العقيدة العسكرية
فرع بنغازي

العقيدة العسكرية هي المذهب العسكري الذي تتخذه الدولة لبناء جيشها وتأسيس كل مجالاتها العسكرية، وهي مجموع المبادئ والقيم التي تحكم أداء الجيش وتروم صيانة المصالح العامة للدولة، حيث تنقسم العقيدة العسكرية إلى عدة أقسام، فمنها البيئية ومنها الأساسية ومنها التنظيمية، كما أنها تتأثر بالعوامل الداخلية والخارجية، وتخضع للتحولات الاقتصادية والسياسية.

أنواع العقيدة العسكرية:

ومن الأسباب الرئيسية في عدم الإلمام بمفهوم العقيدة العسكرية بالشكل الصحيح هو القصور في التمييز بين مستويات العقيدة التي تطرقنا إليها سابقاً ، والتي في مضمونها صنفت العقيدة العسكرية إلى أنواع ، لكل منها حدوده ومفهومه وخصائصه التي تميزه عن غيره ، ورغم هذا ثمة ارتباط وثيق بين هذه الأنواع ، فلا يمكن فصلها عن بعضها ، ولا يمكن الاستغناء عن أحدها ، لأن كل نوع مكمل للآخر ، وجميعها يشكل العقيدة العسكرية في صورتها الكاملة ، وعلى الرغم من كونها مميزة عن بعضها ، إلا أنها تؤثر في تركيبة وتطوير بعضها بعضاً ، بصرف النظر عن المستوى أو النوع أو المؤثرات أو الانسياب التقليدي لها من أعلى إلى أسفل ، وبمعنى آخر : إن العقيدة العسكرية في أدنى مستوياتها قد تفرض تغييراً رئيسياً على المستويات والأنواع الأعلى من العقيدة العسكرية ·

أما النقطة العامة في أنواع العقيدة العسكرية فهي وجود عقيدة على مستوى الدولة ، وتسمى" العقيدة الشاملة للدولة" ، وغالباً ما يحدث خلط بين هذا المستوى و بين المستوى الاستراتيجي للعقيدة العسكرية ، وهذا الخلط يعد من المواضيع الرئيسية التي تسبب الغموض حول مفاهيم العقيدة العسكرية ، فالعقيدة الشاملة للدولة هي مجموعة التعاليم والقيم السامية والمبادئ السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعلمية التي نبعت من حضارة الشعب ورسخت في وجدانه وضميره ، فعندما نذكر العقيدة الأساسية للدولة فإننا في الحقيقة نذكر العقيدة الشاملة وليست العسكرية ·

أما بالنسبة للعسكريين، فتتلخص أنواع العقيدة العسكرية في ثلاثة أنواع رئيسية هي: العقيدة الأساسية والبيئية والتنظيمية ·

1. العقيدة الأساسية: وهي مبادئ تساعد على تحديد الإطار العام للعقيدة العسكرية على المستوى الاستراتيجي، وتقوم بتوجيهها أيضاً، ونطاق هذا النوع من العقيدة واسع جداً، ولا تعلوه إلا العقيدة الشاملة للدولة، وعدم تأثر هذا النوع من العقيدة إلى درجة كبيرة بالسياسة والتقنية مقارنة بالمستوى العمليات والتعبوي من العقيدة العسكرية·

2. العقيدة البيئية: ثاني أنواع العقيدة العسكرية على المستوى العمليات، وهي عبارة عن المبادئ الأساسية التي تنتهجها الوحدات الرئيسية للقوات المسلحة، لتوجيه جميع نشاطاتها العسكرية المختلفة لتحقيق الأهداف المرسومة لها ، وتعد العقيدة البيئية مكملة للعقيدة الأساسية التي توجه مستخدميها إلى الأهداف العسكرية والوطنية التي ينشدونها، وهي التي تربط بين العقيدة في أعلى مستوياتها (الاستراتيجي) وأدنى مستوياتها (التعبوي)، وتتميز العقيدة البيئية بأنها أضيق نطاقاً من العقيدة الأساسية، بمعنى آخر أنها تتركز على مواضيع ضمن حدود معينة وتبرزها بتفاصيل أكثر وضوحاً، وتتأثر العقيدة البيئية إلى درجة كبيرة بمؤثرات خارجية، مثل: التغيرات التقنية والتغيرات السياسية والاستراتيجية، ولهذا نجدها تتغير باستمرار، ومن أمثلة العقيدة البيئية: العقيدة القتالية للعمليات المشتركة، إضافة إلى العقائد القتالية للقوات البرية والجوية والبحرية ·

3. العقيدة التنظيمية: هي المبادئ الأساسية التي تتبعها التشكيلات المختلفة في أي قوة عسكرية لغرض القيام بواجباتها وإنجاز المهام المنوطة بها كجزء من القوات المسلحة ، وتعد العقيدة التنظيمية على المستوى التعبوي للعقيدة العسكرية ، وأكثر أنواع العقائد العسكرية تفصيلاً ، فهي توضح المهام والأدوار ومبادئ الاستخدام لكل نشاط عسكري، وتتدرج في تفاصيلها إلى الطرق والأساليب والإجراءات الخاصة باستخدام أي تشكيل معين ، ويتميز هذا المستوى من العقيدة العسكرية أيضاً بخصائص تكسبه طابعاً يميزه عن الأنواع الأخرى ، ومن هذه الخصائص أنه أضيق أنواع العقيدة العسكرية إطاراً مقارنة بالمستويين الآخرين ، وكذلك هو أكثر أنواع العقيدة العسكرية تغيراً، نظرا لتأثرها الكبير والمباشر بالتطورات التقنية والخبرات والتجارب الفعلية والتدريبية المستمرة ·

مصادر العقيدة العسكرية:

لا بد للعقيدة العسكرية من أسس تقوم عليها، ومصدر تتغذى عليه حتى تصل إلى مرحلة النضج، ثم تستمر لكي تفي بالغرض المطلوب.

وتتلخص مصادر العقيدة العسكرية في العقيدة الشاملة للدولة التي تُعد المصدر الأساسي لجميع مستويات العقيدة بشكل عام، والعقيدة العسكرية الأساسية بشكل خاص. ومن الأمثلة على عقائد الدول: العقيدة الدينية، والأيديولوجيات والأسس والمبادئ التي يضعها القادة السياسيون، وبهذا تختلف العقيدة العسكرية باختلاف ظروف كل دولة، فلا يمكن القول إن هناك عقيدة عسكرية واحدة لكل الدول.

كذلك الدروس المستفادة من الماضي، وهي من الأسس التي تُبنى عليها العقيدة العسكرية على مُختلف مستوياتها، ويعد التاريخ العسكري مصدرا فعالا وناجحا لبناء العقيدة العسكرية وتطويرها، لأنه حصيلة خبرة وتجارب تكررت.

وأيضا التطور التقني، ويلعب هذا العنصر دورا كبيرا في تطوير العقيدة العسكرية وتحديثها على مختلف مستوياتها، وخاصة على مستوى العقيدة البيئية والعقيدة التنظيمية.

وكذلك مصادر التهديد والتغيرات المستمرة في النظام العالمي، وينعكس أثرها بشكل واضح على العقيدة العسكرية على مختلف مستوياتها.

وهناك طبيعة الحرب القادمة، الحرب المتوقع أن تخوضها الدولة، من حيث نوعها وشكلها ومستوياتها ومشروعيتها ووسائلها، فهي تحدد العقيدة العسكرية للدولة على مختلف مستوياتها.

وأيضا الاستراتيجية العسكرية للدولة، وينعكس تأثير تنفيذ الاستراتيجية العسكرية بشكل مباشر على وضع العقيدة العسكرية، ولا سيما البيئية والتنظيمية اللتين يجب تطويرهما بشكل مستمر بما يلائم متطلبات الاستراتيجية العسكرية للدولة.

وتنعكس طبيعة الدولة الجغرافية على العقيدة العسكرية بشكل مباشر، فموقع الدولة يحدد حجم تنظيماتها العسكرية ونوعيتها وطريقة استخدامها.

كما أن موارد الدولة المختلفة تحدد مركزها عالميا وسياساتها الداخلية والخارجية، ولهذا نجد أن العقيدة العسكرية ترتبط ارتباطا وثيقا بنظام الدولة، وبالأعباء الملقاة على عاتقها في قطاع السياسة الخارجية والداخلية، وبالحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية للبلاد.

وهناك كذلك المهام الحالية والمستقبلية، حيث تعد المهام العسكرية للدولة أداة قوة وطنية في الحاضر والمستقبل، وتلعب دورا رئيسيا في وضع وتطوير العقيدة العسكرية على مختلف مستوياتها وبمختلف أنواعها، وذلك بما يلائم طبيعة المهام المختلفة المنوطة بالقوات المسلحة في الحاضر والمستقبل.

وعلى هذا الأساس، فإن العقائد العسكرية تختلف باختلاف طبائع الدول وباختلاف أوضاعها وتاريخها، وكذلك باختلاف نظم حكمها، واختلاف الثقافة التي تؤطر علاقة حكامها بمحكوميها، بل إن هذا الاختلاف يشمل أيضا علاقة الجيش مع المجتمع ودوره في السياسات الداخلية والخارجية.

فنرى مثلا أن النظرة الشرقية لمسرح الحرب تركز على التمسك بالمكتسبات الاستراتيجية ومواجهة العدو في مكان وزمان مختارين بعناية، وتجهيز أرض المعركة بأفضل شكل ممكن، وهي عقيدة تضحي بالمرونة التكتيكية على أرض المعركة لصالح المرونة الاستراتيجية.

في حين تركز النظرة الغربية أكثر على حرب خاطفة، وذلك راجع أساسا إلى قوة تأثير الرأي العام على القرار السياسي مدنيا وعسكريا.

وهو ما يجعل العقيدة العسكرية الغربية مستعدة للتضحية بالآليات والجوانب المادية، في حين تحرص -في المقابل- على الحفاظ على الأرواح؛ فغضبة المجتمع في هذا الشأن كاسحة.

بينما العقيدة الشرقية تدفع بالأعداد البشرية الهائلة في مقابل الحرص على المعدات، التي هي نقطة ضعفها في مقابل الغرب، كما أن أداء القوات الشرقية الميدانية يركز على إطاعة الأوامر بالتفصيل، بينما تستأثر القيادة المركزية بالمرونة والابتكار.

أما في العسكريات الغربية، فتعطى القيادة الميدانية حرية أكبر في اتخاذ القرارات. ولهذا ركز الروس مثلا وكذلك الصينيون في تصنيعهم للسلاح على السلاح العملي والرخيص سهل التعويض، لأن هذا يتيح خيارات أكبر للقيادة الاستراتيجية.

أما في العسكريات الغربية، فهناك اعتماد أكبر على نوعيات أفضل للسلاح تقديرا لحياة المقاتلين وحرصا أكبر على أرواحهم. ولذلك، فإن الغرب أبدى استعداده لمنح أفضل الأسلحة لأوكرانيا في حربها مع روسيا، ولكنه لم يقدم لها جنديا واحدا.

وبين هذا وذاك، توجد عقائد عسكرية لدول أخرى تفرضها طبيعة تلك الدول، وتاريخها ومعتقداتها وتحدياتها. وإليك بعض هذه العقائد:

جوانب العقيدة العسكرية

للعقيدة العسكرية ثلاثة جوانب:

الجانب السياسي: تحدد الناحية السياسية الغرض والمهام للحرب وتتوقف على النظامين السياسي والاجتماعي للبلاد.

الجانب الفني: ويعبر عن إمكانات الدولة في تصنيع الوسائل الحربية الحديثة واقتناء السلاح والقدرة على ذلك وحل مشكلة التفوق التقني.

الجانب العسكري: ويحدد اتجاهات بناء القوة المسلحة وتنظيمها وصنوفها وإشكال تدريبها واستخدامها في الحروب المقبلة، وتتوقف الناحية العسكرية (الجانب العسكري) على النظام السياسي والإمكانيات المادية والفنية.

ويتضمن الجانب العسكري في العقيدة العسكرية، العقيدة القتالية أو المذهب القتالي وينصب اهتمام العقيدة القتالية (المذهب القتالي) على التدمير المباشر للقوات المسلحة للعدو، أي أن العقيدة القتالية بهذا المعنى تعني تبني مبادئ وأساليب وتكتيكات معينة تهدف إلى تدمير القوة المسلحة للجانب المعادي.






المراجع:

رفيق أبو هاني، 21.8.2022، مفهوم العقيدة العسكرية وحكمها ومصادرها، المعهد المصري للدراسات.

( ب ، ن) ، 17.10.2022 ،  العقيدة العسكرية.. ما هي؟ وما أنواعها؟ وما مرتكزاتها؟ ، الجزيرة.

المقالات الأخيرة