كارثة المياه الجوفية في مدينة زليتن
فرع القاهرة


 

خيَّم الانقسام السياسي الذي تشهده البلاد على أزمة المياه الجوفية المتصاعدة في بلدية زليتن، التي بدأت آثارها مطلع يناير الماضي، وظهر ذلك جلياً في غياب التنسيق، وربما التضارب بين تعاطي حكومتي الوحدة الوطنية المنتهي ولايتها  والحكومة المكلفة من مجلس النواب، بينما يصرخ أهالي زليتن من تفاقم تداعيات ما أسموها «الكارثة».

ويزداد الوضع سوءا في مدينة زليتن نتيجة استمرار ارتفاع منسوب المياه الجوفية في المناطق المتضررة وتوسع قطرها إلى 25 كيلومتر بعد تدفقها من العيون والابار القديمة محدثة بركا ومستنقعات تسببت في شروخ وشقوق في المنازل والمدارس القريبة من الامكان المتضررة من هذه الظاهرة اليئية .

أهالي زليتن يطالبون بحلول سريعة

ورغم عمليات شفط المياه المتراكمة إلا أن منسوب المياه في ازدياد بعد ظهور عدة عيون في اماكن جديدة تبعد عن الاماكن المتضررة بكيلومترات ليتسع محيط المياه من 7 كيلومترات إلى 25 كيلو مترا وليصل إلى منطقتي ابوجريدة وسوق الثلاثاء .

ويقوم المجلس البلدي بوضع حلول سريعة وموقتة من خلال عمليات الردم في بعض المستنقعات والبرك  خوفا من انتشار الأمراض والحشرات والبكتيريا  فيما قام فريق مكافحة الآفات الليلة الماضية برش المبيدات الحشرية بمنطقة النشيع لمكافحة الحشرات والبعوض .

وأوضح بعض المهندسين والفنيين من مراقبة شؤون البيئة بزليتن أن أحد الحلول لهذه الظاهرة هو استهلاك كميات كبيرة بقدر الامكان من هذه المياه وبصورة مستمرة حتى ينخفض منسوبها إلى منسوب امن تحت مستوى سطح الأرض من خلال حفر آبار عميقة وفق دراسة علمية تحدد موقع هذه الابار وعددها لسحب المياه من الحوض .

فيما رأى اخرون أن يتم تحوير محطة التحلية القائمة من محطة تحلية مياه البحر الى محطة تنقية المياه الجوفية العذبة ، ويتم ضخ المياه بعد تنقيتها للخط الحلقي القائم الذي يغذي خزانات المياه في مناطق زليتن المختلفة والذي تم ربطه بخط النهر وضخ الفائض بخط النهر بعد أن يتم تحوير وصلة الربط مع خط النهر وهي تعتبر تحويرة بسيطة وغير معقدة فنيا .

من جهتها أوصت الندوة العلمية التي نظمتها الجامعة الاسمرية الاسلامية حول مسببات وتأثيرات ارتفاع منسوب المياه الجوفية بضرورة إعلان مدينة زليتن مدينة منكوبة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وصرف ميزانية طوارئ للمدينة ، لتنفيذ الحلول العاجلة ، وجبر ضرر المواطنين المتضررين، خاصة أن هناك بعض المواطنين تركوا منازلهم.

وطالبت التوصيات بأن يكون المجلس البلدي والمؤسسات المختصة بزليتن ممثلة وحاضرة في كل اللجان التي تشكلها الدولة ، لمعالجة هذه الأزمة ، وتكليف شركات متخصصة لشق قنوات أفقية أرضية من الجنوب للشمال وصولا للبحر ، لصرف المياه به.

ودعت التوصيات إلى إعادة تأهيل وتطوير الشبكة "البيزومترية" في المدينة ، لمراقبة التغيرات التي قد تطرأ على منسوب ونوعية المياه ، وهي شبكة آبار موجودة في المدينة من قبل ، ولكنها تلاشت ، وكانت وظيفتها مراقبة المياه أسبوعيا ، وسحب العينات منها ، لمعرفة مدى تلوثها من عدمه.

المياه الجوفية تدفع العائلات للنزوح

قالت، الوزارة في منشور على صفحتها على «فيسبوك»، إن فريقاً من الوزارة توجه إلى مدينة زليتن ومعه مساعدات واحتياجات للأسر المتضررة جراء كارثة ارتفاع منسوب المياه بالأحياء السكنية، وهو ما عرَّض الأهالي للخطر، والنزوح لمناطق آمنة في المدينة.

الفريق ضم إدارة الشؤون الإنسانية والمساعدات، ومكتب التفتيش والمتابعة، وفريق الدعم النفسي التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية.

وأوضحت الوزارة أن هذه الزيارة تهدف إلى تقديم الاحتياجات الضرورية للمواطنين، والوقوف على أحوالهم، وإعداد تقرير عاجل يتضمن عدد الأسر، خاصة شرائح النساء والأطفال وذوي الإعاقة، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة ببلدية زليتن، لتخفيف المعاناة عن سكان المنطقة.

وفي 23 يناير الماضي، قرر عبدالحميد الدبيبة، تشكيل لجنة مركزية برئاسة الحكم المحلي بدرالدين التومي لمتابعة أوضاع بلدية زليتن جراء الارتفاع في منسوب المياه الجوفية، ومعالجة الآثار المترتبة على ذلك ومساعدة المواطنين لمواجهتها.

اللجنة المشكَّلة برئاسة التومي تضم في عضويتها كلاً من مدير عام جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق، ورئيس مجلس إدارة الشركة العامة للمياه والصرف الصحي، ورئيس مجلس إدارة شركة الخدمات العامة بطرابلس، ومدير عام المركز الوطني لمكافحة الأمراض، ومدير الإدارة العامة للإصحاح البيئي بوزارة الحكم المحلي، وفق المادة الأولى في نص قرار الدبيبة رقم 39 لسنة 2024، الذي نشرته منصة «حكومتنا» عبر صفحتها على «فيسبوك».

لجنة برلمانية تطالب الحكومة المكلفة من مجلس النواب بالتدخل العاجل

من جهتها، طالبت لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب الحكومة المكلفة من مجلس النواب وجميع جهات الاختصاص بالتدخل العاجل، لمعالجة مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في مدينة زليتن. بينما قررت الحكومة المكلفة من مجلس النواب بإعلان حالة الطوارئ القصوى ببلدية زليتن، واتخاذ الإجراءات العاجلة، لحماية المواطنين من أخطار ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وتوفير كل الاحتياجات للبلدية من أجل مواجهة تلك الأزمة.

 

وقالت الحكومة، في بيان، إن ذلك جاء وفق تعليمات من رئيس الحكومة أسامة حماد، وبتوجيهات من قائد قوات «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر.

ويقول سكان في زليتن إن أزمة المياه الجوفية تزداد كل يوم دون وجود حلول جذرية للتعامل معها، باستثناء تدخلات موقتة عبر عمليات شفط المياه أو ردم المستنقعات وذكر عدد من السكان أنهم لم يلحظوا أية خطوات عملية على أرض الواقع، أو استجابة فعلية للجان الحكومية المشكلة للتعامل مع كارثة المياه الجوفية، التي تزداد سوءاً يوماً بعد الآخر.

وعبرت لجنة لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب، في بيان، عن تضامنها مع جميع سكان مدينة زليتن، وتمنياتها لهم بالسلامة، والشفاء العاجل للطفل «غسان سيف الإسلام زغيليل» الذي سقط في مستنقع للمياه الناتج من ارتفاع منسوب المياه الجوفية بالمدينة. وشددت اللجنة على ضرورة التدخل الفوري، لحل مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية بمدينة زليتن، تفادياً لحدوث كارثة إنسانية أو بيئية.

وطالب الأهالي بحلول عاجلة لمدينة زليتن «المنكوبة»، وأكدوا في بيان أن «الكارثة تزداد بشاعة بشكل سريع كل يوم»، مُحملين الجهات الحكومية سلامة سكان المدينة، البالغ عددهم 350 ألف نسمة وأوضح الأهالي أن «ما حصل للطفل غسان، الذي تعرض للغرق أمام منزله في إحدى البرك، وهو حاليا في العناية المركزة، خير دليل على حجم الكارثة».

وأضاف أهالي زليتن في بيانهم : «لم نلحظ أي خطوات عملية على أرض الواقع أو استجابة فعلية من اللجان المكلفة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية منذ تشكيلها يوم 17 يناير 2024 حتى الآن»، مشددين على أن ما يقولونه «ليس تضخيماً أو تهويلاً، ولكن هذه هي الحقيقة على أرض الواقع»، وحملوا «الجميع مسؤولية سلامة سكان المدينة».

من جهته، قال مدير مديرية شؤون الإصحاح البيئي بالمنطقة الوسطى، محمد أبوقميزة، إن ارتفاع منسوب المياه الجوفية في مدينة زليتن لا يزال كما هو عليه على الرغم من استمرار عمليات الشفط وردم البرك والمستنقعات.

أبوقميزة أوضح أن الحلول الحالية كلها موقتة وليست جذرية، مشدداً على ضرورة علاج هذه الأزمة البيئية.

ولفت إلى عقد اجتماع تقابلي مع الخبراء من جامعة طرابلس، بحضور مختصين وعميد البلدية مفتاح حمادي، لتقييم المشكلة وإيجاد الحلول وتوفير آليات التنفيذ والبدائل لهذه الإشكالية التي تواجه المدينة.

المياه الجوفية.. كارثة قد تبتلع زليتن

وكشف تحقيق لقناة الوسط مظاهر كارثة ارتفاع منسوب المياه الجوفية في زليتن، وسط هلع السكان في مناطق عدة من زليتن بسبب الكارثة البيئية التي تهدد بغرق المنطقة في مياه ارتفع منسوبها لفوق السطح في ظاهرة غير معتادة.

ورصدت كاميرا القناة مظاهر التشقق التي أصابت المنازل وبرك المياه، واستمعت إلى أحاديث المواطنين، لسرد معاناتهم التي لا يُعرف حتى الآن مصيرها، بينما لا يزال جريان المياه يملأ الشوارع.

عدد من الأهالي تحدث عن الظاهرة المستمرة منذ سنوات، ولكن بدرجات أقل حدة، وموت النباتات والزراعات، خاصة في وسط المدينة، واتجاه المياه الجوفية اتجاهاً أفقياً نحو الشمال الغربي للبلدية، وبالتالي هجرة السكان طواعية مع ارتفاع منسوب المياه لمسافة تصل إلى متر ونصف المتر.

أيضا تحدث خبراء ومسؤولو بلدية زليتن عن أسباب الظاهرة التي ترجع إلى مياه الصرف الصحي والأمطار الغزيرة والآبار، فضلاً عن كون منطقة كانت زراعية وتستهلك كميات كبيرة من المياه، وأصبحت حاليا سكنية، مع عدم وجود منظومة صرف صحي أو تصريف الأمطار.

أسباب ارتفاع منسوب المياه الجوفية

وفي 18 يناير الماضي، أكدت بلدية زليتن استمرار ارتفاع منسوب المياه الجوفية بعدة مناطق في المدينة على الرغم من محاولات الاحتواء الجارية منذ مطلع الشهر الماضي، بينما يرجح جيولوجيون أن يكون سبب الظاهرة ناجماً عن تدفق المياه العذبة من إحدى الطبقات الأرضية.

وقال مدير مكتب الإعلام في بلدية زليتن، إسماعيل الجوصمي، لـ«الوسط»: «المدينة تعاني كارثة بيئية، ولا توجد حلول جذرية للمشكلة حتى هذه اللحظة»، موضحاً: «منسوب المياه لا يزال مرتفعاً، وعمليات شفط المياه لا تزال مستمرة».

وأضاف أن البلدية طالبت الدولة بتكليف لجنة استشاريين متخصصين بدراسة هذه الظاهرة، ووضع حلول مناسبة لها وتنفيذها، خاصة أن هناك العديد من المواطنين متضررون من هذه الكارثة البيئية، وانتشار المستنقعات والبعوض والحشرات الضارة.

وأشار الجوصمي إلى أن هناك «جيولوجيين ليبيين يعملون في شركات نفطية استعانت بهم البلدية، وقدموا تقريرا يوضح أن هذه المياه تنبع من طبقة تبعد 600 متر عن مستوى سطح الأرض، وتحتوي على مياه عذبة تندفع من أسفل إلى أعلى».

وأكد أن البلدية شكلت لجنة من أجل حصر الأضرار بعدما اضطرت بعض العائلات إلى مغادرة منازلها منوهاً بأن هناك منازل أخرى قد يجرى إخلاؤها من السكان في حال تطلب الأمر ذلك.

 

 

المصدر: بوابة الوسط

التاريخ : 5/2/2025

-------------------------------------

المصدر: صحيفة المرصد

التاريخ : 5/4/2025

المقالات الأخيرة