في 12 مارس، انتقد ترامب اليابان علناً أمام
وسائل الإعلام في البيت الأبيض، قائلاً إن صادرات اليابان من السيارات إلى
الولايات المتحدة كبيرة للغاية، لكن اليابان تقاطع صادرات السيارات الأمريكية
وستطبق الولايات المتحدة ابتداء من الثاني من أبريل، “رسوم جمركية متبادلة” على
الدول التي تفرض رسومًا جمركية وحواجز جمركية على الواردات من الولايات المتحدة.
وبالإضافة إلى ذلك، يدرس البيت الأبيض فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على
السيارات المستوردة.
وفي المقابل أعربت اليابان عن أسفها لعدم إعفاء
الولايات المتحدة صادراتها من إجراءات زيادة الرسوم الجمركية. وأكدت بأنها ستعزز
المشاورات مع واشنطن لحل هذه المشكلة دون الإعلان عن نية طوكيو اتخاذ إجراءات
انتقامية بالإضافة إلى أنها أوضحت صعوبة العثور على بدائل للمنتجات اليابانية
عالية الجودة وأن المنتجات اليابانية قدمت مساهمات للصناعات والعمالة الأمريكية.
وفي وقت سابق، أجرى وزير الاقتصاد والتجارة
والصناعة الياباني يوشيهارو موتو اتصالات مع الجانب الأمريكي خلال زيارته للولايات
المتحدة وأكد بأنه حصل على “قدر معين من التفهم” من الجانب الأمريكي. فيما يتعلق
بالتدابير الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، وأشار كبير أمناء مجلس الوزراء
الياباني يوشيماسا هاياشي إلى أنها سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي،
بما في ذلك اليابان، وستواصل طوكيو مطالبة الولايات المتحدة بتبني سياسة الإعفاء
لليابان.
وفي اليوم نفسه، نقلت الحكومة اليابانية طلبًا
إلى الولايات المتحدة عبر سفارتها في واشنطن، داعية البيت الأبيض إلى مراجعة تأثير
هذا الإجراء الجمركي على اليابان بعناية واتخاذ التدابير المضادة المناسبة.
وعلى الرغم من أن صادرات اليابان من الصلب إلى
الولايات المتحدة لا تمثل سوى 1% من المنتجات نفسها التي تستوردها الولايات
المتحدة، وهي نسبة ضئيلة، إلا أن صادرات اليابان من السيارات تُمثل 30% من واردات
السيارات إلى الولايات المتحدة وإذا فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على
السيارات المستوردة، فسيكون التأثير على اليابان كبير بلا شك.
خطط ترامب للحرب الجمركية
تُعتبر اليابان من أكثر الدول حمايةً لسوق
الأرز، حيث تفرض تعريفات جمركية مرتفعة لحماية مزارعيها المحليين وباعتبار
الولايات المتحدة، منتجًا رئيسيًا للأرز، ضغطت على اليابان لفتح سوقها أمام
الواردات الأمريكية، خاصة خلال مفاوضات الاتفاقيات التجارية منذ التسعينيات.
ومؤخرًا، قامت الولايات المتحدة أيضًا بقلب
الطاولة واستهدفت التعريفات الجمركية المرتفعة التي فرضتها اليابان على الأرز
المستورد، وهو ما زاد من التوتر بين البلدين، حيث قالت كارولين ليفيت، السكرتيرة
الصحفية للبيت الأبيض، في مؤتمر صحفي عُقد في ١١من مارس: “انظروا إلى اليابان، رسومها الجمركية على الأرز تصل إلى 700%!”
وأكدت ليفيت أن الرئيس ترامب يؤمن بالمعاملة بالمثل وأن كل ما يطلبه في نهاية
المطاف هو ممارسات تجارية عادلة ومتوازنة”، وبالإضافة إلى ذلك، انتقد مستشار البيت
الأبيض التجاري نافارو، اليابان بشدة في مقابلة مع قناة فوكس نيوز في نفس اليوم،
قائلًا إن التعريفات الجمركية التي فرضتها اليابان على الأرز بنسبة 700% كانت
“مجنونة” بشكل واضح.
وردًا على ذلك، في مؤتمر صحفي عُقد في 12 مارس،
صرّح هاياشي يوشيماسا بأن “الحد الأدنى لكمية الواردات اليابانية عبر التجارة
الوطنية يخضع لرسوم جمركية صفرية، وأن الأرز المستورد الآخر يخضع لرسوم جمركية
قدرها 341 ينًا للكيلوجرام” وأضاف أنه سيتواصل مع الولايات المتحدة بشأن هذا الأمر.
كما دحضت صحيفة “نيهون كيزاي شيمبون” اليابانية
مزاعم فرض رسوم جمركية باهظة تبلغ 700% مشيرةً إلى أن هذا الرقم لا يأخذ في
الاعتبار آلية اليابان للسماح باستيراد كمية معينة من الأرز معفاة من الرسوم
الجمركية، وأن هذا المعدل الضريبي يستند إلى المستوى الأصلي المعمول به منذ أكثر
من عشر سنوات. كما قال مسؤولون من وزارة الزراعة والغابات والثروة السمكية
اليابانية لوسائل الإعلام إن التعريفة الجمركية البالغة 700% ليست رقمًا رسميًا
أعلنته الحكومة اليابانية، ولم تعلن الحكومة أبدًا عن معدل التعريفة الجمركية في
شكل نسبة مئوية.
وبحسب صحيفة “نيهون كيزاي شيمبون”، اعتمدت
اليابان آلية “حصة الاستيراد الدنيا” التي تسمح باستيراد الأرز بدون رسوم جمركية،
حيث تستورد 770 ألف طن من الأرز معفاة من الرسوم الجمركية كل عام وردت الصحيفة
أيضًا بأن الرقم 700% غير دقيق. وتفرض اليابان حاليًا تعريفة جمركية قدرها 341
ينًا للكيلوجرام الواحد على الأرز الذي يتجاوز “الحد الأدنى لكمية الاستيراد”
وتكهنت الصحيفة بأن الرقم 700% المذكور في البيان الأميركي ربما جاء من حقيقة أن
وزارة الزراعة والغابات والثروة السمكية اليابانية حوّلت مبلغ التعريفة الجمركية
إلى معدل ضريبي عند التفاوض مع منظمة التجارة العالمية في عام 2005. وإذا أخذنا في
الاعتبار عوامل مثل سوق الأرز العالمية في ذلك الوقت، فقد وصل معدل التعريفة
الجمركية إلى 778% ومع ذلك، وبما أن ظروف السوق الدولية تغيرت بعد ذلك، فقد تغيرت
قيمة التحويل هذه أيضًا.
وقامت وزارة الزراعة والغابات والثروة السمكية
اليابانية بإعادة حساب ومراجعة معدل التعريفة الجمركية الفعلي إلى 280% في عام
2013. وبالمقارنة مع ظروف سوق الأرز الدولية الأخيرة، فإن معدل الضريبة الفعلي على
الأرز المستورد في اليابان يتجاوز 400% قد كان الأرز “المنطقة المحظورة” الأكبر في
المفاوضات التجارية السابقة بين اليابان والولايات المتحدة، مثل اتفاقية الشراكة
عبر المحيط الهادئ وكانت الولايات المتحدة تطلب منذ فترة طويلة من اليابان مراجعة
نظام التعريفات الجمركية الخاص بها.
ومنذ وقت مبكر خلال فترة ولاية ترامب الأولى،
بدأت المفاوضات مع رئيس الوزراء الياباني آنذاك شينزو آبي بشأن قضايا مثل زيادة
كمية الأرز المستورد المعفي من الرسوم الجمركية، لكنه فشل في التوصل إلى اتفاق.
وقال الممثل التجاري الأمريكي أيضًا إن الولايات المتحدة تعمل على زيادة صادرات
الأرز.
ولا تستورد اليابان أي كمية من الأرز تقريبًا،
وتعد الرسوم الجمركية العادية على الأرز المستورد مرتفعة للغاية، وهذا الجزء هو في
الأساس حصة الاستيراد الدنيا التي حددتها منظمة التجارة العالمية، فضلًا عن الأرز
المستورد من أستراليا على أساس اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما يتم
الاحتفاظ به مركزيًا من قبل الحكومة اليابانية بعد الاستيراد.
جمرك الأرز يزيد التوتر بين البلدين
في هذا الشهر، قدرت لجنة التجارة الدولية
الأمريكية في مسح نشرته بأن زيادة اليابان لوارداتها من الأرز وخاصة من
كاليفورنيا، من شأنها أن تزيد إنتاج الولايات المتحدة من الأرز بما يصل إلى 120
ألف طن. ومنذ العام الماضي تحديدًا، استمرت أسعار الأرز المحلية في اليابان في
الارتفاع بسبب اختلال التوازن بين العرض والطلب المحلي. ولا شك أن الولايات
المتحدة ستستغل هذه “الفرصة السانحة” للسعي إلى فتح سوق الأرز الياباني. ولكن “نقص
الأرز” في اليابان لن يؤدي أبدًا إلى فتح اليابان لسوق الأرز بسهولة لأن قدرة
اليابان على إنتاج الأرز لم تنخفض، ولكن هذا المأزق ناجم عن السياسات ذات الصلة
التي تنتهجها الحكومة اليابانية.
في السابق، وبسبب فائض الأرز في اليابان لسنوات
عديدة، استمرت أسعاره في الانخفاض، الأمر الذي أثر بشكل واضح على حماس مزارعي
الأرز. ونتيجةً لذلك، استمرت مساحة زراعة الأرز في الانخفاض. وسيؤدي انخفاض
الإنتاج الناتج حتمًا إلى نقص في الأرز، وبالتالي ارتفاع أسعاره أمر لا مفر منه.
لكن الحكومة اليابانية لا تشعر بالذعر إزاء هذا الوضع لأن اليابان لديها احتياطيات
وطنية كافية من الحبوب ومن المستحيل أن تقدم تنازلات بشأن الأرز المستورد بسبب
العرض والطلب المحلي.
على الرغم من أن اليابان اعتمدت بشكل رئيسي على
الواردات للحصول على منتجات زراعية مهمة مثل القمح والذرة وفول الصويا لسنوات
عديدة، فإن اعتماد اليابان على الأغذية المستوردة يصل إلى أكثر من 60%.
ومع ذلك، فقد كانت اليابان دائمًا حريصة بشدة
على منع استيراد الأرز، لأنه يتعلق بالمصالح الحيوية للمزارعين في جميع أنحاء
اليابان. فمساحة الأراضي الصالحة للزراعة في اليابان محدودة للغاية، ومعظمها
متناثر، مما يجعل إنتاجه على نطاق واسع مستحيلًا، لذلك، فإن تكلفته أعلى بكثير من
تكلفة الأرز الأمريكي المُنتج على نطاق واسع باستخدام الميكنة.
بالإضافة إلى ذلك، تأتي أصوات الحزب الليبرالي
الديمقراطي بشكل رئيسي من المناطق الريفية. وإذا فُتح باب الاستيراد، فسيخسر الحزب
الليبرالي الديمقراطي هذه القاعدة الناخبة، ولذلك فإن استيراد الأرز أمر غير وارد
بالنسبة لحكومة الحزب الليبرالي الديمقراطي، وهو السبب الجوهري أيضًا وراء بقاء
التعريفات الجمركية اليابانية على الأرز المستورد مرتفعة.
وبغض النظر عن مدى استياء الولايات المتحدة،
فإن اليابان سوف تجد كل أنواع الأسباب للدفاع عن نفسها وسوف تستخدم التكتيكات
الناعمة والقاسية لمقاومة واردات الأرز وبالإضافة إلى ذلك، ومن أجل حماية حماس
مزارعي الأرز، نفذت الحكومة اليابانية بوعي سياسة تقليص مساحة زراعة الأرز منذ عام
1971 لحماية أسعار الأرز. ومع ذلك، ونتيجة لعدم تغير تطبيق هذه السياسة لسنوات
عديدة، فقد أدى ذلك إلى المعضلة الحالية المتمثلة في الإفراط في التصحيح وتجاوز
العرض من الأرز للطلب. وما دامت الحكومة اليابانية تُجري تعديلات طفيفة على سياسة
“تقليص البث”، فستُحل هذه المشكلة وقد لا يتحقق أمل الولايات المتحدة في استغلال
هذه الفرصة لفتح أبواب السوق اليابانية.
اضطرابات مرتقبة في السيارات والتكنولوجيا
لقد كانت السيارات دائمًا المنتج الرائد في
مجال التصنيع في اليابان وأكبر سلعة تصديرية لديها، وتشعر الحكومة اليابانية أيضًا
بالذعر الشديد إزاء فرض الرسوم الجمركية على السيارات اليابانية، وهو ما يشكل
عبئًا لا يطاق على اليابان. وتشير بيانات رابطة مصنعي السيارات اليابانية إلى أنه
في عام 2024 بلغ إجمالي الصادرات اليابانية إلى الولايات المتحدة 21.2951 تريليون
ين ياباني، وكانت على قائمة هذه المنتجات السيارات بنسبة 6.0261 تريليون ين
(28.3%). واحتلت شركتي تويوتا (23٪) ومازدا أكثر من (50٪)، وقطع غيار السيارات 1.2312 تريليون ين (5.8%)، ومحركات (5.1%)، ومعدات البناء
والتعدين وغيرها، (4.2%).
وبالتالي، إذا أُعيقت صادرات السيارات إلى
الولايات المتحدة بسبب فرض رسوم جمركية إضافية، فلن يقتصر الأمر على تضرر العديد
من شركات صناعة السيارات الكبرى، مثل تويوتا ونيسان وهوندا، بل ستتأثر أيضًا شركات
قطع غيار السيارات في جميع أنحاء البلاد. ولا شك أن تأثير ذلك على الاقتصاد
الياباني الذي يحتاج إلى إنعاش عاجل. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن يتحمل المصنعون
والتجار والمستهلكون تكاليف زيادة الرسوم الجمركية، مما يؤدي إلى الضغط على أرباح
شركات صناعة السيارات اليابانية ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الضرائب أيضًا إلى
زيادة أسعار السيارات اليابانية في السوق الأمريكية، مما يضعف قدرتها التنافسية
وربما يؤدي إلى انخفاض الصادرات.
وقد يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تحول المستهلكين
إلى العلامات التجارية الأمريكية أو الأجنبية الأخرى للسيارات، وقد تنخفض حصة
السيارات اليابانية في السوق الأمريكية. ولتجنب الرسوم الجمركية، قد تقوم الشركات
بتعديل سلاسل التوريد الخاصة بها، وتقليل صادرات المركبات الكاملة من اليابان،
وتصدير الأجزاء للتجميع في الولايات المتحدة بدلاً من ذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، قد تعمل شركات صناعة
السيارات اليابانية على زيادة إنتاجها في الولايات المتحدة والاستثمار في بناء أو
توسيع المصانع المحلية، وهو ما لا يشكل خبرًا جيدًا للركود الذي يشهده الاقتصاد
الياباني، رغم عدم وجود أي دلالات أو مؤشرات أو تصريحات من الحكومة الحالية لاتخاذ
أي إجراءات مضادة.
وقد يكون السبب في ذلك هو مساعي اليابان لتسوية
بمفاوضات سلمية مع ترامب ولكن ترامب رجل أعمال ماهر للغاية لن يبهره الكلام
المعسول، ولن يستثني اليابان من قائمة الدول الخاضعة لرسوم جمركية إضافية. بالرغم
أن رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا كان قد صرّح سابقًا خلال زيارته للولايات المتحدة
بأنه سيزيد وارداته من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي ويحوّل استحواذ شركة نيبون
ستيل على شركة صلب أمريكية إلى استثمار، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على الإعفاء
من الرسوم الجمركية الإضافية وكان ردّ الطرفين على هذه القضية المحورية آنذاك هو
تجنب مناقشتها.
وبعد شهر واحد فقط من زيارة شيجيرو إيشيبا
للولايات المتحدة، طُبِّقت أخيرًا زيادة الرسوم الجمركية. وفي المرحلة التالية،
ستكثف الحكومة اليابانية والاتحاد الياباني لمنظمات الأعمال (كيدانرين) المناقشات
بشأن التدابير الطارئة والبحث عن خطط تجارية جديدة محتملة ولكن بالنظر إلى الوضع
الحالي، فإن اليابان لا تملك حقاً أي أدوات للمفاوضات الفعالة مع واشنطن وسننتظر
الرد الياباني في أبريل القادم على الرسوم الجمركية الإضافية التي سيفرضها ترامب
عليها.
المصدر: مركز رع للدراسات الاستراتيجية
الكاتب
: د. هند المحلى
التاريخ
: 23/3/2025
--------------------------------------------------------
المصدر:
صحيفة اليوم
الكاتب
: نورهان محمود
التاريخ : 23/3/2025