صناعة الصلب وتصديره
تتجه سوق الصلب العالمية نحو حرب تجارية متعددة
الجبهات، مع تسارع الحكومات حول العالم لاتخاذ إجراءات حمائية لمواجهة تدفق
الواردات
أوضحت وكالة بلومبرج في تقرير، أن الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب فرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب
والألومنيوم، معلنًا أن هذه الخطوة تهدف إلى إعادة التوازن لصناعة الصلب الأمريكية
والتي دخلت حيز التنفيذ تزيد الأمور تعقيدا في هذه السوق الاستراتيجية لناطحات
السحاب وصناعة السيارات بعدما أصبحت غير مستقرة بسبب عدم تنافسية الأفران القديمة
لصهر المعادن مقارنة بمصانع إعادة تدوير الصلب وشملت هذه الإجراءات إلغاء
الإعفاءات الممنوحة لدول عديدة، مع توسيع نطاق الرسوم لتشمل منتجات جديدة، في
تعزيز واضح لسياساته التجارية السابقة.
لم تكن الولايات المتحدة وحدها في هذا السباق؛
فقد بدأت دول أخرى بتشديد إجراءاتها لحماية صناعاتها المحلية:
كوريا الجنوبية وفيتنام — وهما من أكبر
المشترين للصلب الصيني — فرضتا رسومًا على لفائف الصلب المدرفلة على الساخن، وهو
منتج أساسي في التجارة العالمية.
الاتحاد الأوروبي صعّد من إجراءاته الحمائية،
بينما تحركت مصانع أمريكا اللاتينية للمطالبة بمزيد من التدابير الوقائية.
تايوان أطلقت تحقيقًا في قضايا الإغراق، والهند
أوصت بفرض تعريفات واسعة على واردات الصلب.
حماية الصناعة الأميركية
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال فترة
ولايته الأولى (2017-2021)، رسوما جمركية بنسبة 25% على واردات بلاده من الصلب،
و10% على وارداتها من الألومنيوم، في محاولة لحماية الصناعة الأميركية وناخبيه
الذين ينتمي العديد منهم إلى منطقة حزام الصدأ الصناعي في الغرب الأوسط.
ويعود آخر 12 فرنا للصهر في الخدمة في الولايات
المتحدة إلى شركة "يو اس ستيل"
US Steel،
ومقرها في بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، وكليفلاند كليفس في ولاية أوهايو. لكن كان
تأثير فرض الرسوم الجمركية محدودا جدا، بحسب ما أكد روبين نيزارد الخبير الاقتصادي
في شركة التأمين كريدي كوفاس.
عليه، انخفضت واردات الولايات المتحدة من الصلب
بنسبة 24% خلال هذه الفترة، وانخفضت واردات الألومنيوم بنسبة 31%، وفقا لتقرير
صادر عن لجنة التجارة الدولية الأميركية. لكن أكد روبين أنه "لم تظهر أي
فائدة واضحة من حيث التوظيف أو الإنتاج، وارتفعت الأسعار"، ما أدى إلى تفاقم
التضخم.
وقال مارسيل جينيه من شركة "لابلاس كونساي"
الاستشارية في مجال الصلب "يبلغ سعر الصلب المسطح الأوروبي حاليا 600 دولار
للطن، بينما يبلغ سعر الصلب الأميركي 900 دولار".
أنتج العالم 1,84 مليار طن من الصلب الخام في
العام الماضي (-0,9٪ مقارنة بالعام 2023). وجاء أكثر من نصف الإنتاج،
أي 1 مليار من الصين، المنتج الأول للصلب عالميا، وفقا لأحدث تقرير صادر عن
"رابطة الصلب العالمية" ويشمل 71 دولة تمثل 98٪ من الإنتاج العالمي.
الولايات المتحدة هي رابع أكبر منتج في العالم
مع 79,5 مليون طن (-2,4%). وهي ثاني أكبر مستورد في العالم بعد الاتحاد الأوروبي
اذ استوردت 26,4 مليون طن في العام 2023، فيما استورد التكتل 39,2 مليون طن.
وتستورد الولايات المتحدة الصلب من كندا في
الدرجة الأولى التي صدرت إليها 5,95 مليون طن في العام 2024، بحسب وزارة التجارة
الأميركية. وفي الدرجة الثانية تأتي البرازيل التي استوردت منها واشنطن 4,08 مليون
طن من الصلب، ثم يحل الاتحاد الأوروبي مع 3,89 مليون طن.
وتستورد الولايات المتحدة 3,19 مليون طن من
المكسيك، و2,5 مليون طن من كوريا الجنوبية، تليهما فيتنام واليابان وتايوان
بإجمالي حوالي مليون طن، والصين بنحو 470 ألف طن.
ترامب يتحدث عن منافسة غير عادلة
شهدت أسعار الصلب انخفاضا عالميا حادا خلال
العام الماضي بسبب فائض الطاقة الإنتاجية العالمية. وبحسب منظمة التعاون والتنمية
الاقتصادية، يتراوح فائض الصلب العالمي بين 500 و560 مليون طن. وتنتج الصين أو
شركات صينية لصناعة الصلب مركزها في جنوب شرق آسيا الحجم الأكبر من هذا الفائض
مغرقة الأسواق، ما يشتكي منه الصناعيون الأوروبيون والأميركيون ويتهمون حكومة
الصين بدعم هذه الشركات على نطاق واسع.
وأفاد خبراء بأن صناعة الصلب التي كانت تمر
بدورات منتظمة من الارتفاع والهبوط على مدى العقود الخمسة الماضية، تواجه حاليا مشكلة "هيكلية"
تتمثل في فائض الإنتاج.
ولكن يعارض بعض الخبراء هذا التحليل ومنهم
مارسيل جينيه، الذي يرى أن المشاكل المرتبطة بالصلب تنبع في المقام الأول من عدم
القدرة التنافسية لأفران الصهر القديمة التي تنتج ما يسمى بالصلب
"الأولي" من خلال خام الحديد والفحم، مقارنة بالصلب المصنوع من الخردة
المعدنية المعاد تدويرها في أفران كهربائية اذ ان انتاجه أرخص بكثير.
وقال إن "الشركات التي تعتمد على أفران
الصهر التقليدية لا تملك الوسائل لتمويل انتقالها في مجال الطاقة، أي التخلي عن
الفحم (واستخدام الغاز أو الهيدروجين) من دون الحصول على مساعدات ضخمة من دولها".
ولفت مارسيل جينيه إلى أن صناعات الصلب في أوروبا وأميركا الشمالية تعاني
من انخفاض صادراتها من الصلب على مدى السنوات الخمسين الماضية، في حين طورت
البلدان الناشئة قطاعاتها تدريجيا، وخصوصا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وحاولت مجموعة "نيبون ستيل"
اليابانية الاستحواذ على شركة "يو اس ستيل" المتعثرة إلا أن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن عطل هذه
الخطوة، ومن بعده ترامب.
وفي أوروبا، حيث ما زال هناك نحو خمسين فرنا
تقليديا للصهر بحسب مارسيل جينيه، أعلنت الشركة الألمانية "تيسين كروب" إلغاء
آلاف الوظائف. ويواجه فرنان للصهر في دويسبورغ تابعان لشركة "ايتش كاي
ام" خطر الإغلاق.
أما أفران مدينة تارانتو في إيطاليا حيث توجد
أكبر مصانع الصلب في أوروبا، فلم تعد تنتج حاليا سوى مليوني طن سنويا على الرغم من
أن طاقتها الإنتاجية تبلغ 12 مليون طن. وفي أوروبا، تعمل معظم أفران الصهر بأقل من
70% من طاقتها، وأعلنت تعليق مشاريع استثماراتها الضخمة في مجال إزالة الكربون.
الصين في قلب المواجهة
بحسب التقرير، تبقى الصين محور هذه الحرب
التجارية، إذ تعد المنتج المهيمن عالميًا. وارتفعت صادراتها إلى مستويات قياسية العام
الماضي، ما جعلها هدفًا رئيسيًا لإجراءات الدول الكبرى.
وحذرت بلومبرج، من أن رسوم ترامب قد تزيد من
فائض المعروض، مما سيؤدي إلى إغراق الأسواق بمنتجات بأسعار منخفضة، ما يشكل ضغطًا
إضافيًا على المُنتجين العالميين.
رغم تصاعد المواجهة، أوضح توماس جوتيريز، رئيس
وحدة البيانات في شركة “كالانيش كوموديتيز” أن الصين نجحت سابقًا في تجاوز هذه
الضغوط من خلال تطوير منتجات فولاذية مختلفة، أو البحث عن أسواق جديدة.
وأشار المعهد الصيني لتخطيط وبحوث صناعة
المعادن — التابع للحكومة — إلى تسجيل 30 قضية إغراق جديدة في 2024، محذرًا من
تدهور أوضاع التصدير الصينية.
فالصلب هو أحد أهم المواد في الصناعة الحديثة
نظرًا لخصائصه الفريدة مثل القوة، المتانة، القابلية للتشكيل والمقاومة للتآكل عند
معالجته بشكل صحيح. إليك بعض أهميته في مختلف الصناعات:
- البناء والتشييد: يُستخدم في الهياكل المعدنية
للأبنية والجسور والملاعب نظرًا لقوته العالية وخفة وزنه النسبية مقارنة
بالخرسانة. ويدخل في تصنيع حديد التسليح الذي يعزز مقاومة المباني للزلازل
والأحمال الثقيلة.
- صناعة السيارات والمركبات: يُستخدم في هياكل
السيارات، الشاحنات، والقطارات بفضل متانته وقدرته على تحمل الصدمات. أما الفولاذ
المقاوم للصدأ يُستخدم في صناعة أنظمة العادم لمنع التآكل.
- الصناعات الثقيلة والآلات: يُعتبر مادة
أساسية في تصنيع الماكينات والمعدات الثقيلة المستخدمة في التعدين والزراعة
والتصنيع، كما يدخل في صناعة الأدوات والقطع الميكانيكية مثل التروس والمحركات.
- صناعة السفن والطائرات: يُستخدم في صناعة
هياكل السفن والبواخر نظراً لتحمله للبيئات البحرية القاسية كما يُستخدم في بعض
أجزاء الطائرات، رغم أن التيتانيوم والألمنيوم أكثر شيوعاً لتقليل الوزن.
الطاقة
والبنية التحتية: يُستخدم في أنابيب النفط والغاز ومحطات الطاقة النووية والحرارية
والكهربائية بسبب مقاومته للحرارة والضغط، ويُستخدم في خطوط السكك الحديدية نظرًا
لصلابته ومتانته.
-الصناعات المنزلية والأدوات: يُستخدم في صناعة
الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات والغسالات وأدوات المطبخ كالسكاكين والأواني
المقاومة للصدأ.
-الطب والصناعات الدقيقة: يدخل الفولاذ المقاوم
للصدأ في صناعة الأدوات الطبية مثل المشارط والإبر والهياكل المعدنية للأطراف
الصناعية.
وبفضل هذه الاستخدامات المتنوعة، يُعد الصلب
مادة لا غنى عنها في التطور الصناعي والاقتصادي الحديث.
المصدر:
المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية
التاريخ
: 13/3/2025
----------------------------------------------------------
المصدر:
صحيفة البورصة
التاريخ
: 12/3/2025