خريطة الناتو الجديدة
فرع القاهرة

 

تأسس حلف شمال الأطلسي/ الناتو في عام 1949 مع بداية الحرب الباردة ويضم الناتو الذي يتخذ من بروكسل مقرا له في عضويته اليوم 32 دولة على رأسها الولايات المتحدة ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا انضمت إليه كل من فنلندا والسويد في وقت تأمل فيه دول أخرى قبولها في عضويته.

على مدار جانب كبير من تاريخها، كانت ثلاث دول نوردية، فنلندا، السويد، والنرويج، دولة واحدة ضمن الملكية السويدية الآن، بعد تخلي كل من فنلندا والسويد عن الحياد وانضمامهما إلى نظرائهما من الدول النوردية -الدنمارك، النرويج، وأيسلندا- في الناتو، تريدون القتال معاً مرة أخرى كما لو كانوا جميعاً جيشاً واحداً يتطلب ذلك إعادة الناتو رسم خرائطه لجعل خلجان الحلف، وموانئه، وبحاره، وأراضيه منطقة واحدة تحت غطاء المادة 5، وهو تعهد الدفاع الجماعي للحلف

قال الجنرال إيريك كريستوفيرسن، رئيس أركان الدفاع النرويجي: "بحر البلطيق والشمال العالي مرتبطان ارتباطاً وثيقاً لدرجة أنهما يشكلان في الأساس منطقة عمليات إستراتيجية واحدة، ولكن في اتجاهات مختلفة شمالاً في الشمال العالي، وشرقاً في بحر البلطيق"

كيف يمكن تقليص كل هذه الجغرافيا إلى إستراتيجية شاملة واحدة؟ كيف يمكن القيام بدوريات في منطقة شاسعة مثل هذه من قواعد روسيا في كالينينغراد، إلى المضايق، إلى سفالبارد المغطاة بالجليد، إلى كابلات الإنترنت تحت الماء التي تمتد عبر المحيط الأطلسي؟ أين يجب رسم الخط في بحر البلطيق بين الدول النوردية وأوروبا القارية؟

متطلبات خريطة الناتو الجديدة

الاستفادة من التوسع الأخير للناتو تتطلب أن يكون كل شيء متصلاً على الخريطة الجديدة، إذ على القيادة الجديدة للتحالف في نورفولك، فيرجينيا بالولايات المتحدة، التي تتمثل مهمتها في القتال عبر الأطلسي، أن تضاعف عدد موظفيها لتوحيد الحلفاء الجدد تحت قيادة واحدة؛ ويجب أن تحدد مدى إمكانية دمج القوات العسكرية النوردية في قوة قتالية واحدة؛ كما يجب على النرويج وفنلندا والسويد إعادة تشكيل طرقها التي تتجه في اتجاهات مختلفة لنقل آلاف الجنود إلى ساحات القتال عند الحاجة

ساحل النرويج يمتد 100 ألف كيلومتر، ولا ترغب في أن تكون الصين وروسيا وحدهما في القطب الشمالي لأن ثرواتها السمكية والطاقوية كلها تأتي من هناك بكميات ضخمة لدى خفر السواحل النرويجي أربع مدمرات فقط لدوريات في جميع أنحاء الشمال العالي، وهي مستأجرة فقط حتى عام 2030 الطريقة الوحيدة لتقليص حجم القطب الشمالي، وبحر الشمال، وبحر البلطيق هي الحصول على مساعدة قال كريستوفيرسن: "يجب أن ندمج قواتنا في المنطقة وفي الناتو يعني ذلك الدمج في المجال البري، والمجال الجوي، والمجال البحري، وفي الفضاء الإلكتروني، وفي الفضاء الخارجي"

وتعود فكرة دمج القوات إلى زمن الحرب العالمية الأولى، عندما أرسل الجيش الأمريكي قواته للقتال مباشرة ضمن وحدات بريطانية وفرنسية أكثر وأضاف كريستوفيرسن: "يجب ألا تكون لدينا مسؤوليات مختلفة يجب أن نكون جميعاً لدينا قوة متوازنة، ولكن يجب أن ندمجها"

رؤساء الدفاع في الدول الإسكندنافية يتصورون بالفعل إنشاء قيادة برية للمنطقة في فنلندا، وقيادة جوية في النرويج، وقيادة لوجستية في السويد لم يقرر رؤساء الدفاع الإسكندنافيون بعد مكان إنشاء قيادة بحرية حيث يتعاملون مع كيفية توزيع سفنهم بين بحر الشمال وبحر البلطيق والمحيط الأطلسي ومع ذلك، فهم يعلمون أنهم يرغبون في تشكيل قوة بحرية مشتركة مع بحريات بحر البلطيق

الدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد تفكر في دمج القوات حتى على مستوى وحدات الدبابات وفرق المشاة بينما تقوم قوات الجو في المنطقة بالتمارين المشتركة منذ سنوات على الأرض، بدأت السويد عملية إرسال وحدات بحجم الألوية عبر الحدود إلى فنلندا لإجراء تدريبات بالذخيرة الحية

تحديات الربط العملياتي

السؤال هو إلى أي مدى يمكن أن يصل الربط، فقد تشكلت الدول الإسكندنافية ككتلة دفاعية في عام 2009 لكنها اختلفت حول التفاصيل الدقيقة لأكثر من عقد من الزمن على سبيل المثال، اختلفت حول بناء ناقلة أفراد مدرعة مشتركة، فقط 25% من المركبة كانت مصنوعة بشكل مشترك، حتى أنهم تشاجروا حول لون زيهم العسكري

في السياق، يقول كيتيل أولسن، الممثل العسكري السابق للنرويج لدى حلف شمال الأطلسي، ويدير الآن منصة "أندويا سبيس" لإطلاق الصواريخ في شمال النرويج: "لم نتمكن من الاتفاق على أي شيء بصراحة" ستحتاج الدول الإسكندنافية إلى إنشاء مقر على مستوى الفيلق للمنطقة يكون كبيراً بما يكفي لاستيعاب ما يصل إلى 45,000 جندي في وقت الحرب، ولكن المشكلة الكبرى هي القتال على نطاق واسع يمكن لفنلندا تجنيد حوالي 280,000 جندي من المدنيين للحرب ووضع أكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد من الاحتياطيين في الخدمة النشطة، لكن النرويج والسويد يمكنهما استدعاء جزء فقط من هذا العدد وستكونان بحاجة إلى مزيد من القوات في حالة نشوب مواجهة مع الروس

تريد فنلندا والسويد أن تكونا مع النرويج في الهيكل العسكري للتحالف، حيث تقاتل عبر المحيط الأطلسي وتقوم بدوريات في الشمال العالي قال رئيس الدفاع السويدي الجنرال ميكائيل بيدين: "إذا نظرت إلى الخريطة، يتضح لي أن الدول الإسكندنافية يجب أن تكون معاً، وعندما تنظر إلى دول البلطيق، فهي تتماشى مع أوروبا القارية" يعني ذلك رسم خط عبر بحر البلطيق بين فنلندا والسويد في الشمال، ودول البلطيق في الجنوب

لقد قام الناتو بإنشاء مركز قيادة لبحر البلطيق في روستوك، ألمانيا، حيث سيراقب الحلفاء تحركات الغواصات الروسية بين كالينينغراد وسانت بطرسبرغ لكن أين ستتوقف الدوريات البحرية الإسكندنافية وأين ستبدأ بقية أوروبا؟ الحلفاء لا يعرفون بعد قال مسؤول من الناتو، طلب عدم ذكر اسمه للتحدث عن خطط الحرب التي لا تزال قيد النظر: "هل تضعها على الجانب الشرقي من بحر البلطيق، أم على الجانب الغربي أم في المنتصف؟ يمكن بالتأكيد تنفيذ ذلك، لكنه حساس سياسياً جداً"، (فورين بوليسي، 27 يوليو 2024)

في المقابل، دول البلطيق -ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا- وبولندا لا تعتقد أن أحداً يجب أن يرسم خطوطاً في بحر البلطيق قال مسؤول ليتواني رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه للحديث بصراحة عن نقاش السياسة الجاري: "موقفنا واضح جداً: يجب أن يكون بحر البلطيق منطقة عمليات واحدة نحن ضد تقسيم بحر البلطيق إلى قسمين".

قال وزير الدفاع السويدي بال يونسون في مقابلة: "ستتخذ لجنة الخبراء العسكريين في الناتو قراراً بشأن مكان رسم الخط بحلول نهاية العام" لكن في الوقت نفسه، ستحتاج الدول الإسكندنافية أيضاً إلى التكيف مع فكرة الدفاع ليس فقط عن الجبهة الداخلية، بل أيضاً عن أوروبا القارية.

مخاوف من خطر داهم

يمثل تخلي فنلندا والسويد عن حفاظهما على توازن نسبي في علاقاتهما بين روسيا والولايات المتحدة تحولاً جذرياً في المعادلة الجيوإستراتيجية في أوروبا جاء هذا التحول إثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي أثارت مخاوف دول جوار روسيا من مواجهة المصير نفسه، مما دفعها إلى تعزيز قدراتها الدفاعية بالسبل المتاحة كافة وبطبيعة حال، المشاورات والتنسيقات العسكرية الجارية في حلف الناتو تضع نصب أعينها موسكو كأهم تهديد، بل يكاد يكون الأوحد يتضح ذلك من تصريحات مسؤول من الناتو لمجلة فورين بوليسي، 28 يوليو 2024، قال فيها: "قد يأتي اتجاه الهجوم الروسي أيضاً من المحيط الأطلسي هناك مناطق واضحة للتوتر المحتمل في كالينينغراد ودول البلطيق."

الشواهد على النزاعات التاريخية في المنطقة لا تزال موجودة في الدول النوردية، إذ يمكنك أن ترى الخنادق وهوائيات الرادار في تلال قرية بليك النرويجية في القطب الشمالي هذه الخنادق تعود إلى الحرب العالمية الثانية، عندما وضعتها القوات النازية المحتلة، لمحاولة كشف تحركات القوات السوفيتية المتجهة نحو مورمانسك كانت هذه المناطق في القطب الشمالي مأهولة منذ قرون، وقد وجد بعض سكان بليك هياكل عظمية للفايكنغ لا تزال ترتدي دروعها كاملة مدفونة تحت منازلهم.

تريد النرويج أن تكون هذه الأماكن الآن أيضاً مأهولة برادارات يمكن أن توفر إنذاراً مبكراً بهجوم روسي لكن الهوائيات الحالية كبيرة جداً لرفعها على جانب الجبل تحتاج القوات العسكرية النرويجية إلى هوائيات أصغر يمكن حملها لتوفير خطوط رؤية واضحة مع تغطية ثلثي البلاد بسلاسل جبلية، وتلك الجبال مزودة في النهاية بمحطات رادار صغيرة، قد تتمكن النرويج من اكتشاف أي تحرك عسكري معاد في الوقت المناسب، لكنها قد تضطر إلى محاولة صد هذا الهجوم بمفردها لمدة تصل إلى 30 يوماً.

هذا هو المعيار الذي تتبعه القوات العسكرية في خططها حول المدة التي يمكن أن تصمد فيها النرويج أمام غزو روسي قبل وصول تعزيزات الناتو، ولكن بحلول الوقت الذي تصل فيه قوات الناتو، قد يكون الروس قد اجتازوا الحدود بالفعل وقد تكون النرويج، أو حتى جميع الدول الإسكندنافية، معتمدة تماماً على الولايات المتحدة للحصول على الإمدادات، وقد تتعرض للعزلة.

قال أودون هالفورسن، مدير الأمن والتخطيط للطوارئ في جمعية مالكي السفن النرويجية ووزير الخارجية النرويجي السابق: "إذا نظرت إلى الخريطة، فإن الإسكندنافيا هي في الأساس جزيرة تعتمد تماماً على طرق البحر المفتوحة للتواصل، ليس فقط عبر الأطلسي ومن أوروبا، بل على مستوى العالم".

لقد بات واضحاً أن الحلف يتخذ خطوات للاستجابة بشكل أسرع، ومع حلفاء آخرين يفكرون في إنشاء قاعدة طائرات مسيرة للمراقبة طويلة المدى في شمال النرويج، حيث كانت لدى الجيش الأمريكي سابقاً طائرات مراقبة بمراوح توربينية، حسبما قال أولسن، ممثل النرويج العسكري السابق في التحالف يستخدم الناتو قاعدة الجو في بودو وقد خزن مشاة البحرية الأمريكية أسلحة ومركبات وذخيرة في جبال تروندهايم منذ الثمانينات وقد تحدثت الولايات المتحدة إلى الحكومة النرويجية حول إحياء استخدامها قاعدة أولافسفيرن وهي قاعدة بحرية سرية من أيام الحرب الباردة بها أحواض جافة كبيرة بما يكفي لست غواصات محفورة في جانب الجبل.

من الواضح أن العالم أمام نظام دولي جديد، يعتمد على الفوضى، وينقصه الكثير من أدوات التعاون والتنسيق. وهناك حرب باردة جديدة مختلفة عمّا كان عليه الحال قبل عام 1990، ففي ذلك الحين كانت هناك اتفاقيات دولية مهمة قائمة، وكان لها قدر كبير من الاحترام، ومنها خصوصاً اتفاقية (نيو ستارت) التي تتحدث عن الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحدّ من القوات المسلحة التقليدية في أوروبا وقد انسحبت روسيا منهما، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية انسحبت من عضوية محكمة الجنايات الدولية الدائمة، ومن معاهدة حظر التجارب النووية، ومعاهدة الأجواء المفتوحة الموقعتين مع روسيا، وذلك يخفي أخطاراً جمَّة على الاستقرار الدولي، بطبيعة الحال.

وإذا كان قادة «الناتو» نجحوا في تعيين أمين عام جديد خلفاً لستولتنبرغ، وأكدوا ضرورة رفع كل الدول لقيمة إنفاقها على الدفاع إلى 2 في المئة من الناتج المحلي، على أقل تقدير؛ لكن القرارات الأخرى قد لا تكون قابلة للتطبيق الفوري عند العديد من الدول الأعضاء، لا سيما موضوع زيادة كمية إنتاج القنابل المتطورة، وتخزينها، كما في مضاعفة صناعة المعدات العسكرية المتطورة، ذلك أن بعض الدول تعاني ركوداً، أو أنها لا تملك من التكنولوجيا المتطورة ما يكفي لحقيق هذه الغاية التي أوصت بها مقررات القمة

وتبدو دعوة اليابان، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية، وأوكرانيا، والاتحاد الأوروبي إلى القمة، وهي دول غير أعضاء؛ لها دلالات واضحة على التوجهات الجديدة للحلف، وأقل ما يمكن أن يُقال في هذا الإطار: إن الحلف ينظر إلى تطور التعاون بين روسيا والصين بعين القلق، كما لعلاقات الحليفين الآسيويين مع كوريا الشمالية التي أصبحت دولة نووية عسكرية متطورة.

 

 

 

المصدر: المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية

التاريخ : 4/3/2025

---------------------------------------------------

المصدر: صحيفة إيلاف

الكاتب : ناصر زيدان

التاريخ : 24/7/2024

المقالات الأخيرة