الصــحة فــي لــيــبــيــا

نـــبـــذة تـــاريـــخيـــــة


مر النظام الصحي الليبي بمراحل مختلفة خلال تكوينه المئة عام الماضية، بداية من فترة الاحتلال الإيطالي لليبيا التي كانت فيها الرعاية الصحية شبه محصورة في المدن ، ولكنها مع محدودية الموارد وقصور التغطية، الا ان المرافق القائمة كانت تتسم بالفعالية . بعد الاستقلال كانت موارد البلاد محدودة جدا ولا يمكن الا الاعتماد الكامل على المساعدات الدولية وخاصة الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة


بعد اكتشاف النفط في الصحراء الليبية وتوفر الإمكانيات المادية بدأت حكومة المملكة في ذلك الوقت في وضع خطة مفصلة وطموحة لتحديث القطاع الصحي وزيادة الاستثمارات في توسيع رقعة التغطية واعداد البنية التحتية اللازمة لذلك. بعد الحقبة التي تلت سنة 1969 تم تبني هذه الخطط ووضعها موضع التنفيذ واتسمت فترة السبعينات بتحسن كبير في الخدمات الصحية في تلك الفترة بني النظام الصحي الليبي على ثلاث مستويات رئيسية : الرعاية الصحية الأولية عن طريق الوحدات الصحية والمستوصفات ، المتوسطة (عيادات تخصصية وعمليات صغرى ) عن طريق العيادات المجمعة ، والخدمات التخصصية التي تقدمها المستشفيات العامة والمراكز التخصصية الاستثمارات التي وضعت والإرادة السياسية في ذلك الوقت ضمنت تقديم رعاية صحية جيدة ومجانية


في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات بدأت مرحلة جديدة من التدهور المضطرد للخدمات الصحية الذي نتج عن تقليل الانفاق وظهور الفساد الاداري هذا التدهور في مستوى الخدمات الصحية أدى الى غياب الثقة في النظام الصحي الليبي وزيادة معدلات الانفاق الجيبي للموطنين (43 %) والتوجه الى العلاج بالخارج على الحساب الخاص والعام. مع انهيار نظام القذافي سنة 2011 وانهيار النظام الصحي بصورة شبه تامة أصبح لزاما على المهنيين الصحيين التفكير في إنقاذه واصلاحه وتطويره

في أغسطس 2012 عقد مؤتمر الأنظمة الصحية برعاية وزارة الصحة وبحضور 500 من الخبراء والمهنيين الصحيين الليبيين ومشاركة خبراء دوليين من كافة انحاء العالم ومن منظمات دولية عديدة خاصة منظمة الصحة العالمية توصل المجتمعون في هذا المؤتمر الهام الى اجماع على الأسس الرئيسية التي يجب توفرها او إصلاحها في النظام الصحي الليبي وصدرت وثيقة التوصيات التي تم نشرها في ” المجلة الطبية الليبية”. قام الاتحاد الأوربي وبمبادرة من سفارته بطرابلس بتبني قرارات المؤتمر وقدم مشروع “تعزيز النظام الصحي الليبي” وابرم اتفاق مع وزارة الصحة لتنفيذه ومع بداية 2013 تشكلت ” اللجنة التسييرية ” و”فرق العمل” بقيادة أعضاء اللجنة التنظيمية والعلمية لمؤتمر الأنظمة الصحية ومدراء الإدارات بوزارة الصحة، لغرض وضع الخطط التنفيذية وتطبيقها عمليا، حققت فرق العمل تقدما كبيرا في وضع خطط التنفيذ الا ان ظروف الدولة في ذلك الوقت أدت الى عجز وزارة الصحة عن الوفاء بالالتزامات المالية اللازمة للتنفيذ، عقب ذلك مرت ليبيا بظروف عدم الاستقرار الأمني والسياسي والتي أدت الى توقف المشروع في أكتوبر 2014، أعلن رسميا عن عودة الانطلاق للمشروع في منتصف 2016



بعد المراجعة لخطط العمل بالمشروع وبطء التنفيذ ومناقشة الأسباب وكذلك ظهور ان هناك العديد من الجهات المحلية والدولية تقوم بنفس العمل على اصلاح النظام الصحي الليبي، برزت الحاجة لتكوين مؤسسة وطنية لقيادة وتنسيق الجهود الاصلاح وإعادة التكوين ولها الأهداف التالية


قيادة عملية التغيير التخطيط والتنفيذ للتغييرات اللازمة التي تسمح للنظام بالتكون والظهور حسب الاستراتيجية والهيكلية المتوافق عليها

تنسيق الجهود المحلية والدولية الساعية لدعم النظام الصحي ضمانا لتحقيق نقس الأهداف وتجنب تضاربها وتكرارها

بناء نفسها كمجموعة استشارية للرعاية الصحية تضمن دعم القرار واقرار سياسات مبنية على حقائق علمية




أزمـــة الصحـــــــة


كغيرها من القطاعات الحيوية، فإن النظام الصحة في ليبيا عرف تقهقرًا وتدنيًا في مستوى الخدمات بسبب غياب الأمن وصراع الفرقاء على السلطة، ولم تعد المستشفيات والمرافق الطبية قادرة على توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين بسبب نقص الأجهزة والمعدات وكذلك المستلزمات الطبية

ويشتكي الليبيون من ضعف الخدمة الطبية المسداة في ظل النقص الفادح في الكادر الطبي وشبه الطبي إضافة إلى التعطل المستمر للأجهزة نتيجة غياب الصيانة وتجديد قطع الغيار، ما دفعهم إلى السفر للدول المجاورة وخاصة تونس ومصر والأردن وتركيا لتلقي العلاج والرعاية الضرورية رغم تكاليفهم الباهظة

ويعود النقص الواضح في الموارد البشرية كالأطباء والممرضين في المستشفيات إلى غياب الأمن وانعدام الاستقرار، كما دفع النزاع المسلح العاملين في القطاع الصحي من الأجانب الذين يمثلون 20%، منهم ما يُقارب 3 آلاف فلبيني، إلى مغادرة ليبيا

من الغرب إلى الشرق، تعرف مستشفيات ليبيا تراجعًا على مستوى البنية التحتية وتطوير المنشآت بفعل انشغال الحكومات المتعاقبة بالملف الأمني والمعارك بشأن النفط المصدر الرئيسي للموارد، إضافة إلى ما عرفته المرافق من استهداف مباشر بسبب النزاع الدائر في البلاد



نقــص الأدويـــة


على غرار البنية التحتية الهشة للمرافق الصحية، فإن ليبيا تُعاني من نقص فادح للأدوية بأنواعها، ويعيش المرضى رحلات مكوكية يوميًا بين المستشفيات التي نضبت مخازنها بفعل نقص الإمداد والصيدليات التي خلت رفوفها، لتأمين بعض حاجياتهم ولو بالمقدار اليسير، فيما يضطر آخرون إلى جلبه من الخارج ويتطلب ذلك أيامًا ما يعرض بعض المرضى للخطر. يرى احد مسؤولي القطاع الصحي أن أزمة الدواء التي تعرفها ليبيا في السنوات الأخيرة لا يجب قصرها على نقص الإمداد وتراجع الموارد المخصصة للاستيراد، فالدواء كالعملة تُسيطر عليه مافيا الاحتكار التي تتحكم في السوق ومسالك التوزيع، ولكن الأخطر من فقده هو ضخ أدوية منتهية الصلاحية ومقلدة، موضحًا أن بعض التجار ينشطون في تهريب الدواء والمضاربة فيه من أجل تحقيق الربح السريع دون مراعاة الجانب الإنساني وظروف المرضى القاسية

ودأبت وزارة الصحة على إصدار نشرات تحذيرية من استخدام أدوية منتهية الصلاحية يجري تداولها بشكل كبير في السوق، إضافة إلى مكملات غذائية خاصة بالأطفال غير مطابقة لمواصفات الاستهلاك، وتصل بعض الأدوية المدعومة من بعض دول الجوار (تونس ومصر) وهي أدوية رخيصة الثمن بالمقارنة مع ليبيا، وبحسب مسؤولين محليين فإن طريقة جلبها تتنافى مع مواصفات التوزيع والحفظ. تعاني المستشفيات الليبية من نقص حاد في أدوية السرطان والأورام وغسيل الكلى، إضافة إلى أنواع أخرى حيوية -كتطعيمات الأطفال- الحصبة والشلل



خـــتامـــاً

تسمح الصحة العامة الجيدة لليبيين أن يعيشوا حياة أكثر اكتمالاً وأكثر سعادة ومع ذلك، فقد كشفت التقديرات أن النظام الصحي في ليبيا يواجه تحديات كبيرة في توفير الرعاية الصحية الجيدة ويقوم نظام الرعاية الصحية في ليبيا على نموذج الرعاية الصحية الأولية مع شبكة من المراكز والعيادات التي تخدم المجتمعات المحلية وقد أدى افتقار مرافق الرعاية الصحية الأولية للإمكانات والكوادر إلى تدني مستوى جودة الرعاية الصحية، وبالتالي إثقال المستشفيات الكبرى بأعباء تفوق مواردها وامكانياتها ، كما أن نظام الرعاية الصحية لدينا يفتقر أيضا إلى الأخصائيين الأكفاء لتلبية احتياجات المرضى، والجرحى، والمسنين، وفي مجالات أخرى هامة كصحة الحوامل، وعلاج الأمراض النفسية والعقلية والأمراض غير المعدية والاستخدام السيء للأدوية ومع أن خدمات الرعاية الصحية تُقَدَم في ليبيا بالمجان في القطاع العام ، إلا أن وتيرة الإنفاق الخاص على الرعاية الصحية المتخصصة لتلقي العلاج في الخارج تصاعدت بسبب عدم الثقة في جودة الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات الليبية


المصادر


ب ، ن  ، 4.1.2017 ، حوار مع منظمة الصحة العالمية حول جهود دعم السلطات الليبية في التصدي للإيدز، اخبار الامم المتحدة

رامي التلغ ، 18.3.2021 ، انهيار مستمر وإصلاح منعدم ، بوابة أفريقيا الإخبارية

المقالات الأخيرة