العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
فرع بنغازي

تعرف العلاقات الدولية بانها مجموعة من العلاقات بين دولتين، أو مجموعة من الدول، أو بين من يتفاعلون معاً بالاعتماد على العديد من السمات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وغيرها، وتعرف العلاقات الدوليّة أيضاً بأنها التفاعلات ذات الأنماط الثنائية التي تنظم العلاقة بين دولتين عن طريق مجموعة من الروابط السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، فتتعاون هذه الدول معاً بما يخدم مصالحها، وأهدافها المشتركة.

وايضاً يمكننا القول بانَّ المجتمع الدولي تعرض للعديد من التغييرات العميقة خلال مراحله كافة، والتي تركت بصماتها على بنيته وهيكله وشكله، وتتمثل أهم تلك التغييرات في:

·   ازدياد عدد الدول التي تشكل العمود الفقري للجماعة الدولية المعاصرة، يكفي أن نذكر أنَّ عدد أعضاء الأمم المتحدة يقترب من مائة وتسعين دولة، بعد أن كانوا واحدًا وخمسين وقت إنشائها. هذه الدول تختلف من حيث الاتساع الجغرافي، والقوة الاقتصادية، والأنظمة السياسية والاجتماعية وغيرها، وقد أدت هذه الزيادة العددية إلى تراجع دور الدول الكبرى – إلى حد ما- أمام الاغلبية العددية للدول حديثة الاستقلال.

·   ازدياد أهمية الكائنات القانونية الدولية الأخرى، والتي تقوم بدور لا يمكن انكاره على الصعيد الدولي، مثال ذلك: حركات التحرير الوطنية، والمنظمات الدولية، والشركات متعددة الجنسيات …إلخ.

·   وجود عدد من الدول التي تتحكم – من حيث الواقع- في مصير المجتمع الدولي، وإذا كانت ظاهرة القوة أو القوى العظمى قد وجدت منذ أقدم العصور (سواء في عصر الرومان أو الفرس أو الاسلام)، فإنَّ من الثابت أنَّ القوى العظمى الموجودة حاليا تستند- بالنظر للتقدم العلمي الرهيب خصوصا في وسائل القتال والتدمير- إلى مبدأ “توازن التأثير أو توازن القوى أو توازن الرعب” رغبة في تلافي أي تدمير ذاتي لكل منهم.

·   ترابط العلاقات بين أعضاء الجماعة الدولية وتداخلها وتشابكها، سواء من الناحية الأفقية أو الرأسية، هذا الترابط تتجلى في مظاهره في عدم إمكانية استغناء الدول بعضها عن بعض في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية كافة.

·   اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، والتي لا تعد فقط نتيجة للنظام الاستعماري القديم الذي انقضى، بل أيضاً انعكاسا للنظام الحالي بما صاحبه من تقدم علمي وتكنولوجي رهيب، والواقع أن الناحية الاقتصادية في القانون الدولي المعاصر تبدو كئيبة: انتشار الكساد، والتضخم، وأزمات الطاقة، والفقر، والمديونيات الخارجية، والمواد الأولية …إلخ.

·   ما تقدم ليس من شأنه أن يدعو إلى الاستغراب، على أساس أنَّ كل عنصر يفرز ويفرض النظام الذي تتولد عنه العلاقات المسيطرة فيه، ومع ذلك يمكن القول إنَّ كل شيء قابل للتغيير، إذا اتجهت الإرادة نحو ذلك.

·   الصورة القاتمة المعروضة سابقاً، هي في الواقع انعكاس لتطور طويل، تضرب جذوره في أعماق التاريخ وحتى وقتنا الحاضر. فالقانون الدولي (لاسيما التقليدي) جسَّد سيطرة الأقوياء على الضعفاء، لذلك حينما يصحو الضمير أو يدق ناقوس الخطر أو التمرد، أو حينما يتكلم مقتضى “العدالة” بصوت أعلى من صوت “الأمر” تبدو الحقيقة المؤلمة والحزينة، وتسقط كل فروع الخيال وأوراقه. وإذا كان القانون الدولي التقليدي في طريقه إلى الزوال بوصفه مرحلة تاريخية عفا عليها الزمان، فإنَّه للأسف ما زالت مبادئه قائمة كنهج وكوسيلة رؤيا، وإن كان ذلك تحت شكل آخر. أي إنَّه إذا كان الشكل قد تغيَّر، فإنَّ المضمون – للأسف- واحد. ويمكن التنويه ايضا بأنَّ مختلف العوامل التي تحدد العلاقات الدولية المعاصرة، ليست مجرد قنوات جامدة وفاصلة ونهائية، تحرم أطرافها من حرية التصرف والتقدير، بل هي تشكل الإطار الذي يحدد- دون أن يلغي – القدر الذي يمكن أن تمارس فيه الاختيارات، على أنَّ مظاهر تطور القانون الدولي، وهو القانون الذي يحكم تلك العلاقات، تبدو متعددة، ومنها: عدم اقتصار الشخصية القانونية على الدولة بوصفها الشخص القانوني الدولي الوحيد، وازدياد اهمية العنصرين البحري والجوي من اقليم الدولة، نتيجة للاكتشافات العلمية الهائلة وثورة التكنولوجيا، وذلك بعد أن كان العنصر البري هو صاحب الاهتمام الأكبر، إن لم يكن الوحيد، وانقضاء بعض أساليب اكتساب الاقليم (كالغزو مثلا)، وانقضاء اللجوء إلى الحرب كوسيلة لحل المنازعات الدولية، بعد أن كان حقًا مشروعًا تملكه كل دولة، وبزوغ فكرة التضامن الدولي في صورة أكثر من ذي قبل. وتستند المظاهر السابقة إلى بعض المبادئ الاساسية التي يؤسس عليها صرح القانون الدولي المعاصر وبنيانه، ومنها: المساواة في السيادة، وضرورة الموافقة لكي يترتب إلزام في حق أشخاص القانون الدولي (باستثناءات معينة)، وحسن النية، والدفاع عن النفس، والمسؤولية عن الأضرار، وحرية البحار العالية والفضاء الخارجي، وتحريم القوة أو التهديد باستخدامها، والسيادة على الموارد الطبيعية، وحسن الجوار، وعدم إساءة استخدام الحق…. إلخ.

تتفاعل الوحدات المكونة لنظام الدولية في اتجاهات غير خطية النمط، ضمن الأطر السلمية والصراعية من أجل هدف واحد هو تحقيق المصالح سواء الفردية القومية أو فوق قومية، لذلك فكل فاعل دولي يسعى لتأسيس مصلحته بالاعتماد على عدة عوامل ذاتية موضوعية تتوزع إلى عوامل تقليدية وحديثة استنادا للمعيار التاريخي لتطورها، تؤثر في مكانة ومدى نفوذ الفواعل، خاصة الدول ضمن البيئة لدولية.

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية:

-   العامل العسكري:

حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.

والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.

فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.

ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة.

أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.

وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.

وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.

إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية مع الكيان الصهيوني عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.

أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.

لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.

إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.

-    العامل الجغرافي:

نرتكز في درستنا للعامل الجغرافي على العامل الجيوسياسي الذي يساعد في توضيح مدى الإرتباط بين الموقع الجغرافي للدولة ما ومكانتها السياسية لدى جوارها الإقليمي والدولي، بمعنى تفسير مدى العلاقة بين البيئتين الطبيعية والسياسية.

وترجع فكرة ربط العامل الجغرافي بالمجال السياسي إلى العهد الإغريقي وبالتحديد عند أرسطو في كتابه "السياسة" عندما تطرق لنظرية العلاقة بين المناخ والحرية، كما أصبح لجغرافيا دوراً مهما لدى محللي السياسة الدولية في إطار ما يعرف بالحتمية الجغرافية في مدرسة راتزل والمدرسة لجيوبولتيكية عموماً . لذلك يقول القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت: " إن سياسة الدول حسب جغرافيتها.

عسكرياً، أكدت بعض المعارك الكبرى في القارة الأوربي دور المناخ وطبيعة الأرض في حسم الصراعات المسلحة، مثل معارك نابليون بونابرت في أوربا وخسارته لحملته ضد روسيا سنة 1812 ضد روسيا القيصرية لأسباب عديدة أهمها المناخ البارد شتاءً ومعركة واترلوا.

أيضاً لجملة منها الأسباب الأساسية منها طبيعة الأرض معركة واترلوا المشكلة من ساحة منبسطة وتلة مرتفع أرضي يسيطر عليها الإنجليز ومحافظتهم عليها ضد الهجوم المشاة الفرنسية في تلك الفترة سنة 1815.

تعد جغرافيا الاتحاد السوفياتي القارية 22 مليون كلم مربع وتضاريسها المتعددة المناخات والتضاريس على الموزعة على قارتي أوربا وآسيا؛ جانبا ً أساسياً في عمقها الأمني وصعوبة احتلالها لذا كانت أغلب سياستها منذ إنشاء دوقية موسكو سن 1462 م إلى غاية الاتحاد السوفياتي ومعظم فترة الراهنة، تتصف بالاستقلالية السياسية وإدارة تأثيرها الاستراتيجي.

كما أن جغرافية الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد ما وكذا المملكة المتحدة البريطانية وطبيعتها الجزرية الخاص بها، تؤثر على مستوى عميق في سياساتها الأمنية والعسكرية تجاه جوارها الإقليمي خاصة أثناء الحرب.

لذلك يقول الباحث في العلاقات الدولية إيف لاكوست أن: القول منذ البداية أن الجغرافيا تستخدم في المقام الأول لخوض الحرب لا يعني أنها تستخدم إلا للقيام بالعمليات العسكرية، إنها تستخدم أيضا لتنظيم الأقاليم ليس فقط توقعا للمعارك التي يتعين خوضها ضد هذا الخصم أو ذاك، بل وكذلك لمضاعفة التحكم في السكان الذين يفوضون جهازا للممارسة سلطته عليهم.

-   العامل السكاني:

إن التركيبة السكانية لديها تأثير على الشؤون العالمية، والتكوين العام للقوة، فإن البلاد التي عدد سكانها كبير تكون قادرة على حشد المزيد من الموارد لتحقيق أهداف سياستها الخارجية من بلد أصغر، والتحول في التوزيع الإقليمي للسكان يؤثر على ميزان القوى في المنطقة.

من جانب آخر، أن تغير من حيث عدد السكان وتيرة وتركيبته يمكن أن تؤثر على النشاط والفعالية التي الحكومة من حيث مواصلة سياساتها المختارة، على حد سواء المحلية والأجنبية. في الحالات القصوى، فإن ديناميات السكان الداخلية للبلاد حتى زعزعة استقرار نظام السياسي القائم أو إسقاط نظام الجلوس.

من الناحية النظرية، فإن أي جهد منهجي لتقييم الأثر الفعلي للسكان على سياسة القوة أو الأمن الدولي يواجه مجموعة هائلة من التفاصيل غير مرتبة، ومحيرة في بعض الأحيان. لأمور أخرى ليست دائما على قدم المساواة في التفاعل بين السياسة السكانية والعالم والتأثير النسبي للعوامل المختلفة الأخرى المؤثرة في العلاقات الدولية. لذلك فالاتجاهات الديموغرافية قد نادرا ما تتاح دورا حاسما. على ما يبدو "واضحة" لكثير من المراقبين حول بعض التأثير لعوامل السكان في الشؤون الدولية.

إن فهم قياس وتقدير دقة العلاقات المعقدة بين التغير السكاني والتغير الاجتماعي والاقتصادي، والتطورات السياسية تبدو ذات أهمية خاصة " الانهيار الاجتماعي والسياسي "في العالم الثالث الاستراتيجي، الانهيار الذي يمكن بدوره أن يؤدي إلى مزيد من" الفوضى عبر الحدود.

-   العامل الاقتصادي:

رفض التجاريون التمييز بين التفوق التجاري والتفوق السياسي حيث يكون ميزان القوى مرهون بالميزان التجاري فللأوضاع الاقتصادية المقام الأول اتجاهات السياسة الخارجية للدول ويؤكد الباحثون على أن هناك ارتباط بين الحرب كظاهرة بين الدول وبين الظاهرة الاقتصادية، فالحرب هي آثار حتمي للظاهرة الاقتصادية من حيث:

أ ـ حروب القحط: ففي الجماعات البدائية تبدو حالة القحط الناجم عن تخلف الموارد الطبيعية عن تمكين الجماعة من الاستمرار في الحياة وهكذا تبدو هذه الحالة وكأنها الوضع المحتم للحرب من أجل الاستعلاء على موارد الآخرين.

ب ـ حروب الوفرة: أما في الجماعات الصناعية فالدافع للصراع كان السعي في الحصول على المزيد من الموارد الأولية من أجل المزيد من الإنتاج.

ج ـ حروب الأسواق والتسويق: هي تلك الحروب التي تلجأ إليها الدول من أجل الحصول على الحق في أن تتاجر بحرية في منطقة معينة.





 

المراجع:

_ مجد خضر، 10.5.2016، العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية، موقع موضوع.

_ هناء جبوري محمد، 12.2.2023، العوامل المؤثرة في الـعلاقات الـدولية المعاصرة، مركز الدراسات الاستراتيجية

المقالات الأخيرة