إن العوامل المتحكمة في ارتفاع وانخفاض العملة تعتمد على أشياء كثيرة، وتعد العملة من السمات الأساسية التي تحدد جانب كبير من المسار الاقتصادي لمختلف الدول، فحين تزيد قيمتها مقارنة بغيرها تزيد قوة اقتصادها على الصعيد العام، وسوف نوضح كافة التفاصيل في هذه المقالة.
ما
الذي يجعل عملة ما أقوى من غيرها؟
تكتسب
عملة أي دولة قيمتها من قوتها الاقتصادية والسياسية، ولعل تصدر الدولار منذ منتصف
القرن العشرين وحتى الآن العملات القوية في العالم، يرجع إلى المكانة التي
اكتسبتها أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، وخروج كثير من الدول الأوروبية مدينة
من هذه الحرب لأميركا.
وعندما
تم تأسيس مؤسستي البنك والصندوق الدوليين، ونوقشت قضية ضرورة وجود عملة لها قبول
لتسوية المعاملات المالية والتجارية الدولية، طرحت أميركا عملتها نظرا لغطائها
الذهبي، واستعداد أميركا في ذلك الوقت لدفع قيمة أي دولار يصدر من خزانتها العامة
بما يعادله من الذهب.
عندئذ
قبل العالم بالدولار عملة دولية إلى جوار بعض العملات الأوروبية الأخرى، إلا أن
الدولار أصبح العملة الرئيسة في السوق الدولية.
وبعد
عام 1971، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون تخلي بلاده عن قاعدة الذهب، وأن
قيمة الدولار مستمدة من الناتج المحلي الأميركي، وأن أي دولار في السوق تقابله سلع
وخدمات يمكن لحائز الدولار أن يحصل عليها من السوق الأميركية.
إلا
أن ثقة كثير من الدول في صلاحية الدولار عملة رئيسة لتسوية المعاملات التجارية
والمالية الدولية، تعرضت للخطر بشكل كبير بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008،
ومن هنا طالبت بعض الدول بالبحث عن عملة بديلة للدولار، وهو ما اعتبرته أميركا
حربا عليها وعارضته بشدة في اجتماعات مجموعة العشرين التي أعقبت الأزمة المالية
العالمية عام 2008.
كيف
يتم تحديد أسعار العملات؟
يمكن
تحديد أسعار العملات بطريقتين هما السعر العائم والسعر الثابت، مشيرة إلى أن
“تحديد السعر العائم يتم من خلال العرض والطلب في أسواق العملات العالمية، فإذا
كان الطلب على العملة مرتفعاً ترتفع قيمتها، وإذا كان منخفضاً فسوف يؤدي ذلك إلى
انخفاض قيمة العملة، ويتم تحديد السعر الثابت من قبل الحكومة من خلال بنكها
المركزي، حيث يتم تحديد السعر مقابل عملة عالمية رئيسية أخرى مثل الدولار الأميركي
أو اليورو أو الين، وللحفاظ على سعر الصرف، تقوم الحكومات بشراء وبيع عملتها مقابل
العملة المربوطة بها”.
ومن
أبرز العوامل الاقتصادية التي تؤدي إلى انهيار العملات:
عجز
الدول عن سداد الديون المستحقة عليها، كما حدث في لبنان من عجزه عن سداد قيمة
السندات الدولية التي كانت مستحقة عليه في 2019. وفي مثل هذه الحالة، عادة ما يعلن
صندوق النقد الدولي تصنيفا سالبا لوضع هذه البلاد، مما يؤدي إلى عجزها عن الحصول
على قروض أخرى من الخارج، وقد يعلن إفلاسها.
افتقاد
البلاد لبعض مواردها الاقتصادية، كنضوب تلك الموارد، أو تقسيم أراضيها، واستحواذ
طرف على المورد الرئيس لتدفق النقد الأجنبي، كما حدث في السودان، بعد انفصال جنوب
السودان وحصوله على كافة آبار النفط.
مخاطر
ارتفاع قيمة العملة أو انخفاضها
وبحسب
المختصة بالشؤون الاقتصادية الدولية الدكتورة شمت، فإن العملة المرتفعة جداً أو
المنخفضة جداً تؤثر على اقتصاد الدولة بشكل سلبي وخصوصاً على التجارة الخارجية
والقدرة على سداد الديون وعلى الموقف الائتماني للدولة، لافتة إلى أن انخفاض قيمة
العملة جداً مقابل الدولار مثلاً يؤدي إلى رفع فاتورة الاستيراد كما يضعف القدرة
على سداد الديون الأمر الذي سيؤثر على الموقف الائتماني للدولة في التقارير
العالمية، أما في حال كانت قيمة العملة مرتفعة جداً فهذا سيؤدي إلى فقدان الميزة
التنافسية للتصدير ما سيترك أثراً سلبياً على التجارة الخارجية للدولة.
أهم
العوامل المتحكمة بقوة العملة
بدوره،
يوضح الخبير الاقتصادي علي حمودي أن تحديد قوة العملة يتم من خلال تفاعل مجموعة
متنوعة من العوامل المحلية والدولية في مقدمتها:
أسعار
الفائدة: تساعد أسعار الفائدة المرتفعة على تعزيز قوة العملة لأن المستثمرين
الأجانب يمكنهم الحصول على عائد أعلى من خلال الاستثمار في هذا البلد.
السياسات
الاقتصادية: يساعد الانضباط المالي الصارم والسياسات النقدية المناهضة للتضخم على
تعزيز قوة العملة.
الاستقرار:
إن وجود حكومة قوية ومستقرة مع سيادة راسخة للقانون وتاريخ من السياسات الاقتصادية
البناءة يعد من العوامل التي تجذب الاستثمار وبالتالي تعزز قوة العملة، وفي حالة
الدولار الأميركي، فإن قوته تتعزز بشكل أكبر من خلال حقيقة أن السلع الأساسية يتم
تداولها بشكل عام بالدولار مثل النفط والقمح والسكر وما إلى ذلك، وتستخدم العديد
من البلدان الدولار كعملة احتياطية لها.
استقرار
العملة أهم من قوتها
وبالحديث
عن الاستقرار، فإن الحكومات وصناع السياسة النقدية غالباً ما يسعون إلى استقرار
عملاتهم أكثر من جعلها قوية، لأن العملة القوية تجعل صادرات الدولة أكثر تكلفة مما
يضر بالقدرة التنافسية التجارية لتلك الدولة، ومن ناحية أخرى، فإن ضعف العملة يجعل
الواردات أكثر تكلفة مما يؤدي إلى زيادة التضخم المحلي، لذا فإن المسار المثالي هو
التصويب على الوسط وتجنب التقلبات المزعزعة للاستقرار، بحسب المختصين.
ما
العملات الأقوى في العالم؟
المقصود
بالعملات الأقوى، تلك العملات التي لها قبول في السوق الدولية، ويتم تسوية
التعاملات التجارية والمالية بواسطتها. وهذه العملات هي: الدولار الأميركي،
واليورو، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليوان الصيني.
وتعتبر
هذه العملات أهم مكونات سلة احتياطي العملات من النقد الأجنبي للدول، وهي معتمدة
من صندوق النقد الدولي، وكان اليوان الصيني آخر هذه العملات من حيث اعتمادها لدى
صندوق النقد الدولي، وذلك في نهاية عام 2016.
وقد
اكتسبت هذه العملات قوتها في السوق الدولية من قوة اقتصادات هذه البلدان، ونصيبها
من الناتج المحلي العالمي.
فبحسب
أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي، امتلكت الدول صاحبة هذه العملات (أميركا،
والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، واليابان، والصين) ناتجا محليا بقيمة 58.4 تريليون
دولار، وهو ما يمثل نسبة 69.1% من الناتج المحلي للعالم، والبالغ نحو 84.5 تريليون
دولار في عام 2020
العملات
بين ارتفاع القيمة وقوتها
وهناك
عملات قوية مثل الين الياباني، قيمتها أقل من عملات دول أخرى اقتصادها ليس بقوة
الاقتصاد الياباني مثل الدينار الكويتي و“هناك عدة أسباب لهذه الحالة، بكيفية
تحديد سعر العملة وقوة الاقتصاد، وبالنسبة للدينار الكويتي فسعره ثابت ومحدد من
قبل المصرف المركزي، بمعنى أنه مرتبط بسلة عملات أجنبية من بينها الدولار ولا
يتأثر بقانون العرض والطلب الاقتصادي المتعارف عليه في العملات الأخرى ومنها الين
الياباني، وبالتالي فإن الدينار يستمد قوته من الدولار بالإضافة إلى أن الاقتصاد
الكويتي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط التي تشكل الغالبية العظمى من دخل
الدولة وأرباحها، باعتباره أي النفط لا يزال سلعة مهمة جداً لجميع دول العالم، في
حين أن الين الياباني عملة قديمة جداً وتستمد قوتها كعملة حرة من قوة الاقتصاد
الياباني الذي يصنف كثالث أكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن أن الاقتصاد الياباني
يحقق فوائض تجارية بشكل دائم ومن هنا يستمد الين قوته حيث يعتبره الكثير من
المستثمرين من أصول الملاذ الآمن”.
ويُرجع
الخبراء مكانة الدولار باعتباره العملة الأقوى في العالم إلى أن احتمالية أن تواجه
الدولة التي تطبعها (الولايات المتحدة الأميركية) الإفلاس ضعيفة بشكل كبير، ولذلك
يمثل الدولار العملة الاحتياطية الأكبر لأغلب البنوك المركزي في العالم حتى الصين
ثاني أكبر اقتصاد في العالم تستثمر فائض تجارتها العالمية بشراء سندات الخزانة
الأميركية.
وبالمقابل
لفت حمودي إلى أن هناك دول عملتها ضعيفة بعض الشيء لكن اقتصادها قوي مثل الصين
التي تعتمد بشكل كبير ولسنوات طويلة على تصدير منتجاتها وهو ما أوصلها لتصبح ثاني
أكبر اقتصاد في العالم، وبالتالي من مصلحتها تكون عملتها (اليوان) ضعيفة بعض الشي
أو بسعر تعود عليه المستهلك.
الدولار
أقوى عملة في العالم.. لماذا؟
من
جهته، يشير الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي إلى أن الدولار الأميركي
يشكل حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي منذ منتصف القرن العشرين، ويمكن القول إنه
على الرغم من تداعيات الدولار القوي عالمياً والأوضاع المالية العالمية الأكثر
تشدداً، فإن ارتفاع الدولار أو ثباته النسبي يرجع لأسباب منها ما يتعلق بقوة
الاقتصاد الأميركي ورفع أسعار الفائدة بوتيرة ثابتة من قبل مجلس الاحتياطي
الفيدرالي.
لكن
الدكتور الشناوي يرى أن هناك عدداً من الأساسيات الاقتصادية التي تعتبر عاملاً
رئيسياً في ارتفاع قيمة الدولار ومنها، ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، تنوع
الصناعات وتعددها في الاقتصاد الأميركي مقارنة باعتماد دول أخرى على عدد قليل من
الصناعات أو صادرات السلع مما يجعلها أكثر عرضة للدورات الاقتصادية، وثقة
المستثمرين وتطلعهم إلى شراء العملات ذات معدلات الفائدة المرتفعة مما يخلق معدل
عائد احتياطي على صرف عملاتهم، حيث أن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل العملة أكثر
جاذبية وبالتالي في البيئة الاقتصادية المتنامية سيؤدي ذلك الوضع إلى جعل
المتداولين يتمتعون بنظرة إيجابية لارتفاع الدولار.
ويتابع
الدكتور الشناوي: “كما أن الانفاق الاستهلاكي يحرك الاقتصاد الأميركي ولذلك فان
التوسع في النمو يخلق المزيد من الوظائف والأجور الأعلى وهذا يساعد على تحفيز
الاقتصاد بشكل كبير وبالتالي فإن زيادة معدل النمو يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم
وتوقعات زيادة أسعار الفائدة، وأخيرا زيادة الاستثمار الأجنبي والطلب من الشركات
خارج الاقتصاد الأميركي تمثل عاملاً مهماً في تعزيز الدولار”.
وخلص
الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي إلى ثلاثة عوامل تحكم الدولار الأميركي هي:
تغيرات
سعر الفائدة الفيدرالية: وهو سعر الفائدة الذي تقرض به البنوك التجارية بعضها
البعض ما لديها من احتياطات إضافية على أساس ليلة واحدة وهو بمثابة سعر الفائدة
الأساسي للتحكم في المعروض النقدي من مجلس الاحتياطي الفيدرالي وهذا يؤثر على
التضخم وكذلك على أسعار صرف العملات ومنها الدولار.
أداء
الاقتصاد الأميركي: حيث ترتفع قيمة الدولار إذا كان الأداء جيد وهذا ما حدث بعد
صمود الاقتصاد الأميركي بعد جائحة كورونا.
عدم الاستقرار السياسي والأحداث غير المتوقعة، حيث يميل المستثمرون إلى نقل الثروة إلى عملات أكثر أمانا وأقل تقلباً في حالة عدم اليقين الجيوسياسي يتجه المستثمرون إلى الملاذ الأمن مثل الدولار.
المراجع :
عبد الحافظ الصاوي ، 28.12.2021 ، ما أقوى
وأغلى العملات في العالم؟ ومتى تنهار عملة دولة ما؟ ، الجزيرة.
(ب ، ن ) ، 1.3.2023 ، العوامل المتحكمة في
ارتفاع وانخفاض العملة ، موقع صناع الامل.