الوساطة الروسية بين واشنطن وطهران
فرع القاهرة

 

لم ينعكس تأثير العلاقات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحرب الأوكرانية الروسية فقط، بل امتد تأثير ذلك التقارب في الملف النووي؛ حيث تم الإعلان عن موافقة روسيا على طلب الرئيس الأمريكي بتناول المفاوضات مع إيران ضمن محادثات الأزمة الأوكرانية. فقد أعلن مسئولون في الكرملين أن القضية النووية الإيرانية ستُطرح في محادثات بين وفود روسية وأميركية رفيعة المستوى في الرياض، كما أكدوا أن هذه القضية ستُناقش بشكل منفصل في محادثات مستقبلية بين الجانبين بشأن الحرب في أوكرانيا. أو أبدى الروس استعدادهم للتوسط في هذه القضية ودعوا إلى حل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة من خلال الحوار والتفاوض

وفي ظل تزايد الاهتمام بالدور الروسي في الملف النووي، أُثيرت الكثير من التساؤلات حول مدى نجاح روسيا في القيام بهذا الدور، وما الموقف الإيراني من الدور الروسي؟ لا سيما وأن إيران تعارض التفاوض مع واشنطن في ظل العقوبات، بالإضافة إلى شيوع مناخ من عدم الثقة في الدور الروسى داخل إيران.

سياسة الضغط الأقصى حتى التفاوض

أعلن ترامب كثيرًا نيته التفاوض مع إيران منذ الحملة الانتخابية وحتى وصوله للبيت الأبيض رسميًا، وفي خضم حديثه عن نيته الوصول لاتفاق مع إيران أو استخدام حل آخر لا يريده، وقع ترامب مذكرة لتطبيق سياسة الضغط الأقصى، وهدد بخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، ووقف سفن النفط، وفرض عقوبات على كل ما يتعلق بصناعة ونقل النفط الإيراني، لكن تزامن مع تلك السياسات إرسال إشارات لضرورة البدء في المفاوضات، ومن ذلك كانت روسيا إحدى القنوات التي اعتمد عليها.

وقد أشارت إيران بوضوح إلى أنها لن تتفاوض مع تصعيد إدارة ترامب لحملتها المزعومة “الضغط الأقصى”، ولا يزال هناك نقص في الوضوح من جانب الولايات المتحدة بشأن ما تتوقعه من نطاق المحادثات.

ليس من المستبعد أن ينخرط بوتين بشكل جدي مع ترامب في صفقة تهدف إلى كسر الجمود في القضايا الدولية مثل القضية النووية الإيرانية، وفي هذا الصدد، جاء تأكيد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف على ضرورة حل القضايا بين الولايات المتحدة وإيران عبر الحوار في ضوء معارضة طهران له في هذه الظروف.

وبشكل عام، يمكن القول إن الوساطة الروسية أصبحت أكثر جدية تدريجيًا، ومن هذا المنظور أيضًا يمكن النظر إلى اللقاء الذي جرى بين السفير الإيراني في روسيا ونائب لافروف ريابكوف.

من جهة فإن روسيا ستسعى للاستفادة من الوساطة بين طهران وواشنطن والقضية الإيرانية وربطها بمصير الحرب الأوكرانية، لذا من غير المرجح أن يستخدم كل قوته لبدء مفاوضات بين طهران وواشنطن قبل أن يتأكد تمامًا من أن هذه الحرب ستنتهي بشكل لصالح روسيا، ربما يفسر ذلك تصريحات وزير الخارجية الروسى سيرجي لافروف حول الشروط السياسية التي أعلنها ترامب لاتمام اتفاق مع طهران.

الوساطة الروسية بين واشنطن وطهران

تثير الوساطة الروسية في الملف النووي عددًا من التساؤلات في داخل إيران لا سيما في ظل دفء العلاقات بين بوتين وترامب؛ هل ستكون فرصة أم تهديدًا لإيران، ما عواقب رفض إيران للوساطة الروسية؟

ما أثار تل التساؤلات هو الجدل الداخلي في إيران حول العلاقة مع إيران بشكل عام، فهناك تياران في داخل إيران فيما يخص العلاقات مع روسيا.

التيار الأول: حيث ينظر أغلب الإيرانيين إلى روسيا باعتبارها دولة غير جديرة بالثقة، سواء لاسباب تاريخية أو لأن بعض الدوائر الإيرانية تعتبر أن روسيا هي العامل الرئيسي وراء الصراعات بين إيران والغرب، وأن روسيا ستستفيد من عزلة إيران والعقوبات وبالتالي تعيق طريق طهران إلى المصالحة مع أوروبا والولايات المتحدة، فمنذ سنوات خرج تسريب لوزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف يتحدث عن عرقلة روسيا الوصول لاتفاق نووي عام 2015 كما كان مطالبة روسيا بضمانات من الرئيس الأمريكي جو بايدن بضمانات تتعلق بالعلاقة مع إيران بعد فرض عقوبات دولية على روسيا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، نظرت تلك الدوائر إلى محاولة روسيا استخدام إيران كورقة أمام الغرب. ومؤخرًا في ظل زيارة وزير الخارجية سيرجي لافروف لطهران ربط البعض بين تلك الزيارة وإقالة جواد ظريف من منصب نائب الرئيس للشئون الاستراتيجية، كما أن لروسيا علاقات وثيقة بدول الخليج العربي وكذلك إسرائيل كما سبق ودعمت روسيا مطالبة الإمارات العربية المتحدة بالجزر الإماراتية.

وخلال زيارة لافروف لإيران أثيرت قضية الوساطة الروسية بكما تم مناقشة القضية النووية خلال لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع لافروف. وقال لافروف في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني: “تحدثنا عن قضية الاتفاق النووي ونعتقد أن القدرة على الدبلوماسية لا تزال موجودة ويجب استخدامها بشكل مناسب ودون اللجوء إلى القوة أو التهديد”.

وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أيضًا: “أجرينا مشاورات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وكما أشير مرارًا وتكرارًا، فإن موقف إيران من القضية النووية واضح، ونحن لن نتفاوض تحت الضغط أو التهديد”.

وأثيرت قضية وساطة روسيا في المفاوضات الإيرانية الأمريكية رغم أن شبكة “سي إن إن” زعمت في تقرير سابق أن المملكة العربية السعودية مستعدة أيضًا للتوسط بين إيران والولايات المتحدة، وأرسل ترامب خطابًا للمرشد الإيراني على خامنئي من خلال مستشار الرئيس الإماراتي.

ومن ثَمّ لدى إيران إدراك لعدم الثقة في روسيا كوسيط محتمل؛ حيث تعي طهران أن روسيا ستعتني بمصالحها أولًا وليس مصالح إيران. ولكن قد تعتبر إيران أن هناك جانبًا إيجابيًا لروسيا كوسيط؛ حيث سبق وتوسطت بين الطرفين خلال إدارة باراك أوباما فضلًا عن تمتع روسيا بمعرفة نووية تتعلق ببرنامج إيران النووي، كما سبق ولعبت روسيا دورًا رئيسيًا بعد توقيع الاتفاق عام 2015؛ حيث نقلت إيران فائض اليورانيوم المخصب لديها إلى روسيا حتى لا تتمكن من استخدامه في صنع الأسلحة النووية. وفي المقابل، استفادت روسيا اقتصاديًا ووقعت اتفاقية لبناء محطة للطاقة النووية في إيران، من جهة أخرى تدهور العلاقة بين واشنطن والدول الأوروبية على خلفية الحرب الأوكرانية، في حين التقارب بين ترامب وبوتين سيمنح روسيا ورقة مهمة ومؤثرة أكثر من الأوروبيين عند التعامل مع ترامب بشأن إيران. وفى حال رفضت إيران الوساطة الروسية فربما تكون هناك عواقب تتعلق بانضمام روسيا إلى واشنطن وإسرائيل ضد إيران مقابل التنازلات في الحرب في أوكرانيا.

التيار الثاني: يعتبر أن المواجهة بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا فرصة لإقامة تحالف استراتيجي مع روسيا وتغيير في النظام الدولي، وحرصت إيران على تعزيز علاقتها بروسيا سواء من خلال تعزيز الشراكة العسكرية وإمداد روسيا بالمسيَّرات في الحرب الأوكرانية رغم استمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية على إيران بسبب دعم روسيا في الحرب الأوكرانية، كما وقع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في يناير الماضي اتفاق شراكة استراتيجية مع روسيا.

الموقف الإيراني من الوساطة الروسية

ومع ذلك، على مدى السنوات الثلاث الماضية التي شاركت فيها روسيا في الحرب الأوكرانية، لم تتقاسم موسكو وطهران نفس الأفق والاتجاه بشأن العديد من القضايا الإقليمية، وفي بعض المراحل ظهرت خلافاتهما. وفي السنوات الأخيرة، وبينما كانت روسيا مهتمة بالحفاظ على علاقتهم مع إيران، فقد أولت أهمية كبيرة لعلاقاتها الدافئة والوثيقة مع جميع الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، وفي مرحلة ما دعموا حتى مطالبة الإمارات العربية المتحدة بالجزر الإماراتية في الخليج العربي.

وبالإضافة إلى ذلك، لم تكن لدى روسيا أي رغبة على الإطلاق في إحداث توتر للعلاقات مع إسرائيل ولا سيما في سوريا، وحافظوا على مسافة واحدة من نهج إيران. وفي الأشهر الأخيرة، أظهرت روسيا وإسرائيل العديد من المؤشرات على تحسن العلاقات بينهما، وتوافقًا مع روسيا، صوتت إسرائيل ضد القرار الأوروبي في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب دول مثل كوريا الشمالية وبيلاروسيا، وبعد ذلك، تشير التقارير إلى أن حكومة نتنياهو تحاول إقناع الولايات المتحدة بالموافقة على الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في ميناء طرطوس السوري.

على الجانب الآخر، لم تعرب روسيا عن أدنى انتقاد لسياسة حكومة نتنياهو تجاه قطاع غزة وسوريا ولبنان، وفي الوقت نفسه، دعا مسئولين إسرائيليين لحضور العرض العسكري الروسي في الذكرى السنوية لهزيمة ألمانيا النازية، ويبدو أن روسيا تدرك أن جماعات الضغط التابعة لحكومة نتنياهو فاعلة في تحديد بعض سياسات البيت الأبيض، ولذلك فإنهم يعملون معًا لكسب ودّ ترامب وإنهاء الحرب في أوكرانيا.

الصيغة الروسية لحل النزاع النووي الإيراني

هل يشكل تدخل روسيا في النزاع النووي بين واشنطن وطهران فرصة أم تهديد لإيران؟ إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على الصيغة التي تفكر فيها روسيا للوساطة وحل النزاع.

وقد أعلن وزير الخارجية الروسي أن موسكو مهتمة بإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام ٢٠١٥؛ أي الصيغة القديمة وأضاف: “تريد الولايات المتحدة ربط أي اتفاق نووي جديد بإيران لإلزامها بعدم دعم جماعات المقاومة في الشرق الأوسط، لكن هذا الخيار لن ينجح.

المؤكد أن روسيا ربما تسعى إلى عدم اندلاع مواجهة عسكرية ضد إيران، لكن ما تريده إيران هو ضمانات أمنية من قبل الأطراف الأخرى والرفع الكامل للعقوبات، لكن تحقيق هذا الهدف سيكون من خلال تنازلات تقدمها إيران.

ومن قبل صرح ترامب الأسبوع الماضي بأنه بعث برسالة إلى خامنئي يقترح فيها إجراء محادثات نووية، لكنه حذر أيضًا من أن “هناك طريقتين للتعامل مع إيران: عسكريًا، أو إبرام صفقة”، لمنع طهران من امتلاك أسلحة نووية. ثم جاء الرد الإيراني من خلال رفض المرشد الأعلى فكرة إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي، وذلك بعد وصول رسالة ترامب التي تدعو إلى مثل هذه المحادثات. واعتبر أن عرض ترامب للمحادثات “خدعة تهدف إلى تضليل الرأي العام”، مضيفًا عندما نعلم أنهم لن يلتزموا، فما جدوى التفاوض؟ لذلك، فإن الدعوة للتفاوض هي خدعة للرأي العام”.

تعد تصريحات خامنئي ردًا على رسالة ترامب ودعوته للمحادثات، لكن من جهة أخرى تسعى إيران إلى التفاوض لكن تريد التفاوض من موضع قوة وليس موضع ضعف نتيجة ما تكبدته من خسائر على مدار العام ونصف الماضيين، ومن ثَمّ تريد رفع العقوبات وضمانات باستمرار الاتفاق وعدم انسحاب أي إدارة أمريكية أخرى منه فضلًا عن ضمانات من الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.

ويبدو أن الرؤية الإيرانية لصيغة الاتفاق المتوقع مع واشنطن تتفق والرؤية الروسية، فقد صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن الصيغة الموجودة هي نفس صيغة خطة العمل الشاملة المشتركة السابقة، وهي بناء الثقة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. لذا من المؤكد أن إيران لا تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك فيما يخص قدراتها الصاروخية. ومن ثَمّ يبدو أن إيران مستعدة لتقبل الوساطة الروسية خاصة مع توافق الرؤى لكن يبدو أن الخلاف سيكون بشأن الحد الأقصى للتنازلات التي ستوافق عليها طهران أمام واشنطن.

 

 

 

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

الكاتب : د. هدى رؤوف

التاريخ : 16/3/2025

-----------------------------------------------------

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

التاريخ : 4/3/2025

المقالات الأخيرة