تلك الرسالة في
هذا التوقيت تحديداً؟
الآليات الرئيسية لداعش
يحاول تنظيم داعش خلال
الفترة الماضية إيجاد موطئ قدم في الداخل السوداني، وذلك عبر آليات رئيسية ثلاث
تتمثل في:
- الاستقطاب والتجنيد: دعا
التنظيم، في العديد من الرسائل التي أصدرها، العناصر المتعاطفة معه من السودانيين
إلى تنفيذ عمليات إرهابية، وذلك في الرسائل التي صدرت في افتتاحيات صحيفة
"النبأ" التابعة له، وهو ما تم ترجمته بشكل سريع عبر محاولة بعض العناصر
تنفيذ عملية إرهابية في السودان نجحت أجهزة الأمن السوداني، في 28 سبتمبر 2021، في
إحباطها وإلقاء القبض على 15 شخصاً من جنسيات مختلفة وذلك بإحدى البنايات في ضاحية
جبرة والأزهري جنوب العاصمة الخرطوم قبل تنفيذ إحدى العمليات الارهابية.
وسبق ذلك إعلان الأجهزة
الأمنية، في 7 فبراير من العام نفسه، عن الكشف عن إحدى الخلايا النائمة التابعة
للتنظيم في منطقة "صوامع الغلال" بولاية القضارف الواقعة شرقي البلاد،
وذلك بعد أن رصدت قيام عدد من العناصر النشطة على موقع التواصل الاجتماعي
"فيسبوك" بنشر مقاطع فيديو يرفعون فيه علم داعش ويعلنون عزمهم إنشاء
إمارة جديدة تحت إمرة وولاية زعيم واحد لكل دول العالم، وهو المسار نفسه الذي يسعى
التنظيم عبر رسالته الأخيرة التي نشرت بالعدد 479 بصحيفة "النبأ" إلى
تكراره.
- إعادة الهيكلة التنظيمية:
منذ أن تولى أبو حفص الهاشمي القرشي قيادة التنظيم، أعلن الأخير عن استراتيجية
جديدة تحت عنوان "استراتيجية الأرض السوداء"، والتي يركز من خلالها على
أفريقيا باعتبارها نقطة الارتكاز والانطلاق والتمدد للتنظيم خلال عام 2025، عبر
إعادة الانتشار وإحداث اختراقات جديدة للتنظيم في بعض الدول والمناطق.
وكانت السودان إحدى أهم
النقاط المستهدفة للتنظيم، التي يعدها بمثابة "الجائزة الكبرى" خلال عام
2025 وقد قام بتكليف الإرهابي أبو بكر العراقي بقيادة التنظيم في السودان، والذي
قام خلال الأشهر الماضية بإنشاء نواة للتنظيم بالداخل السوداني، إذ يكشف تحليل
مضمون الصور المنشورة لأعداد التنظيم بالداخل السوداني عن تزايد عدد المنضمين حتى
الآن، حيث تتحدث بعض التقديرات عن ما يقرب من 150 إلى 300 عنصر إرهابي داعشي في
الداخل السوداني.
الدوافع المختلفة للتنظيم
تعكس الرسالة الأخيرة
للتنظيم اهتمامه بتحويل السودان إلى نقطة انطلاق له للتخطيط لشن وارتكاب عمليات
إرهابية جديدة، سواء داخل السودان أو في دول الجوار. وفي هذا الإطار، يمكن تفسير
تصاعد اهتمام داعش بتعزيز نشاطه في البلاد في ضوء اعتبارات عديدة هى:
- السيولة الأمنية: تعاني
البلاد من حالة سيولة أمنية، نتيجة الأدوار التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع.
فخلال الشهرين الأخيرين، ازدادت حدة الاشتباكات المسلحة في عدد من الولايات
السودانية، قبل أن تنجح قوات الجيش السوداني في تحقيق انتصارات نوعية على مليشيا
الدعم السريع خلال الفترة الأخيرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن حالة السيولة الأمنية
شجعت العناصر الموالية للتنظيم على تشكيل خلايا تابعة له تؤمن بأفكاره وتوجهاته
الأيديولوجية في الداخل السوداني.
- استقطاب عناصر جديدة:
دائماً ما يسعى "داعش" إلى استغلال تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية
والاجتماعية من أجل استقطاب عناصر جديدة للانضمام إليه، حيث يعتبر ذلك إحدى أهم
الأولويات التي يعمل عليها خلال المرحلة الجارية، لاسيما في ظل تراجع عدد العناصر
التي انضمت إليه خلال المرحلة التي أعقبت سقوط مدينة الباغوز السورية في مارس
2019، وتعرضه لضربات أمنية قوية على غرار مقتل أربعة من قياداته الرئيسية في أقل
من أربعة أعوام منذ مقتل قائده الأسبق أبو بكر البغدادي في محافظة إدلب في 27
أكتوبر 2019، خلال العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية.
- تأسيس دائرة
"داعشية" جديدة: تزايد اهتمام التنظيم المركزي لـ"داعش"
بتعزيز وجوده في القارة الأفريقية، وهو ما يمكن ملاحظته في إنشاء التنظيم خمسة
أفرع تشكل ما يمكن تسميته بــ"الهلال الداعشي"، الذي يبدأ من منطقة
الساحل الأفريقي ويمتد إلى غرب أفريقيا مروراً بوسط أفريقيا وموزمبيق وصولاً إلى
الصومال. ومن هنا، يعتبر التنظيم أن السودان تمثل نقطة "غلق الدائرة"
ومحوراً رئيسياً للربط بين الأفرع الخمسة في أفريقيا. ويعني ذلك أن التنظيم يرى أن
السودان تمثل ممراً له من الصومال بشرق أفريقيا إلى فرعه في غرب أفريقيا ومنطقة
الساحل والصحراء الأفريقية وصولاً إلى وسط أفريقيا، على نحو يوحي بأن تركيز
التنظيم المركزي على السودان خلال المرحلة الجارية نابع من سعيه إلى استكمال
الاستراتيجية التي أعلن عنها مؤخراً وتقضي بإنشاء "دائرة داعشية
أفريقية".
- الاقتراب من البحر
الأحمر: يبدي تنظيم داعش منذ تأسيسه في عام 2014، اهتماماً خاصاً بالاقتراب من
الممرات الملاحية، وبشكل خاص مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وذلك في محاولة من
جانبه للتأثير على طرق الملاحة وخطوط المواصلات العالمية، وبشكل خاص ناقلات النفط.
ويفسر ذلك، إلى حد كبير تركيز التنظيم، خلال السنوات الماضية، على محاولة تعزيز
نفوذه في كل من الصومال واليمن وجيبوتي.
ومع تراجع قدرات داعش في
اليمن منذ منتصف العام الماضي، وتصاعد نفوذ حركة "شباب المجاهدين" في
الداخل الصومالي، وفشل التموضع في جيبوتي، يسعى التنظيم خلال المرحلة الجارية إلى
إعادة تعزيز نشاطه في الداخل السوداني، بهدف الاقتراب من البحر الأحمر.
التحدي الخطير
في المجمل، تأتي الرسالة
الأخيرة التي وجهها تنظيم "داعش" عبر صحيفة "النبأ" وركز فيها
على التطورات في السودان، لتشير إلى أنه يتبنى سياسة "إعادة التموضع"
التي يحاول من خلالها الوصول إلى مناطق جديدة وتأسيس بؤر إرهابية يستطيع من خلالها
توسيع نطاق نفوذه وتعويض الخسائر التي تعرض لها نتيجة الهزائم العسكرية التي منى
بها والضربات التي وجهتها القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضده واستهدفت
من خلالها قياداته ومواقعه فضلاً عن مصادر تمويله.
ورأى الكاتب والمحلل
السياسي محمد الأسباط في المشاهد الدموية مؤشرات دخول "داعش" والجماعات
الإرهابية إلى حرب السودان أن الشكوك تزايدت عندما نبشت المقابر في أم درمان (ثاني
أكبر مدن السودان التي تشكل الجزء الأكبر من ولاية الخرطوم)، وتبعها حالات قطع
رؤوس في شمال كردفان (وسط السودان) وتفجير ضريح الشيخ قريب الله بمدينة أم درمان
وأوضح أن هذه مؤشرات خطيرة
أشرنا وأشار إليها كثيرون، فاستطالة أمد الحرب في ظل توازن الضعف الحالي يفتح شهية
الجماعات الإرهابية إلى الدخول للبلاد، مستفيدة من حالة السيولة الأمنية".
وتابع أنه "بالإضافة
إلى أن دعاة الحرب يفتحون مسارات للجماعات المتطرفة لأن خطابهم أيضا يتميز بالغلو
والتطرف".
كما أشار الأسباط أيضا إلى
أن "الحرب تفتح المسار للجرائم الأخرى مثل تجارة البشر والمخدرات، السودان
دخل إلى منطقة مظلمة جدا وهذه الحرب قد تحول السودان إلى ساحة للجماعات المتطرفة
وبالتالي يفلت الوضع ويصعب التحكم به".
وبرز تنظيم داعش على الساحة
العراقية والسورية حينما أقام دولته المزعومة على أساس أبرز أدبياته كتاب
"إدارة التوحش"، حيث عمد إلى خلق صورة غير مسبوقة لمشاهد الإرهاب عبر
التمثيل بالجثث وإغراق الناس أحياء أو حرقهم.
من جهته، قال الكاتب
والمحلل السياسي الطاهر أبوبكر إن استمرار الحرب في السودان بحكم موقعه في منطقة
الساحل وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي يوفر بيئة مثالية لشبكات الإرهاب التي تمددت
بالفعل إلى شمال وغرب أفريقيا إلى جانب تمركزها في القرن الأفريقي كما أن السودان
سيتحول قريبا إلى ملاذ آمن للإرهاب مع استمرار العنف والقتال بين الجيش السوداني
وقوات الدعم السريع.
وأضاف أنه سبق أن توقع تقرير أمريكي توسع فروع "داعش" و"القاعدة" في القارة الأفريقية، وازدياد نشاط "داعش" في غرب السودان.
المصدر:
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
الكاتب:
أحمد كامل البحيري
التاريخ : 23/2/2025
-------------------------------------------------
المصدر:
العين الإخبارية
التاريخ
: 1/10/2024