يطلق اسم "إيكواس" على المجموعة
الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهو تكتل يضم 15 دولة حسبما ذكر الموقع الرسمي
للمجموعة، وهي: "النيجر نيجيريا مالي بوركينا فاسو السنغال
غانا ساحل العاج
توغو غامبيا غينيا غينيا بيساو ليبيريا سيراليون
بنين الرأس الأخضر"
ولفت الموقع إلى أن دول مجموعة
"إيكواس" تجمع بينها روابط ثقافية وجغرافية ومصالح اقتصادية مشتركة،
ويقع مقرها الرئيسي في مدينة أبوجا، عاصمة نيجيريا.
تعمل الإيكواس أيضًا كقوة لحفظ السلام في
المنطقة حيث ترسل الدول الأعضاء أحيانًا قوات عسكرية مشتركة للتدخل في أوقات عدم
الاستقرار السياسي والاضطرابات في إحدى هذه الدول شملت هذه التدخلات في السنوات الأخيرة
في ساحل العاج في عام 2003 وليبيريا في عام 2003، وغينيا بيساو في عام 2012 ومالي
في عام 2013 وغامبيا في عام 2017.
تضم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا
مُؤسسات مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ومحكمة العدل الخاصة
بالمجموعة، وبرلمان المجموعة، وبنك إيكواس للاستثمار والتنمية (EBID)، ومنظمة الصحة لغرب إفريقيا (WAHO)، ومجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل
الإرهاب في غرب إفريقيا (GIABA).
وتضُم المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا أيضا تكتلين اقتصاديين نقديين ضمنها هُما
الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا (UEMOA)،
والمنطقة النقدية لغرب إفريقيا (WAMZ).
دفعت التطورات السياسية المتسارعة في غرب
إفريقيا، إلى جانب التباينات في الرؤى حول إدارة الأزمات دولاً مثل مالي وبوركينا
فاسو والنيجر إلى الانسحاب رسميًا من الإيكواس في 29 يناير الماضي، بعد أكثر من عام من الإعلان عن نيتها،
مؤكدةً بذلك على التزامها بتحالف دول الساحل the Alliance of Sahel States (AES)، والذي يمثل محاولة لبناء نظام أمني وإقليمي
جديد، مما يعكس رغبة هذه الدول في اتباع مسار مستقل، ويمهد الطريق أمام ترتيبات
إقليمية جديدة وقد أثارت هذه الخطوة الجريئة موجة من الاحتفالات الشعبية، إلا أنها
في الوقت نفسه أطلقت جدلًا واسعًا حول مستقبل التعاون الإقليمي في المنطقة حيث
يواجه هذا القرار تحديات اقتصادية وأمنية كبيرة قد تؤثر على استقرار المنطقة على
المدى الطويل
مسببات الانسحاب
تأسست المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا The Economic Community Of
West African States في عام 1975،
ليكون القوة الدافعة وراء التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا في جميع مجالات النشاط
الاقتصادي، وخاصة الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والموارد الطبيعية
والتجارة حيث تضمن الإيكواس لأعضائها السفر بدون تأشيرة والوصول إلى سوق تبلغ
قيمته أكثر من 700 مليار دولار لسكان يبلغ عددهم نحو 400 مليون نسمة إلا أنها
واجهت تحديات كبيرة في تحقيق هذا الهدف خاصة في ظل التباينات السياسية والاقتصادية
بين الدول الأعضاء، حيث يرى العديد من المواطنين أن المنظمة لم تستجب لتطلعاتهم
وآمالهم، مما أدى إلى تآكل الثقة بها، واعتبارها تمثل مصالح النُخب الحاكمة فقط،
وليس مصالح الشعوب الإفريقية
تعود جذور الأزمة بين تحالف دول الساحل
و”إيكواس” إلى سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها مالي عام 2020 وبوركينا فاسو
2022 والنيجر سنة 2023، والتي أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية وتهديدات بالتدخل
العسكري، وخاصة على النيجر، التي وصلت العقوبات المفروضة عليها إلى مستوى غير
مسبوق من الشدة، حيث شملت قطع الإمدادات الحيوية وتجميد الأصول، بهدف عزل النظام
الحاكم اقتصاديًا وسياسيًا، ودفع الشعب النيجري للضغط من أجل العودة إلى الحكم
المدني، رغم المخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد وقد
شجبت الدول الثلاث العقوبات، واصفة إياها بأنها “غير إنسانية”، مؤكدةً أنها تهدف
إلى معاقبة الشعوب وليس النظم الحاكمة، مما أدى إلى تدهور العلاقات بين الدول
الثلاث والإيكواس، وتفاقمت الانقسامات داخل التكتل الإقليمي، مهددين بالانسحاب منه
وقد كشفت الأزمة عن عيوب أساسية في عمل
الإيكواس، حيث اعتمدت بشكل كبير على العقوبات دون اللجوء إلى حلول دبلوماسية، مما
أدى إلى تفاقم الأزمة وعجزها عن تقديم حلول مستدامة للتحديات التي تواجهها
المنطقة، وأظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها وتبني نهج أكثر مرونة
وشمولية وبات واضحًا أن الأدوات التقليدية للضغط، مثل العقوبات والعزلة، لم تعد
فعالة في تحقيق الأهداف المرجوة مما يتطلب من المنظمة تطوير أدوات جديدة تعتمد على
الحوار والدبلوماسية لحل المشكلات المعقدة
تحالف دول الساحل
شهدت منطقة الساحل سلسلة من الانقلابات
العسكرية، مدفوعةً بالفشل المتكرر للحكومات في مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة،
والتي تفاقمت بسبب انتشار الجماعات المتطرفة، مما أدى إلى زعزعة الاستقرار السياسي
والأمني في المنطقة بشكل كبير، حيث شهدت مالي وبوركينا فاسو زيادة في أعمال العنف
والقتل والتشريد ففي عام 2023 وحده، قُتل أكثر من 8000 شخص في بوركينا فاسو بسبب
العنف في البلاد وحاليًا، تعاني بوركينا فاسو ومالي والنيجر من مشكلة نزوح حوالي
26 مليون شخص، مما دفع القيادات العسكرية في الدول الثلات لتشكيل كونفدرالية دول
الساحل في 6 يوليو 2024، خاصة بعد تشكيل تحالف دول الساحل في 16 سبتمبر 2023، عقب
توقيع ميثاق ليبتاكو-جورما بين الدول الثلاث، والذي عكس بدوره تطلع العسكريين
الجدد للبحث عن مسار إقليمي آخر يلبي تطلعات شعوبهم بعيدًا عن تكتل إيكواس وحلفائه
الغربيين، وبمساندة حلفاء جدد لا سيما الروس، وبتشكيل قوة عسكرية مشتركة قوامها
5000 جندي لمعالجة انعدام الأمن في المنطقة، وقد عزز التحالف التعاون الاقتصادي
بين أعضائه، وأثبت نفسه كتحالف عسكري مهم ضد التهديدات الخارجية
دفع الفقر والبطالة، إلى جانب سوء الإدارة
الحكومية، العديد من الشباب في منطقة الساحل إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة،
مما ساهم في انتشار العنف، وزاد من حدة عدم الاستقرار، الأمر الذي دفع تلك الدول
إلى الإعلان عن مبادرات اقتصادية واعدة، مثلما حدث في بوركينا فاسو، حيث أعلن قائد
المجلس العسكري في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري عن رؤيته الطموحة للاكتفاء الذاتي
والتنمية الاقتصادية من خلال التركيز على الزراعة
وقامت روسيا بتزويد بوركينا فاسو بمحطات طاقة
نووية مصغرة ستستخدم في إنتاج الأسمدة، وتطوير بذور الحبوب، وتحسين تقنيات الزراعة
ونجحت بوركينا فاسو في أن تكون أول دولة في غرب إفريقيا تُنتج الكهرباء عبر محطات
نووية، مما سيخفض تكلفة الكهرباء بنسبة تصل إلى 90% مقارنة بجيرانها هذه الخطوات
أثمرت بشكل فوري، حيث ارتفعت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من
18% إلى 31% خلال عامين فقط من حكم تراوري
تداعيات الخروج
أطلقت الإيكواس مبادرة للحوار المستمر والعودة
مع الدول الثلاث، بهدف إدارة الأزمة بشكل سلمي والوصول إلى حلول توافقية تضمن
استقرار المنطقة وحماية مصالح الشعوب وأكدت استمرار التبادل التجاري مع الدول
الثلاث، مشيرة إلى بقائها ضمن الاتحاد النقدي، الذي يشمل الدول الثلاث بالإضافة
إلى السنغال وساحل العاج وغينيا بيساو وتوجو وبنين، وطلبت المجموعة من الدول
الأعضاء الاستمرار في منح الدول الثلاث امتيازات العضوية، بما في ذلك حرية التنقل
داخل المنطقة، إلا أن هذا الإعلان يتناقض مع الخطوات العملية التي اتخذتها هذه
الدول لتعزيز استقلالها
ويتكهن بعض المحللين بأن انسحاب هذه الدول قد
يؤدي إلى تفاقم حالة ويهدد بتقويض الجهود المبذولة لمكافحة التطرف والفقر، ويُضعف
قدرة الدول على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، مثل الإرهاب والجريمة
المنظمة كما قد أن يتسبب الانسحاب في زيادة التكاليف التجارية لهذه الدول، وتقليل
جاذبيتها للاستثمار الأجنبي، مما يؤثر سلبًا على نموها الاقتصادي، وسيؤدي إلى
تعقيد الإجراءات التجارية وحركة الأشخاص، ويعرض اقتصاداتها لخطر العزلة، خاصة
وأنها دول غير ساحلية تعتمد على موانئ الدول الأعضاء في المنظمة
على
الجانب الآخر درست الأنظمة الحاكمة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو الأمر بشكل جيد،
وتسير قدمًا في خطوات عملية لتعزيز استقلالها، حيث تحالفت فيما بينها وأصدرت جواز
سفر خاصة بها، ليحل محل جواز سفر الإيكواس، لتسهيل حركة الأشخاص والبضائع بين
دولها، ويعزز التعاون الاقتصادي، مما يشكل خطوة رمزية تؤكد على قطعها مع الماضي
وبدء مرحلة جديدة نحو تكامل إقليمي أعمق
المستفيد الأكبر
رحبت موسكو بقرار إنشاء كونفدرالية دول الساحل
وأعلنت نيتها التعاون العسكري والاقتصادي معها، وهو ما يزيد مخاوف منظمة إيكواس من
ظهور انقسامات جديدة داخلها بين الدول المعادية للغرب وتلك المنسجمة مع سياساته،
وذلك بسب البديل الذي قد تقدمه موسكو للدول التي تبحث عن موازنة النفوذ الغربي.
وتقدم روسيا خدماتها الأمنية كعربون صداقة لدول
الساحل وسط الاضطرابات المستمرة، فقد وقعت اتفاقيات مع قادة الاتحاد لتدريب الجيوش
ونشر قوات شبه عسكرية في المنطقة بالإضافة إلى مشاريع في مجال الطاقة والمبادرات
الفضائية، وذلك دون شروط سياسية قاسية بالمقابل.
وقد آتت تلك الاتفاقيات ثمارها مبكرا، فقد حصلت
دول الساحل على أسلحة لم يكن بإمكانها الحصول عليها مع المحور الفرنسي، وحصلت مالي
على سبيل المثال على طائرات حربية ومدرعات وعربات ودبابات ورادارات ومسيرات
ورشاشات متطورة وغيرها، وهو ما يجعل التعاون مع روسيا يعلوه شيء من المصداقية
والواقعية.
وفي المحصلة، يعد انسحاب دول الساحل من مجموعة
إيكواس واقعا يعكس تطورا ضروريا في التملص مع النفوذ الغربي الذي يقوده المستعمر
الفرنسي السابق على جميع الأصعدة، وهو يعيد رسم التحالفات الإقليمية والدولية في
المنطقة.
ختامًا؛ دفعت العقوبات الاقتصادية دول الساحل
إلى التكتل والبحث عن حلفاء جدد، مما أدى إلى تقاربها مع روسيا والصين، ويشير هذا
التحول إلى تغير في التوجهات الاستراتيجية لهذه الدول، حيث تبحث عن شركاء جدد خارج
الإطار الغربي التقليدي ورسميًا تنتهي المرحلة الانتقالية التي منحتها الإيكواس
للدول الثلاث (للتراجع عن الانسحاب) في 29 يوليو القادم
وقد شهدت الإيكواس تراجعًا في نفوذها، مما فتح
الباب أمام تحديات أمنية واقتصادية جديدة، وسيعاني المواطنون في الدول الأعضاء من
تداعيات ذلك، حيث سيؤثر سلبًا على التجارة والاستثمار، ويقلل من فرص التنمية
الاقتصادية، مما دفع بعض الدول الأعضاء إلى البحث عن حلول بديلة خاصة، وأن
الإيكواس تفتقر حاليًا إلى القدرة العسكرية والسياسية الكافية لتنفيذ أي تدخل
عسكري لاستعادة النظام في الدول الثلاث
ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة محاولات
مكثفة من جانب الإيكواس لإعادة الدول المنفصلة إلى الحاضنة الإقليمية، من خلال
تقديم حوافز اقتصادية وتخفيف العقوبات المفروضة عليها، إلا أن ذلك يتطلب إيجاد
حلول وسط تلبي مطالب جميع الأطراف وتضمن وحدة التكتل
وفي النهاية، يمكننا القول إن انسحاب هذه الدول
يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة في المنطقة، حيث ستشهد تشكيل تحالفات جديدة،
وتغيير في موازين القوى الإقليمية، ولكن تواجه الدول المنفصلة تحديات كبيرة في
بناء تكتلات بديلة، خاصة في ظل ضعف البنية التحتية الاقتصادية والأمنية، وغياب
الدعم الدولي الكافي
المصدر:
مركز رع للدراسات الاستراتيجية
الكاتب
: د جيهان عبدالرحمن
التاريخ
: 8/2/2025
-------------------------------------------------------------
المصدر:
الجزيرة نت
التاريخ
: 26/2/2025