خلال
السنوات الأربع الماضية، قامت إثيوبيا بمراحل عدة لملء سد النهضة الذي بدأت
بتنفيذه عام 2011، الملء الأول كان في يوليو 2020، وبلغ حجم التخزين فيه نحو 5
مليارات متر مكعب، وكان الملء الثاني في يوليو 2021، وبلغ حجم التخزين نحو 13.5مليار متر مكعب (وفق التصريحات الرسمية
الإثيوبية)، ثم كان الملء الثالث في يوليو 2022، وذكر بعده رئيس الوزراء الإثيوبي أن “التعبئة تمت بطريقة سلسة
دون أي ضرر في حصة مياه دول المصب”، مضيفا أنه “تم احتجاز 22مليار متر مكعب، وتشغيل توربين واحد في السد لتوليد الطاقة الكهربائية، دون
إلحاق ضرر بدولتي المصب ولا بحصتيهما المائية”.
ثم
بدأ الملء الرابع للسد في نهاية فبراير/ 2023، الذي يستهدف الوصول بحجم المياه التي سيتم تخزينها إلى 40 مليار متر مكعب، ومع الاستعدادات الإثيوبية والخطوات العملية التي
يتم تطبيقها وفق خطط محددة ومعلنة، وفي وقت تضيق فيه الخيارات والبدائل أمام صانع
القرار المصري، تبرز مجموعة من المسارات الأساسية.
حيث
تبلغ مساحة حوض النيل 2.9 مليون كيلومتر مربع، أي 10% من مساحة أفريقيا، ويُعَد نهر النيل أطول أنهار العالم إذ يبلغ
طوله نحو 6670 كيلومترا، ذلك إذا بدأنا من منابع نهر
كاجيرا. ويشمل حوض النيل الدول التي يخترقها النهر وتقع في حوضه ولها مصلحة في
مياهه وتستفيد منها بأي صورة من الصور، وهي مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا
وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندي وبوروندي بالإضافة إلى الكونغو الديمقراطية.
ويبلغ
الحجم المتوسط السنوي للأمطار على حوض النيل نحو 900 مليار متر مكعب سنويا، يُمثل السريان السطحي منه 137 مليار متر مكعب، بينما إيراد نهر النيل لا يتجاوز 84 مليار متر مكعب، يأتي 72 مليارا (أي 87% من مياه النيل) من النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في
إثيوبيا، بينما يأتي 13% من منطقة البحيرات العظمى أي نحو 12 مليار متر مكعب.
وتبرز
المشكلة المائية في دول حوض النيل من أن هذه الدول تعاني مخاطر مستقبلية نتيجة نقص
المياه خصوصا دولتي المصب، مصر والسودان، اللتين تعتمدان على مياه النيل اعتمادا
شبه كلي. فمصر هي الدولة الأكبر سكانا والأكثر اعتمادا على مياه النيل، والأمطار
بها شبه معدومة، والمياه الجوفية غير متجددة، ومياه النيل تمثل نحو 97% من موارد مصر المائية، وتبلغ حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب، والأرض المزروعة 3.6 ملايين فدان، وهذا القدر من المياه لا يكفي لاحتياجات السكان،
ولكي تحافظ مصر على نصيب الفرد من المياه فإنها بحاجة إلى نحو 77 مليار متر مكعب، وهو ما يعني وجود عجز 22مليار متر مكعب.
وفي
السودان، تختلف التقديرات بشأن المساحة المزروعة من 1.1 إلى 1.3 مليون هكتار، في حين تتراوح تقديرات المياه
المستخدمة بين 12 و17 مليون هكتار. وتدعو الخطة الوطنية السودانية إلى استصلاح ما يقرب
من 2.4 مليون هكتار جديدة من الأرض الزراعية، وهي
تتطلب 15 مليار متر مكعب إضافية من المياه.
ولكن
وسط وجنوبي السودان لا يحتاجان كثيرا إلى المياه من نهر النيل، فمعدل مياه الأمطار
يصل إلى 1500 ملم على الأغلب في العام. كما أن السودان
حاليا يستغل فقط 13.5 مليار متر مكعب من حصته في مياه النيل
البالغة 18.5 مليارا، إلا أن ما يزيد من وطأة الأزمة في
شمالي السودان، بعد انفصال الجنوب في العام 2011، أن الأخير يسيطر على قسم مهم من مياه النيل ومصادره الأساسية،
رغم أنه يشهد انهمار الأمطار طوال شهور الصيف.
وفي
إثيوبيا، التي توصف بأنها نافورة أفريقيا حيث ينبع من مرتفعاتها 11 نهرا تتدفق عبر حدودها إلى الصومال والسودان وتصب هذه الأنهار 100 مليار متر مكعب من المياه إلى جيران إثيوبيا، والنيل الأزرق أكثر
هذه الأنهار تدفقا، لكن تتميز أنهار إثيوبيا التي تجري صوب الغرب بانحدارها
الشاهق، فالنيل الأزرق ينحدر 1786 مترا عن مجراه الذي يبلغ 900 كيلومتر، وهذا الانحدار الشاهق لتلك الأنهار يجعل من إثيوبيا بلدا
ضعيفا جغرافيا في التحكم في جريان النهر.
تضرر
سد الروصيرص
التطورات
الأخيرة في شأن الاستعداد للملء الرابع سبقها "تصريح لوزير الري الإثيوبي،
أكد خلاله أن بلاده قطعت شوطاً كبيراً في إكمال بناء الممر الأوسط تمهيداً للشروع
في عملية الملء الرابع".
ويضيف
"في حال صحة تلك التصريحات فإن إثيوبيا ستتمكن من تنفيذ عملية التخزين الرابع
كما كان مخططاً على عكس عمليات التخزين السابقة، مما يعني أن السعة التخزينية
للبحيرة خلف السد قد تصل إلى 30 مليار مكعب من المياه بنسبة 40 في المئة من
السعة التخزينية الكلية للسد".
يؤكد
أيضا ان الملء الفعلي غالباً يتم في موسم الأمطار التي تبدأ في الهضبة الإثيوبية
بداية من أبريل ومايو، وقد ينتهي في يوليو. ونظراً إلى حال الجمود على مستوى
المفاوضات، يتوقع "أن تمضي إثيوبيا في تنفيذ خطة الملء الرابع من دون توقف،
مما قد يؤثر في السودان، بخاصة على مستوى سد الروصيرص الذي يبعد نحو 100 كيلو متر
من موقع سد النهضة الإثيوبي".
ويرى أن التأثيرات المباشرة لذلك تتمثل في "حدوث اضطرابات في تشغيل سد الروصيرص، وعدم التحكم في كمية المياه، فضلاً عن تضرر المشاريع الزراعية وعمليات توليد الكهرباء التي قد تتأثر وفقاً لحجم تصريف المياه من السد الإثيوبي، إذ سيضطر السودان إلى تغيير في نظام تشغيل سد الروصيرص ويتحمل تكاليف مالية إضافية".
المراجع
_ محمود أبو بكر، 10/ يناير/ 2023، إثيوبيا نحو
الملء الرابع لسد النهضة، أندبندنت عربية.
_ محمد طه، 9/ مارس/ 2023، إثيوبيا تستعد للملء
الرابع، السياق.