بحث الانسان على مر التاريخ على اختراع يمكنه أن يحاكي العقل البشري في نمط تفكيره، فقد حاول كل من الفنانين والكتاب وصناع الأفلام ومطوري الألعاب على حد سواء إيجاد تفسير منطقي لمفهوم الذكاء الاصطناعي.

 فعلى سبيل المثال في عام 1872 تحدث “صموئيل بتلر” في روايته “إريوهون” 1872 عن الآلات والدور الكبير الذي ستلعبه في تطوير البشرية ونقل العالم الى التطور والازدهار.

وعلى مر الزمن، كان الذكاء الاصطناعي حاضراً فقط في الخيال العلمي، فتارةً ما يسلط الضوء على الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي على البشرية وجوانبه الإنسانية المشرقة، وتارةً أخرى يسلط الضوء على الجوانب السلبية المتوقعة منه، ويتم تصويره على أنه العدو الشرس للبشرية الذي يعتزم اغتصاب الحضارة والسيطرة عليها.

في عام 2018، أصبح الذكاء الاصطناعي حقيقة لا خيال، ولم يعد يحتل مكاناً في عالم الثقافة الشعبية فقط لقد كانت سنة 2018 بمثابة النقلة الكبرى للذكاء الاصطناعي، فقد نمت هذه التكنولوجيا بشكل كبير على أرض الواقع حتى أصبحت أداة رئيسية تدخل في صلب جميع القطاعات.

لقد خرج الذكاء الاصطناعي من مختبرات البحوث ومن صفحات روايات الخيال العلمي، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ابتداء من مساعدتنا في التنقل في المدن وتجنب زحمة المرور، وصولاً إلى استخدام مساعدين افتراضيين لمساعدتنا في أداء المهام المختلفة، واليوم أصبح استخدامنا للذكاء الاصطناعي متأصل من أجل الصالح العام للمجتمع.

مميزات الذكاء الاصطناعي

_ الكفاءة والدقة

الذكاء الاصطناعي قابل للتطوير وفعال. بدلاً من أن يكون مقيدًا بالمورد المحدود للعقل البشري، يمكن دمجه مع أنظمة الكمبيوتر القابلة للتطوير التي تتراوح من الهواتف المحمولة إلى أجهزة الكمبيوتر العملاقة التي تشغل الذكاء الاصطناعي مثل IBM Watson وGoogle DeepMind. تعني الكفاءة القابلة للتطوير للذكاء الاصطناعي أنه يمكن استخدامه لأداء مهام صغيرة جدًا ومهام معقدة للغاية مرارًا وتكرارًا دون إجهاد.

من المفاهيم الخاطئة أن كل الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون “ذكيًا” ليكون “ذكيًا”. يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإجراء المهام التي تكون مملة للغاية أو تستغرق وقتًا طويلاً أو متكررة للبشر، مثل الزحف عبر صفحات الويب لجمع المعلومات. هل تتخيل البحث عبر مليون صفحة ويب بحثًا عن أجزاء من المعلومات، ونسخها يدويًا ولصقها في جدول بيانات؟!

_ القضاء على الخطأ البشري

يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي على “الخطأ البشري” لأنه لا يفقد التركيز أبدًا أو لا يتأثر سلبًا بالظروف البيئية. على سبيل المثال، قد يكون الطبيب المتعب عرضة لاتخاذ قرارات سيئة ويميل إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء. الذكاء الاصطناعي ليس ضعيفًا بنفس الطريقة ويظل دقيقًا بلا هوادة.

_ خفض التكاليف (منتجات وخدمات أرخص

أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تحل محل الوظائف البشرية منخفضة المهارات، مما يعني أن عملك قد يحتاج إلى توظيف عدد أقل من الأشخاص. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي رفع مستوى الأشخاص للتركيز على المهام المعرفية العليا التي تتطلب تدريبًا أكثر تقدمًا حيث يمكن للإنسان في النهاية أن يخلق قيمة أكبر.

هذا يعني أننا سنكون قادرين على تحسين كفاءة أعمالنا المحلية والوطنية والعالمية مع تقليل التكاليف وجعلها أرخص للعميل النهائي.

قد تواجه الشركات التي تفشل في استخدام الذكاء الاصطناعي صعوبة في المنافسة ضد الشركات المبتكرة وذات الكفاءة العالية التي يقودها الذكاء الاصطناعي.

_ تحسين صنع القرار البشري

يمكن أن تكون نماذج التصنيف التي تتنبأ بالتسمية (هل النتيجة ذكر أم أنثى؟) في ضوء مجموعة من بيانات الإدخال قوية بشكل لا يصدق للشركات. يتيح لك توقع العلامات المفيدة للعملاء الجدد اتخاذ قرارات أفضل.

_ تحسين تدفقات العمل البشري

في مجال معالجة اللغة الطبيعية، أصبح من الممكن الآن إنشاء ملخصات المحتوى ومسودات المقالات الأولى باستخدام اللغة الطبيعية. هذا يعني أنه يمكن للكتاب قضاء المزيد من الوقت في تحرير منشورات المدونة وتنسيقها بدلاً من العمل على إنشاء مسودة أولى.

تُستخدم البرمجة اللغوية العصبية أيضًا لإنشاء روبوتات محادثة شبيهة بالبشر لأغراض تجارية وغير هادفة للربح أو لأغراض القطاع العام.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي مسح آلاف أجزاء المحتوى ويمكن أن تساعد كتّاب المحتوى والناشرين على فهم الكلمات والموضوعات والكيانات التي يجب تضمينها في مقالة جيدة لتحسين ملاءمتها للقارئ.

_ الميزة الميكانيكية

ربما يكون أكثر ما يخيف كتاب الخيال العلمي والمستقبليين هو أنه يمكن دمج الذكاء الاصطناعي في آلات قوية للغاية لها ميزة ميكانيكية على البشر. تخيل آلة بقوة دبابة مع ذكاء خارق.

لطالما ساعد التمويل العسكري في دفع عجلة التطور التكنولوجي. ما كان في الأساس سباق تسلح بين الولايات المتحدة والسوفييت تبين أنه أحد العوامل المحفزة الرئيسية لاستكشاف الفضاء – ربما نرى هذه العملية انعكست مع الذكاء الاصطناعي.

من المحتمل أن تدخل الصين والولايات المتحدة في سباق تسلح للذكاء الاصطناعي، حيث تسعى كلتا القوتين العظميين إلى تطوير روبوتات قتالية قوية ومستقلة للأرض والبحر والجو.

يتم استخدام الطائرات القتالية بدون طيار والمركبات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بالفعل، مثل Boeing Loyal Wingman. يسمح استخدام الذكاء الاصطناعي للمهندسين بدفع المكونات إلى ما هو أبعد مما يمكن أن يأخذه الإنسان جسديًا مع عدم المخاطرة بالحياة في عملياتهم.

هذا ما نراه في الفضاء أيضًا، حيث تستطيع روبوتات الذكاء الاصطناعي الذهاب بجرأة إلى حيث لم يذهب أي إنسان من قبل وجمع البيانات من البيئات غير المواتية مثل سطح المريخ وما وراءه.

أبرز مخاطر الذكاء الاصطناعي

بعد 10 سنوات في خدمة غوغل استقال رائد الذكاء الاصطناعي جيفري هينتون من العملاق الأميركي، موضحا في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أنه غادر للتحدث بحرية عن الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعن 5 مخاطر أساسية للذكاء الاصطناعي.

_ حذار من أن تتجاوز الآلة صانعها

أدت المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا الكبرى إلى تقدم لا يمكن لأحد أن يتخيله، وفقا لجيفري هينتون، فقد تجاوزت السرعة التي يحدث بها التقدم توقعات العلماء ولم يؤمن سوى عدد قليل من الناس بفكرة أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تصبح في الواقع أكثر ذكاء من البشر.. وكنت شخصيا أعتقد أن ذلك لن يحدث إلا في غضون 30 إلى 50 سنة أو ربما أكثر، وبالطبع، لم أعد الآن أعتقد ذلك".

جيفري هينتون: الأمل الوحيد هو أن يعمل أهم العلماء في العالم يدا بيد لإيجاد حلول للتحكم في الذكاء الاصطناعي.

حتى العام الماضي، لم يكن يعتبر هذا التقدم خطيرا، لكن رأيه تغير عندما طورت غوغل و"أوبن إيه آي" OpenAI أنظمة عصبية قادرة على معالجة كميات كبيرة جدا من البيانات، التي يمكن أن تجعل هذه الأنظمة أكثر كفاءة من الدماغ البشري، وبالتالي فهي خطيرة للغاية.

_ تقليل فرص الوظائف في كل المجالات

من وجهة نظر اقتصادية، يخشى الأب الروحي للذكاء الاصطناعي من أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تعطل سوق العمل بشكل كبير، حيث يقول: "الذكاء الاصطناعي يقضي على العمل الشاق"، مضيفا أنه "يمكن أن يقضي على ما هو أكثر من ذلك بكثير"، مما يؤثر على المترجمين والمساعدين الشخصيين على وجه الخصوص. فالقضاء على فرص العمل يسلم منها حتى الأكثر "ذكاء"، حتى وإن اعتقد بعضهم أنهم في مأمن من ذلك.

_ تهديد "الروبوتات القاتلة"

يرى هذا الخبير أن التقدم التكنولوجي سريع للغاية، مقارنة بالوسائل المتاحة لدينا لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، ويعلق على ذلك قائلا: "لا أعتقد أنه يجب علينا الإسراع في ذلك حتى نفهم ما إذا كان بإمكاننا التحكم فيه"، فما يخشاه هذا الخبير هو أن تصبح الإصدارات المستقبلية "تهديدات للبشرية".

ووفقا لهينتون، ستكون أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية قادرة على تطوير سلوكيات غير متوقعة بعد تحليل كمية كبيرة من البيانات، وقد أصبح هذا ممكنا، لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي تولد الكود الخاص بها وتوجهه، مما قد يحولها إلى "أسلحة مستقلة" و"روبوتات قاتلة"، رغم أن العديد من الخبراء يقللون من شأن هذا التهديد.

_ الذكاء الاصطناعي في أيدي جهات خبيثة

ووفقا له، فإن التهديد يأتي أيضا من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الجهات الفاعلة الخطرة. وهو قلق من أنه "من الصعب معرفة كيفية منع الجهات السيئة من استخدامه لأغراض شريرة". ويعارض هينتون بشكل خاص استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وهو يخشى أساسا من تطوير البشر "للجنود الآليين".

وقد كان جيفري هينتون قرر في ثمانينيات القرن الماضي ترك جامعة "كارنيغي ميلون" في الولايات المتحدة، لأن أبحاثه هناك تم تمويلها من قبل البنتاغون.

وأخيرا، يحذر جيفري هينتون من المعلومات المضللة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ويبرز أن هذا الاندفاع العلمي وما يصاحبه من استخدام مكثف للذكاء الاصطناعي سيجعل من المستحيل تقريبا تمييز "ما هو صحيح مما هو كاذب"، حتى أن العالم يتحدث عن "مولد تفاهات"، وهو تعبير يشير إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على إنتاج عبارات مقنعة تبدو معقولة دون أن تكون صحيحة.

ما الحل؟

يؤيد خبير الشبكة العصبية تعاونا دوليا يشمل كل المختصين في هذا المجال، لكنه يشكك في القدرة على تحقيق ذلك قائلا: "قد يكون الأمر مستحيلا.. فلا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت الشركات أو الدول تعمل على مثل هذه البرامج سرا، والأمل الوحيد هو أن يعمل أهم العلماء في العالم يدا بيد لإيجاد حلول للتحكم في الذكاء الاصطناعي".